الشوارع هي خير دليل على تاريخ الشعوب، فالأسماء التي أخذتها شوارع القاهرة لم تكن صدفة، بل تم اختيارها عن قصد، فقد أخذت أسماء لدول عربية لاسيما خلال فترة المد العربي أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأسماء لملوك وحكام وسلاطين وشخصيات مشهورة، وأماكن آثرية، وأسماء نضالية.

وتحدث الكاتب حمدي عبدالجليل في كتابه «القاهرة: شوارع وحكايات» عن أهمية شوارع القاهرة بكل ما تحمله من حكايات وأسرار، بقوله «شوارعنا هي ذاكرة أمتنا بكل ما تحمله من دموع وابتسامات ومن انكسارات وانتصارات باقية ما بقى التاريخ وما بقى الآثر».. ويرصد «المصري اليوم» تاريخ 13 شارع من شوارع القاهرة.
1- شارع أمير الجيوش
شارع أمير الجيوش
من أقدم شوارع القاهرة الفاطمية، يبدأ من ميدان باب الشعرية وينتهي في شارع المعز لدين الله الفاطمي، ويرجع تسمية الشارع إلى القائد بدر الجمالي، الذي يوصف عادة بأنه «رجل الساعة».
فبمجرد دخوله مصر عام 1074 نجح في انقاذ الدولة الفاطمية من كارثتين هما المجاعة التي أكلت الأخضر واليابس، والثاني استفحال نفوذ الأتراك والبرابرة الذين استغلوا ضعف الخليفة الفاطمي وعاثوا في الأرض فسادًا.
وبدأ «الجمالي» مشواره السياسي والعسكري في سلك العبيد، وتمكن من القضاء على الأتراك، وعين قائد عام للجند، وزيرًا السيف والقلم، ورئيسًا للقضاة، عمل على إعادة النظام إلى العاصمة الفاطمية، ومن أبرز انجازته، بناء سور القاهرة وإعادة تحصينه.
2- شارع جامعة الدول العربية

جاءت تسمية الشارع بهذا الاسم، استجابة لدعوة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، بإطلاق أسماء الدول والعواصم العربية على شوارع القاهرة، خلال فترة المد القومي العربي في الخمسينيات من القرن الماضي.
يبدأ شارع جامعة الدول العربية بميدان متسع قلما تجد مثله في ميادين القاهرة، محاط بعدد من المنشآت التجارية والترفيهية كسينما سفينكس، والبنك التجاري للتنمية، وفي وسط الشارع، يوجد تمثال لنجيب محفوظ، كما يوجد مقر نادي الزمالك، أحد قطبي الكرة المصرية.
3- شارع منصور
شريان حيوي يربط ميدان التحرير بأحياء المنيرة والسيدة زينب وفم الخليج، والفسطاط، وكان الشارع جزءًا من المناطق المفضلة للملوك والأمراء، لمتخامته لقصور جاردن سيتي.

فقد قام الخديوي إسماعيل ببناء 3 قصور لبناته في هذه المنطقة، الأول لفائقة زوجة مصطفى باشا بن اسماعيل باشا المفتش، ومحله الآن وزارة التربية والتعليم، والثاني منحه لابنته جميلة الذي تزوجها محرم باشا بن كنج شاهين باشا، ومحله الآن وزارتا الإسكان والتموين، والثالث منحه لتوحيدة، زوجة منصور باشا ومحله الآن وزارة الإنتاج الحربي.

ويربط شارع حسين حجازي، شارع منصور بالقصر العيني، ويرجع تسمية الشارع الفرعي إلى لاعب الكرة الشهير، حسين حجازي، الذي سافر لانجلترا قبل الحرب العالمية الأولى، ورأس وفد مصر في دورة الألعاب الاوليمبية بباريس عام 1924، ولعب في أندية السكة الحديد والأهلي والزمالك إلى أن اعتزل عام 1931.
4- شارع الجمهورية

عقب ثورة 23 يوليو، تم استبدال اسم شارع «إبراهيم باشا» بـ«الجمهورية»، ليعبر عن الحقبة الجديدة في تاريخ الدولة المصرية، بقيام الجمهورية وإلغاء الملكية.
يصل الشارع بين ميدان عابدين وميدان رمسيس مرورًا بميدان الأوبرا، حيث يقع تمثال إبراهيم باشا، وهو التمثال الوحيد الذي لم تزيله الثورة من بين كل تماثيل المنتمين لأسرة محمد على في القاهرة، ربما لكونه من مؤسسي الجيش المصري وأحد أهم قواده.
5- شارع رمسيس

من أكبر وأطول شوارع القاهرة وأكثرها ازدحامًا، فهو شريان حيوي يصل بين عدد من الأحياء تبدأ من التحرير، مرورًا ببولاق والفجالة والسكاكين، وتنتهي بالعباسية.
و«عباس» كان الاسم الأول للشارع، نسبة إلى الخديوي عباس حلمي الثاني، ثم أطلق عليه اسم الملكة «نازلي» ابنة عبدالرحيم باشا صبري، غير أن سمها لم يدم كثيرًا فقد اكتفي الملك فاروق باسم شارع «الملكة»، وقامت ثورة يوليو بتغيير الاسم إلى شارع رمسيس.
يبدأ شارع رمسيس، بالجدار الخلفي للمتحف المصري، وبجوار المتحف ميدان عبدالمنعم رياض، القائد العسكري الذي استشهد في حرب الاستنزاف عام 1969، بجانبه نقابتي الصحفيين والمحامين، وسنترال رمسيس ومسجد الفتح.
6- شارع رشدي

عرف الشارع لسنوات طويلة باسم «الساحة» أي ساحة الحمير، وهو اسم شعبي فرضه نشاط الشارع القديم على محليات القاهرة، ومع بداية القرن العشرين أصبحت المناطق المحيطة بالشارع في الأزبكية وعابدين من أبهى مناطق القاهرة، الأمر الذي أدى إلى تغيير اسم الشارع إلى حسين رشدي باشا.
ويعد «رشدي باشا» أحد الشخصيات المشهورة، فقد تقلد عدة مناصب منها محافظ القاهرة، ووكيل وزارة الأوقاف، وعمل قاضيًا، ثم وزيرًا للمالية في حكومة بطرس باشا غالي، ثم وزيرًا للخارجية في حكومة محمد سعيد باشا، ثم رئيسًا للحكومة عام 1914.
7- شارع قصر النيل

تعود تسميته إلى قربه من النيل، فقد شيد محمد على قصرًا لابنته نازلي هانم عرف بـ«قصر النيل»، ورغم أن هذا القصر تم هدمه من قبل إبراهيم باشا وبني في موقعه ثكنات قصر النيل العسكرية، إلا إن اسمه ما زال يتصدر الشارع.
لعب شارع قصر النيل دورًا سياسيًا خلال الثورة العرابية، لاسيما وأنه كان قريبًا من المقر الدائم لحكم مصر وهو قصر عابدين، وقد كان بمثابة قلعة القاهرة وحصنها، وأحكام السيطرة عليه يعني ضمان استسلام كافة بقاع القاهرة.
فعقب هزيمة أحمد عرابي في معركة التل الكبير، كان أول إجراء عسكري اتخذته بريطانيا هو المسارعة في احتلال ثكنات الجيش المصري بشارع قصر النيل.
ويعد الشارع أحد الشرايين الرئيسية في قلب القاهرة التي تربط ميدان العتبة بالتحرير.
8- شارع محمد محمود

يعود تسمية الشارع إلى محمد باشا محمود، أحد الرجال البارزين في تاريخ مصر الحديثة، فقد كان من ضمن الوفد المصري الذي سافر إلى أوروبا لعرض القضية المصرية، واستقال الوفد عقب الخلاف الشهير بين سعد زغول وعدلي يكن على رئاسة وفد المفاوضات.
ألف وزراته الأولى عام 1928، ثم وزارته الثانية عام 1937، وانتقل إلى رئاسة المعارضة في مجلس النواب، إلى أن توفي عام 1941، ولعب الشارع دورًا كبيرًا عقب ثورة يناير، حيث شهد اشتباكات عدة بين المتظاهرين ورجال الشرطة، وسقط الكثير من الدماء على أرضه.
9- شارع القصر العيني

وصف هذا الشارع بـ«منتجع الأمراء» أو «ساحة الموظفين»، نظرًا لوجود مراكز صنع القرار السياسي المصري به، فيوجد به مجالس الوزراء والشعب والشورى، ووزرات التعليم والداخلية والإسكان، بجانب المؤسسات الصحفية كروز اليوسف والنقابية كنقابة الأطباء، والثقافية كالهيئة العامة لقصور الثقافة، ومسرح السلام ومستشفى القصر العيني.
10- شارع العباسية

يعود اسم الشارع إلى عباس حلمي الأول بن الأمير طوسون، الذي تولى حكم مصر بعد وفاة عمه إبراهيم باشا بن محمد على.
وتولى عباس حلمي الأول حكم البلاد عام 1848، وأسس الشارع وشيد على حافته الشرقية ثكنات الجيش المصري، وشجع الشعب على تعمير المنطقة من خلال منحهم الأراضي بجانب بناء المستشفيات والمدارس.
وكانت منطقة العباسية تسمى قديمًا بـ«الحصوة» نظرًا لكثرة الحصى والزلط اللازم لمباني القاهرة، وقد أصدر «عباس الأول» قرارًا في عام 1265 ه، بأن يتجه الأمراء والأعيان إلى بناء قصور وبيوت في صحراء الحصوة لتصبح منطقة معمورة ومأهولة بالسكان.
11- شارع الهرم

نتيجة رغبة السلطان العثماني، عبدالعزيز الأول، إبريل 1863، في زيارة مصر والتمتع بجولة سياحية حول أهرامات الجيزة، أنشأ الخديوي إسماعيل على عجل شارع الهرم وزينه بالأشجار على الجانبين وعمل به قناطر وبرابخ تمر فيها المياه للري.
وأقام الخديوي إسماعيل قصرًا به ثم أنشأ سكة حديد وسط الشارع، ويبلغ طول شارع الهرم 11 كم2 ويعد من أطول شوارع القاهرة، ويوجد به الأهرمات التي يأتي سياح العالم لزيارة أحد ملامح مصر الهامة، ويوجد ما يزيد عن 30 فندقًا وأكثر من 30 مسرحًا وملهى.
12- الزمالك
أصبحت الزمالك المكان المفضل لأغنياء مصر عقب ثورة 1952، بعد أن كانت الأزبكية المنطقة المفضلة لهم طوال حكم المماليك، وجاردن سيتي أيام حكم محمد على.
وقام الخديوي إسماعيل بإقامة واحد من أكبر قصوره فيها وهو قصر الجزيرة، الذي اشترته أسرة «لطف الله» وحولته إلى فندق باسم «عمر الخيام»، وهو الآن واحد من أكبر فنادق القاهرة «ماريوت الزمالك».
وبالزمالك عدة شوارع مهمة منها شارع 26 يوليو، وشارع محمد مظهر، به عدد من مقارات السفارات كسفارة الجزائر، الفاتيكان، العراق، قصر الأميرة سميحة كامل بنت السلطان حسين كامل.
13- شارع الأزهر

أنشأ جوهر الصقلي شارع الأزهر، وأحاطه بأسوار كبيرة، لكي يكون مقرًا حصينًا للخليفة المعز لدين الله الفاطمي، ورجاله وموظفيه، بل وصل الأمر، إلى عدم السماح لعامة الشعب بدخوله إلا بإذن.
كما قام «الصقلي» بإنشاء الجامع الأزهر، يونيو 970م، الذي أصبح أهم الجامعات الإسلامية في العالم، وظل شارع الأزهر معقلاً للحركات الوطنية التي قاومت المماليك والفرنسيين، ومن أبرز قادتها عمر مكرم ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني، وقد ألقى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر خطبته الشهيره أثناء العدوان الثلاثي على مصر من فوق منبر هذا الجامع .
ومن أبرز مباني شارع الأزهر، الجامع الأزهر والجامعة الأزهرية، ومستشفى الحسين الجامعي، قصر«الغوري» نسبة لأخر سلاطين الدولة المملوكية قنصوة الغوري.