مع بداية الدعوة الإسلامية وانتشار الدين الجديد بين الناس تعرض المسلمون لأنواع شتى من الاضطهاد والاعتداء والتضييق من قبل الكفار والمشركين في مكة، فكان لزامًا على المؤمنين أن يبحثوا عن أرض جديدة يسودها العدل ويهربوا إليها بدينهم الحق.
لذا فقد أمر الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الصحابة الكرام بالهجرة إلى الحبشـة مرتين، ثم أمرهم بالهجرة إلى المدينة المنورة في الهجرة الكبرى التي أسست لأول دولة إسلامية.
وكانت بداية الاضطهادات التي تعرض لها المؤمنون في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من البعثة، بدأت ضعيفة، ثم اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وفي أثناء ذلك نزلت سورة الكهف وفيها إشارة إلى الهجرة يقول تعالى: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله * فأووا إلى الكهف ينشـر لكم ربكم من رحمتـه ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً}.
فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه الكرام أن هناك أرض فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وأمرهم بالهجرة إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتـن، فكانت الهجرة الأولى للمسلمين إلى الحبشة في رجب سنة خمس من النبوة، حيث هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة، مكوناً من اثني عشر رجلاً وأربع نسـوة، وكان رحيلهم تسللاً في ظلمة الليل ، خرجوا إلى البحر، وركبوا سفينتين تجارتين أبحرتا إلى الحبشة .
وفي رمضان من نفس العام عادوا مرة أخرى إلى مكة بعدما أشيع أن قريش أسلمت، وعندما تأكدوا من كذب الخبر عادوا مرة أخرى وهاجروا إلى الحبشة للمرة الثانية، وفي الهجرة الثانية هاجر ثلاثة وثمانون رجلاً وثمان عشرة امرأة.
وجاء أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة رحمته منه بهم، فقد قال عن الله سبحانه وتعالى ووصفه بأنه (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يتعرض للكثير من الاضطهاد والمضايقات من قبل المشركين، ولكن كان هناك من يصد عنه بعض هذا الأذى وهو عمه أبي طالب، ولكن عوام المسلمين وضعفائهم كانوا معرضين للأذى والتنكيل، والتضييق، والضرب، والإيلام.
فرحمة النبي صلى الله عليه وسلم دعت أصحابه المضطهدين الذين ينكل بهم، الذين يُضربون، الذين تصادر أموالهم، إلى الهجرة إلى الحبشة، لأن فيها ملكاً عادلاً لا يظلم عنده أحد.