بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى صحبه وسلم ..
عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((من يحرم الرفقُ يحرم الخير))

وعن عائشه رضي الله عنها ان رسول الله عليه وسلم قال :
((ياعائشه ان الله رفيق يحب الرفق.ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف .ومالا يعطي على ماسواه))

وعن عائشه رضي اللع عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((ان الرفق لا يكون في شيء الا زانه. ولاينزع من شيء الاشانه))

هذه الاحاديث عند مسلم رحمه الله

قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم : في هذه الاحاديث
فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف .والرفق سبب كل خير.ومعنى يعطي على الرفق اي يثيب عليه مالا يثيب على غيره.

قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرحه رياض الصالحين: باب الحلم، والأناة، والرفق.
هذه ثلاثة أمور متقاربة: الحلم ، والأناة ، والرفق.
أما الحلم : فهو أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب، إذا حصل غضب وهو قادر فإنه يحلم ، ولا يعاقب، ولا يعاجل بالعقوبة.
وأما الأناة فهو التأني في الأمور، وعدم العجلة، وألا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجل، ويحكم على الشيء قبل أن يتأنى فيه وينظر.
وأما الرفق فهو معاملة الناس بالرق والهون، حتى وإن استحقوا ما يستحقون من العقوبة والنكال فإنه يرفق بهم.


قول الله تعالى: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: 134)

وفي قوله: ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) دليلٌ على أنهم يشق عليهم ذلك، لكنهم يغلبون أنفسهم فيكظمون غيظهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ليس الشديد بالصرعة)) الصرعة: يعني الذي يصرع الناس إذا صارعوه: (( وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)) .
والإنسان الذي هو أهل للعفو. ينبغي للإنسان أن يعفوعنه؛ لأن الله يقول ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(الشورى: 40) .
وأما الأية الثانية فهي قوله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (لأعراف:199)، قال خذ العفو ولم يقل أعف ولا أفعل العفو، بل قال: (خُذِ الْعَفْوَ) والمراد بالعفو هنا ما عفا وسهل من الناس؛ لأن الناس يعامل بعضهم بعضاً، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحب وعلى الوجه الأكمل؛ فهذا شيء يصعب عليه ويشق عليه ويتعب وراء الناس.
وأما من استرشد بهذه الأية، وأخذ ما عفا من الناس وما سهل، فما جاء منهم قبله، وما أضاعوه من حقه تركه، إلا إذا انتهكت محارم الله ، فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه؛ أن نأخذ العفو ، فخذ ما تيسر من أخلاق الناس معاملتهم لك، والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته .
(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) يعني : مُر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشرع من أمور الخير، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلوا به فيما بينك وبينهم أفعل ما تشاء في حقك، لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به.
(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين) المراد بالجاهل هنا ليس هو الذي لا يعلم الحكم؛ بل الجاهل السفيه في التصرف، كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) أي بسفاهة (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِم) (النساء:17).
فالجاهلون هنا هم السفهاء الذين يجهلون حقوق الغير، ويفرطون فيها، فأعرض عنهم ولا تبال بهم، وأنت إذا أعرضت عنهم ولم بتبال بهم فإنهم سوف يملون يوتعبون، ثم بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم، ولكن إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقك كاملاً ، فإنهم ربما بسفههم يعاندون ولا يأتون بالذي تريد.
فهذه ثلاثة أوامر من الله عزّ وجلَّ فيها الخير لو أننا سرنا عليها: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)( الاعراف: 199).
قوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43).
صبر : يعني على الأذي، وغفر : يعني تجاوز عنه إذا وقع به، إن ذلك لمن عزم الأمور: أي لمن معزومات الأمور، أي من الأمور التي تدل على عزم الرجل، وعلى حزمه، وعلى أنه قادر على نفسه مسيطر عليها، وذلك لأن الناس ينقسمون إلى أقسام بالنسبة لسيطرتهم على أنفسهم.
فمن الناس من لا يستطيع أن يسيطر على نفسه أبداً، ومن الناس من يستطيع لكن بمشقة شديدة، ومن الناس من يستطيع لكن بسهولة، يكون قد جبله الله عزّ وجلَّ على مكارم الأخلاق، فيسهل عليه الصبر والغفران.
فالذي يصبر على أذى الناس ويتحمل ويحتسب الأجر من الله ويغفر لهم، هذا هو الذي صنع هذه المعزومة من الأمور أي من الشؤون، وهذا حث واضح على أنه ينبغي للإنسان أن يصبر ويغفر، وقد سبق لنا التفصيل في مسألة العفو عن الجناة والمعتدين، وأنه لا يمدح مطلقاً ولا يذم مطلقاً، يل ينظر إلى الإصلاح. أ-هـ
نسأل الله ان يرزقنا الحلم والرفق والاناة
اللهـم آمــين