الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .
وبعد :
فإن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة طاعة ولي أمر المسلمين في المعروف , وهذا المعتقد قرره لنا ربنا في كتابه العظيم , وكذلك نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ , وهكذا صحابته ـ رضي الله عنهم ـ , وسار على نهجهم ـ هذا ـ أئمة الإسلام من التابعين وأتباعهم , وتابعيهم إلى يوم الدين , ومن خرج عن هذا النهج القويم عده أئمة الإسلام من المبتدعة الخوارج الذين حثَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقتالهم .
وإليك الأدلة على ذلك ـ يا طالب الحق ـ :
قال الله تعالى " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ".
قال الإمام ابن كثير عند قوله " وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ " بعد أن ساق أحاديث الأمر بالطاعة : أي فيما أمروكم به من طاعة الله لا في معصية الله كما تقدم في الحديث الصحيح " إنما الطاعة في المعروف " . اهـ
وقال العلامة عبد الرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان " ( ص 164) تحت هذه الآية الكريمة ما نصه : " ثم أمر بطاعته وطاعة رسوله , وذلك بامتثال أمرهما , الواجب , والمستحب , واجتناب نهيهما , وأمر بطاعة أولي الأمر , وهم : الولاة على الناس , من الأمراء والحكام , والمُفتين , فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم , إلا بطاعتهم , والانقياد لهم , طاعة لله , ورغبة فيما عنده , ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله , فإن أمروا بذلك , فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ... " اهـ المقصود .
والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصى , وإليك بعضها :
أخرج أبوداود في سننه وصححه العلامة الألباني من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره , ما لم يُؤمر بمعصية , فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " .
وعن عبادة بن الصامت قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة , في منشطنا ومكرهنا , وعسرنا ويسرنا , وأثرة علينا , وأن لا ننازع الأمر أهله , قال " إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان " أخرجه البخاري ومسلم .
وأخرج البخاري في صحيحه من طريق أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اسمعوا وأطيعوا , وإن أُمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة " .
وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع , وإن كان عبدا حبشيا مُجدّع الأطراف " .
وإليك هذه الأحاديث العظيمة :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر , فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية " أخرجه البخاري ومسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له , ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني ". أخرجه البخاري .
وبعد هذا إليك ـ يا طالب الحق ـ أقوال أئمة الإسلام ـ رحمهم الله ـ :
نقل إجماع العلماء على وجوب طاعة ولاة الأمور :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ( وأما أهل العِلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم بوجه من الوجوه، كما قد عُرف من عادات أهل السُنة والدين قديماً وحديثاً، ومن سيرة غيرهم ). مجموع الفتاوى (35/12 .)
- قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: قال ابن بطال: ( وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن للدماء، وتسكين الدهماء ). فتح الباري( 13/7 .)
- قال النووي ـ رحمه الله ـ: ( أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية ). شرح مسلم(12/222 (.
ـ قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ : " الأئمة مجمعون من كل مذهب على أنّ من تغلَّب على بلد أو بلدان، له حكم الإِمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا، لأن الناس من زمن طويل، قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا، ما اجتمعوا على أمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلاَّ بالإمام الأعظم".)الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (7/ 239(
كلام الأئمة الآخرون ـ رحمهم الله ـ :
ـ قال الإمام أحمد بن حنبل ـ إمام أهل السنة ـ رحمه الله ـ في كتابه " أصول أهل السنة " :
" والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين , البر والفاجر , ومن ولي الخلافة , واجتمع الناس عليه , ورضوا به , ومن علِيَهُم بالسيف حتى صار خليفة , وسمي أمير المؤمنين .
إلى أن قال : " ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين , وقد كان الناس اجتمعوا عليه , وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان , بالرضا أو بالغلبة , فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين , وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية .
ولا يحل قتال السلطان , ولا الخروج عليه لأحد من الناس , فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق " اهـ كلامه .
ـ قال الإمام المزنيُّ في كتابه " شرح السنة " :
" والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله عزوجل مرضيا , واجتناب ما كان عند الله مسخطا .
وترك الخروج عند تعدِّيهم وجورهم , والتوبة إلى الله عز وجل كَيمَا يعطفُ بهم على رعيتهم " اهـ .
ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " العقيدة الواسطية " في كلامه عن معتقد أهل السنة والجماعة ـ الفرقة الناجية ـ :
" ويرون إقامة الحج والجهاد والجُمع والأعياد مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا " اهـ .
ـ وقال الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ في رسالته " ستة أصول عظيمة " :
" الأصل الثالث : أن من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا , ولو كان عبدا حبشيا , فبين الله هذا بيانا شافيا كافيا بوجوهٍ من أنواع البيان شرعا وقدرا , ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر من يدَّعي العلمَ فكيف العملُ به ؟! " اهـ .
وقال هذا الإمام ـ نور الله ضريحه ـ في رسالة " عقيدة الإمام محمد بن عبدالوهاب " :
قال في مطلعها " أُشهد الله ومن حضرني من الملائكة , وأُشهدكم أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية , أهل السنة والجماعة . ( ثم ذكر ما يعتقده إلى أن قال :
" وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله .
ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة , وجبت طاعته , وحرُم الخروج عليه ." اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ :
" وبذلك مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أمر بقتال الخوارج عن السنة، وأمر بالصبر على جور الأئمة وظلمهم والصلاة خلفهم مع ذنوبهم، وشهد لبعض المصرين من أصحابه على بعض الذنوب أنه يحب الله ورسوله، ونهى عنلعنته وأخبر عن ذي الخويصرة وأصحابه مع عبادتهم وورعهم أنهم يمرقون منالإسلام كما يمرق السهم من الرمية (الفتاوى (28/470) .
وقال الإمام الآجري ـ رحمه الله ـ في كتابه " الشريعة " ( ص 42) :
" قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله عز وجل الكريم عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه وسأل الله العظيم أن يكشف الظلم عنه وعن جميع المسلمين ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين وصلى خلفهم الجمعة والعيدين وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم وإن لم يمكنه اعتذر إليهم وإن أمروه بمعصية لم يطعهم وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيه ولم يعن على فتنة فمن كان هذا وصفه كان على الطريق المستقيم إن شاء الله تعالى" اهـ .
وقال الإمام البربهاري في " شرح السنة " : " ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري اصبر وإن كانعبدا حبشيا وقوله للأنصار اصبروا حتى تلقوني على الحوض وليس من السنة قتالالسلطان فإن فيه فساد الدنيا والدين"اهـ .
ومن كلام العلماء المعاصرين :
سئل الشيخ العلامة الإمام عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ ما يلي :
" السؤال : ما المراد بطاعة ولاة الأمر في الآية هل هم العلماء أم الحكام ولو كانوا ظالمين لأنفسهم ولشعوبهم؟
الجواب : يقول الله عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا[1] وأولو الأمر هم : العلماء والأمراء أمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله . فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف . لأن بهذا تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم ويردع الظالم . أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف- فالواجب أن يطاعوا في طاعة الله في المعروف سواء كانوا أمراء أو علماء العالم يبين حكم الله والأمير ينفذ حكم الله هذا هو الصواب في أولي الأمر ، هم العلماء بالله وبشرعه وهم أمراء المسلمين عليهم أن ينفذوا أمر الله وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف- أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميرا أو عالما فإنهم لا يطاعون في ذلك ، إذا قال لك أمير اشرب الخمر فلا تشربها أو إذا قال لك كل الربا فلا تأكله ، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه ، والتقي لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك العالم الفاسق . والمقصود أنه إذا أمرك العالم أو الأمير بشيء من معاصي الله فلا تطعه في معاصي الله إنما الطاعة في المعروف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) لكن لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزعن يدا من طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره وفيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية الله فإن أمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة)) ويقول عليه الصلاة والسلام : ((من رأى من أميره شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة فإنه من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية)) وقال عليه الصلاة والسلام : ((من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم وأن يشق عصاكم فاقتلوه كائنا من كان)) والمقصود أن الواجب السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمور من الأمراء والعلماء- وبهذا تنتظم الأمور وتصلح الأحوال ويأمن الناس وينصف المظلوم ويردع الظالم وتأمن السبل ولا يجوز الخروج على ولاة الأمور وشق العصا إلا إذا وجد منهم كفر بواح عند الخارجين عليه من الله برهان ويستطيعون بخروجهم أن ينفعوا المسلمين وأن يزيلوا الظلم وأن يقيموا دولة صالحة . أما إذا كانوا لا يستطيعون فليس لهم الخروج ولو رأوا كفرا بواحا . لأن خروجهم يضر الناس ويفسد الأمة ويوجب الفتنة والقتل بغير الحق- ولكن إذا كانت عندهم القدرة والقوة على أن يزيلوا هذا الوالي الكافر فليزيلوه وليضعوا مكانه واليا صالحا ينفذ أمر الله فعليهم ذلك إذا وجدوا كفرا بواحا عندهم من الله فيه برهان وعندهم قدرة على نصر الحق وإيجاد البديل الصالح وتنفيذ الحق ".اهـ .
والعلماء ـ رحمهم الله ـ لما قرروا أنه لا يجوز الخروج على الحاكم إلا الحاكم الكافر , ذكروا شروطا ـ إن توفرت كان الخروج عليه جائزا وإلا فلا ـ وهي :
قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ في "اللقاء المفتوح "1(29/5)
" وإذا فرضنا -على التقدير البعيد- أن ولي الأمر كافر، فهل يعني ذلك أن نوغر صدور الناس عليه حتى يحصل التمرد، والفوضى، والقتال؟! لا، هذا غلط، ولا شك في ذلك، فالمصلحة التي يريدها هذا لا يمكن أن تحصل بهذا الطريق، بل يحصل بذلك مفاسد عظيمة؛ لأنه -مثلاً- إذا قام طائفةٌ من الناس على ولي الأمر في البلاد، وعند ولي الأمر من القوة والسلطة ما ليس عند هؤلاء، ما الذي يكون؟ هل تغلبُ هذه الفئةُ القليلة؟ لا تغلب، بل بالعكس، يحصل الشر والفوضى والفساد، ولا تستقيم الأمور. والإنسان يجب أن ينظر: أولاً: بعين الشرع، ولا ينظر أيضاً إلى الشرع بعين عوراء؛ إلى النصوص من جهة دون الجهة الأخرى، بل يجمع بين النصوص. ثانياً: ينظر أيضاً بعين العقل والحكمة، ما الذي يترتب على هذا الشيء؟ لذلك نحن نرى أن مثل هذا المسلك مسلك خاطئ جداً وخطير، ولا يجوز للإنسان أن يؤيد من سلكه، بل يرفض هذا رفضاً باتاً، ونحن لا نتكلم على حكومة بعينها؛ لكن نتكلم على سبيل العموم." اهـ .
وقال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في موقعه ـ :
" لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور، ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فساداً كبيراً، وشراً عظيماً، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم، ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير، إلا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شراً أكثر فليس لهم الخروج رعاية للمصالح العامة. والقاعدة الشرعية المجمع عليها: (أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه) أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً عندها قدرة تزيله بها، وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين، وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال... إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك؛ لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية. " اهـ
أقول : هذا الكلام في الحاكم الكافر , أما إن لم يكن كافرا فلا يجوز الخروج عليه ولو كان أفسق الفساق , وأفجر الفجار بإجماع العلماء ـ خلافا لما عليه التكفيريون والقُطبيون : أتباع سيد قطب ـ , والدليل على ذلك ما يلي :
يقول النووي - رحمه الله - ( في شرحه لصحيح مسلم كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء . . . ): « . . . وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق » اهـ .

أقول : بعد هذه النقولات عن جهابذة الإسلام وفرسانه يتضح ـ بحمد الله ـ أن من يرمي السلفيين بالأوصاف الشنيعة , كأنهم "عملاء للحاكم" أو "أتباع بغلة السلطان" إلى غير ذلك لأنهم يطبقون دين الله الحق هؤلاء ظلمة , ولهم موعد مع الله ـ سبحانه ـ يوم القيامة .
فهذا هو مُعتقد السلفيين, وكما هو واضح فهم لم يأتوا بدين جديد , ولا مذهب جديد , وإنما يسيرون على دين ومذهب ومنهج محمد بن عبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه , وأئمة المسلمين ,ولكنهم وخصومهم كما قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ :
وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلة *** وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا .
هذا ما وفقني الله له , وأسأله ـ سبحانه ـ أن يغفر لي زللي , وتقصيري ,وأستسمحكم على الإطالة .
والحمد لله رب العالمين .