من روتين الحياة المعاصرة في مجتمع العمل والبيت والاسرة ، اضطرار الناس ، غالبا الى الاحتكاك ببعض الاشخاص الذين قد يصدر عنهم تصرفات او كلمات جارحة ، اذ يحدث ان نواجه بعض المواقف التي نتلقى فيها اهانة واضحة . ونقف عاجزين في لحظة الاهانة عن الكلام، ويتعطل العقل لاستيعاب ما حدث ، ومن ثم نبدأ بالتفكير في الرد على هذه الاهانة .

الى أي مدى تؤثر فينا الاهانة ، وكيف تكون دافعا لنا للتقدم والنجاح لا للانكسار والخضوع ؟!!

سامر حينا (28 عاما ) يقول في حياتنا اليومية نمر بالكثير من نقاط السخرية والتحدي من الاخرين ، والتي تصل احيانا للاهانة ، وبرأيي عادة تكون لسببين اما للسخرية واستصغار الشخص ، واما بسبب الغيرة والحسد ، وفي كلتا الحالتين لا اظهر اهتماما لمثل هذه التصرفات على شكل ظاهر ، لكنني اعمل بصمت لاثبت عكس ما يقال عني ، والحمدلله حتى هذه اللحظة استطيع ان اسكت أي صوت يحاول السخرية مني او اهانتي .

الاخصائيون الاجتماعيون يرون ان الاهانة تأخذ عدة اشكال فمنها ، السخرية من عيوب الشخص ونقائصه الجسدية والعقلية والتحقير فيه ، او تشبيهه بمخلوقات الله الادنى ، او اتهامه في عقله وامانته وكرامته ، وتصل احيانا الى الشتم والسب والضرب.

الشابة سلمى موسى ترى ان: الاهانة تؤثر في نفسية كل شخص فينا ، وانا شخصيا لا احب الاهانة مهما كانت ومن من كانت، ولا اتقبلها ابدا ، فقد اشعر بالخجل الشديد والاحراج ، وربما في بعض الاحيان ابكي ، وتكون صدمة لي ، لا انساها طيلة حياتي ، وحتى لو عرف الشخص الذي اهانني خطأه وقدم اعتذاره فإنني لا اسامحه ابدا .

يوسف ملحم (33 عاما) يعترف انه احيانا تخونني شدة صبري لبعض الاهانات ، وافكر بالسير على مبدأ السن بالسن ، والعين بالعين ، والبادئ اظلم ، ولا افكر في عواقب الامور ويكون همي الوحيد هو الرد على هذه الاهانة ، بغض النظر عن الطريقة ، حتى اصبحت اشغل تفكيري بتوافه الامور ، لكنني قررت ان افرغ كل شعور احس به بعد أي اهانة موجهة لي خاصة اذا كانت تافهة ومن شخص لا يقدر الامور، بتركيزي على عمل انجزه واثبت انني اكبر من أي اهانة موجهة لي.
ويؤكد الخبراء انه ليس كل اهانة هي اهانة ، وليس كل اهانة مقبولة ، حيث انها نسبية الى حد ما ، وتختلف في تأثيرها على الفرد ، بدرجة تقييمه لما ورد بالموقف المقصود به الاهانة ، ومدى تصوره في عمق ذاته عن هذا التصرف ، وما اذا كان من وجهة نظره اهانة حقيقية ام لا ، فبعض الافراد تكون درجة حساسيتهم تجاه المواقف والتصرفات اكبر من غيرهم .

من جهتة يعتقد احمد هاكوز انه ليس كل موقف محرج يعتبر اهانة ، كما يعتبره البعض ، فربما يكون الطرف الاخر لم يقصد الاهانة ابدا ، ويبقى الاول يلومه ويعاتبه لانه اهانه بهذا التصرف ، ولكن الموقف لا يستدعي كل هذا الضجيج والانفعال ، فتتولد المشاكل وتكبر ، وكل هذا لسبب لا وجود له من الاساس ، وانما يكون مجرد سوء تفاهم او مزحة عابرة فقط .
سهير عيد (37 عاما) تقول عادة عندما اسمع من شخص ما كلمة تضايقني او تزعجني ، فإنني احاول ان اتجاهلها، فكثيرا ما نتعب انفسنا في الرد على كل شاردة وواردة من كلام الناس واحاديثهم ، لذا ترانا نخرج من جدال عقيم الى اخر ، فنستنفد طاقتنا بسبب تركيزنا في التفكير والرد ، لذا ارى ان التغافل والتجاهل المتعمد لبعض تصرفات من حولنا تريحنا كثيرا ، وادعو الى الترفع والتعالي عنها.

نديم الشاعر يقول ان بعض الاهانات توقظ في الانسان ما يخفيه من ابداع ، فهناك اهانات ليست بقصد التقليل من شأن الانسان ، ولكن ربما توقظ فيه ما يمتلكه من قوة خفية ، وتكون له طريقا موصلا للقمة ، بحيث يحول هذه الاهانة لصالحه ويوظفها بشكل ايجابي ليستفيد منها في حياته ومستقبله.

وتحذر دراسة كندية الاباء والمربين من الاساءة للطفل والسخرية منه واهانته ، فكثيرا منهم للأسف يسيئون الى أبنائهم عندما يخطئون فينعتونهم بصفات قبيحة ، من الصعب على الأطفال نسيانها فيما بعد ،بل هي تسري كالسهام المسمومة في تشكيل شخصياتهم لتعمل على اضطرابها وضعفها، وبالتالي يحذرون من تحقير شخصية الطفل عند انتقاده ولنركز حديثنا على ما فعله الطفل من تصرف خاطئ أو تقصير وحول ما كان يجب القيام به لكي يتفادى الخطأ ، حيث إننا بهذا الأسلوب البناء في الانتقاد سنساعد على تقوية ثقة أبنائنا بأنفسهم ،وسنجعلهم راغبين ذاتيا في تطوير شخصياتهم.
هيا ياسين ام لطفلين تقول يجب أن لا يستهين الوالدان بأطفالهم، فكل شيء ينعكس على شخصيتهم في المستقبل ، وعلينا ان لا نهينهم ابدا حتى لو اقترفوا بعض الاخطاء ، وان نجد الحلول المناسبة حتى لايكون اطفالنا ضحية عصبيتنا وقلقنا وتوترنا .
كثيرة هي المواقف المحرجة التي نتعرض اليها والتي نشعر فيها باستفزاز من الطرف الاخر ، والتي لا تحتاج في حقيقتها لاي رد بالمثل ، بل تحتاج الى التجاوز عنها ، فالحياة لا تستحق منا ان نضيعها في امر تافه ، او موقف عابر ، او كلمة قيلت في عجل ، فعندما يشعر الانسان بقيمته وقدره ، ويثق بنفسه ويحترم عقله ، سوف يبادر الى التعالي عن بعض الاهانات التي لا تمس كرامته ، لذا ما علينا الا ان نتعلم كيف نفكر بطريقة ايجابية.