بسم الله الرحمن الرحيم

قال الراوي :

وكان البيعُ على أشدّه في المدينة بعد وفاة نورها صلى الله عليه وسلم ..
قامت السوق على ساق من بائع وشاري ، ومن مستلم وقابض ، ومن كفيل ووكيل ، ..
لا تسمع إلا صوت التجّار كأنها هدير الجِمال ..
وإذا بالطيّب المطيّب ..ذاكرة عصر الوحي ، خفيف الظلّ ، المزّاح .. أبي هريرة رضي الله عنه ،
يصيح في أهل السّوق : يا أيها الناس .. يا أهل السوق .. أين أنتم ؟!
أنتم هنا .. تتبايعون وتَشارون وميراثُ محمد صلى الله عليه وسلم هناك يُوَزّع في المسجد ..!
قالوا : ماذا تقول ؟!!
قال : والله الذي لا إله إلا هو .. إني أتيتُ الآن من مسجدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد رأيتُ ميراثه يُوزّع الآن في المسجد ..
فسَمِعَ كلّ من في السوق كلامه .. وفيهم العامّة الذين لا يعرفون مقاصد الكلام ..
فأسرَعوا وتسابقوا إلى المسجد ، علّهم يُدركوا شيئاً من الميراث .. إمّا من الذهب والفضّة
أو من الدّراهم والدنانير أو بقيّة قطيعٍ من جِمال أو زَودٍ من غنم .. !
ووقف أبوهريرة رضي الله عنه لم يبرح مكانه ..
ووصلوا المسجد ودخلوا من أبوابه وإذا .. بِحَلَقةٍ للقرآن ، وحلَقة للتفسير ،
وحلَقةٍ للحديث ، وحلَقة للفقه ، .. فَتَعَجّبوا !! وولّوا مدبرين راجعين إلى أبي هريرة
مذهولين ،منزعجين ، غير مصدّقين ما بدَرَ من مزاح هذا الصحابيّ الجليل !و لسان حالهم
يَتسائل و يقول : هل يُعقل .. صاحبَ رسول الله يكذب .. ؟!
وعندما أتَوه .. قرأ في وجوههم التّعجب والغضب .. فقال لهم : ما لكم .. ؟
فقالوا : غَفَرَ الله لك يا أبا هريرة .. أين الميراث ؟!! قد أتينا المسجدَ ، فدخلنا فيه فلم نرَ شيئاً ممّا قُلتَ يُقسَم ..؟!
قال : وما رأيتم ؟ قالوا : رأينا قوماً يُصَلّون ، وقوماً يقرؤونَ القرآن ، وقوماً يَتَذاكرون الحلال والحرام .. !!
فقال لهم أبو هريرة : ويحكم ... ! فَذاكَ ميراثُ محمد صلى الله عليه وسلم .. لم يُوَرّث نَبيّكم درهماً ولا دينارا ..
ولا ناقةَ ولا جمل .. وإنّما ورّثَ العلم .. فمن أخذه فقد فازَ ورَبِحْ .

ممّا سمعت ..