من أسرار النفس البشرية تأثير الأفكار عليها في المشاعر والسلوك .

كثيرون منا قرأوا أو سمعوا باسم كتاب " دع القلق وابدأ الحياة "

للمؤلف " ديل كارنيجي " ، الذي اختار لأحد فصوله عنوان " حياتك من

صنع أفكارك " ..

فإذا راودتنا أفكار سعيدة أصبحنا سعداء ، وإذا سيطرت علينا أفكار التعاسة

غدونا أشقياء !

وإذا تملكتنا أفكار الخوف أو المرض فغالباً سوف نصبح مرضى أو جبناء

نشعر بالذلة !

وإذا فكرنا في الإخفاق أتانا الفشل سريعاً !

وإذ دأبنا نتحدث عن متاعبنا ونندب حظنا ، ونرثي لأنفسنا فسوف يهجرنا

الناس ويتجنبون صحبتنا ، فكل واحد عنده ما يكفيه من المتاعب

والمشكلات !

ثم يقول :

أعرف رجالاً ونساءً بوسعهم إقصاء القلق والمخاوف والأمراض ، بل

حولوا مجرى حياتهم تحويلاً شاملاً عن طريق " تحويل أفكارهم " ..

الإيحاء الذاتي

هذا مبدأ قديم وهو " تاثير الأفكار في حياة الإنسان " ، وهذا ما يعرف في

علم النفس ب " البرمجة العصبية اللغوية " أو ال " Nlp " .

تحدث الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله عن " الإيحاء الذاتي " في كتابه "

الفوائد " ، وقال : إن صلاح الأفعال والعادات مبني على صلاح الخواطر

والأفكار ، وردُ الأفكار الخاطئة وإبعادها عن الذهن منذ البداية أيسر من

قطعها بعد أن تصبح عادة مستحكمة " .

إن قوة الإيمان والعقل والحكمة تعين الإنسان على اختيار أحسن تلك

الخواطر والأفكار ، وعلى دفع السيئ منها .

الأفكار الضارة والنافعة :

هنا يثور سؤال مهم : كيف نزرع الأفكار النافعة ، ونقتلع الأفكار الضارة ؟

الفكرة الضارة تُقتلع بزرع فكرة نافعة مضادة لها . فأفكار الخوف نعارضها

بإفكار الشجاعة ، وأفكار القلق بأفكار الاطمئنان ، وأفكار التردد بأفكار

الإقدام ، وافكار ضعف الثقة بالنفس بأفكار قوة النفس والثقة بها ،

وهكذا ...

أما الأفكار النافعة فمن أفضل وسائل زراعتها بعد الدعء المخلص وصدق

اللجوء إلى الله تعالى : اختيار عبارة قصيرة معبرة تكون بصيغة المتكلم

ولا يكون فيها نفي ولا استقبال .

مثال ذلك : رجل يريد الإقلاع عن التدخين ، يكتب على ورقة صغيرة : (

لقد أقلعت عن التدخين والحمد لله ) . ويردد هذه العبارة خمس دقائق في

الصباح ومثلها في المساء ، بتركيز وإيمان ، ويوحي لنفسه بأنها تحققت ،

ويتخيل نفسه قد تخلص من هذه الآفة وتحسنت صحته .

أما لماذا ينبغي أن تخلوا العبارة من " النفي والاستقبال " فلأن العقل

الباطن لا يمكن برمجته إلا بالتوكيدات كما وُجد بالتجربة .


تطبيقات عملية :

* إنسان مريض أخذ بأسباب التداوي والعلاج ، وألحّ في الدعاء : يُنصح أن

يكتب بخط كبير " وإذا مرضت فهو يشفين " . ويعلقها في غرفة نومه مثلاً

، ويرددها كل يوم صباحاً ومساءً مع الإيمان العميق بها .

* إنسان واجهته قضية حيرته ولا يدري ماذا يفعل ؟ ! يُنصح أن يكتب بخط

كبير : " وأفوض أمري إلى الله " ثم يتبع الخطوات المذكورة .

* إنسان تنازعه نفسه أن يستثمر ماله في مشاريع فيها بعض الشبهات ،

أن يكتب قوله تعالى : " يمحق الله الربا ويربي الصدقات " ويردده حتى

تنصرف نفسه عما فيه شبهة إلى ما هو متيقن من حله .

* طالب تُغريه الصوارف عن المذاكرة ويراوده الكسل وحب الراحة يكتب

مثلاً قول الشاعر :

لا تحسب المجد تمراً أنت آكلهُ *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

* سيدة تشكو من زيادة وزنها ، تُنصح بأن تقرأ مقالات علمية عن أضرار

السمنة وعن الغذاء الصحيح ، وضرورة ممارسة الرياضة .

وتكتب عبارات مثل : " أنا أكره الدهون والحلويات " ، " لقد تخلصت من

وزني الزائد " ، " أنا أمشي كل يوم " . حينما تُبرمج عليها عقلها الباطن

يظهر أثرها بعد ذلك في سلوكها بإذن الله .

تلك لمحاتٌ يسيرة عن أثر " الأفكار " في حياة الإنسان في حالاته النفسية

والجسمية والعاطفية والصحية و الاجتماعية ، عسى أن يجد القارئ فيها

نفعاً . راجياً أن يجد التفاعل المأمول وأن نرى أفكاراً نيرة مفيدة في هذا

المجال ..


ومن الله نستمد العون والتوفيق ..