كم أجورًا ضيّعتها يوم نِمْت عن صلاة الفجر؟ كم حسنات ضيّعتها يوم سهوتَ عن صلاة الفجر

أو أخّرتها؟ كم مِن كنوز فقدتها يوم تكاسلت عن صلاة الفجر؟

ألَم تعلم أنّ صلاة الفجر تعدل قيام ليلة كاملة، قال صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن صلّى العشاء في جماعة فكأنّما قام نصف الليل ومَن صلّى الصبح في جماعة فكأنّما قام الليل كلّه'' رواه مسلم.

ألَم تعلَم أنّ الحفظ في ذِمّة الله ثواب من الله لِمَن صلّى الفجر، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن صلّى الصبح فهو في ذمّة الله'' رواه مسلم. نعم؛ إنّها ذمّة الله وليست ذمّة مَلِك من ملوك الدنيا، إنّها ذمّة ملك الملوك وربّ الأرباب وخالق الأرض والسّماوات ومَن فيها، إنّها ذمّة مَن وَصَف نفسه فقال: {سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} يونس: .68

وهذه أمور لأهل الهمّة وقبول النّصيحة، تساعد على أداء صلاة الفجر في جماعة:

أوّلها: نِم مبكرًا واترك السهر، فنبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أخبرنا أنّ الجسم له حق علينا، فإنّ إطالة السهر لها تأثير على صحّة الإنسان، والنوم المبكر خير والكلام بعد صلاة العشاء ورد النهي عنه من نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، إلاّ ما استثناه الدليل من مُسامرة الزوج زوجته والجلوس مع الضيف، ومدارسة العلم، أمّا إذا خشي فوات صلاة الفجر فلا يجوز.

ثانيها: احرص على آداب النوم، كالنوم على طهارة وأداء ركعتي الوضوء، والمحافظة على أذكار النوم والاضطجاع على الشق الأيمن ووضع الكف الأيمن تحت الوجه، وقراءة المعوذتين في الكفين ومسح ما استطعت من الجسد بهما، وغير ذلك من الآداب، وادع الله أن يوفّقك للقيام.

ثالثها: ابذُل الخير تحصد الخير؛ فمَن قام عقب أداء طاعة من صلة رحم أو بر والدين وإحسان إلى جار أو صدقة سر أو سعي في حاجة مسلم، كافأه الله بأن يكون ممّن يشهدون الفجر.

رابعها: عدم الإكثار من الأكل والشرب، فإنّ كثرة الأكل تولد ثقلاً في النّوم، بل حتّى الطاعة تقل والخشوع يذهب، لأنّ مَن أكل كثيرًا شرب كثيرًا فتعب كثيرًا فنام كثيرًا فغفل كثيرًا فخسر كثيرًا.

خامسها: ابتعد عن المعاصي في النّهار كي تستطيع أن تقوم للصّلاة، وذلك بحفظ الجوارح عمّا لا يحل لها بالبعد عن النّظر الحرام، وكذلك اللسان والسّمع وسائر الأعضاء، فمَن نام على معصية ارتكبها من غيبة مسلم أو خوض في باطل أو نظرة إلى حرام أو أخلف وعدًا أو أكل حرامًا عوقب بالحرمان من شهود الفجر، لأنّ مَن أساء في ليله عوقب في نهاره، ومَن أساء في نهاره عوقب في ليله.

سادسها: لا تنسى عاقبة الصبر، فمَن عرف حلاوة الأجر هانت عليه مرارة الصبر، والعاقل الفطن له في كلّ ما يرى حوله عبرة، فمَن سهر الليالي بلَغ المعالي، ومَن استأنس بالرقاد استوحش يوم المعاد، ألاَ إنّ سلعة الله غالية، ألاَ إنّ سلعة الله الجنّة.

فكُن من رجال الفجر، وأهل صلاة الفجر، أولئك الذين ما إن سمعوا النِّداء يدوي: الله أكبر؛ الله أكبر.. الصّلاة خير من النوم، هبُّوا وفزعوا وإن طاب المنام، وتركوا الفرش وإن كانت وثيرًا، ملبين النِّداء، فخرج الواحد منهم إلى بيت من بيوت الله تعالى وهو يقول: ''اللهم اجعل في قلبي نورًا، وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا''، فما ظنُّك بمَن خرج لله في ذلك الوقت لم تخرجه دنيا يطلبها ولا أموال يريدها. أسأل الله أن يوفّقنا لطاعته وأن يبعدنا عن معصيته.