"مراحل كتابة الآيات القرآنية بالحروف المنقطة"



إن الحمد لله نمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين أما بعد:


مر جمع المصحف "كتابته وتدوينه" بثلاث مراحل:
الأولى: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

الثانية :في عهد أبى بكر رضي الله عنه.

الثالثة :في عهد عثمان رضي الله عنه.



وكل واحدة من الثلاث كانت لها مزية ومبرر وسبب يختلف عن سبب التي بعدها.
ولكن ليس هذا مجال بحثنا الآن – قد ييسر الله بحث هذا الموضوع مستقبلا- وتم الجمع في جميع هذه المراحل على لغة قريش بدون نقط، وكذلك جرّدوه من كل شيء لم يدخلوا مع المصحف أي شيء ليس من القرآن الكريم وكانوا يوصون بتجريد المصحف.
قبل الدخول في مراحل كتابة الآيات بالحروف المنقطة نذكر تعريف الآية ،القران




تعريف الآية :
لغة:- تطلق على 6 معاني :1-المعجزة 2-العلامة 3- العبرة 4-البرهان 5-الأمر العجيب 6-الجماعة

شرعا:طائفة ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن يعني بداية ونهاية مندرجة في سورة من القرآن الكريم



تعريف القران:
لغة : اتفق العلماء على انه اسم وليس فعل أو حرف واختلفوا في :
هل هو جامد ( لا يأتي منة اسم فاعل أو مفعول أو فعل لايتصرف ككلمة أسد ) أخذ به جماعة من أهل العلم ولكنهم قلة وجمهور العلماء على انه مشتق أم مشتق من مصدر أو فعل واختلفوا أيضا انه مشتق من : أ‌- قرن : فتكون النون أصلية لاقتران سوره وآياته بعضها ببعض ب‌- قرأ : حيث الهمزة أصلية والنون زائدة وهو الذي عليه أكثر العلماء واختاره الزجاج واللحياني

شرعا : (ولم نقل اصطلاحا لأنها تطلق على الأسماء التي اصطلح العلماء عليها أما ما جاء الشارع به من كلمات فيقال تعريفها شرعا) كلام الله المنزل على محمد المتعبد بتلاوتة.



ندخل أيها الإخوة في الموضوع :مراحل نقط آيات القران: مرت بثلاث مراحل:


1. نقط الإعراب : "شكل الكلمات" وضع نقطا تدل على حركة كل حرف من الكلمة فالفتحة نقطة فوق الحرف والضمة نقطة بين يدي الحرف والكسرة نقطة تحت الحرف.


2.بنقط الإعجام : هو النقط على الحروف


3. تغيَّر نقط الإعراب إلى شكل كلمات: فوضع بَدَل النقطة الفوقية على الحرف فتحة يعني ألفا مائلة وتحت الحرف مكان الكسرة خطا تحت الحرف ومكان الضمة واوا صغيرة فوق الحرف وزاد على ذلك بأن وضع على الحرف المسَكَّن رأس خاء صغيرة ( أي حرف خفيف ) وزاد أيضا حركة للحرف المشدد بأن وضع أول حرف من كلمة شَدَّ ( رأس الشين ) ووضع أيضا علامات للرَّوْم والإِشمام.


سوف نتكلم عن كل مرحلة بإيجاز –نقلا من دروس شيخنا:
د/ محمد بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري ،من درس: محاضرات في علوم القرآن المستوى الأول
- لكن قبل ذلك نتكلم عن سبب دعوة الخلفاء والولاة إلى ذلك :
إن المصحف كتب في عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه - وأرسلت المصاحف إلى الأمصار وكانت كتابتهم جردوه من كل شيء لم يدخلوا في المصحف أي شيء ليس من القرآن فكانوا يكتبون مثلا بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ إلى أن يأتي ﴿ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ الم ﴾ وهكذا من أول المصحف إلى آخره ولم يدخلوا في المصحف أي شيء ليس من القرآن الكريم وكانوا يوصون بتجريد المصحف قال ابن مسعود «جردوا القرآن» ومثل ذلك روي عن ابن عمر وغيرهم من السلف الذين كانوا يشددون في أمر تجريد القرآن وأن لا يخلط بغيره لأن لا يلتمس كلام الله بكلام من سواه.
واستمر الأمر على ذلك حتى دخل في الإسلام أعاجم كثير وكانوا لا يحسنون القراءة بالعربية وتختلط عليهم الكلمات وإعراب الحروف ،وكان هذا هو السبب الذي دعا إلى التنقيط لآيات القران لتسهيل القراءة على العامة.
المرحلة الأولى : "نقط الإعراب":جاء زياد ابن عبيد الله لما كان واليا على العراق وذلك في عهد الدولة الأموية وأمر أبو الأسود الدؤلي ظالم ابن عمروا المتوفي عام تسعة وستين من الهجرة النبوية أمره أن يضع ما يدل الناس على إعراب كلمات القرآن المرفوع منها والمنصوب والمخفوض وغيره وما يبين طريقة نطق الكلمة بما يسمى في هذا العصر بالشكل شكل الكلمات فرفض أبو الأسود أن يقوم بهذا الأمر هيبة للقرآن لأنهم كانوا يشددون في أمر الإضافة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وذات يوم سمع أبو الأسود رجلا يقرأ آية من كتاب الله سبحانه وتعالى على نحو غريب يقرأ قول الله ﴿ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهُ ﴾[التوبة: 3]، فقال أعوذ بالله وهل يبرأ الله من رسوله؟ ! فعند ذلك رجع إلى زياد فقال له :الآن أريد أن أضع ما يدل الناس على معرفة كيف يضبطون القرآن الكريم.



فوضع ما يسمى عند العلماء بنقط الإعراب، ونقط الإعراب جاء به أبو الأسود وضع نقطا تدل على حركة كل حرف من الكلمة فالفتحة نقطة فوق الحرف والضمة نقطة بين يدي الحرف والكسرة نقطة تحت الحرف وضبط القرآن من أوله إلى آخره على هذا النحو فانضبط الأمر لدى الناس.


المرحلة الثانية :نقط الإعجام ( هو النقط على الحروف) لما مضى زمن وجاء الخليفة عبد الملك ابن مروان أمر الحجاج أن يكلف من علماء العراق من يقوم بنقط الإعجام و هو النقط على الحروف.


لأن هذه الحروف التي بين أيدينا منقوطة لم تكن كذلك في الكتابة الأولى ولم تكن معروفة عند العرب منقوطة يعني التاء والثاء والباء كلها تكتب بصفة واحدة ، وتميز بالسياق وكذلك الذال والدال والصاد والضاد كلها إنما يميز بينها الناس بالسياق فقط. فكلف الحجاج يحيى ابن يعمر العدواني ونصر ابن عاصم الليثي المتوفي عام تسعين من الهجرة النبوية أن يقوما بهذا الأمر فقاما به و وضعا نقطا على الحروف التي تسمى عند العلماء نقط الإعجام، وهو يسمى عند المتأخرين ضبط الحروف.


المرحلة الثالثة : تغيَّر نقط الإعراب إلى شكل كلمات: لما استمر الأمر على هذا اختلط على الناس ما فعله أبو الأسود الدؤلي وما فعله هذان الإمامان نصر ابن عاصم ويحيى ابن يعمر لأن أبا الأسود نقط وهؤلاء نقطوا أيضا فاختلطت النقط علما بأن أبا الأسود كان يضع نقطا باللون الأحمر تمييزا لها عن أي شيء آخر وعن كتابة القرآن لكن شق ذلك على الناس بأن يكتبوا بلون آخر غير اللون الذي يكتبون به حروف المصحف.


عند ذلك جاء الخليل ابن أحمد الفراهيدي صاحب الابتكارات العلمية فغير نقط الإعراب إلى أن وضع هذه الطريقة الموجودة بين أيدينا في شكل الكلمات فوضع بدل النقطة الفوقية على الحرف وضع فتحة ألفا يعني مائلة وتحت الحرف مكان الكسرة خطا تحت الحرف ومكان الضمة واوا صغيرة فوق الحرف وزاد على ذلك بأن وضع على الحرف المسكن رأس خاء صغيرة كأنه يقول هذا حرف خفيف خاء فوضع رأس الخاء وزاد أيضا حركة للحرف المشدد بأن وضع أول حرف من كلمة شدة رأس الشين ووضع أيضا علامات للروم والإشمام رحمة الله عليه رحمة واسعة واستقر على هذا العلم في المسلمين إلى هذا اليوم.


فهذا الضبط الذي نراه في كتاب الله وفي غيره الذي وضعه الخليل ابن أحمد الفراهيدي وأما نقط الإعجام " هو النقط على الحروف" فاستمر على ما وضعه الإمامان يحيى ابن يعمر ونصر ابن عاصم الليثي.


تتابع العلماء -رحمهم الله تعالى- على إدخال تحسينات على المصحف وزيادات يكمل بها معرفة وقوفه ونهاية آياته وتعرف فيه أحزابه وأجزائه وأعشاره وأخماسه وأرباعه وأثمانه وغير ذلك تفننوا في هذا تفننا عظيما وجاءوا بأشياء كثيرة كل ذلك خدمة لمن يتلوا كتاب الله سبحانه وتعالى وتعريفا له بهذا القرآن بداية ونهاية ومقاطع وفواصل وغير ذلك هذه الآيات أيضا كان الصحابة لا يضعون علامة على انتهاء الآية ثم وضعوا ثلاث نقاط في نهاية كل آية ثم تدرج الأمر أن يضعوا دائرة ثم وصل الحال بعد ذلك إلى أن وضعوا في وسط الدائرة رقما يدل على رقم الآية في سورتها.
لكن هذه الأمور ليس مجالها هنا في هذا البحث.
مسألة : ما حكم هذه الزيادات :اختلف العلماء في هذه الزيادات التي وضعت في المصحف ، زيادات النقط والشكل:-
*من العلماء من منعه لأن لا يخلَط بالقرآن الكريم غيره ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن] ، ولأنه ثبت عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما وغيرهما من السلف الصالح قالوا : جردوا القرآن ، وكان النخعي والحسن وغيرهما يكرهون أن تنقط المصاحف
*ثم استقر عمل المسلمين على تحسين هذا العمل لما فيه من المصلحة ودرء المفسدة عن كتاب الله تعالى وبقي لأمر على ذلك.




شبهة :يرددها النصارى على تنقيط الحروف



السؤال: هذه شبهة أوردها نصراني يعيب بها دين الإسلام فكيف الرد عليه :
السؤال الأول :

كتب القرآن الأصلي بدون تنقيط أو تشكيل ولكنه نقط بعد وفاة النبي بما يزيد عن المائتي عام والنقطة في اللغة العربية ربما تقلب المعنى رأسا على عقب، ما هي الضمانة على مطابقة القرآن الحالي بالأول؟ فالتشكيل هو الذي غير القراءات حتى اقتتل العرب وهذا الذي دفع عثمان أن يوحدهم على قراءة واحدة مخالفا أحاديث محمد على أن للقران سبع قراءات أين وما هي السبع قراءات؟.




الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى عيسى عبدالله ورسوله وعلى النبين الكرام ، اللهم صل على محمد وعلى آله كما صليت على ابراهيم وعلى آله في العالمين إنك حميد مجيد .




أما الجواب على التنقيط فإن هذا المعترض جاهل بالتاريخ فلم يكن تنقيط المصحف بعد مائتي عام ، قال السيوطي رحمه الله : ( اختلف في نقط المصحف وشكله ، ويقال أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر عبد الله بن مروان وقيل الحسن البصري ويحيى بن يعمر ، وقيل نصر بن عاصم الليثي … وقال مالك لابأس بالنقط في المصاحف … وأخرج أبو داود عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا لاباس بنقط المصاحف ، وأخرج عن ربيعة بن عبد الرحمن أنه قال : لاباس بشكله انتهى ،




ومعلوم أن الحسن وابن سيرين من كبار التابعين ، فكيف يقال إن التنقيط حصل بعد المائتين .




وأيضا فإن القرآن منقول بالتواتر بالحفظ بالصدور ، فهذا هو الأصل الذي ترجع إليه حتى المصاحف ، ولهذا لو لم يبق في الأرض مصحف مكتوب ، فإنه لا يضيع القرآن ، وإنما كانت ولازالت المصاحف المكتوبة بالنقط ، ومن قبل التنقيط ، تقابل على مافي الصدور ، ولهذا فإن فائدة التنقيط ليست لحفظ القرآن المنقول بالتواتر ، وإنما لتسهيل القراءة على العامة فحسب ، أما القرآن فإنه محفوظ في الصدور ، ومعلوم أن المحفوظ في الصدور منقول بالسماع لا يحتاج فيه إلى تنقيط أصلا ، ولكن هؤلاء الجهال النصارى يظنون أن القرآن لم يحفظ إلا بالخط المكتوب ، واعتمادا على ذلك فحسب نقله المسلمون !!

ولو كان الأمر كذلك ، لضاع القرآن وحرّف ، ولهذا قال تعالى ) بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) وفي الحديث (وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظانا) رواه مسلم ، أي إن أصله في الصدر ، ليس في قرطاس فيغسل الماء ما فيه ، وهو في صدرك محفوظ سواء كنت نائما أو يقظانا لا يختلف ، ولا تخاف عليه الضياع ، وهكذا نقل من النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم بالتواتر إلى يومنا هذا ، يحفظه الملايين في صدورهم ينقلونه إلى الملايين ، حتى إن كثيرا منهم لا يعرف القراءة وإنما يأخذه بالسماع . -




وأما القراءات السبع فقد كان القرآن قد نزل على سبعة أحرف من لغات العرب ، ليسهل عليهم معرفته وحفظه أول نزوله ، فلما انتشر الإسلام ، واستقر أمره ، وعلا شأنه، لم يعد ثمة حاجة إلى بقاء تلك القراءات ، لاسيما وقد أدت إلى اختلاف الناس حديثي العهد بالإسلام فيما بينهم ، كل يدعي أن قراءته هي الحق وسواها باطل ، مع أنها كلها حق ، ومعانيها واحدة ، ليس بينها تناقض ، غير أن الناس قد جُبلوا على الاختلاف والتخالف ، فاجتهد عثمان رضي الله عنه أن يوحد الناس على قراءة قريش ، لان معاني القرآن حاصلة بهذه القراءة كما تحصل بغيرها ، وفائدة التعدد في القراءات لم تعد قائمة بعد انتشار الإسلام ، وأجمع الصحابة على أن هذا التوحيد على قراءة قريش اجتهاد في محلّه ، فبقيت قراءة قريش التي فيها أيضا لهجات عدة وهي القراءات السبع التي يقرأها القراء اليوم ، فهذه ليست هي الأحرف السبع كما يخطئ كثير من الناس ، بل هي لهجات في قراءة قريش فقط ، وهو الحرف الذي أبقاه عثمان رضي الله عنه واتفق الصحابة عليه ، وقد جعل رسم المصحف محتملا لهذه القراءات السبع ، وكلها منقولة بالتواتر .