التقدم في السن والشيخوخة يؤدي إلى حدوث عدد من التغيرات الفسيولوجية والنفسية في الصحة العامة، وكما تدخل النساء في سن اليأس فإن الرجال يعانون أيضا من آثار هذه السن، إذ أثبتت دراسات طبية نشرت حديثا أن تقدم الرجال في السن يترافق مع تغيرات في الخصوبة والقدرة الجنسية التي تعتبر من آثار الشيخوخة على الرجال والتي أطلق على هذه الحالة «سن اليأس الذكوري»!!

عندما نذكر مرحلة «سن اليأس» فإن المرأة أول ما يتبادر إلى الذهن، ولكن الدلائل تؤكد أن هذا المصطلح ينطبق على الرجل أيضا، وبرغم أن بعض الرجال لا يفضّلون تسميتها بسن اليأس، لأن مصطلح سن اليأس عند المرأة مشتق من يأسها من الحمل الولادة بانقطاع الطمث، ولكن من ماذا ييأس الرجل؟ إذ لا يوجد شيء يجعله ييأس في هذا العمر، لذا كان من الأقرب أن نسميها بـ «خريف العمر» و «أزمة ما بعد منتصف العمر» حيث أن سن اليأس النسائي يأتي متلصصا ويحدث عند المرأة تبدلات مفاجئة في نوع حياتها، بينما يأتي سن اليأس الرجالي بصورة تدريجية على مدى عقد من الزمن، ويزول من دون أن يحس به الرجل.

ويؤمن الأطباء اليوم بشكل واضح بالانحسار الهرموني عند الرجال في سن اليأس لكنهم يعرفون أيضا بأن هذا الاضطراب الهرموني لا يتم بالطريقة المباغتة التي يجري فيها عند النساء. والمشكلة هنا أن الباحثين قد أخضعوا سن اليأس عند النساء إلى دراسات مطولة وتفصيلية طوال العشرين سنة الماضية إلا أن الأبحاث في سن اليأس عند الرجال ما زالت محدودة.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن نسبة هرمون (التيستوستيرون) الذي تفرزه الخصيتان تبدأ بالانخفاض تدريجيا منذ سن الأربعين عند الرجل، وبنسبة 1-2% كل عام. وقد لا تنطبق هذه النسبة على كافة الرجال، إلا أن 25 % من الرجال من سن 60 – 80 عاما كأقصى حد، يعانون من أعراض نقص التيستوستيرون.

وأعراض الوصول إلى سن اليأس عند النساء سهلة التشخيص حيث أن العادة الشهرية تتوقف، على عكس الحال عند الرجال الذي يتطلب الأمر الكثير من الفحوصات كفحص الدم لمعرفة مستوى هرمون التيستوستيرون، وبالتالي فإن المشكلة قد لا يتم علاجها لكون الحالة صعبه التشخيص، كما المشكلة لا زالت في الظل لأن الرجال الذين يعانون من هذه الحالة لا يريدون الاعتراف بأن طاقتهم الجنسية لم تعد كالسابق.
لكن الأمر لا يقتصر على هذه الناحية فقط فانخفاض نسبه هذا الهرمون في الدم تؤثر على القوة العضلية والذاكرة عند الرجال، بل تتعدى ذلك إلى ضعف بنية العظام، ومن جانب آخر وفيما يتعلق بالأعراض فقد تبين أيضا أن الرجال يمكن أن يصابوا بنفس الأعراض التي تصاب بها النساء في سن اليأس والمتمثلة بالتعرق الغزير وسرعة دقات القلب والشعور بالتوهج في الوجه والجسم أو ما يعرف بالهبات الساخنة، إضافة إلى الإحساس بالوهن العام والميل إلى الهمود والكآبة.

وعادة لا يتوجه الرجل بسبب الخجل إلى الطبيب ليشكو تطورات سن اليأس لديه إلا بعد ظهور ضعف حالة الانتصاب لديه. هذا في حين أن الدراسات الحديثة ــ حسب رأي لونينفيلد ــ لم تثبت علاقة العجز الجنسي بانخفاض مستوى التيستوستيرون في الدم.
والسبب هو أن الجنس ليس غريزة تظهر بيولوجيا عند الإنسان بتأثير الهرمون الذكري فحسب، وإنما هو على علاقة وارتباط وثيقين بشخصية الإنسان وتكوينه، وعلى هذا الأساس فإن فقدان القدرة الجنسية ليس النتيجة المباشرة لتقدم العمر، إنما ــ وبشكل أشمل ــ هو انعكاس لموقف شخصي من الجنس أيضا.
وخلاف انخفاض مستوى الهرمون الذكري فهناك الكثير من المواد الأخرى التي تلعب دورا في تقدم العمر. فلقد ثبت أن جسم الرجل يفرز بعد بلوغ الخمسين هرمون النمو وهرمون ديهايدرو ايبي اندروستيرون DHEA بشكل أقل. إذ يجري تركيب هذه المادة بشكل سلفات ديهايدر ايبي اندروستيرون في قشرة الغدة الكظرية ليعاد إنتاجها بشكل تيستوستيرون أو اوستراديول.
ويتسبب نقص هذه المواد بالعديد من المضاعفات: تزداد عملية الهدم في العظام، تتقلص فترات النوم ويضعف الجهاز المناعي عند الرجل. والأهم هو أن قدرات الإنسان المختلفة تضعف وتتغير عملية استقلاب الشحم فترتفع نسبة الكولسترول في الدم وترتفع معها بالطبع مخاطر تصلب الشرايين ومخاطر الإصابة بجلطة القلب.
ويعلق العلماء آمالا كبيرة على إمكانية تطوير أقراص هرمونية توقف هذه التغيرات عند الرجل.

ومن المواد الأخرى المؤثرة على حيوية الرجل ونشاطه بروتين معين اسمه (الجلوبيولين الرابط بالهرمون الجنسي) وهو بروتين يرتبط يالتيستوستيرون ويؤدي بالتالي إلى خفض مستواه في الدم.
وأكد الباحث البلجيكي اليكس فرمويلن أن النتائج الأولية التي تحققت من وراء علاج سن اليأس عند الرجال بواسطة الهرمونات كانت مشجعة جدا، وذلك من خلال الحقن أو الأقراص أو من خلال طرق أقل تعقيدا مثل اللصوق على الجسم أو كيس الصفن.
إذ ثبت أن إعادة ميزان التيستوستيرون إلى نصابه في جسم الرجل قد نجح في إبعاد خطر الإصابة بجلطة القلب. كما ثبت أيضا أن الإكثار من تناول الهرمونات يؤدي إلى نتائج معكوسة تماما لأن شعار «كلما كان أكثر كلما كان أفضل» لا مجال لتطبيقه هنا.
فضلا عن ذلك فقد نجحت جرعات من الميلاتونين في تحسين نوم الرجال ، ويعول الباحثون علي مزيد من التدقيق في تأثيرات العقار العجيب DHEA قبل البدء باستخدامه في العلاج على نحو واسع. إذ لاحظ العلماء سلفا علاقة هذه المادة بتطورات العمر عند الرجال، وأن نسبته في مصل الدم تختلف بشكل حاد بين مرحلة وأخرى من مراحل نمو الذكر.
وتبلغ هذه النسبة ذروتها في مرحلة الشباب لتبدأ بالانخفاض بشكل تدريجي ملحوظ مع تقدم العمر. وتشير نتائج عدة دراسات أجريت إلى أن الرجال الذين تحوي دماؤهم نسبة عالية من DHEA لا يتعرضون لجلطات القلب كما يحتفظون دائمة بفعالياتهم وقدراتهم.
وهذا ما يقوله البروفسور (برونو اللوليو) من جامعة فورتسبورج الألمانية مشجعا الرجال دائما على زيارة أطبائهم والاستفادة من إرشاداتهم والعلاج بالهرمونات. وتثبت الدراسة التي أجراها اللوليو على DHEA أن هذه المادة لها فعل ايجابي أيضا على مناعة جسم الرجل فهي: " تحسن نوعية حياة الرجل عموما، تزيد قدراته وشعوره بأنه في أحسن حال".
ونصح الطبيب والباحث السويسري (ماريوس كرينزلن) من جامعة بازل الرجال الذين يعانون من سن اليأس بتناول الكالسيوم بانتظام بغية القضاء على احتمال إصابتهم بمرض تنخر العظام. وعموما فقد أفلح العلاج بالهرمونات حتى الآن بمساعدة الرجال في سن اليأس عن طريق تحسين نسبة الكولسترول في دمائهم وخفض مقاومة أجسادهم للأنسولين ناهيكم عن تحسن الوضع النفسي والجسدي للرجل وقدراته.