بسم الله الرحمن الرحيم

من أخطار
النفاق والمنافقون :
إن بلية الإسلام بالمنافقين شديدة جدًا , لأنهم منسوبون إليه ,ويلبسون عبائتة ويظهرون للناس أنهم أهلة وهم أعداؤه في الحقيقة , يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح , وهو غاية الجهل والإفساد ولا يتقون الله في كل ما يفعلون يخادعون الله والذين امنو وما يخدعون الا انفسهم وسيكشفهم الله للناس في يوم من الآيام فلا يفرحون في دنيا الكذب والنفاق فا الله مطلع على كل اعماهم .
فكم من معقل للإسلام قد هدموه ؟ وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟ وكم من علم له قد طمسوه ؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها , فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية من شبههم سرية بعد سرية لا يزالون يزعمون أنهم بذلك مصلحون ( ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) البقرة : 12
هذا بعض ما سطره ابن القيم ( رحمه الله ) في التحذير موضوع هذه المقالة وسيكــــــون الحديث عـــن خطر." النفاق والمنافقين من خلال ما يلي :

خطر المنافقين داهم :
فالمنافقون أعظم خطرًا وضررًا من الكفار المجاهرين , كما أن المنافقين أغلظ كفرًا وأشد عذابًا .
قال بن القيم عنهم : ( طبقة الزنادقة , وهم قوم أظهروا الإسلام ومتابعة الرسل وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسله , وهؤلاء المنافقون , هم في الدرك الأسفل من النار , قال تعالى : ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا ) النساء : 145
فالكفار المجاهرون بكفرهم أخف , وهم فوقهم في دركات النار , لأن الطائفتين اشتركتا في الكفر ومعاداة الله ورسله , وزاد المنافقون عليهم بالكذب والنفاق , وبلية المسلمين بهم أعظم من بليتهم بالكفار المجاهرين ولهذا قال تعالى : ( هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ) المنافقون : 4
وإنما كانت هذه الطبقة في الدرك الأسفل من النار لغلظ كفرهم فإنهم خالطوا المسلمين وعاشروهم ووصل إليهم من معرفة الإيمان ما لم يصل إلى المنابذين بالعداوة , فإذا كفروا مع هذه المعرفة والعلم كانو أغلظ كفرًا وأخبث قلوبًا , وأشد عداوة لله ولرسوله وللمؤمنين من البعداء عنهم , قال تعالى عن المنافقين : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبععلى قلوبهم فهم لا يفقهون ) المنافقون : 3.

تحذير القرآن منهم :
حذر القرآن الكريم منالنفاق وصفات المنافقين في آيات كثيرة فكان الحديث عنالنفاق.

تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم منالنفاق:
خاف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من النفاق"والمنافقين , وحذر وأنذر من سلوك المنافقين وحذر من الوقوع في شعب النفاق في أحاديث كثيرة :
فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما : ( مرفوعًا : ( إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي : منافق عليم اللسان .

خوف السلف الصالح على أنفسهم من النفاق:
كان سلفنا الصالح رحمهم الله – مع عمق إيمانهم وكمال علمهم – يخافون النفاق أيما خوف فقد أخرج البخاري : تعليقًا – أن ابن أبي مليكة رحمه الله
قال : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق"على نفسه .
قال الحافظ بن حجر ( الفتح 1/111) ( والصحابة الذين أدركوا ابن أبي مليكة من أجلهم : عائشة وأختها أسماء , وأم سلمة , والعبادلة الأربعة وأبو هريرة .. فهؤلاء ممن سمع منهم , وقد أدرك بالسن جماعة من أجل من هؤلاء , كعلي , وسعد بن أبي وقاص , وقد جزم بأنهم كانو يخافون النفاق في الأعمال , ولم ينقل عن غيرهم خلاف ذلك , فكأنه إجماع , وذلك لأن المؤمن قد يعرض عليه في عمله ما يشوبه مما يخالف الإخلاص , ولا يلزم من خوفهم من ذلك وقوعه منهم .. . ) .
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا فرغ من التشهد في الصلاة يتعوذ بالله من النفاق , ويكثر التعوذ منه فقال له أحدهم : ومالك يا أبو الدرداء أنت والنفاق ؟ فقال دعنا عنك , فوالله إن الرجل ليقلب عن دينه في الساعة الواحدة فيخلع منه
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول : ( ما خافه – النفاق – إلا مؤمن ولا أمنه إلا منافق ) أخرجه البخاري تعليقًا .
وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخافعلى نفسهالنفاق ؟ قال : ( ومن يأمن على نفسه النفاق ) ؟
يقول بن القيم : ( وبحسب إيمان العبد ومعرفته يكون خوفه أن يكون من أهل هذه الطبقة , ولهذا اشتد خوف سادة الأمة وسابقيهاعلى أنفسهم أن يكونوا منهم , فكان عمر يقول لحذيفة : ناشدتك الله , هل سماني رسول الله مع القوم؟ فيقول : لا , ولا أزكي بعدك أحدًا , يعني لا أفتح عليّ هذا الباب في تزكية الناس , وليس معناه أنه لم يبرأ من النفاق غيرك .
فتأمل رحمك الله ما عليه أولئك الأسلاف الأبرار من خوف شديد من النفاق ودواعيه , ثم انظر إلى حال الأكثرين منا في هذا الزمان , فمع ضعف الإيمان وغلبة الجهل تجد الأمن من النفاق والغفلة عنه ! فالله المستعان .

المنافقون كثر :
ومما يوجب مزيد الخوف من النفاق والحذر من المنافقين : أنهم كثيرون , منتشرون في بقاع الأرض , كما قال الحسن البصري ( رحمه الله ) لولا المنافقون لا ستوحشتم في الطرقات .
ولا يعني ذلك تعميم الحكم بالنفاقعلى الأكثرية والأغلبية , فإنالنفاق شعب وأنواع , كما أن الكفر شعب وأنواع فكذا من كان متهمًا بنفاق فهمعلى أنواع متعددة , كما وضحه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله : ( ولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعًا واحدًا , بل فيهم المنافق المحض , وفيهم من فيه إيمان ونفاق وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة منالنفاق , ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك : صارو يعاتبون من النفاق"على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك . )

سهولة الانخداع بهم :
فالمنافقون أصحاب تذبذب وتقلب , وأرباب خداع وتلبيس ,فيتكلمون بمعسول الكلام , وفصح الخطاب , ويظهرون للناس في هيئة حسنة ومظهر جذاب , فربما انخدع لهم الفئام من المسلمين , فمالوا إليهم وأصغوا إلى قولهم وتدليسهم , قال تعالى : ( وفيكم سماعون لهم ) : التوبة : 47
وقال سبحانه : ( إن يقولوا تسمع لقولهم ) المنافقون : 4
إن هذا التلون والتذبذب يجعل خطرهم كبيرًا, وشرهم مستطيرًا , حيث يخفون كفرهم وضلالهم , ويتظاهرون بالإيمان والاهتداء .

انتشارالنفاق الأصغر في مجتمعاتنا :
ومما يؤكدخطر"النفاق : أن الكثير من شعبالنفاق الأصغر – الذي لا يخرج عن الملة – قد عمت وطمت في مجتمعات المسلمين , كالكذب , وخلف الوعد والرياء والخيانة , والجبن , وترك الجهاد في سبيل الله تعالى وعدم تحديث النفس بذلك ومع أن هذا الخصال منالنفاق الأصغر , لكنها قد تؤول إلىالنفاق الأكبر المخرج من الملة .
بل استفحل الأمر وعظمالنفاق حتى صرنا نشاهد صورًا أو أنواعًا من النفاق الأكبر في بلاد المسلمين , ومن ذلك الإستهزاء بدين الله تعالى والفرح والسرور بانخفاض دين الإسلام وهزيمة المسلمين وكذا العكس ... , والإعراض التام عن حكم الله تعالى ومظاهرة الكفار ضد المسلمين .
إنعلى الدعاة إلى الله أن يحذروا مكايد المنافقين ومسالكهم , فلا ينخدعوا بهم أو يتساهلوا معهم , وأن يعني الدعاة بمعرفةالنفاق وخطره وشعبه , مخافة أن يصيبهم , وأن يتعرفواعلى مكايد المنافقين ومخططاتهم في الماضي والحاضر لكي يقعوا في شراكهم وتربية الأجيالعلى الإيمان الصحيح , والقيام بالعبادة ظاهرًا وباطنًا , فالمنافقون أرباب ظواهر لا بواطن .

الردعلى منكريالنفاق:
وأشير إلى مسألة مهمة , وهي : أنالنفاق موجود وواقع , خلافًا لمن أنكره من طوائف المرجئة , فقد زعم صنف من المرجئة أنه ليس في هذه الأمة نفاق
وقال سفيان الثوري : خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاثة , .. وذكر منها : نحن نقول : النفاق , وهم يقولون : لا نفاق .
الموقف إزاء المنافقين :
أما عن الموقف والواجب تجاه المنافقين , فيتمثل في جملة أمور منها :

1-
النهي عن موالاتهم والركون إليهم , كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . ها أنتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور ) آل عمران : 118, 119
2-
زجرهم ووعظهم : لقوله تعالى : ( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا ) النساء : 63
3-
عدم المجادلة أو الدفاع عنهم , حيث قال تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيمًا . واستغفر الله إن الله كان غفورًا رحيمًا . ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانًا أثيمًا ) النساء : 105-107