النتائج 1 إلى 1 من 1
- 14-02-2015, 11:38 AM #1
إشكالية العلاقة بين المشيئة الإلهية والمشيئة الإنس
إشكالية العلاقة بين المشيئة الإلهية والمشيئة الإنس
من الإشكاليات التي يكثر الجدل حولها وما يكثر السؤال عنه هل للإنسان مشيئة مستقلة ؟ وإن كانت الإجابة بالإيجاب ، فما حدود هذه المشيئة؟ وما علاقة مشيئة الله بمشيئة الإنسان؟ وكيف نوفق بين الآيات التي تشير إلى أن كل الأمور بيد الله تعالى وما الإنسان إلا مخلوق خاضع لمشيئة الله تعالى .
بعد تقصي الآيات القرآنية التي تناولت موضوع البحث توصل الباحث إلى أن النفس الإنسانية لها مشيئة واختيار، وإن المشيئة الإنسانية تختلف عن الإرادة الإنسانية من حيث أن المشيئة تتجاوز إطار القصد والنية إلى دائرة ما قبل الفعل فهي مرتبة أعلى من الإرادة بينما الإرادة تقع في دائرة الرغبة والنية والقصد وأياً كان الفرق بين الإرادة الإنسانية والمشيئة الإنسانية فإن القرآن الكريم قد أكد في كثير من آياته إن للإنسان مشيئة يستطيع أن يمارسها وفقا لقدراته واستعداداته التي وهبها الله له ، ولكن لفهم هذه المشيئة لا يمكن تناولها بمعزل عن المشيئة الإلهية التي أشارت إليها الآيات القرآنية . ومن هنا يتبين إن في الكون مشيئتين، مشيئة مطلقة في الكون لا تتجزأ ولا يحدها شيء وهي مشيئة الخالق جل وعلا ، ومشيئة مخلوقة تسير في ظلال المشيئة الإلهية ولا تتعارض معها، حيث أن كل ما يجري في الكون يتم في إطار المشيئة الإلهية.ومن الآيات الدالة على إن النفس الإنسانية تتمتع بمشيئة حرة . قوله تعالى : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.......)الكهف /29.
وقوله تعالى : (إن هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) المزمل/19.
كما بين الحق عز وجل إن كل ما يحدث في هذا الكون لا يخرج عن حدود مشيئته ، وقد ربطت بعض الآيات تحقق مشيئة الإنسان بمشيئة الله تعالى، مما ترتب عليه إبهام وعدم وضوح في الفهم ومن هذه الآيات قوله تعالى : (كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ(55)وَمَا يَذْكُرُونَ إِلا أن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) المدثر/54-56 .
وقوله تعالى : (إن هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(29)وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أن يَشَاءَ اللَّهُ إن اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا)الإنسان/29- 30 .
إن المتأمل لهاتين الآيتين بمعزل عن الآيات التي تتناول المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية يتوهم أنه لا مشيئة للإنسان ولا حرية وأن مشيئته متوقفة على مشيئة الخالق عز وجل ، ولكن من أجل الخروج بفهم سليم لموضوع المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية لا بد من جمع الآيات المتعلقة بالموضوع لإزالة هذا اللبس، حيث إن القرآن الكريم يشكل بناءً متكاملاً ومتناسقاً ويفسر بعضه بعضاً . فالمعنى السليم يتضح من خلال جمع النصوص ، فالمشيئة الإنسانية في قوله تعالى : (كَلا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ(54)فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ)المدثر/55.
وقوله تعالى: ( إن هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً)المزمل/19 .
وقوله تعالى: ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أن يَسْتَقِيمَ)التكوير/28 .
هذه الآيات وغيرها الكثير يشير بشكل واضح إلى مشيئة الإنسان في اختيار طريقه بين نهج الخير ونهج الشر التي فطر الحق سبحانه الإنسان عليها والمتمثلة في قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)الشمس/7-8. والمقررة في قوله تعالى : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.......)الكهف/29.
أما المشيئة الإلهية فيمكن فهمها من خلال الآيات الكريمة آلاتية :
قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)يونس/99.
وقوله تعالى : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)الأنعام/ 149.
وقوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)هود/118.
وقوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)السجدة /13.
تقرر هذه الآيات بشكل جلي إن الحق لو شاء لأدخل الهداية والإيمان جبراً وقصراً في قلوب الناس دون أن يكون لحرية اختيارهم أي دور في الاختيار ، ويظهر ذلك بوضوح في قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) فلم يشأ الحق أن يطبع النفس الإنسانية على الإيمان ولم يشأ أن يهدي الناس جميعاً قصراً وعنوةً ، ولكن الحق عز وجل ألهم النفس الإنسانية فجورها وتقواها لتختار طريقها بملء إرادتها ومشيئتها ، وبناءً على ذلك يمكن فهم المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية فالنفس الإنسانية عندما تمارس حريتها في الاختيار وتقبل على طاعة مولاها وخالقها فمشيئة الله تعالى لا تحول دون هذا الاختيار ، وكذلك حينما تختار ممارسة أنماط سلوكية تناهض منهج الحق فإنما تمارسه بمشيئتها وحريتها وهي لا تخرج كذلك عن مشيئة الله تعالى ، فالنفس الإنسانية التي تختار الطاعة أو المعصية لا تخرج عن مشيئة الله بل تدور في مشيئة الخالق الذي شاء أن يجعله حراً مختاراً .
ولأهمية هذه القضية ولإزالة الضبابية التي قد تخيم عليها بفعل التغيرات التي تطرأ في مسيرة الحياة الإنسانية الطويلة فقد فصلها القرآن الكريم بشكل جلي لا يحتمل اللبس وذلك من خلال الإشارة وبشكل صريح إلى المشيئة الإنسانية وفي مختلف مجالات الحياة الإنسانية.