ستة مواقف للتأديب من خلال الشرع

1- الأطفال يستأذنون في ثلاثة أوقات:
من خلال الحوار والتعليم ينبغي أن يلتزم الأطفال بسلوك الاستئذان داخل الأسرة. ومما يدل على ذلك في كتاب الله قوله تعالى في سورة النور: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ (58)).

قال الإمام القرطبي في تفسير الآية: أدَّب الله عز وجل عباده في هذه الآية بأن يكون العبيد إذ لا بال لهم، والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم عقلوا معاني الكشفة ونحوها يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة، و هي الأوقات تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها، وملازمة التعري.

و تبدأ عملية الاستئذان من سن الأربع: وهو سن التمييز الأولي لدى الأطفال. و تبدأ عملية الأمر في هذا السن من باب التعليم، وليعتاده الطفل ويتمرن عليه ليكون أسهل عليه بعد البلوغ، وأقل نفوراً منه.
2- الأمر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي:
روى الإمامان أحمد والترمذي عن ابن عباس –رضي الله عنهما – قال:
كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: (يا غلام! إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) (المسند رقم 2669).

و مما نجد في هذا الحديث الشريف أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمه ابن عباس –رضي الله عنهما– بحفظ الله تعالى، والمراد بحفظ الله تعالى –كما بين الحافظ ابن رجب– أن يحفظ حدوده وحقوقه وأوامره و نواهيه، فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلى ما نهى عنه.

كما أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يسأل إلا الله تعالى وحده و أن لا يستعين إلا به سبحانه وتعالى، وكان ابن عباس –رضي الله عنهما– وقتئذ ولداً صغيراً، حيث خاطبه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا غلام).
3- أمر الأطفال بالصلاة:
ومما يدل على ضرورة أمر الأطفال بالمعروف ما ثبت من أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم للمسلمين بأمر أطفالهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين، وضربهم عليها إذا بلغوا عشر سنين، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها) (سنن أبي داود).

و روى الأئمة أحمد، وأبو داود، والدارقطني، والبغوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عد جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع).

و لعله من المناسب الإشارة إلى الأمور التالية في هذا المقام:
في الحديثين الشريفين السابقين أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أولياء أمور الصبيان بأن يأمروهم بالصلاة على التفصيل المذكور فيهما، قال العلامة المناوي في شرح الحديث الثاني منهما: يعني إذا بلغ أولادكم سبعاً فأمروهم بأداء الصلاة، فإذا بلغوا عشراً فاضربوهم على تركها، قال ابن عبد السلام: أمر للأولياء والصبي غير مخاطب.

و ليس للأولياء خيرة في هذا، بل يجب عليهم أن يفعلوا ما أمروا به، قال عز من قائل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)) سورة الأحزاب/ آية 36

وقال الإمام الشافعي: على الآباء والأمهات أن يؤدبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، فمن احتلم أو حاض، أو استكمل خمس عشرة سنة، لزمه الفرض.

و أُمِرَ الأطفال بالصلاة في هذا السن ليستأنسوا بها و يعتادوها ويُبرمَج سلوكهم اليومي على أداء الصلاة لتصبح جزءاً من برنامجهم اليومي وسلوكهم المعتاد إذا كبروا.

و الصغير –كما يؤكد العلم– أسلس قياداً وأسرع مؤاتاة، ولم تغلب عليه عادة تمنعه من اتباع ما يؤمر به، ولا له عزيمة تصرفه عما يؤمر به.
4- متابعة سلوك الطفل بالتعديل والتثبيت:
لا يكفي تعليم الطفل قواعد السلوك، بل لا بد من متابعة مستمرة لتعديل ما اعوج منه و تصحيح ما انحرف، و الدعوة إلى ما تم التقصير في أدائه. روى الإمام أبو داود عن ابن عباس –رضي الله عنهما– أنه قال: (بتّ عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أمسى، فقال: ((أصلى الغلام؟)) قالوا: نعم.


و مما نستفيده من هذا الحديث الشريف ما يلي:
أولاً:- اهتمام النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بصلاة الصبي: حيث كان ابن عباس –رضي الله عنهما– وقتئذ صبياً لم يبلغ بعد، و مما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عنه بقوله: ((أصلى الغلام؟)) والغلام –كما قال الحافظ ابن حجر– يقال للصبي من حين يولد إلى أن يبلغ الحلم .

ثانياً:- ضرورة متابعة صلاة الطفل من قبل من جاءهم زائراً من الأقارب:
مما يؤسف له ما يشاهد من أن بعض الأطفال يهتم آباؤهم أو أمهاتهم بصلاتهم وأمور دينهم، ولكنهم ما إن يصلوا إلى بيوت أقاربهم من أخوال وأعمام وأجداد حتى يتحولوا إلى (مستوى غير عادي) حيث لا أمر ولا نهي، و هكذا يهدم في ساعات أو أيام ما بناه –بفضل الله تعالى– آباؤهم أو أمهاتهم في شهور وسنوات.
5- أمر الأطفال بالصوم:
يعوَّد الأطفال على أداء العبادات بفترة طويلة تسبق سن التكليف و هي عملية برمجة إيجابية تفرز عادة حسنة والتزاماً وانضباطاً.

و كما هو الشأن بخصوص الصلاة يؤمر الأطفال بالصوم. و مما يدل على ضرورة أمر الأطفال بالمعروف ما يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم من أمرهم أطفالهم بالصوم في عصر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم و بعده.

فقد روى الشيخان عن الربيع بنت معوِّذ بن عفراء رضي الله عنهما قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: (من أصبح صائماً فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطراً فليتمَّ بقية يومه) فكنا بعد ذلك، نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار إن شاء الله تعالى. ونذهب إلى المسجد، وَنَصْنَعُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ فنجعل لهم اللعبة من العهن. فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار.
ست فوائد:
و مما نستفيده من هذه الرواية ما يلي:
أولاً:- شدة حرص الصحابة واهتمامهم بتصويم صبيانهم. ويتجلّى هذا في صنعهم اللعبة للأطفال، وإلهائهم إياهم بها عن الطعام حتى يتم صومهم.

ثانياً:- صغرُ سن الأطفال الذين كانوا يصومون. و مما يدل على هذا ما قالته الربيع بنت معوذ رضي الله عنهما: ((كنا نصوِّم صبياننا الصغار)).

ويدل عليه كذلك ما قالته رضي الله عنها: ((فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناه إياها)) و لا يخفى أن هذا يُفعل مع صغار الأطفال و ليس مع كبارهم.

ثالثاً:- و إنّ ما يُستفاد أيضاً من صنع الصحابة اللعبة لهم أنه ينبغي أن يهتم الآباء والأمهات عند أمر أطفالهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر بتقديم ما يساعدهم على فعل ما أمروا به و على ترك ما نهوا عنه.

رابعاً:- قد كان ذلك الاهتمام البالغ من الصحابة لتصويم صبيانهم الصغار صوم عاشوراء فكيف يكون اهتمامهم بتصويمهم صوم رمضان بعدما فرض؟ و يدل على اهتمام المسلمين وصبيانهم بصوم رمضان ما قاله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه للرجل الذي أتي به و قد شرب الخمر في رمضان: (ويلك، وصبياننا صيام!) فضربه. (صحيح البخاري).

خامساً:- إن ما جاء من تصويم الصحابة أطفالهم الصغار صوم عاشوراء له حكم الرفع لأن ذلك في عصر النبي الكريم و لم ينكره صلى الله عليه وسلم عليهم.

وفي هذا الصدد قال الحافظ ابن حجر: "إن الصحيح عند أهل الحديث وأهل الأصول أن الصحابي إذا قال: (فعلنا كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) كان حكمه الرفع، لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك و تقريرهم عليه..." (فتح الباري 4/201 بتصرف).

سادساً:- مشروعية تمرين الصبيان على الصيام. قال الحافظ ابن حجر "و في الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم، لأن من كان في مثل هذا السن الذي ذكر في هذا الحديث فهو غير مكلف، وإنما صنع لهم ذلك للتمرين" و قد أكد هذا كثير من علماء الأمة.
6- تعويد الطفل النطق بالشهادتين:
الكلام والتكرار أحد أهم الوسائل التي تبرمج حياة الإنسان وفق فحوى هذا الكلام و محتواه، و لا شك أن تكرار النطق بالشهادتين يعني بلغة البرمجة السلوكية للأطفال تشكيل فكره واعتقاده وسلوكه وفق كلمة الشهادتين. وتعني بالنهاية أن تصبح الشهادتان منهج حياة وأسلوب حياة. و مصدر التلقي و التشريع، و فرقاناً يميز من خلاله الطفل الحق من الباطل و الصواب من الخطأ. ولذلك اهتم الصحابة وسلفنا الصالح بتعليم الأطفال وتدريبهم على النطق بهذه الكلمة.