الدية شرعا هي المال الواجب في النفس أو فيما دونها، والأصل في وجوبها قوله تعالى: {وما كان لمُؤمِنٍ أَن يَقتُلَ مُؤمِنًا إلاّ خَطَأً ومَن قَتَلَ مُؤمِنًا خَطَأً فتَحرِيرُ رَقَبةٍ مُؤمِنة ودِيةٌ مُسَلَّمةٌ إلى أَهلِه إلاّ أَن يَصَّدَّقُوا}.. (النساء : 92).

وقد بينتها السنة المطهرة فيما رواه النسائي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب كتابا إلى أهل اليمن جاء فيه: (أَنّ مَن اعتَبَطَ مُؤمِنًا قَتلاً عن بَيِّنةٍ فإنَّه قَوَدٌ إلاّ أَن يَرضى أَولِياءُ المَقتُولِ، وأَنّ في النَّفسِ الدِّيةَ –مائةً مِن الإبِلِ– ...... إلى أن قال صلى الله عليه وآله وسلم: وأَنّ الرَّجُلَ يُقتَلُ بالمَرأةِ، وعلى أَهلِ الذَّهَبِ ألفَ دِينارٍ).

وقد أجمعت الأمة على وجوبها، والدية الواجبة شرعا في القتل الخطأ هي ألف دينار من الذهب، أو اثنا عشر ألف درهم من الفضة، وعلى الأخير الفتوى في عصرنا وبلدنا. ودرهم الفضة عند الجمهور جرامان وتسعمائة وخمسة وسبعون جزءا من الألف من الجرام، فيكون جملة ما هنالك خمسة وثلاثين كيلو جراما وسبعمائة جرام من الفضة الخام الشائعة، تُعطى لأهل القتيل أو تُقَوَّم بسعر السوق وتدفع لهم طبقا ليوم بدء أدائها، وتتحملها عاقلة القاتل -أي عصبته-، وتُدفَع مقسطة فيما لا يزيد عن ثلاث سنوات، إلا إذا شاءت العاقلة دفعها مُنَجَّزة، فإن لم تستطع فالقاتل، فإن لم يستطع فيجوز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.

والتصالح في أمر الدية بالعفو أو بقبول قيمة أقل أمر مشروع بنص القرآن الكريم، وقد فوَّض الشارع الحكيم لأهل القتيل التنازل عن الدية أو عن بعضها تخفيفا عـن القاتل إن لم يتيسر دفعها أصلاً أو دفعها كلها، ولا فرق في الدية بين أن يكون القاتل كبيرا أو صغيرا أو رجلا أو امرأة؛ لأن القتل متحقق في كل الأحوال. وقبول الدية جائز شرعا؛ لأنها حق لأهل القتيل فلهم قبولها أو التنازل عنها أو التصالح على جزء منها؛ يقول الله سبحانه: {فمَن عُفِيَ لَهُ مِن أَخِيهِ شَيءٌ فاتِّباعٌ بالمَعرُوفِ وأَداءٌ إلَيهِ بإحسانٍ ذلكَ تَخفِيفٌ مِن رَبِّكُم ورَحمةٌ}.. (البقرة : 178).

ومع تكييف هذه المسألة على أنها قتل خطأ إلا أننا ننبه على أن هذا بحسب الوارد إلينا بالسؤال؛ أي أنه بافتراض أنه ليس هناك تعمد من القاتل أو تربص منه بالقتيل، وعلى افتراض أنه لم يكن مرتكبا لخطأ جسيم؛ ككونه يقود سيارته بسرعة كبيرة فوق المسموح مروريا؛ وإلا فإن الأمر يلزم منه تدخل السلطة القضائية للحكم عليه ولورثة القتيل بما يكون مناسبا لكل حالة فوق استحقاقهم للدية.