سنوات طويلة مرت على الحادثة التي أنقذ فيها فلاح فقير طفل من الغرق، فبينما كان «فليمنج» الأب يرعى في حقله، انزلقت قدم أحد الأطفال في بركة مياه، ترك الرجل المحراث، وأسرع لينقذ الطفل، الذي تصادف أن يكون الابن الوحيد لوالده الغنى، «دعنى أرد لك المعروف وأعقد معك صفقة» هكذا أراد الوالد أن يرد «الجميل» للفلاح الفقير، فتعهد ابنه الصغير «الكسندر» بالرعاية، أرسله للمدرسة، ليثبت الطفل نبوغًا وتقدمًا في علم الأحياء، وعوضًا عن مستقبل بائس كان في انتظار الصغير في مجال الفلاحة، انضم مُراهقًا إلى جامعة مستشفى «سانت مارى» الطبية، ليتخرج منها شابًا يافعًا ويصبح علمًا من أعلام التاريخ.
هكذا، لعبت الصدفة الدور الأول في حياة «السير الكسندر فليمنج» مكتشف البنسلين، فالرجل المولود في مدينة «لوخفد» باسكتلندا، أكمل دراسته في «لندن» ليلتحق بالجيش في الحرب العالمية الأولى، ويتخصص في دراسة عدوى الجروح، وأثناء ممارسته لعمله كطبيب في الجيش، لاحظ أن المطهرات تؤذى خلايا الجسم أكثر مما تسببه للميكروبات من أذى، استمر في عمله حتى وضعت الحرب أوزارها، ليتجه إلى معمله لاستكمال دراساته وأبحاثه الخاصة.
في عام 1922، توصل «فليمنج» إلى اكتشاف مادة «الليسوزيم» التي يفرزها الجسم في صورة لُعاب ودموع، وتأكد من خواصها القادرة على قتل بعض الميكروبات، من هنا؛ بدأ الطريق، الذي وصل لنهايته عام 1928، فأثناء إجراءه تجارب على بكتيريا الهواء في طبق مكشوف فيما يعرف بمزرعة بكتيرية، حدث خطأ أدى إلى كشف ثورى، فقد ترك «الكسندر» الطبق عاريًا بعد الانتهاء من تجربته، وبعد مرور يوم وبضع ساعات؛ لاحظ العَالِم «بالصدفة» ذوبان البكتيريا وتسممها حول فطريات مزرعته، ليستنتج إفراز تلك الكائنات الدقيقة لمادة كيميائية قادرة على مقاومة الزحف الفطرى، غير أنه لم يستطع استخلاص تلك المادة التي أطلق عليها أسم «البنسلين».
بعد عامين، تمكن باحثان من بريطانيا من استخلاص تلك المادة، وبمساعدة من الحكومة الإنجليزية، بدأ إنتاجها على نطاق واسع، ليُطلق عليها العامة «المادة السحرية» القادرة على مداوة جرحى الحروب، وعلاج مجموعة من الأمراض القاتلة؛ والتى كانت تشمل في وقتها مرضى الزهرى والسيلان.
كنتيجة لاكتشافه المُذهل، حصل «فليمنج» على جائزة نوبل في عام 1945، ويُخلد اسمه في تاريخ العلماء الذين قادتهم الصُدف إلى اكتشافات ساهمت في تغيير وجه البشرية، وفي مثل هذا اليوم، 11 مارس، من عام 1955، توفى «السير الكسندر فليمنج» بعد أن أسدى للإنسانية خدمة التداوى بالعقار الذي لا زال يحتل مركزًا مرقوقًا في تصنيع الدواء حتى يومنا هذا.