كثير من الناس ليل نهار ليس لهم هم الا الشكوى .. التبرج كثير! .. والفتن ! و.. و.. يقول إسماعيل الهروى : " الزهد فى الدنيا نفض اليدين عن الدنيا ضبطا أو طلبا , وإسكات اللسان عنها مدحا أو ذما , والسلامة منها طلبا أو تركا " .

الشاهد الذى نستخرجه من هذا الكلام المهم : أن الذى يحب الدنيا يتكلم عنها كثيرا ولو بالذم .. كذلك يعد الرجل مفتونا بالنساء إذا أكثر من ذكرهن ولو بالذم , والذى يتكلم عن المال كثيرا ولو بالذم فهو أيضا مفتون .. ومن هنا فالذى يشتكى كثيرا فمفتون , قال الملك العليم – سبحانه – فى آية من الآيات الفاضحة : " ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا " ( التوبة : 49 ) .

تجد أحدهم يقول : لا أريد أن أذهب إلى الدرس الفلانى لأن هناك نساء وأنا ضعيف !! .. يا مفتون .. تقول له : اخطب الجمعة فيقول لك : أخاف من الرياء ! .. مفتون .. عجبا لك ! , طوال الوقت تتكلم وتقول : حلال وحرام , ونصبت نفسك شيخا , لماذا عند تحمل المسئولية تخاف من الرياء ؟!! .. اللهم ثبتنا على الإيمان وارزقنا الإخلاص .

الإمام مالك كان إذا أعطى موعظة بكى وقال : " يحسبون أن عينى تقر بكلامى , كيف وأنا أعلم أن الله سائلى عنه يوم القيامة ماذا أردت به " ..

إخوتى فى الله , هل تظنون أنى أفرح حينما أقول درسا أو أخطب جمعة ؟! .. هل يوم القيامة ستكونون جالسين أمامى بهذه الصورة ؟!! .. إن ربى سيسألنى : تحركت من هنا إلى مصر الجديدة لتعظ , لماذا ؟ لأجل الناس أم لأجلى ؟ , فماذا أقول له ؟! .. اللهم ارزقنا الإخلاص واجعلنا من أهله .

كف عن الشكوى وابدأ العلاج .. تجد بعض الناس يشكو من الوسوسة وليس وليس به شىء , ولكنه يظل يقول : الوسوسة .. الوسوسة .. حتى يوسوس فعلا .. بسبب كثرة شكواه .. يظل يشكو : النساء .. النساء , فيقع فى الفتنة , ولو كف عن الشكوى وبدأ فى العلاج , لكفاه الله هذه الفتنة .

إن مصيبة كثير من الإخوة أنهم مشغولون بالزواج .. فترى الواحد منهم يمشى فى الشارع فيقول فى نفسه : أتزوج هذه أم هذه ؟ .. لا , بل هذه .. لا لا بل مثل هذه ... إذا أردت الراحة فارفع هذا الموضوع عن تفكيرك , وعش حياتك الإيمانية كما ينبغى , ووقت أن تقرر الزواج تزوج فى نفس اللحظة .. أما أن تعيش هكذا , مشتت الفكر , تشتكى دوما من هذه القضية , فلن تنجو من الفتن أبدا .. فأرح دماغك الآن عن هم الزواج طالما أن ظروفك الإيمانية والحياتية لا تسمح ..

هذا هو الحل للفتنة : عدم الشكوى وعدم الهم وعدم الضيق والمرض بسببها .

بعض الناس يقول : المال .. ما لنا وللمال , المال دنيا , فكلامه المتكرر هذا عن المال دليل على أنه مفتون بالمال وبالدنيا , وفرق بين من يشكو ليعان وبين من يشكو ليتهرب .

سيدنا موسى – عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام – لما قال له ربه : " اذهب إلى فرعون إنه طغى " ( النازعات : 17 ) , " قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معى ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون " ( القصص : 33 – 34 ) .. اشتكى , ولكنه طلب العون فاعين .. أعانه الله ووهب هارون النبوة وهذه من البركات أن يرزق أحد النبوة قال موسى : يا رب , وأخى , فقال – سبحانه - : وأخوك .

ولذا أريد منك حينما يرزقك الله الالتزام .. أريدك أن تقول : يا رب , وأخى .. يا رب , وأبى .. يا رب , وأمى .. يا رب , وأختى .. يا رب , وجارى .. ادع الله أن يهديهم وانشغل بإصلاحهم بدلا من أن تظل تشكوهم وتشتكى منهم فتكرههم ويكرهوك .. ادع الله لهم وكف عن الشكوى , لينجيهم كما نجاك .

الرسول صلى الله عليه وسلم لما قيل له : نطبق عليهم الأخشبين ؟ , قال : " لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله " [متفق عليه] .. خرج وتعب واستفرغ وسعه ..

فليس همنا أن يحرق الله الكفار , وإنما همنا أن يهديهم , فما بالك بأهلك الذين تشكوهم .. اللهم اهد المسمين وغير المسلمين .

أيها الإخوة , كفوا عن الشكوى وابدأوا العلاج .. كفاكم شكاوى .. أنا لا أستطيع القيام للفجر , ولا أقدر على الدعوة , ولا أقدر على كذا , ولا أستطيع كذا .. طالما تشتكى فلن تقوم ولن تقدر ولن تستطيع .

الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الموسوس وقال له : إن أحدنا ليجد فى نفسه ما يتعاظم أن يتكلم به , قال : " الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة , إذا وجد أحد منكم ذلك فليقل : آمنت بالله ورسوله , وليستعذ بالله ثلاثا ولينته " [صححه الألبانى] , " ولينته " : أى لا يفكر فيها مرة ثانية .

" الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة " .. أى إن الشيطان حينما ييأس , ويخيب فى إغواء الرجل , لا يجد شيئا يكيد به سوى هذه الوسوسة فهى سلاحه الضعيف ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله " .

وقد قال صلى الله عليه وسلم أيضا فى قطع الوساوس : " اتفل عن يسارك ثلاثا وقل : اللهم ربى لا شريك له " [أخرجه أحمد وابن حبان فى صحيحه] .

اتفل على الشيطان , فهذا احتقار له وازدراء وإهانة , حتى لا يأتيك مرة ثانية .. ولا تعبأ به , وإنما انشغل بالله وحده فقل : الله ربى لا شريك له .. ثم انته عن ذلك , أى : لا تتكلم ولا تسأل أحدا ولا تقرأ عن هذه المسألة ولا تبحث عنها , وإنما انته , لتنقطع الوساوس .

إذا فالعلاج فى أربعة أمور :

1 – قل : آمنت بالله ورسوله .

2 – استعذ بالله من الشيطان الرجيم .

3 – اتفل عن شمالك ثلاثا .

4 – اسكت .. التزم الصمت .. لا تشتك .. انته .. أغلق هذا الباب تماما .

كثير من الشباب يقول : أبى يعمل كذا وكذا , وأمى تقوم بكذا وكذا .. وأختى .. وأخى .. والمسجد فيه كذا , والامام يفعل كذا .. والشيخ قال كذا .. ويظل يشتكى .. ارحم نفسك , ولا تكثر الشكوى .. لا تكثر الشكوى , وإنما اسكت .. اصمت لتستريح وتريح الناس من همك ومشاكلك , فالناس بهم ما يكفيهم , وإنما الراضى منهم من أرضاه الله , فارض بالله واشك همومك إليه وحده يكفيك ما أهمك فهو – سبحانه – يعلم حالك .

إخوتاه , إن الذين يشكون الواقع لن يغيروه مطلقا , بل ولن يتغيروا هم أيضا , سيظلون هكذا فى وحل الفتنة يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدأوا العلاج من عند أنفسهم .

إن الوصول إلى الله – أحبتى فى الله – يحتاج منا ألا نقف أمام المشاكل والهموم مكتوفى الأيدى , واضعين أيدينا على خدودنا نشتكى إلى كل رائح وغاد , بل لابد من التحرك والعلاج .. فعاهد نفسك – أخى فى الله – من الآن ألا تشتكى مطلقا .. كف عن الشكوى وابدأ العلاج , ليعينك الله على الوصول إليه .