الصيام لم يفرض على المسلمون فقط بل على جميع الامم صيام في الأمم السابقة

قال الله تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( البقرة: 183 ).

يرجع تشريع الصيام في الدين إلى تعبد الله به لعباده وفرضه عليهم، لم تخل من ذلك شريعة شرعها الله لهم، ويرجع أهل التاريخ بداية تشريع هذه الفريضة إلى عهد نوح النبي عليه السلام فيقولون إنه أول من صام رمضان لما خرج عليه السلام من السفينة، ومن المرجح أن فريضة الصيام قد عرفت قبل هذا التاريخ لما روي عن مجاهد بن جبر المفسر التابعي المعروف وأحد النجباء من تلاميذ ابن عباس رضي الله عنهما أن الله عز وجل كتب صوم رمضان على كل أمة ومعلوم أنه كان قبل نوح عليه السلام أمم وأجيال شغلت الزمان منذ نبي الله آدم عليه السلام [1].

ويختص الصيام من بين الفرائض والشعائر الدينية المتعبد بها بشرف إضافته إلى الله تعالى ونسبته إليه، وتفرده بعلم مقدار ثوابه عظم فضله لبعده عن الرياء والشهرة وخفائه عن الناس، وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة التي ذكرها الأئمة ومنها ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل قال: " يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " [2] وإنما خص الصوم بذلك وإن كانت العبادات كلها لله سبحانه وتعالى، لما أشرنا إليه من مباينة الصوم سائر العبادات والشعائر في كونه سرا بين العبد وربه لا يظهر إلا له فكان لخفائه عن الناس، بعيدا عن شبهة الرياء والسمعة، فاستحق بإخلاص صاحبه لله اختصاصه به وإضافته إليه دون سائر العبادات.

والمتتبع لفرائض الله على عباده وما تعبدهم به يلمس وجوهها من المنافع والمصالح التي تنصلح بها أحوال العباد ويتحقق بها فوزهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ففي الإمساك عن الأكل والشرب تسكين للنفس وقهر لشهواتها وكسر لسورتها في الفضول المتعلقة بالجوارح، وإرجاع لها عن الاسترسال في اللذات والشهوات، وسمو بروح الإخلاص والتحلي بالفضائل، والتعود على الصبر والثبات على المكاره واستشعار النفس الحاجة الدائمة إلى ربها وخالقها، أما إذا استرسل المرء في أكله وشربه، فإنه يفقد كثيرا من هذه المعاني، حيث تنبسط نفسه إلى الشهوات وتضعف إرادتها ومقاومتها أمام المغريات، و لهذا جاءت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هادية ومرشدة في هذا الباب، حيث قال فيما يرويه عن ربه: " الصيام جنة، يترك أي أحدكم طعامه وشرابه وشهواته من أجلي " [3] وقال: " من استطاع الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " [4].

وفي الصوم إعانة على إنفاذ الفكر وإنفاذ البصيرة وصفاء القلب ورقة الشعور والإدراك وتزكية النفس وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، وبالصوم يطب الجسم ويتخلص من سمومه وأدوائه إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة والكثيرة التي تؤدي في عمومها إلى تقوى الله عز وجل قال تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( البقرة: 183 )، وقال صلى الله عليه وسلم: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " [5] و يقول ابن القيم مبرزا حكمة الصوم و المقصود منه: " المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به في حياتها الأبدية فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمتقين " [6].



كيفية صيام السابقين:


تلك كانت حكمة الصوم والأهداف المقصودة منه كما كشفت عنها آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي هي الأصل في مشروعية الصوم وتعبد الله لسائر الأمم به، ومن الملاحظ أن آية سورة البقرة سالفة الذكر لم تشر في وضوح إلى كيفية صيام الأمم السابقة أو مقدار هذا الصوم وزمانه وإن كانت قد أشارت في إجمال إلى فرض الله له على السابقين، وقد فرض الله على الأمة الإسلامية على نحو من فرضيته له على من سبقها من الأمم، وهكذا لا يدل ظاهر الآية القرآنية على أكثر من فريضة الصيام ووجوبه، إذ ليس شيء في ألفاظ الوجوب أصرح من قول الله تعالى ] كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ (البقرة: 183) فقد كان الصوم مكتوبا ومفروضا عليهم، ومثل كتابته وفريضته عليهم كتب وفرض على المسلمين، أما أحاديث الباب، فتدل - كما سنعرف قريبا - على مشروعية الصيام للأمة الإسلامية.

وللأمم السابقة من لدن آدم عليه السلام، وأن لأمتنا الإسلامية الأسوة والقدوة في شريعة الصيام بالأمم المتقدمة حيث لم يكن تشريعه خاصا بها دون من سبقها.

ومن هنا فقد توقف الفقهاء والمفسرون طويلا أمام هذه المسألة ليكشفوا لنا عناصر الشبه بين صيامنا وصيام من كانوا قبلنا تلك العناصر التي عناها الله بقوله ] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ ( البقرة: 183) فهل يقف التشبيه عند حدود أصل الفريضة والوجوب أم يتعداها إلى زمن الصوم وقدره ووصفه أو كيفيته؟

وبعبارة أخرى: إذا كان الصيام عبادة قديمة فهل كان مفروضا واجبا فحسب وجوبه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم دونما نظر إلى وجوه أخرى كزمنه وقدره وكيفيته أم أنه كان في وقت محدد وشهر مخصوص وكيفية محددة ؟ وإذا كان تشريع الصيام لهذه الأمة على هذا النحو الأخير فهل بقي تشريع الله لهم على ذلك النحو أم غير فيه السابقون وبدلوا من عند أنفسهم ؟

ويرى ابن العربي أن التشبيه في الآية الكريمة مقطوع به في الفريضة وأصل الوجوب ولكنه محتمل في غير هذا من الزمن والقدر والكيفية، فقد يحتملها جميعا وقد يحتمل بعضا منها دون غيرها، ثم استشهد لكل من هذه الاحتمالات الثلاثة في التشبيه من الآثار والأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك [7] أما ما رآه ابن العربي مقطوعا به في الشبه بين الصومين وهو أصل الوجوب فقد فاته الاستشهاد له وهو ما نجده عند غيره فيما روي عن ابن عباس و معاذ بن جبل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا عن عطاء و الضحاك من التابعين أن الصيام فرض علينا أولا كما كان عليه الأمم قبلنا من كل شهر ثلاثة أيام، وزاد بعضهم يوم عاشوراء، قالوا: ولم يزل هذا مشروعا من زمان نوح إلى أول الإسلام حتى نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان، قال معاذ بل كان نسخه بأيام معدودات ثم نسخه الأيام المعدودات بشهر رمضان، ومما قالوه هنا أن صوم آدم عليه السلام كان أيام البيض وصوم موسى وقومه كان يوم عاشوراء، وكان على كل أمة صوم والتشبيه لا يقتضي التسوية من كل وجه، وعلى هذا فالتشبيه على أصل الوجوب لا في القدر الواجب ولا في صفته ولا في زمنه.

ويمكن الاستئناس لهذا الرأي بما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: " لما قدم المدينة وجد الناس يصومون عاشوراء فقال: ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى عليه السلام وأغرق فيه فرعون، فقال: نحن أحق موسى منكم فصامه وأمر بصيامه "، فكان هو الفريضة حتى نزل رمضان، فقال صلى الله عليه وسلم: " هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه من شاء صامه ومن شاء أفطره " [8].

ولعل ما يفيد هنا ويقطع بأن التشبيه بين الصومين واقع على أصل الفريضة دونما اعتبار للقدر والكيفية والزمن وذلك الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد عن معاذ بن جبل والذي تبين منه أحوال الصلاة والصوم وتدرج الشريعة الإسلامية في إرسال أحكامها وسبب نزول آيات الصيام قال:


أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال... إلى أن قال: أما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام فصام سبعة عشر شهرا من ربيع الأول إلى رمضان أي على ذلك وصام يوم عاشوراء.

ثم إن الله عز وجل فرض عليه الصيام فأنزل الله ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( البقرة: 183 ) حتى قوله: ] وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [ ( البقرة: 184 ) قال: فكان من شاء صام، و من شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى: ] شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [ ( البقرة: 185 ) قال: فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام، فهذان حالان.

قال: وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا حتى جهدوا فأنزل الله عز وجل ] أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [ ( البقرة: 187 ) [8].

ويرى جماعة من التابعين منهم الشعبي و قتادة و مجاهد و الحسن أن التشبيه بين الصومين قائم من جميع الوجوه متضمن لأصل الفريضة وقدرها ووقتها، وزاد السدي و أبو العالية و الربيع وقوع التشبيه على صفة الصوم أيضا الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح، قال القرطبي في جامعه عن رأي هؤلاء وما قالوه: عن الشعبي وقتادة وغيرهمنا أن الله تعالى كتب على قوم موسى و عيسى صوم رمضان فغيروا، وزاد أحبارهم عليهم عشرة أيام ثم مرض بعض أحبارهم فنذر إن شفاه الله أن يزيد في صومهم عشرة أيام ففعل، فصار صوم النصارى خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الربيع، واختار هذا القول النحاس وقال: وهو الأشبه بما في الآية، وقال مجاهد: كتب الله عز وجل صوم شهر رمضان على كل أمة.

قال القرطبي: وفيه حديث يدل على صحته عن دغفل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان على النصارى صوم شهر فمرض رجل منهم فقالوا لئن شفاه الله لنزيدن عشرة ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فه فقالوا لئن شفاه الله لنزيد سبعة ثم كان ملك آخر فقالوا: لنتمن هذه السبعة الأيام ونجعل صومنا في الربيع قال فصار خمسين.

وقيل إنهم أخذوا بالوثيقة فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، قرنا بعد قرن، حتى بلغ صومهم خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي، قال النقاش: وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة و الحسن البصري والسدي، قلت: ولهذا والله أعلم كره الآن الصوم يوم الشك قال الشعبي: لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل الشمسي، لأنه قد كان يوافق القيظ فعدوا ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الآخر يستن بسنة من كان قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فلذلك قوله تعالى ] كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ ( البقرة: 183 ) [9].

وعند ابن كثير من رواية عباد بن منصور عن الحسن قال: والله لقد كتب الله الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا، وعن ابن عمر مرفوعا قال: " صيام رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم ".

ولعل أوضح رواية في ذلك التغيير والتبديل الذي وقع من النصارى ما أخرجه الطبري بسنده عن السدي و نقله ( صاحب الدر المنثور ) في قوله تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ [ ( البقرة: 183 ) قال: أما الذين من قبلنا فالنصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ولا ينكحوا النساء شهر رمضان، فاشتد على النصارى صيام رمضان وجعل يتقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا الصيام في الفصل بين الشتاء والصيف وقالوا نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعن فجعلوا صيامهم خمسين [10].

ويشبه صوم النصارى وما فرض عليهم قبل تبديلهم صوم المسلمين في حالهم الثاني الذي كانوا عليه قبل الحال الأخير وهو ما وردت الإشارة إليه قبل في حديث معاذ الذي أخرجه الإمام أحمد بن حنبل، ولهذا قال السدي و أبو العالية و الربيع إن التشبيه بين الصومين في الآية كما هو واقع على القدر والزمن فهو واقع على الكيفية والصفة أيضا، وقد كان على النصارى الامتناع من الأكل والشرب والنكاح فإذا حان الإفطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام منهم، وكذلك كان أمر المسلمين أول الإسلام إلى أن نسخ ذلك بقوله تعالى: ] أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [ (البقرة: 187)

بعد ما حدث من أمر أبي قيس بن صرمة و عمر بن الخطاب فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر وكان هذا تخفيفا من الله على المسلمين وخروجا بهم مما ضيقوا على أنفسهم بتشريع ميسر لا كما خرج النصارى بتبديلهم وتحريفهم شريعة الله وقدرها وكيفيتها.

والروايات الدالة على ذلك كثيرة منها ما جاء في صحيح البخاري عن البراء قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما وفي رواية كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها: أعندك طعام ؟ قالت: لا، ولكن انطلق فاطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: ] أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [ ( البقرة: 187 ) ففرحوا لما أحل الله لهم ما كان محرما ونزلت: ] وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْر [ ( البقرة: 187 ) [11].
وفي البخاري أيضا عن البراء قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم فأنزل الله تعالى ] عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [ ( البقرة: 187 )

وذكر الطبري: أن عمر رضي الله تعالى عنه رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمر عنده ليلة فوجد امرأته قد نامت فأرادها فقالت له: قد نمت، فقال لها: ما نمت، فوقع بها، وصنع كعب بن مالك مثله فغدا عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتذر إلى الله وإليك فإن نفسي زينت لي فواقعت أهلي، فهل تجد لي من رخصة ؟ فقال لي: " لم تكن حقيقا بذلك يا عمر " فلما بلغ بيته أرسل إليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن.

وهكذا نجد أن هذا الحال من صوم المسلمين الذي نسخه الله وأبدلهم به حلا للطعام والشراب والنساء حتى الفجر كان هو نفسه الحال والكيفية التي شرعها الله لمن قبلنا في صومهم فأحالوا شرع الله وغيروا وبدلوا، وخفف الله على المسلمين وأبدلهم بهذا الحال حالا آخر يسر لهم فيه من أمرهم، وبذلك تكون المشابهة بين صوم المسلمين وصوم الأمم السابقة التي جاءت في قوله تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ( البقرة: 183 ) قائمة من جميع وجوه الصوم في قدره وزمنه ووصفه أو كيفيته.