...بسم الله الرحمن الرحيم...

(ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد )

يقول الله عز وجل‏:‏ اذ يتلقي المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .
‏ ويشير علماء الاسلام الي أن هذه الأية فيها تذكير للمؤمنين برقابة الله عز وجل التي لا تتركه لحظة من اللحظات‏,‏ ولا تغفل عنه في حال من الأحوال‏,‏ حتي فيما يصدر عنه من أقوال‏,‏ وما يخرج من فمه من كلمات‏;‏ كل قول محسوب له او عليه‏,‏ وكل كلمة مرصودة في سجل اعماله يسجله الملكان في الدنيا ويوم القيامة ينكشف الحساب ويكون الجزاء‏.

ولذلك كان علقمة رحمه الله وهو احد رواة هذا الحديث يقول‏:
‏ كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث فكان يمتنع عن كثير من الكلام حتي لا يسجل عليه قول او ترصد عليه كلمة من اللغو الذي لا فائدة فيه‏:‏ قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون.
المؤمنون‏:13.

وروي الترمذي عن رسول الله قال‏:
‏ اذا اصبح ابن آدم فإن الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول‏:
‏ اتق الله فينا فإنما نحن بك‏,‏ فإن استقمت استقمنا‏,‏ وان اعوججت اعوججنا‏.‏ وروي الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال‏
‏ قلت يا نبي الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال‏:
‏ ثكلتك امك يا معاذ‏.
‏ وهل يكب الناس في النار علي مناخرهم الا حصائد السنتهم؟ اي جزاء ما تكلموا به من الحرام‏.

‏ فللسان فيها اكبر النصيب‏,‏ واذا سمح الانسان للسانه ان يلغو في هذه الاعراض وغيرها كان عرضة للنهاية التعيسة والإفلاس في الآخرة‏,‏ وشتان بين افلاس الدنيا وافلاس الآخرة‏.‏ روي مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله قال‏:‏ اتدرون من المفلس؟ قالوا‏:‏ المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع‏,‏ قال‏:‏ المفلس من امتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة‏,
ويأتي وقد شتم هذا‏,‏ وقذف هذا‏,‏ واكل مال هذا وسفك دم هذا‏,‏ وضرب هذا‏,‏ فيعطي هذا من حسناته‏,‏ وهذا من حسناته‏,‏ فإن فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار‏.

‏ وفي الحديث الذي يرويه البيهقي ان العبد ليقول الكلمة لا يقولها الا ليضحك بها المجلس يهوي به ابعد ما بين السماء والارض‏,‏ وان المرء ليزل عن لسانه اشد مما يزل عن قدميه لقد كان خوف السلف من آفات اللسان عظيما‏.‏ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول‏:
‏ وما شيء احوج الي طول سجن من لسان‏.