بسم الله الرحمن الرحيم

أهمية سلامة القلب:


لسلامة القلب عظيم الأثر في سعادة المرء في الدنيا والآخرة؛ فلا يكاد العبد ينتفع بشيء في دنياه وأخراه أعظم من انتفاعه بسلامة قلبه: سلامته من الشرك والنفاق والرياء والكبر والعجب وسائر الأمراض التي تعتريه، ولا أعني: أمراض البدن التي منها أمراض القلوب، وإنما أعني: تلكم الأمراض التي تعتري القلب مما يتعلق بدينه؛ فهي أعظم الأمراض فتكًا على الإطلاق وأشدها تدميرًا وأسوأها أثرًا؛ بل وليست هناك مقارنة على الإطلاق بين مرضٍ بدني يعتري القلب ويحتاج إلى بعض الأدوية والمُسكِّنات، وبين مرض يجرح دينه ويُذهب تقواه.
فالأخير يجلب على العبد نكدًا وهمًا وغمًّا وعذابًا في الدنيا والآخرة، أما الأول فقد يُثاب عليه العبد المؤمن إذا صبر واحتسب، كسائر الأمراض التي يُثاب عليها المؤمن إذا صبر واحتسب، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاه)) رواه البخاري ومسلم

فالقلبٌ السليمٌ من الشك والشرك والشقاق والنفاق، السليم من الغل للذين آمنوا... السليم من الرياء، السليم من الأحقاد...السليم لم يُصب بالقسوة ولم يختم عليه بالأختام ... السليم لم يتلوث بآثار الجرائم والذنوب والمعاصي ... ولم يتدنس بالبدع والخرافات والأوهام وظن السوء.
سليم يحمل كل هذه المعاني.

هذا هو القلب الذي ينفع صاحبه يوم القيامة، كما انتفع الخليل إبراهيم عليهالسلام:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم: 37].
إبراهيم الذي ابتلاه الله بكلمات فأتمهن فجعله الله للناس إمامًا:{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84].

بصلاح هذا القلب يصلح سائر الجسد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ القلب)) رواه البخاري ومسلم.
هذا القلب المنيب الذي يورث صاحبه الجنان وتقرَّب له وتُدنى، قال الله تباركوتعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُون لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيب *ٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [سورة ق، الآيات: 31- 35].
وها هم أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف نزلت عليهم السكينة، وبما نزلتبعد توفيق الله سبحانه لهم؟!! قال الله سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
والله سبحانه وتعالى ينظر إلى القلوب والأعمال، ويُجازي عليها ويثيب ويعاقب،ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)).
وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: ((لا تَحَاسَدُوا وَلا تَنَاجَشُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تَدَابَرُوا وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا))"وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ" رواه مسلم.

فما أسعد أصحاب القلب السليم! هنيئًا لهم هؤلاء الذين وحَّدوا ولم يشركوا به شيئًا، ولم يراءوا ولم ينافقوا... هنيئًا لهم هؤلاء القوم الذين باتوا وليس في قلوبهم غلٌّ للذين آمنوا... هنيئًا لهم هؤلاء الذين أحبوا للمؤمنين ما أحبوه لأنفسهم ... هنيئًا لهم هؤلاء الذين حافظوا على قلوبهم ولم يلوثوها بذنوب ترسب عليهاالسواد والنكت والران والختم ... هنيئًا لهم هؤلاء الذين اطمأنت قلوبهم بذكر الله.
طوبى لهؤلاء وحسن مآب