اعمــــــال العشـــــــــر من ذى الحجــــــــــة:
***********************************
إذا تبيَّن لك أخي المسلم فضْل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، وأن هذه المواسم نعمة وفضل من الله على عباده، وفرصة عظيمة يجب اغتنامها، إذا تبيَّن لك كل هذا، فحريٌّ بك أن تخص هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن تحرِص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تُكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات، فقد كان هذا هو حال السلف الصالح في مثل هذه المواسم، يقول أبو عثمان النهدي: كانوا - أي السلف - يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأُوَل من ذي الحجة، والعشر الأُوَل من المحرم.

ومن الأعمال التي يجب و يُستحب للمسلم أن يحرِص عليها، ويُكثر منها في هذه الأيام ما يلي:
1- التوبة الصادقة:
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة، والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].

2- الصلاة:
وهي من أجَلِّ الأعمال وأعظمها، وأكثرها فضلاً؛ ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القُربات، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربِّه: (وما يزال عبدي يتقرَّب إليّ بالنوافل حتى أحبه)؛ رواه البخاري.

3- أداء مناسك الحج والعمرة:
وما أفضل ما يعمل في عشر ذي الحجة، ومن يسَّر الله له حجَّ بيته أو أداء العمرة على الوجه المطلوب، فجزاؤه الجنة؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)؛ متفق عليه.

والحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يخالطه إثمٌ - من رياء أو سُمعة، أو رفثٍ أو فسوق - وهو الحج المحفوف بالصالحات والخيرات.
4- الصيام:
وهو يدخل في جنس الأعمال الصالحة، بل هو من أفضلها، وقد أضافه الله إلى نفسه لعِظَم شأنه وعُلوِّ قدْره، فقال - سبحانه - في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به)؛ متفق عليه.

وقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيَّن فضل صيامه، فقال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والتي بعده)؛ رواه مسلم.
وعليه؛ فيُسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثَّ على العمل الصالح فيها، وقد ذهب إلى استحباب صيام العشر الإمام النووي، وقال: صيامها مستحبٌّ استحبابًا شديدًا. انتهى وقد ثبت عن بن عمر رضى الله عنهما انه كان يصوم التسعة ايام من ذى الحجة وهو ان اتبع الصحابة للنبى عليه الصلاة والسلام
5- التكبير والتحميد والتهليل والذكر:
فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهنَّ من هذه الأيام العشر؛ فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)؛ رواه أحمد.

وقال البخاري: كان ابن عمر وأبو هريرة - رضي الله عنهما - يَخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما، وقال: وكان عمر يكبر في قُبته بمِنًى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبِّرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتَجَّ مِنًى تكبيرًا، وكان ابن عمر يكبًّر بمِنًى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه ومَمشاه تلك الأيام جميعًا.
ويُستحب للمسلم أن يَجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفع صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي؛ حيث لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبِّر كل واحد بمفرده.
6- الصدقة:
وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يُستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حثَّ الله عليها، فقال:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: (ما نقصتْ صدقةٌ من مالٍ)؛ رواه مسلم.

وهناك أعمال أخرى يُستحب الإكثار منها في هذه الأيام، بالإضافة إلى ما ذُكِر، نذكر منها على وجه التذكير ما يلي:
قراءة القرآن وتعلُّمه، والاستغفار، وبر الوالدين، وصلة الأرحام والأقارب، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرْج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج الإخوان، والصلاة على النبي، وعدم إيذاء المسلمين، والرِّفق بالرعية، وصلة أصدقاء الوالدين، والدعاء للإخوان بظهر الغيب، وأداء الأمانات والوفاء بالعهد، والبر بالخالة والخال، وإغاثة الملهوف، وغض البصر عن محارم الله، وإسباغ الوضوء، والدعاء بين الأذان والإقامة، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، والذهاب إلى المساجد، والمحافظة على صلاة الجماعة، والمحافظة على السنن الراتبة، والحرص على صلاة العيد في المصلى، وذكر الله عَقِب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف والدلالة على الخير، والدعوة إلى الله، والصدق في البيع والشراء، والدعاء للوالدين، وسلامة الصدر وترك الشحناء، وتعليم الأولاد والبنات، والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.

وصلى الله على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.