زكاة العقار والحلي








السؤال:



1- اشترَيْتُ أنا وزوجي شقة عقار بِغَرضِ الاستِثْمارِ، وتَمَّ تأجيرُها والآنَ حالَ الحولُ عليْها، فهَلْ عليْها زكاةٌ؟ أو على قيمةِ الإيجار؟ وما قيمَتُها؟
2- أيضًا لديَّ كمِّيَّة من الذهب اشتَرَيْتُه بغَرَضِ الزينة، ولكنْ سافَرْتُ لِلخارج أنا وزوجي فاحْتَفَظْتُ به لدى أسرتي بِدونِ استخْدام؛ للاحتفاظ بقيمته المادِّيَّة، هنا أعتقِدُ تغَيُّرًا في النِّيَّة؟ فهَلْ تَجِبُ الزَّكاةُ وما قيمَتُها؟










الإجابة:



الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنْ كان مَقصودُ السَّائلةِ الكريمةِ بِكلِمة الاستِثْمار: أنَّها وزوجها اشْتَرَيَا العقارَ بنِيَّة الاتِّجار فيه وبَيْعِه عند ارْتِفاع الأسعار، فتَجِبُ فيه زكاةُ عروض التِّجارة، وقَدْ سَبَقَ بيانُ شُروطِها وطريقة إخراجِها في الفتويين: "زكاة العقار الذي اشتري بالتقسيط"، "حكم زكاة الدور المُعَدَّة للسُكْنَى".
أمَّا إنْ كان المقصودُ منَ الاستِثْمار تأجيرَ العقارِ المَذكورِ والانْتِفاعَ بالأُجْرة، فَلا زكاةَ في قيمَة الشقة، وإنَّما تَجِبُ الزَّكاة على الرّيع الَّذي يَخرُج منه، بِشرط أن يبلُغَ نصابًا بنفْسِه، أو بِما ضُمَّ إليْهِ من نُقودٍ أُخْرَى أو عروض تِجارة، ويَحولَ عليْهِ الحَوْلُ فيخرج ربع العُشْرِ (2.5%).
أمَّا الذَّهب المُعَدُّ للزِّينة، فقَدِ اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْم في وُجوبِ زكاتِه؛ فذَهَبَ الحنفيَّة والظاهرية إلى وُجوب الزكاة فيه لدُخُوله في عمومِ قولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التَّوبة: 34]، ولحديثِ أبِي هُرَيْرَة قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «ما مِن صاحبِ كنْزٍ لا يؤدِّي زكاتَه إلا أحْمِيَ عليْهِ في نار جهنَّم، فيُجْعَل صفائحَ فيُكوى بِها جنباهُ وجبينُه حتَّى يَحكُمَ الله بَيْنَ عِبادِه في يومٍ كان مِقْدارُه خَمسين أَلْفِ سنةٍ، ثُمَّ يُرى سبيله إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النَّار» الحديثَ؛ رواه مسلم، وفي رواية: «مَا مِن صَاحِب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يُؤدِّي منها حَقَّها».
ولِورودِ أحاديثَ خاصَّةٍ بِمحلِّ النِّزاع تقْضِي بِذلك، وهي وإنْ كان أكثَرُها لا يَخلو من مقالٍ فإنَّ مَجموعَها يدل على أنَّ لَها أصلاً؛ منها ما روَاه أبو داود والنَّسائيُّ عن عمْرو بنِ شُعَيْبٍ عن أبيه عن جَدِّه: أنَّ امرأةً أتَتِ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعها ابنةٌ لَها - وفي يدِ ابنَتِها مَسَكَتان غليظتَانِ من ذهب - فقال لها: «أتُعْطين زكاةَ هذا؟» قالتْ: لا، قال: «أيسُرُّكِ أن يُسَوِّرَكِ الله بِهما يومَ القِيامة سِوارَيْنِ من نَار؟» فخَلَعَتْهما فألقَتْهُما إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلَّم - وقالت: "هُما لله ولرسوله".
وروى أبو داود في "سُنَنِه"، والحاكمُ، والدارَقُطني والبَيْهقيُّ عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالتْ: دخل عليَّ رسولُ الله - صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّم - فرأى في يدي فَتَخاتٍ من وَرِق فقال: «ما هذا يا عائشةُ؟» فقلتُ: صَنَعْتُهُنَّ أتزيَّنُ لكَ يا رسولَ اللَّه، قال: «أتُؤَدِّينَ زكاتَهُنَّ؟» قلْتُ: لا، أو ما شاءَ الله، قال: «هُو حسبُكِ من النَّار».
ورَوَوْا أيضًا عن أُمِّ سلمةَ قالتْ: "كُنْتُ ألبَسُ أوْضاحًا من ذَهَب، فقلتُ: يا رسولَ الله، أَكَنْزٌ هو؟ فقال: «ما بَلَغَ أن يؤدَّى زكاتُه فزُكِّيَ فلَيْسَ بكَنٍّز».
قال أبو مُحمَّد بنُ حزْم في "المُحلَّى": "والزَّكاةُ واجبةٌ في حلي الفِضَّة والذَّهب إذا بَلَغَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُما المقدارَ الذي ذَكَرْنا، وأتَمَّ عند مالِكِه عامًا قمريًّا، وسواء كان حليَّ امرأةٍ أو حلي رجلٍ, وكذلك حِلْية السَّيف والمُصحف والخاتَم، وكل مصوغٍ منهما حَل اتِّخاذه أو لَم يَحلَّ، وجاء في ذلك عن السَّلف ما قد ذَكَرْناه في الباب الَّذي قبل هذا عن ابْنِ مسعود عن إيجابِه الزَّكاة في حلي امرأته، وهو عنْهُ في غاية الصحَّة، وعن علْقَمَة قال: "قالتِ امرأةٌ لعبدالله بن مسعود: لي حلي؟ فقال لها: إذا بلَغَ مائَتَيْنِ ففيه الزكاة".
وعن عُمر بن الخطَّاب أنَّه كتب إلى أبي مُوسى: "مُرْ نِساءَ المسلمين يُزَكِّين حليهنَّ".
ومن طريق جرير بن حازم عن عَمْرو بن شُعَيْب عن أبيه قال: "كان عبدالله بن عمرو بنِ العاص يأْمُر بالزَّكاة في حلي بناتِه ونِسائِه".
ومن طريق حسين المعلّم عن عمرو بن شعيب عن سالمٍ عنْ عبدالله بن عُمَر: "أنَّه كان يأمُرُه بذلك كلَّ عام".
وعن عمرو بن شعيب عن عُروةَ عن عائشة أمِّ المُؤْمنين قالت: "لا بأْسَ بلبس الحلي إذا أُعْطِيَتْ زكاتُه"، وهو قول مُجاهد, وعطاء, وطاوس, وجابر بن زيد, وميمونَ بْنِ مهران, وعبدالله بن شدَّاد, وسعيد بن المسيَّب, وسعيد بن جُبَيْر, وذرٍّ الهمْداني، وابْنِ سيرين, واستحبَّه الحَسَن، قال الزُّهري: "مَضَتِ السُّنَّة أنَّ في الحلي الزكاة"، وهو قول ابن شُبْرُمة, والأوزاعي, والحَسَن بن حي، وقال اللَّيْثُ: "ما كان من حليٍ يُلْبَس ويُعار فلا زكاة فيه, وما كان من حليٍ اتُّخِذَ ليُحْرز من الزكاة ففيه الزَّكاة". اهـ.
وذَهَبَ الجُمهورُ من المالكيَّة والشافعيَّة والحنابِلة إلى أنَّه لا زكاةَ في الحلي؛ لأنَّه صارَ بِالاسْتِعمال المُباح من جِنْسِ الثِّياب والسِّلع، لا من جِنْسِ الأثْمان، وحكاه ابن حزم عن جابر بن عبدالله, وابن عُمَر، وأسْماءَ بنت أبي بكر الصديق، وعائشة.
والأرْجَحُ هو القوْلُ الأوَّل؛ للأدِلَّة لعامَّة في وُجوبِ زَّكاة الذَّهب والفضَّة، والأدلَّة الخاصَّة، فإذا بَلَغَ الذَّهَبُ النِّصابَ وهُو (85 جرامًا) منَ الذَّهَبِ، سواءٌ بنَفْسِه أوْ بِما ينضَمُّ إليْهِ من الأَمْوالِ الأُخرى أو عروضِ التِّجارة ما يُكْمِلُ النِّصاب؛ فيكون عليْكِ إخراجُ رُبْعِ العُشْرِ، ويقدَّر بـ (2.5%).
هذَا فيما أُعِدَّ للزِّينة، أمَّا الذَّهَبُ المختَزَن لقيمَتِه المادِّيَّة كما هو في الصورةِ المسؤولِ عنها، فهو مالٌ مدَّخرٌ، تَجِبُ الزَّكاةُ فيه قولاً واحدًا؛ فقدِ اتَّفق الفُقهاءُ على وجوب الزَّكاة في الحلي المكنوز المُقْتَنَى، الذي لم يَقْصِد صاحبُه الاستعمال؛ لأنَّه مرْصَد للنَّماء فصارَ كغَيْرِ المَصُوغِ، ولأنَّ من أسقَط الزَّكاة في الحلي قيَّد ذلك بِما إذا لم يُقْصَدْ به الادِّخار،،




والله أعلم