أمور تعين على صلاح القلب


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين، وناصر المستضعفين، والمنتقم من الظالمين، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى آله وذريته الطيبين الطاهرين، صلى الله عليه، إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، الشافع المشفع، وصاحب لواء الحمد والمقام المحمود، صلى الله عليه صلاة دائمة ما تتابع الليل والنهار، وعمل الأبرار والفجار، صلى الله عليه صلاة دائمة إلى يوم الدين.......


الخلوة
عباد الله: إن من الأمور التي تعين على إصلاح القلب وإخفاء العمل الخلوة المشروعة، فلا بد للعبد أن يكون له مجالس يخلو فيها بذكر ربه، وتعداد ذنوبه، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وطلب المغفرة من ربه. قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته وتفكره ومحاسبته، قال طاوس رحمه الله: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه. إذا أراد الإنسان تحقيق علم أو عمل فتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على الجمعة والجماعة؛ فهذا حق كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، ومن أجل ذلك شرع الاعتكاف؛ لقطع النفس عن العلائق والانشغالات الدنيوية حتى يصفو القلب ويتهذب، لكن ليست خلوة صوفية في كهف من الكهوف أو برية من البراري ينقطع الإنسان بها عن المجتمع وعن المسجد، وعن الجمعة والجماعة، وعن تعليم الناس وإنكار المنكر.. كلا، بل هي خلوة وقتية يخلو في بيته، أو يخلو في بيت الله معتكفاً يحاسب نفسه، لا بد من خلوة (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) فهو من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله. وجرب -يا عبد الله- مسألة الخلوة هذه، في مكتب أغلق عليك، أو في حجرة في بيتك، اعبد ربك واذكر ذنبك، وحاسب نفسك، واستغفر الله تعالى؛ تجد لها أثراً ولابد. الخلوة مسألة مهمة في إصلاح القلب، ومن فقد أنسه فقد الخشوع والأنس بالله، فقد مظاهر الإيمان، من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف، ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول مريض، الذي لا يجد الخشوع إلا بين الناس، فإذا خلا بنفسه لا يجد خشوعاً؛ فهذا مريض، ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجد في الخلوة وبين الناس حلاوة الإيمان والخشوع والخوف من الله فهو المحب الصادق القوي، وليتنا هكذا! ومن كان هذا حاله في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان لا يستشعر الإيمان إلا إذا جلس مع الناس لم يكن مزيده إلا معهم، ومن كان يجد تلك الحلاوة في أي مكان كان فهذا عبد الله حقاً حقاً


مراقبة الله
ومما يعين على إصلاح القلب مراقبة الله: يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19].. وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الحديد:6] سئل بعض السلف: بم يستعان على غض البصر؟ وما أحوجنا إليه في هذا الزمان، ما أكثر النساء المتبرجات! ما أكثر العيون المكحلة! ما أكثر هذا النقاب الفاضح، والشفاف من اللباس والقصير والضيق والصور المتحركة الحقيقية في الشوارع والمطبوعة على الأغلفة! ما أكثرها!! سئل بعض السلف: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور. فإذا علمت أن نظر الله إليك أسرع وأسبق من نظرك إلى المرأة ربما استحييت وأطرقت وغضضت من بصرك.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني




الحياء من الله

عباد الله:
إن الاستحياء من الله عز وجل دافع لترك المعصية، إنه يصلح القلب. ومن أسباب صلاح القلب: أن يتذكر العبد المساءلة بين يدي الله عز وجل. هذه الوظائف وهذه الشهادات وهذه الجامعات، وهذه القصور والبيوت، وهذا النعيم إنما هو زائل وسوف نغادر، والنبي عليه الصلاة والسلام شبهه برجل استظل في ظل شجرة ثم راح وتركها، فهو ظل زائل، وفي الجنة ظل ممدود لا يزول ولا ينحسر. عباد الله: إن قضية الاشتغال بإصلاح القلب هو من نهج السلف رحمهم الله تعالى، ولكن فات ذلك على كثير منا؛ فينبغي أن نبادر ونسرع بإصلاح ذلك. اللهم يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة ولا يهتك الستر، نسألك اللهم أن تمن علينا بسترك الجميل، وفضلك الجزيل، اللهم اجعل سريرتنا خيراً من علانيتنا، واجعل علانيتنا حسنة، اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض ولا تفضحنا بين الخلق. اللهم إنا نسألك الإيمان والعفو عما سلف وكان، يا رحيم يا رحمن! اللهم انصر المسلمين، واخذل أعداء الدين، وانشر السنة في العالمين، وارفع لواء الجهاد في الأرض إنك أنت الذي تنصر المستضعفين يا رب العالمين! اللهم آمنا في أوطاننا وبيوتنا، اللهم أصلحنا وأصلح شأننا وتب علينا، اللهم آمنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور!