الألم عدو أم صديق
من منا لا يحاول التخلص من الألم فور الإصابة به فعندما نتألم تتجهم وجوهنا وتتكدر مزاجاتنا وتتوتر نفسياتنا فإما نصاب بالإحباط وننزوي بعيداً أو نصب غضبنا على الآخرين صارخين بهم "ألا تعرف كم أتألم".
والجواب البديهي هو أن الألم عدو لنا يجب أن نحاربه. هذا طبعاً إن لم تكن بوذياً يؤمن أن الألم ينقي روحه ويوصله إلى الفردوس "النيرفانا". فنجد الإنسان العادي الذي يصاب بالألم يهجم على الصيدلية هجوم الأشاوس لترتعد له فرائس الصيدلاني حين يسمع "أريد علبة سيتامول" أو يغير على عيادة الطبيب ويحصره في الزاوية قائلاً له "خلصني من الألم يا دكتور" أو "الألم سوف يقتلني".

وعندما يتناول حبة الدواء تحدث معجزة المعجزات ويختفي الألم ويشفى المريض وتعم الأفراح والليالي الملاح ربوع قطرنا الحبيب وتظهر الزهور والفراشات والعصافير.

ليت الموضوع كان بهذه البساطة لكان أفضل علاج في الكون هو الأفيون فلا يوجد مرض في العالم إلا ويختفي ألمه باستخدام الأفيون وفوق كل هذا يكون المريض سعيداً ومنتعشاً ويحلق في عالم مجنون ولا يهم إن كان المريض مصاباً بجلطة قلبية تسبب موتاً لقلبه أم مصاباً بسرطان في الدماغ أو مصاباً بعدوى من كمية هائلة من الجراثيم تأكل رئتيه أو أحشاءه.

إن الألم هو وسيلة الجسم في إنذار دماغنا بحدوث مشكلة ما فمثلاً: عن الصداع الذي يصيب الإنسان قد يدل على وجود نقص في المياه في الجسم مما يجعل الدماغ يستغيث طلباً للمياه أو قد يكون بسبب ارتفاع في ضغط الدم فتضغط أوعية الدم المنتفخة على الأعصاب مسببة الصداع الشديد أو قد يكون بسبب التهاب في الجيوب الأنفية أو في الأذن تسببه الجراثيم والفيروسات التي تحاول احتلال الجسم في حين أن الجسم يدافع عن نفسه لدرجة يصل صوت هدير المعركة إلى مسامع الدماغ مسبباً صداعاً شديداً.

لا يوجد صداع بدون سبب فكل صداع له سببه واستخدام مسكن الألم مشابه لسد أذنيك بالقطن كي لا تسمع صرخات الاستغاثة فلا تعرف ماذا يحدث ولا تعرف ماذا عليك أن تفعل.

إن استخدام مسكنات الألم تمنع الدماغ من الإحساس بالمشكلة لكنها لا تحل المشكلة وكل ما تفعله هو إخفاؤها عن الدماغ لفترة قصيرة، وفي هذه الفترة القصيرة يحل الجسم المشكلة وحده فيختفي الألم تماماً ويقول المريض لنفسه "إن حبة المسكن هي من حلت مشكلته"، وإن لم تحل المشكلة لوحدها سيعود الألم ويطلب المريض حبة مسكن إضافية.

لا يمكن اعتبار الألم هو المشكلة الرئيسية من الناحية الطبية ولكن الطبيب مجبر أن يخفف ألم المريض من الناحية الأخلاقية إن استطاع ولكن هذا ليس ممكناً دائماً، فمثلاً يحدث أن يأتي مريضاً يعاني من ألم شديد في بطنه فيتركه الطبيب دون أن يعطيه مسكناً للألم، ففي مثل هذه الحالة يجب على الطبيب أن يراقب حالة المريض ليتأكد من أنه غير مصاب بالتهاب الزائدة الدودية، وإن أعطاه أي مسكن للألم لن يحس المريض بالألم الصاعق المرافق لانفجار الزائدة الدودية مما قد يؤدي لموت المريض. لهذا السبب ليس الألم هو عدو المريض ولكن عدوه هو سبب المرض الأساسي وينسى كثير من الأطباء هذا الموضوع فيكتفون بإعطاء مسكنات الألم وبعض الأدوية العامة دون البحث الدقيق عن أسباب المرض. فمثلاً نشاهد أطباء المفاصل يعطون مرضاهم كميات كبيرة من مسكنات الألم المتنوعة قائلين "هذا هو علاج الروماتيزم"، لكن آلام المفاصل لا تعالج بالمسكنات فقط، فكما نشاهد عادة يكون سبب آلام المفاصل هو إنتانات جرثومية تصيب جهاز التنفس، وأغلب هذه الجراثيم تكون من نوع المكورات العقدية أو العنقودية. فتصوروا أن مريضاً يصاب بالتهاب لوزتين أو قصبات ولا يعالجه بشكل جيد فتبقى الجراثيم حية مسببةً إنتاج كميات كبيرة من السموم، كما تسبب اضطراباً في دفاعات الجسم ونتيجة لهذا يهاجم الجسم كل شيء ويدمره محاولاً اكتشاف الجراثيم المختبئة، فدفاعات الجسم تشبه دباً ضخماً يشم رائحة العسل في المطبخ، ولكنه لا يعرف في أي خزانة، فيقوم بتكسير كل الخزائن بشكل عشوائي، وأحد الأهداف لهذا التدمير العشوائي هي المفاصل التي تتآكل أو تصاب بآلام شديدة، وبدل أن يعالج الطبيب الالتهابات الجرثومية يكتفي بإعطاء مسكنات لا تفيد كثيراً في حل المشكلة ويعود الألم مجدداً أقوى مع الأيام.