يعتبر أول سلطان عثماني، يحصل على لقب خليفة المسلمين، بعد أن فتح مصر وأسقط دولة المماليك، هو سليم الأول، الذي تحل ذكرى ميلاده في 10 أكتوبر الجاري.

ويعد سليم الأول، تاسع سلاطين الدولة العثمانية وخليفة المسلمين الرابع والسبعون، وأوّل من حمل لقب «أمير المؤمنين» من آل عثمان.


ونستعرض في التقرير التالي محطات من سيرة سليم الأول


1- ولد السلطان سليم الأول ابن السلطان بايزيد الثانى بن محمد الفاتح وأمه عائشة گلبهار خاتون الأميرة من سلالة ذي القدر التركمانية في 10 أكتوبر سنة 1470م، الموافق سنة 872 هـ في مدينة أماسيا على ساحل البحر الأسود في الأناضول.



2- وصل سليم إلى تخت السلطنة بعد انقلاب قام به على والده، «بايزيد الثاني»، بدعم من الإنكشارية وخاقان القرم، ونجح بمؤازرتهم بمطاردة إخوته وأبنائهم والقضاء عليهم الواحد تلو الآخر، حتى لم يبق له منازع في الحكم.



فكره



3- إن سياسة الدولة العثمانية في زمن السلطان سليم الأول سارت على هذه أسس القضاء على الدولة الصفوية الشيعية، وضم الدولة المملوكية، وحماية الأراضي المقدسة، وملاحقة الأساطيل البرتغالية، ودعم حركة الجهاد البحري في الشمال الأفريقي للقضاء على الأسبان، ومواصلة الدولة جهادها في شرق أوروبا.



4- كان لسقوط الأندلس تأثيرًا كبيرًا على مجرى الأحداث في الدولة العثمانية، حيث عمل الأسبان والبرتغاليين للانتقام من العالم الإسلامي بعد القضاء على الوجود الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيرية، فوجّه الإسبان والبرتغاليين هجماتهم على العالم الإسلامي من خلال الأساطيل البحرية في كل من المحيط الأطلنطي والبحر المتوسط.



وكانت رغبتهما قوية في تطويق العالم الإسلامي من جهة الشرق أيضاً فكان اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.

ومع اتجاه البرتغال تجاه المشرق الإسلامي بدأت تحتل بعض المدن الساحلية في بحر العرب وخليج عدن والخليج العربي، وتلاقت أطماعها مع الشاه إسماعيل الصفوي فكانت التحالفات بينهما على القضاء على الدولة العثمانية ووضع القوات البرتغالية تحت إمرة الشاه الصفوي متى احتاجها.

5- كانت لديه رغبة في توحيد المسلمين بعد ما تردد وقتها من أن البرتغاليين احتلوا بعض المواقع في جنوب العالم الإسلامي، ليواصلوا طريقهم إلى المدينة المنورة وينبشوا قبر رسول الله ويساوموا المسلمين على القدس الشريف، وفي الوقت نفسه يتحرش الصفويون الشيعيون بالعثمانيين من الشرق، ويجبرون السكان السنيين الذين تحت أيديهم على اعتناق المذهب الشيعي، ويزحفون على العالم الإسلامي، ويعقدون حلفًا مع البرتغاليين أعداء الإسلام على المسلمين السنة بصفة عامة، وعلى العثمانيين بصفة خاصة.

حربه مع الصفويين

6- أرسل سليم الأول لشاه الصفويين رسالة، قائلًا: «أنا زعيم وسلطان آل عثمان أنا سيد فرسان هذا الزمان أنا الجامع بين شجاعة وبأس أفريدون الحائز لعز الاسكندر والمتصف بعدل كسرى أنا كاسر الأصنام ومبيد أعداء الإسلام أنا خوف الظالمين وفزع الجبارين المتكبرين أنا الذي تذل أمامه الملوك المتصفون بالكبر والجبروت وتتحكم لدى قوتي صوالج العزة والعظامات أنا الملك الهمام السلطان سليم خان بن السلطان الأعظم مراد خان أتنازل بتوجيه إليك أيها الأمير اسماعيل يا زعيم الجنود الفارسية، ولما كنت مسلماً من خاصة المسلمين وسلطاناً لجماعة المؤمنين السنيين الموحدين، وإذ قد أفتى العلماء والفقهاء الذين بين ظهرانينا بوجب قتلك ومقاتلة قومك فقد حق علينا أن ننشط لحربك وتخلص الناس من شَركك، إن علمائنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل بصفتك مرتداً وأوجبوا على كل مسلم حقيقي أن يدافع عن دينه وأن يحطم الهراطقة في شخصك أنت وأتباعك البلهاء ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم فأننا ندعوكم لحظيرة الدين الصحيح قبل أن نشهر سيوفنا وزيادة على ذلك فإنه يجب عليك أن تتخلى عن الأقاليم التي اغتصبتها منا اغتصباً ونحن حينئذ على استعداد لتأمين سلامتك» .



7- ولم يضيع السلطان سليم الأول الوقت، وأعد العدة لمنازلة الصفويين، وخشي في طريقه أن يعترضه السكان الشيعة الذين هم داخل الدولة العثمانية على الحدود المتاخمة للصفويين، فأمر بقتلهم جميعًا، ثم سار مباشرة في اتجاه عاصمة الصفويين (تبريز) وأراد الجيش الصفوي أن يخدع العثمانيين بالفرار من أمامه حتى يصاب الجيش بالإرهاق فينقضوا عليه، وحدث الصدام بين الجيشين في جالديران شرقي الأناضول عام 920هـ، وانتصر العثمانيون، وبعدها بعشرة أيام دخل السلطان سليم الأول مدينة تبريز واستولى على خزانتها، ثم اقترب فصل الشتاء ففترت عزائم الإنكشارية، فانتظر السلطان حتى انتهى فصل الشتاء ثم سار مرة أخرى في اتجاه الدولة الصفوية، واستولى على بعض القلاع في أذربيجان، ثم عاد إلى إستانبول وجمع ضباط الإنكشارية الذين فترت عزيمتهم وامتنعوا عن مواصلة الزحف عندما حل فصل الشتاء، فقتلهم جميعًا حتى يكونوا عبرة لغيرهم.



سقوط دولة المماليك

8- ما أن انتهى السلطان سليم الأول من الصفويين حتى أعد العدة للهجوم على المماليك الذين ضعف أمرهم في ذلك الوقت، ولم يحاولوا الوقوف في وجه البرتغاليين، إضافة للخلاف الثائر بين المماليك والعثمانيين على إمارة ذي القادر التي تقع على الحدود الفاصلة بينهما.



9- استطاع السلطان سليم الأول جذب ولاة الشام في صفه لقتال المماليك، ووعدهم بالإبقاء عليهم في إماراتهم إذا ما تم له النصر، ثم سار بجيشه لملاقاة المماليك الذين بدورهم أعدوا أنفسهم لملاقاة العثمانيين، والتقى الجمعان في موقعة مرج دابق عام 922هـ، واحتدم القتال العنيف بينهما، فتسلل ولاة الشام بجيوشهم وانضموا للعثمانيين، فضعف أمر المماليك وهزموا وقتل في المعركة السلطان قنصوه الغوري، وبهذه المعركة أصبحت الشام في قبضة سليم الأول، أي ما يعادل نصف دولة المماليك، وغدت الأناضول بأكملها تحت سلطان العثمانيين.

10- تولى السلطان طومان باي مكان قنصوه الغوري، فعرض عليه السلطان سليم الأول أن يعترف بسيادة العثمانيين ودفع خراج سنوي لهم، فأبى طومان باي، فبرز إليه السلطان سليم فانهزم طومان باي على حدود الشام الجنوبية، فتتبعه السلطان سليم حتى مدينة القاهرة، حيث التقى الجيش في موقعة الريدانية وانتصر العثمانيون برغم الدفاع المستميت للمماليك، ووقع طومان باي في يد العثمانيين نتيجة لخيانة أحد أتباعه، فأعدموه على باب زويلة.



تسلم مقاليد الخلافة

11- بانتهاء دولة المماليك تنازل الخليفة العباسي الأخير محمد المتوكل، والذي كان كمن سبقه من الخلفاء في دولة المماليك ليس له أي سيطرة وإنما كان صورة فقط، للسلطان سليم الأول عن الخلافة، ودخلت الحجاز في تبعية الدولة العثمانية، وأصبح السلطان سليم الأول أول خليفة عثماني، فنقل مقر الخلافة من القاهرة إلى إستانبول،وأضيف إلى ألقاب السلطان العثماني سليم الأول لقب «حامي الحرمين الشريفين أو خادم الحرمين الشريفين» كما صار لقبا لكل من جاء بعده من الخلفاء.



ضم الجزائر



12- وعندما تمكن العثمانيون من مصر في عهد السلطان سليم سارعوا في محاربة البرتغاليين وسار أسطول بحري بقيادة «مير على بك» إلى الساحل الأفريقي واستطاع تحرير مقديشو ومدنًا أخرى وأنزل بالبرتغاليين خسائر فادحة، وفي هذه الفترة كان نجم أحد القباطنة المسلمين، واسمه خير الدين بربروس باشا، سطع.



وخير الدين هذا من أصول يونانيّة، كان يعمل وأخاه عرّوج بالقرصنة ببحر الروم، ثم أسلما ودخلا في خدمة السلطان «محمد الحفصي» صاحب تونس واستمرّا في حرفتهما وهي أسر المراكب الأوروبية التجارية وأخذ كافة ما بها من بضائع وبيع ركّأبها وملاحيها بصفة رقيق.

وفي ذات يوم أرسلا إلى السلطان سليم إحدى المراكب المأسورة إظهارًا لخضوعهما لسلطانه، فقبلها منهما، وأرسل لهما خلعًا سنيّة وعشر سفن ليستعينوا بها على غزو السفن البرتغالية ومساندة الدولة العثمانية في حربها ضد البرتغال، فقويت شوكتهما وأقدم خير الدين على الاستيلاء على ثغر مدينة شرشال بالجزائر، ثم عاد إلى تونس وأرسل إلى السلطان سليم بمصر رسولاً يؤكد لديه إخلاصه وولائه للسدّة السلطانية العثمانية.

13- أما عرّوج، فبعد أن استولى على مدينة الجزائر وهزم الجيوش الإسبانية التي أرسلها الإمبراطور كارلوس الخامس، المعروف باسم شارلكان، لمساعدة أمير الجزائر على المقاومة، فتح أيضًا مدينة تلمسان، في خضم الأحداث أرسل أهل الجزائر رسالة إلى السلطان سليم بمصر باسم الخطباء والفقهاء والعلماء والتجار والأعيان تطلب الانضواء تحت الراية العثمانية والمساعدة للوقوف في وجه الإسبان والبرتغاليين، فسارع السلطان سليم بمنح بربروس لقب «بكلر بك الجزائر» وأرسل فرقة من المدفعية وألفي إنكشاري وفتح الباب أمام المتطوعين للذهاب إلى الجزائر لمناصرة أهلها وخص المتطوعين بامتيازات الإنكشارية تشجيعًا لهم كما شرع العثمانيون بإنشاء أسطول بحري ثابت للجزائر، وصكت النقود باسم السلطان سليم الأول، ودعي له على منابر المساجد في خطب الجمعة، وبذا صار هذا الإقليم ولاية عثمانية.

وفاته

14- بعد عودة السلطان سليم من مصر، انهمك بتجهيز أسطول بحري ضخم لمعاودة الكرّة على جزيرة رودس بحرًا بعد أن لم يتمكن جدّه، السلطان محمد الفاتح، من غزوها في أيامه، ويُقال أيضًا إنه كان يُحضّر لحملة على المجر، كذلك كان يستعد لمحاربة الشاه إسماعيل الصفوي مجددًا بعد أن تحالف مع البرتغاليين ضده وسمح لهم بإقامة مراكز حصينة على الجزر الفارسيّة الواقعة في الخليج العربي.

جمع السلطان خمسة عشر ألف جندي من المشاة تحت قيادة فرحات باشا، بيلر بك الأناضول، وأرسل إليهم عددًا عظيمًا من المدافع والذخائر، وسار إليهم من القسطنطينية إلى أدرنة لقيادتهم في الحملة.

15- وفي هذه الفترة أصيب السلطان بمرض عُضال يقول البعض أنه كان الجمرة الخبيثة، ويخمنون أنه أصيب به لشدّة تعرضه للجثث في ساحات المعارك واستنشاق روائح الأجساد المتحللة، بالإضافة إلى سفره إلى بلدان ذات مناخات مختلفة ومتناقضة أشد النقيض وتعرّضه لما في جوّها من أدواء.

ويقول آخرون أن ما أصيب به السلطان لم يكن سوى سرطان جلديّ أصيب به جرّاء تعرّضه الطويل لأشعة الشمس خلال غزواته وسفره على صهوة جواده.

بينما يقول البعض إنه جرى تسميمه من قبل طبيبه الخاص الذي كان يداويه. وعلى الرغم من ألمه، استمر السلطان بسيره إلى أدرنة لإتمام مشروع فتح رودس، لكن لم يمهله الموت ريثما يتم ذلك، وتوفي في يوم 22 سبتمبر سنة 1520م، الموافق في 9 شوّال سنة 926هـ، في السنة التاسعة لحكمه وحوالي الخمسين من عمره.