النتائج 1 إلى 1 من 1
الموضوع: كيف نواجه ضغوط الحياة
- 15-12-2014, 10:01 AM #1
كيف نواجه ضغوط الحياة
كيف نواجه ضغوط الحياة ؟
ضواغط الحياة كثيرة .. ما في ذلك شكّ .. وهي جزء لا يكاد يتجزّأ من حياة كلّ منّا ، ومَنْ يقول لك إنّه لم يتعرّض في حياته لأيّ ضغط فلا تصدّقه .
والضغوطات إمّا داخلية .. يستشعرها الانسان من جرّاء الاحتقان النفسي الذي يحصل من كلمة جارحة ، أو إهانة ، أو إحساس بالعجز والفشل ، أو أيّ موقف محرج يترك أثره السلبيّ على النفس فيكدّر صفاءها .
وإمّا خارجية .. وما أكثرها .. ضغط الدراسة من أجل النجاح .. وضغط المنافسة من أجل التفوّق .. ضغوط الحياة المعيشية وتحسينها .. ضغوط الأسرة وعادات المجتمع وتقاليده ، وضغوط الحكومات والأنظمة .. والقائمة طويلة .
فالضغط هو كلّ ما يثقل كاهل الانسان ويرهقه ويسبِّب له دوّامة من الصراع أو الصداع والألم النفسي ، ويؤدِّي إلى الضيق والاختناق مما يضطرنا إلى البحث عن متنفّس أو حلّ نهائي يرتفع معه الضغط ويزول .
والضغوط مهما كانت ثقيلة وصعبة وقاسية ، فإنّها ليست مما يستحيل إزالته أو رفعه ، فحتى الجبال الراسية القاسية تتحطّم وتنسف وتتصدّع ، وتُحفر فيها الأنفاق .
اُنظر إلى الخلف .. تذكّر موقفاً ، أو عدّة مواقف ضاغطة مررت بها .. أين هي الآن ؟
ربّما عانيت في رفعها وإزالتها الكثير ، وهذا أمر طبيعي ، فلكي تدفع أو ترفع شيئاً ثقيلاً لا بدّ من قوّة أو طاقة معيّنة تتناسب وثقل الشيء المدفوع أو المرفوع .. وهي قوّة موجودة في داخلك .. قوّة مدخرة .. يمكن أن تنهض من رقادها في ساعات الشدّة والأزمات الخانقة لتجابه التحدي الخارجي الضاغط ، بتحدٍّ داخلي يساويه في المقدار ، أو يزيد عليه ، ويعاكسه في الاتجاه ، وتلك هي المقاومة والصمود .. والصبر .
فعلى مقدار تربية وثقافة وتجربة واستعداد كلّ منّا يتحدّد حجم تلك القوّة ، فمنّا مَنْ ينهار لأوّل ضغط ، ومنّا مَنْ يبقى يقاوم لمرحلة معيّنة ، ومنّا مَنْ يواصل المقاومة حتى النهاية .
تذكّر تجربة واجهت فيها ضغطاً ما :
هل شعرتَ وأنت تواجه الضغط ، أ نّك أكثر قوّة وقدرة ومناعة من السابق ؟ أي من قبل أن يحاصرك الضغط ويشدّد الخناق عليك ؟
هل شعرتَ وأنت تنتصر على الضغط ، وتخرج مرفوع الرأس ، أنّ بإمكانك كما فتتّ هذا الضغط أن تفتّت أي ضغط غيره ؟
ألم تعطك تجاربك في مواجهة الضغوطات الحياتية المختلفة صورة أخرى عن (الضغوط) نفسها ، وعن شخصيتك أيضاً ؟
أما رأيت مثلاً أنّ بعض الضغوط أقلّ حجماً من المتصوّر ، وأنّ بعضها وهميّ تنتجه الخيالات ، وأنّ بعضها يحتاج إلى شيء من الوقت حتى يزول ، وأنّ قسماً رابعاً يحتاج إلى مساعدة الآخرين لرفعه ؟
إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة سوف تساعدك في معرفة ما يلي :
أ . إنّ الإستجابة السلبية للضغط تقهرك وتذلّك ، وتوقعك في أسر الأشياء الضاغطة أو الأشخاص الضاغطين ، وبالتالي تجعلك تشعر بالصغار والضعف والانهيار .
ب . إنّ تقديم التنازل أمام أي ضغط سوف يجرّ إلى المزيد من التنازلات التي تحطّمك أو تحطّم معنوياتك شيئاً فشيئاً ، وتلك هي سياسة الخطوة خطوة ، وهي سياسة الاستدراج الشيطانية : (ولا تتّبعوا خطوات الشيطان ) ، (إنّما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ) ، (الذي يوسوس في صدور النّاس ) .
ج . إنّك إذا استجبتَ للضغط فإنّك بذلك تعطي الفرصة للمستغلين والابتزازيين والانتهازيين والمتلاعبين بالعقول والعواطف أن يصادروا شخصيتك في أيّ وقت يشاؤون لأ نّهم قد عرفوا من أين تؤكل ، ومن أيّ نقاط الضعف ينفذون إليك .
ولذا لا بدّ من أن تتعلّم كيف تقول (لا) للضغوط السلبية . وهذا ما سنتعاون معك في مناقشته ، والوصول إلى الطرق العملية في مواجهته .
(لا) للضغوط السلبية :
كلمة (لا) صغيرة في لفظها وكتابتها ، لكنّها كبيرة في معناها ومغزاها .
هي ضغط أو تكثيف لرفضك وإبائك وممانعتك ، فلا تستهن بمقدرتها على إنقاذك في المواقف المحرجة والضاغطة سواء التوريطية ، أو الترهيبية ، أو الترغيبية .
لقد كان أوّل شيء علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس المشركين الذي جاء يدعوهم إلى توحيد الله هي هذه ال (لا) حيث خاطبهم بالقول : «قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا» .
إنّها سلاحك الذي به تقاتل الضغوط السلبية صغيرة كانت أو كبيرة ، ولا تنسَ أنّ بعض الضغوط الصغيرة إذا استهنت بها ، ولم تقل لها (لا) فإنّها تكبر وتستفحل وتنشط لافتراسك حتى تغدو ضغوطاً كبيرة قد تعجز عن مواجهتها .
قل (لا) لأيّ ضغط سلبيّ ، مهما كان شكله ونوعه وحجمه والمصدر الذي يأتي منه .. فكما أ نّك تتدرّب على حمل الأثقال لبناء عضلات متينة مفتولة ، فإنّ (لا) تحتاج إلى تدريب حتى تصبح عضلات الإرادة قويّة متماسكة .. بمعنى أن تكون رافضة ، مقاومة ، ممانعة .
كن صادقاً مع نفسك وقيمك وأهدافك ، ولا تجامل أحداً على حسابها . هل ترضى أن تجامل الآخرين من السادرين في غيّهم بأن تدخل في حلقة اغتياب ، وأنت تعلم أنّ الله يبغض الغيبة والمغتابين ويصف المغتاب بأ نّه آكلٌ لحم أخيه ميتاً ؟ كيف إذن تبيح لهم أن يستدرجوك لمواقع الزلل والوقوع في مطبّ المعصية قولاً كانت أو عملاً ؟
ولكي تقول (لا) بالفم الملآن ، لا بدّ أن تتحمّل مسؤولية موقفك ونتائج عملك بشجاعة ف (لا) مكلفة .. ولها ضريبة باهضة ، لكن فوائدها جليلة ونتائجها باهرة .
من السهل عليك أن تقول (نعم) لأيّ ضغط سلبي ، فليس في ذلك جهدٌ يُذكر أو عناء يُطلب ، ولكنّ الضعفاء هم مَنْ يقولون (نعم) دائماً حتى إذا لم يقبلوا بشيء ، أو لم يكن يروق لهم .
ول (نعم) وجهان :
(نعم) إذا كنت مقتدراً على أداء شيء ، وطلب منك ذلك ، ولم تترك استجابتك أي مردود سلبي عليك ، ف (نعم) هنا حلوة ، لكنّها دَين ، أي أ نّك إذا قلت لشيء نعم فعليك أن تفي باستجابتك ، كما لو يقال لك انّك لطيف المعشر ، محبوب من الجميع ، فلو تدخلت في الإصلاح بين صديقين متنازعين ، وقلت (نعم) فلا بدّ من أن تسخِّر وجاهتك في إصلاح ذات البين بينهما .
هذه (النعم) إيجابية ، وهناك (نعم) سلبية ، وهي نوع من أنواع الاستجابة للضغط ، فقد تستجيب للضغط وأنت مكره ، وقد تستجيب للضغط ولا إكراه عليك ، وتلك هي ال (نعم) المذمومة ، فلأ نّك مثلاً رأيت بعض الشبان يدخّنون ، رحتَ تدخّن تقليداً لهم وليس بضغط أو تشجيع منهم ، فأنت قلت (نعم) من غير أن يُطلب منك أو تُكره على قولها .
ومع ذلك فقول (لا) صعب .. لأ نّه يعني الرفض والمقاومة ، والرفض في العادة ممقوت . فإذا لم تستجب لبعض رغبات النفس الهابطة ، فربّما ألحّت عليك ، وعاونها الشيطان في تحبيب الرغبة ، وأ نّك لست مضطراً لحرمان نفسك من هذه المتعة أو تلك اللّذة .
والرفض ممقوت أيضاً من قبل الضاغطين الذين يعرضون عليك الاستجابة لرغباتهم أو طلباتهم فتصدّهم بقولك (لا) وربّما مارسوا عليك ضغوطاً أخرى حتى يخضعوك لإرادتهم .
تذكّر أنّ الكبار .. أصحاب النفوس الكبيرة .. والإرادات العظيمة .. والمقاومين الأبطال لم يصبحوا كذلك بلمسة سحرية .. لقد قالوا في أوّل الأمر للضغوط الصغيرة (لا) وحينما نجحوا في رفضها وقهرها ، كانوا على أتمّ الاستعداد لرفض وقهر ما هو أكبر منها .
الضغوط الخارجية :
لا يمكن حصر الضغوط الخارجية بنقاط محدّدة ، ففي كل يوم قد يواجهك تحدٍّ أو ضغط جديد ، وبالتالي فأنت تزداد في كلّ يوم قوّة ومناعة وصلابة ، بما يستنفره الضغط الجديد من قواك الكامنة المدخرة ، وقديماً قيل «الضربة التي لا تكسر الظهر تقوّيه» .
ولكننا على سبيل المثال لا الحصر يمكن أن نستعرض بعض تلك الضغوط ، وكيفيّة مواجهتها :
1 ضغوط الأسرة : فلكلّ أسرة نظامها الحياتي ، ولكلّ عائلة برنامجها وقيودها والتزاماتها ، وهي تؤثر بلا أدنى شك على قرارات الشاب أو الفتاة اللذين يجدان في أحيان كثيرة أنّ عليهما أن يمتثلا لتلك الضوابط والقيود ، مما يشكّل ضغطاً على بعض حرّيتهما ، وبعض قراراتهما ، وبعض اختياراتهما .
ولا بدّ من التنبيه ، أنّ ضغوط الأسرة ليست كلّها سلبية ، ففيها أيضاً الإيجابيّ الذي يصبّ في مصلحة الشاب أو الفتاة ، والنابع من الحبّ والشفقة والحرص عليهما ، والتقدير لحداثة عهدهما بالتجربة .
فمن الضغوط البيتية التي يواجهها بعض الشبان والفتيات ، ضغوط تمارس عليهم في اختيار الفرع الدراسي الذي يريدون الدخول فيه . ومع أنّ هذه المشكلة راحت تتقلّص في الكثير من الأسر نتيجة الوعي الثقافي والاجتماعي المتزايد لكنّها ما زالت في أخرى قائمة إلى اليوم ، وقد تحدث في بيوت وأسر يتمتع فيها الوالدان بمستوى ثقافي جيِّد .
فالشاب يرغب في كلّية الآداب والأب يطالبه بكلّية الطبّ ، والفتاة ترغب بالتعليم وأمّها تضغط عليها بالهندسة ، وهكذا . ولم يلتفت بعض هؤلاء الآباء والأمّهات إلى حقيقة واقعة ، وهي أنّ عدداً لا يستهان به من المستجيبين لضغوط الأهل في هذا الجانب ، فشلوا في اختصاصاتهم أو فروعهم التي دخلوها رغماً عنهم ، أو لم يكونوا في الأقلّ من المبدعين المتفوقين فيها .
ولذا ، فلا بدّ من حوار عقلانيّ هادئ يخوضه الأبناء مع أسرهم وإقناعهم برغباتهم هم ، وأنّ الإملاءات لا تؤدي إلى نتائج طيّبة . وإذا كان الشاب أو الفتاة على قناعة تامّة بما يريدان ، فإنّهما سوف ينجحان في إقناع والديهما في رغبتهما الشديدة بهذا الفرع التخصصي أو ذاك . أمّا إذا كانت القناعة ناقصة أو مهزوزة ، أو لم يكن الشاب أو الفتاة يعلمان ماذا يريدان بالضبط ، فإنّ قناعة الأبوين هي التي تفرض نفسها في مثل هذه الحالات .
وقد يرتئي الشاب أو الفتاة الحاجة إلى وساطة آخرين مؤثرين لاقناع الأهل بالتراجع عن ضغوطاتهم السلبية ، كأن يقوم العم أو الخال أو صديق مخلص للعائلة في التفاهم مع الأبوين في المشروع الدراسي ، وأ نّهم قد يكسبون طبيباً لا يشكل سوى رقم عادي في قائمة الأطباء الطويلة العريضة ، لكنهم يخسرون أديباً بارعاً قد يفوق الأقران في أدبه .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الضغط عادة لا يكون علمياً بل هو ماديّ بحت ، أي ليست الغاية هي أن نحصل على طبيب يداوي الناس ويعالج أمراضهم ويسكِّن آلامهم ، بل على مهنة تدرّ مالاً أكثر وربّما أوفر ، الأمر الذي يتطلب ثقافة أعمق في تقدير الإبداع والموهبة والميل النفسي لهذا الاختصاص أو ذاك .
ولا يخفى أنّ الأبوين اللذين يمارسان الضغط باتجاه معيّن ، يقعان هما أيضاً تحت ضغط آخر ، وهو ضغط الثقافة الاجتماعية العامّة التي تقوم على تفضيل الطب والهندسة على ما سواهما من مهن أو حرف .
ومن الضغوط الأسريّة ، التدخل في مسألة الزواج واختيار زوج أو زوجة المستقبل ، حتى مع عدم قناعة هذه أو ذاك باختيار الأهل .
وقد لا يكون الضغط بالغ الشدّة ، لكنّ مجرد شعور بعض الأبناء والبنات أنّ الأب أو الأم أو كليهما غير راضيين عن اختيارهما ، قد يجعلهما تحت ضغط نفسي ربّما يدفعهما إلى التنازل عن قرارهما واختيارهما ، والنزول عند رغبة والديهما .
أمّا في حالات العناد والإصرار على الزواج ببنت العم ، أو الخال ، أو زواج الفتاة بابن عمّها أو ابن خالها ، فإنّ الضغوط قد تصل إلى درجة براءة الذمّة أو المقاطعة ، أو خلق المشاكل والمتاعب ، مما يجعل من مشروع يفترض له أن يكون سعيداً ، وهو مشروع الزواج ، غصّة في قلب الشاب أو الفتاة .
ولقد كان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) مقدّراً لخطورة هذا الضغط
على حياة الشباب ، عندما جاءه شاب ، وقال له : أبواي يريدان تزويجي ممّن لا أهوى ، وإنِّي لأرغب بالزواج من فتاة أخرى أهواها ، فقال له الإمام (عليه السلام) : «خذ ما هويت واترك هوى الوالدين» .
فالنظرة هنا في المدى البعيد ، فقد أرضي والديّ في بداية الزواج لأنني استجبت لضغطهما في الزواج بمن يريدان ، لكنني سوف أغضب نفسي في حياتي الزوجية التي ربّما تنتهي إلى الطلاق في حال عدم الانسجام والتوافق .
وترخيص الإمام (عليه السلام) باختيار الشاب الفتاة التي يُحبّ ، وترك اختيار الوالدين يدلِّل أنّ ذلك ليس معصية لهما ، وإنّما رفض لضغط سلبي لا معنى له سوى إملاء الإرادة .
ولقد أباحت الشريعة الاسلامية للفتاة التي يُمارس الضغط الأسري عليها في الزواج بمن لا ترغب ، أن تتحلّل من عقد الزواج المكرهة عليه ، وأن تتزوّج مَنْ تختار ، ولا يحقّ لولي أمرها أباً كان أو جدّاً أو حتى أخاً أن يفرض عليها مَنْ لا تحب ، بل ويعتبر العقد في مثل هذه الحالات باطلاً .
ومن ضغوط الأسرة أيضاً ، اختيار نوع العمل ، وهو مشكلة شبيهة بمشكلة اختيار الفرع الدراسي . فقد يميل الشاب أو الفتاة إلى ممارسة عمل يقع ضمن نطاق هوايتهما أو رغبتهما الخاصّة ، وقد تختلف أو تتقاطع رغبة الأب أو الأم مع رغبتهما ، مما يجعلهما أي الوالدين يمارسان شتى الضغوط النفسية والعاطفية عليهما من أجل التراجع عن العمل المرغوب والانخراط في عمل يفضلانه عليه .
ونتائج مثل هذا الضغط كنتائج الضغط على اختيار الفرع الدراسي ، فقد يؤدي إلى فشل عمليّ وخسارة مادية ومعاناة نفسية وتوتر داخل المحيط العائلي ، ما لم يحسم الأمر لصالح الرغبة الذاتية .
2 ضغوط العشيرة : وفي البلدان أو القرى والأرياف التي لا زالت كلمة العشيرة مسموعة فيها ، تتدخل أعراف وتقاليد العشيرة وربّما قناعاتها ، في التأثير على أبنائها وربّما الضغط عليهم في الاتجاه الذي لا يمثِّل قناعة الفرد ، مما يمثِّل الخروج عليها خروجاً على (القانون) العشائري وعصياناً وتمرّداً عليه .
ومع أنّ بعض أعراف العشائر ليست مخالفة للشريعة ولا للعرف الاجتماعي الذي تسالم عليه الناس أ نّه من المعروف وليس من المنكر ، إلاّ أن كلمة الفصل في ذلك كلّه لما يقوله الشرع الاسلامي ، الأمر الذي يتطلب تعاملاً ذكيّاً محنّكاً مع أعراف العشيرة ونظامها الداخلي وضغوطاتها بما لا يخلق حالة من النزاع الداخلي بين أبنائها والقائمين عليها .
3 ضغط العادات والتقاليد الموروثة : ليس الأمر مقتصراً على ضغوط العشيرة في المناطق الضيقة والمحدودة ، بل حتى في المجتمعات المدنية المفتوحة ، تجد أنّ هناك جملة من العادات والتقاليد التي توارثها أبناء المدن ، حتى أنّها صبغتهم بصبغتها وطبعتهم بطابعها ، ولكنها في كل الأحوال أخفّ درجة ووطأة من تلك الموجودة في القرى والأرياف والمدن الصغيرة .
ويبدو ذلك واضحاً في المجتمعات التقليدية المحافظة التي تعتبر خروج أبنائها وفتياتها على بعض ما تعارفت عليه تنكّراً وتنصّلاً عن عاداتها وتقاليدها المخترعة أو المبتدعة ، مما يشكل عبئاً ضاغطاً على الشبان والفتيات ، فالسقوط تحت تأثيرها لا سيما المتخلّف منها سقوط لشخصية الشاب أو الفتاة ، وأنّ التحرر منها يحتاج إلى ثقافة عالية ، وجهد حثيث للتغيير ، وقدرة كبيرة على الإقناع ، والتعامل بحكمة . وكلّما اتّسعت دائرة الوعي تقلّصت دائرة التخلّف .
4 ضغط الجماعة (الأصدقاء والرفاق) : وللأصدقاء تأثيرهم الواضح على الشاب أو الفتاة خاصّة في مرحلتي المراهقة والشباب ، لأ نّهم كثيراً ما يقعون تحت سلطة الجماعة وتأثيرها ، ويعتبرون الانتماء إليها والانقياد لأوامرها جزءاً مهماً من شخصياتهم .
ولقد كشفت العديد من الدراسات الاجتماعية أنّ حالات الجنون والانحراف والعنف والسرقة وتعاطي الممنوعات كالمخدرات ، التي ارتكبها شبان أو فتيات ، إنّما كانت منطلقة من التأثير الجماعي على الجانحين .
وتزداد خطورة الجماعة إذا كانت تمارس عملها من خلال حزب أو حركة أو منظمة أو جمعيّة أو حتى عصابة تسخِّر طاقات الشباب في مآرب دنيئة ، حتى ليصعب على المنتمين إليها في أحيان كثيرة الإفلات من قبضتها ، وحتى لو حاولوا فسيكونون عرضة للتشهير والتسقيط والاتهام وربّما القتل .
ولذلك فالحذر كلّ الحذر من الانخراط في الجماعات المشبوهة ، أو المجهولة الدوافع والأهداف ، أو التي تضمّ أشخاصاً سيئي الصيت ، والتحقق والتثبّت من ذلك كلّه قبل الإقدام على خطوة الإنتماء ، وإذا لم يتيسّر ذلك شخصياً ، فبالإمكان التحري من أشخاص أكثر معرفة وتجربة ، وإلاّ فالخروج من بعض هذه التنظيمات المشبوهة سيكون كالخروج من فم التنين .
5 ضغوط الحكومات المستبدّة : وهي أقوى وأشدّ من الضغوط السابقة ، لأ نّها ضغوط تُمارس من خلال أجهزة ومؤسسات وإدارات وشعارات وقرارات . وقد يتطلّب التخلّص منها أو تغييرها جهداً جماعياً ليس بمقدور الأفراد المعدودين ، مما يجعل الضغط في ظلّ هذه الحكومات عنيفاً ومن اتجاهات مختلفة، وقد يضطر الشاب أو الفتاة إلى الانصياع أو الانسياق للجوّ السياسي العام الضاغط ، أو الهروب خارج الوطن ، أو الدخول في دائرة المعارضة ، وفي كلّ حالة من هذه الحالات هناك ضغوط معيّنة تتفاوت شدّة وارتخاء ، وقوّة وضعفاً .
6 ضغط الإعلام والإعلان والدعاية : فالإعلام اليوم سلطة ، وأيّة سلطة ؟! إنّه يدخل بيوتنا طائعاً مختاراً وبدون استئذان ، أو هكذا رحّبنا به في كلّ وقت ومن قبل الجميع ، فوجد له مكاناً في الصدارة .
والإعلام يمارس سلطته عبر ضغوط فكرية ونفسية واجتماعية وسياسية وسلوكية كثيرة ، وبتخطيط حاذق لا يلبث المشاهد خصوصاً العادي الذي لا ينطلق من خلفية ثقافية معيّنة أن يجد نفسه واقعاً تحت سطوته منجرّاً معه إلى حيث ما يريد .
ويتّضح ضغط الإعلام أيضاً من خلال أساليب وصنع الدعاية المركزة والإعلان المشوّق الجذّاب الذي يشغل مساحات واسعة من البث تكاد تفوق التركيز على موادّ البث الأساسية .
والإعلان مبني أساساً على مخاطبة العقل الطفولي والغرائزي لدى الانسان المشاهد ، فكأ نّه يقوم بابتزازه علناً وجهاراً وهو راض ومبتسم .
والحقيقة التي لا يعرفها بعض ضحايا الدعاية والإعلان ، أنّ الإعلانات في مجملها تخلق حاجات متصورة أو مصنوعة ، وتوحي للمشاهد أو المستمع أنّ خياره هو هذا (أي الشيء المعلن عنه) وهو في الواقع ليس خياره وإنّما خيار المنتج والمسوّق .
7 ضغط الإشاعة : وهو ضغط تمارسه الأجهزة السياسية والأمنية والاقتصادية لإبتزاز المواطنين واثقال مشاعرهم بالخوف ، والهائهم عن القضايا الكبرى أو الأمور الحيوية ، حتى أنّ بعض الأنظمة تعمد إلى جعل المواطن في حالة طوارئ قصوى خوفاً من المجهول المرتقب الذي تتفنّن الإشاعة في تصويره أو التهديد به ، وربّما التنويم والتخدير به أيضاً .
ولا بدّ للتخفيف من ضغط الإشاعة من دراسة طبيعتها من حيث مفرداتها ، ومقدار الحقيقة التي تتضمنها ، ومن الذين يروّجون لها ، وماذا تستهدف ، وماذا يمكن أن تسببه من آثار ومخاطر ، وإعلام المغرّرين أو المأخوذين بها بذلك كلّه ، حتى نخلق مصدّاً بوجه رياحها .
8 ضغط الإغراء : ليس الإعلام وحده مَنْ يمارس الضغوط الإغرائية على شبابنا وفتياتنا ، ولا الدعاية والإعلان فقط ، وإنّما الشارع الذي تتحرّك فيه النساء والفتيات أنصاف عاريات ، أويتبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى من حيث إظهار الزينة وتنعيم الصوت والغنج وباقي مفردات الإغواء ، حتى لقد تحوّلت الأماكن العامّة إلى غرف نوم أو ما أشبه ذلك .
فالإغراء سواء كان لشراء بضاعة معيّنة ، أو لإشعال غرائز الشبّان والفتيات، أو للدخول في منتديات أو مقاهي أو ملاهي معيّنة ، هو وسيلة ضغط كبيرة يتساقط على أعتابها الكثيرون .
وكلّما خفت الرقابة الوالدية والمحاسبة البيتية ، وتضاعفت من الجهة الثانية وسائل الضغط الإغرائي التي تشجع عليها بعض الحكومات والأنظمة ، انفلتت الغرائز من عقالها ، وصعب لجمها وتعذّر ، لا سيما في أوساط الشبان والفتيات الذين لا يجدون سبيلاً إلى التعفّف أو الزواج عن طريق شرعيّ .
لقد أريد ليوسف الشاب (عليه السلام) أن يقع ضحيّة هذا اللون من الإغراء في أجواء مشجّعة ومحفّزة وضاغطة يفوح الجنس من كلّ ركن فيها ، لكنّه أبى واستعصم وتعفّف والتجأ إلى ركن وثيق : (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنّه ربِّي أحسن مثواي إنّه لا يُفلح الظّالمون ) حتى قوله تعالى : (فاستجاب له ربُّه فصرف عنه كيدهنّ إنّه هو السّميع العليم ) .
فقد تخاطبك نفسك وهي أمّارة بالسوء إلاّ ما رحم ربّي أن تتحرّش بفتاة تمرّ من أمامك ، فتستجيب لأمرها وضغطها ، فتسمعها بعض الكلمات غير المؤدّبة .
فإذا ما استجبتَ لنفس الطلب في حالة مشابهة وفي وقت لاحق ، فإنّك تكون قد ضخّمت بإرادتك حجم الضغط عليك ، ويمكنك التأكد من ذلك عند ما تجد أ نّك لا تستطيع رفض طلب النفس بالتحرّش بفتاة أخرى .
ونفس الشيء يقال بالنسبة للفتاة المستجيبة لضغط التحرّش ، فإنّ سكوتها ، أو ابتسامتها ، أو التفاتتها ، هي ايضاً استجابة لضغط داخلي ، وإذا تكرّر ذلك منها فإنّها قد تقع تحت ضغط آسر لا تلبث أن تجد صعوبة بالغة في الخلاص أو الإنفلات من قبضته .
9 ضغوط الحاجة : ونقول ضغوط لأ نّها ليست ضغطاً واحداً ، وإنّما هي متعددة تزداد بازدياد متطلبات الحياة العصرية المدنية المنفتحة على منتجات السوق العالمية أزياءً وسلعاً وبضائع وأفلاماً وتقنيات عصرية .
فالكمالي اليوم قد تقلّص ، أو هكذا راحت أجهزة الدعاية والإعلان تصور ذلك . فكلّ شيء ضروريّ ، حتى غير الضروريّ ، فهم كما مرّ معنا يخلقون حاجات موهومة ، أو مفبركة تجعلك تشعر بضرورة تلبيتها ، وإلاّ كنت ناقصاً ، أو متخلّفاً عن الركب المتحضّر ، الأمر الذي دفع للأسف الشديد بعض الشبان المضغوطين بتلك الحاجات إلى اقتراف ، أو اتباع أساليب جنائية محرّمة للوصول إلى تلك الحاجات ، إمّا لتقليد الحائزين عليها ، أو مسايرة لوضع اجتماعي ومعيشي في قيمه واعتباراته المادية الدخيلة ، بحيث تعتبر السرقة شطارة والتحايل فتوة ودهاء أو لعدم المقدرة للحصول عليها بالطريق المشروع .
أمّا في مدرسة الاسلام ، فالشاب الذي يعثر على لقطة محفظة نقود أو غيرها يبادر إلى الإعلان عنها وارجاعها إلى أصحابها ما تيسّر له ذلك ، وإلاّ تبرّع أو تصدّق بها عن صاحبها ، وبالتالي فكأنّ صاحبها لم يفقدها .
في حين أنّ الشاب الذي لا يحمل مثل هذه الخلفيّة الثقافية الشرعية قد يتنازعه شعوران ضاغطان ، شعور تسليمها إلى صاحبها ، أو السؤال عنه ، وشعور الاستحواذ عليها .
فإذا رجح الأوّل ، وهو كما قلنا لا يرجح إلاّ من خلال تربية سلوكية معيّنة ، فإنّ الضغط يكون قد ارتفع ، أمّا إذا ألحّ الشعور الآخر ، شعور الاستحواذ وأعانه على ذلك رفاق السوء الذين قد يسخرون من تسليمه اللُّقَطة ، أو التعريف بها ، لأ نّه كما يحاولون تصوير ذلك سيضيِّع فرصة ثمينة ، فإن ذلك سيشكل ضغطاً عليه في استبقائها والتصرّف بها على أنّها ملكه الخاصّ .
ويصل ضغط الحاجة أحياناً إلى درجة الإذلال المهين ، فيمدّ الشاب يده للاستعطاء والاستجداء وربّما السرقة ، وهو قادر على أن يحصل على قوت يومه لو طلبه من حلال .
وقد يذلّ نفسه مقابل أشياء حقيرة كلفّافة تبغ ، ومن هنا نفهم البعد البعيد للحديث الشريف : «لا ينبغي أن تكون للمؤمن حاجة تذلّه» لأ نّها تكون الضاغط الذي يلحّ عليه بالتلبية ، فينساق إلى تلبيته بأيّ ثمن حتى لو كان كرامته !
الضغوط الداخلية :
وهي في الغالب ضغوط نفسيّة تنجم إمّا عن تنازع واصطراع بين ما يريده العقل وما تريده العاطفة . وإمّا عن التزاحم بين الأعمال والهوايات ، أو الإخفاق في تحقيق مسعى أو هدف معيّن ، أو العجز عن نيل درجة أو حاجة أو موقع معيّن .
فكثيراً ما يعيش بعض المراهقين صراعاً غرائزياً حاداً بين ما تهواه نفوسهم وما تتحكم به عقولهم من ضرورة الصبر والتريث حتى يحين موعد النضج والقدرة على الوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية .
وقد يصابون بضغوط نفسية شديدة نتيجة الفشل الدراسيّ ، أو مواجهة مشكلة معيّنة ، كأن يكون ضعيفاً في مادة دراسية ، وبدلاً من أن يصمّم على اجتياز هذه العقبة بمزيد من الدرس والفهم والاستيعاب والمواظبة وطلب المعونة ، تراه يعيش العقدة والكراهية لتلك المادة مما يجعله يعيش ضغطاً نفسياً يصل إلى درجة التأفّف والاختناق ، كلّما تذكّر أ نّه مطالب باجتيازها .
أو تراه يرغب بالوصول إلى القمّة بسرعة خاطفة ، حتى إذا اصطدم بحقيقة صعود السلّم درجة درجة ، عانى من الضغط أو الألم النفسي المبرّح لأنّ غيره سبقه إلى القمّة وهو ما يزال على السفح ، من غير أن يدقّق النظر في أنّ الذين على القمّة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقة الإزاحة أو التسلّق أو حرق المراحل ، وإنّما جدّوا واجتهدوا وزرعوا وحصدوا .
وغالباً ما يكون التزاحم بين عملين ، لا تحسم الأرجحيّة لصالح أحدهما ، سبباً في الضغط النفسيّ ، فقد يخيّر التلميذ أو التلميذة نفسيهما بين مسؤولية الدراسة وأداء التكاليف المدرسية ، وبين مشاهدة فيلم جميل ، أو مباراة مهمّة ، وقد يقبلان على المشاهدة لكنّهما يجدان المتعة منغّصة وغير كاملة ، لأنّ الوقت يمضي والتكاليف تنتظر .
وقد يقع التزاحم بين التلفاز والصلاة ، فيكون الضغط النفسي ناتجاً عن تأخير الصلاة ، والتقاعس عن أدائها في وقتها ، والشعور بأنّها أقلّ أهميّة من مادة تلفزيونية .
وربّما يكون بين متطلبات الدراسة والرغبة في النزهة أو اللعب أو زيارة الأصدقاء ، أو إنجاز بعض المسؤوليات البيتية .
إنّ حلّ هذه الأزمات الصغيرة ، أو تجاوز هذه الضغوط أنّى كان حجمها لهو بيد الشاب أو الفتاة نفسيهما .
فتنظيم الوقت ، وترتيب سلّم الأولويات ، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ، وتقديم ما لا يحتمل التأخير ، أو يكون في تأخيره خسارة معيّنة ، سوف يبدّد الكثير من الضغوطات الطارئة . ذلك أ نّك أحياناً قد تشعر بالانقباض النفسي ولا تدري سبباً لذلك ، ولو قمت بتحليل شعورك هذا لرأيت أنّ مكوّناته هي ضغط صغير هنا ، وضغط صغير هناك اجتمعا فضيّقا الخناق عليك .
وقد تأتي الضغوط الداخلية من جرّاء الضجر والرتابة والملل ، ولذا فإنّ التغيير الايجابي البسيط ربّما يحوّل سمفونية حياتك الرتيبة إلى نغمات عذبة ودافئة ومسلية .
حاول مثلاً تغيير الشارع الذي تسير فيه إلى مدرستك أو عملك ، أو غيِّر طريق العودة منهما ، استبدل قميصاً بآخر وليس من الضروري أن تشتري جديداً ، استبدلي العطر الذي تستعملينه ، أو تسريحة شعرك .
وربّما كان زيارة لصديق أو نزهة في حديقة ، أو قراءة في كتاب تميل إلى الاستزادة في موضوعه ، وغير ذلك مما يتفنّن كلّ شاب وفتاة ، ففي الحديث : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيّروا لها طرائف الحكمة» .
والمراد ب (طرائف الحكمة) كل ما هو جديد ، أو فيه مسحة أو نفحة من التجديد ، ذلك أنّ «لكلّ جديد لذّة» حتى لو كان التجديد في تغيير مكان الطاولة من الزاوية التي تقبع فيها .
إنّ زيارة الصديق المخلص الثقة الذي تحبّه ويحبّك وتشتاق له ويشتاق إليك ، وترتاح له ويرتاح إليك ، لا سيما إذا كان مؤمناً محبّاً للخير ودوداً ، من أهم أساليب الترويح عن النفس ، والتخفيف من الضغوطات المتراكمة عليها ، علاوة على ما فيها من قربة لله ولرسوله (ص ).