الحج و فضله و الحث عليه
في الصحيحين [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : أفضل الأعمال إيمان بالله و رسوله ثم جهاد في سبيل الله ثم حج مبرور ] هذه الأعمال الثلاثة ترجع في الحقيقة إلى عملين : أحدهما : الإيمان بالله و رسوله و هو التصديق الجازم بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر كما فسر النبي صلى الله عليه و سلم الإيمان بذلك في سؤال جبريل و في غيره من الأحاديث و قد ذكر الله تعالى الإيمان بهذه الأصول في مواضع كثيرة من كتابه كأول البقرة و وسطها و آخرها و العمل الثاني : الجهاد في سبيل الله تعالى و قد جمع الله بين هذين الأصلين في مواضع من كتابه كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم } الآية و في قوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } و قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم من غير وجه : [ أن أفضل الأعمال : الإيمان بالله و الجهاد في سبيل الله ] فالإيمان المجرد يدخل فيه الجوارح عند السلف و أهل الحديث و الإيمان المقرون بالعمل يراد به التصديق مع القول و خصوصا إن قرن الإيمان بالله بالإيمان برسوله كما في هذا الحديث فالإيمان القائم بالقلوب أصل كل خير و هو خير ما أوتيه العبد في الدنيا و الآخرة و به يحصل له سعادة الدنيا و الآخرة و النجاة من شقاوة الدنيا و الآخرة و متى رسخ الإيمان في القلب انبعثت الجوارح كلها بالأعمال الصالحة و اللسان بالكلام الطيب كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب ] و لا صلاح للقلب بدون الإيمان بالله و ما يدخل في مسماه من معرفة الله و توحيده و خشيته و محبته و رجائه و إجابته و الإنابة إليه و التوكل عليه قال الحسن : ليس الإيمان بالتمني و لا بالتحلي و لكنه بما وقر في الصدور و صدقته الأعمال و يشهد لذلك قوله تعالى : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا } و في هذا يقول بعضهم :
( ما كل من زوق لي قوله ... يغرني يا صاح تزويقه )
( من حقق الإيمان في قلبه ... لا بد أن يظهر تحقيقه )
فإذا ذاق العبد حلاوة الإيمان و وجد طعمه و حلاوته ظهر ثمرة ذلك على لسانه و جوارحه فاستحلى اللسان ذكر الله و ما والاه و سرعت الجوارح إلى طاعة الله فحينئذ يدخل حب الإيمان في القلب كما يدخل حب الماء البارد الشديد برده في اليوم الشديد حره للظمآن الشديد عطشه و يصير الخروج من الإيمان أكره إلى القلوب من الإلقاء في النار و أمر عليها من الصبر ذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه دخل المدينة فقال لهم : ما لي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان و الذي نفسي بيده لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان لرؤي عليه حلاوة الإيمان
( لو ذاق طعم الإيمان رضوى ... لكاد من جوده يميد )
( قد حملوني تكليف عهد ... يعجز عن حمله الحديد )
فالإيمان بالله و رسوله وظيفة القلب و اللسان ثم يتبعهما عمل الجوارح و أفضلها الجهاد في سبيل الله و هو نوعان : أفضلهما : جهاد المؤمن بعدوه الكافر و قتاله في سبيل الله : فإن فيه دعوة له إلى الإيمان بالله و رسوله ليدخل في الإيمان قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله } قال أبو هريرة رضي الله عنه في هذه الآية : يجيئون بهم في السلاسل حتى يدخلونهم الجنة و في الحديث المرفوع : [ عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل ] فالجهاد في سبيل الله دعاء الخلق إلى الإيمان بالله و رسوله بالسيف و اللسان بعد دعائهم إليه بالحجة و البرهان و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم في أول الأمر لا يقاتل قوما حتى يدعوهم فالجهاد به تعلو كلمة الإيمان و تتسع رقعة الإسلام و يكثر الداخلون فيه و هو وظيفة الرسل و أتباعهم و به تصير كلمة الله هي العليا و المقصود منه أن يكون الدين كله لله و الطاعة له كما قال تعالى : { و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله } و المجاهد في سبيل الله هو المقاتل لتكون كلمة الله هي العليا خاصة و النوع الثاني من الجهاد : جهاد النفس في طاعة الله كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ المجاهد من جاهد نفسه في الله ] و قال بعض الصحابة لمن سأله عن الغزو ؟ : ابدأ بنفسك فاغزها و ابدأ بنفسك فجاهدها و أعظم مجاهدة النفس على طاعة الله عمارة بيوته بالذكر و الطاعة قال الله تعالى : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر و أقام الصلاة و آتى الزكاة و لم يخش إلا الله } و في حديث أبي سعيد الخدري المرفوع : [ إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان ثم تلا الآية ] خرجه الإمام أحمد و الترمذي و ابن ماجه و قال الله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الآصال * رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله } الآية و النوع الأول من الجهاد أفضل من هذا الثاني قال الله تعالى : { أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر و جاهد في سبيل الله لا يستون عند الله و الله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله بأموالهم و أنفسهم أعظم درجة عند الله } و في صحيح مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : كنت عند منبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال رجل : لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج و قال آخر : لا أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام و قال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجرهم عمر و قال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يوم الجمعة و لكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز و جل : { أجعلتم سقاية الحاج و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و اليوم الآخر } إلى آخر الآية فهذا الحديث الذي فيه ذكر سبب نزول هذه الآية يبين أن المراد أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى من أعمال النوافل و التطوع الجهاد و إن الآية تدل على أن أفضل ذلك الجهاد مع الإيمان فدل على التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بعمارة المسجد الحرام و سقاية الحاج و على مثل هذا يحمل حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا و أن الجهاد أفضل من الحج المتطوع به فإن فرض الحج تأخر عند كثير من العلماء إلى السنة التاسعة و لعل النبي صلى الله عليه و سلم قال هذا الكلام قبل أن يفرض الحج بالكلية فكان حينئذ تطوعا و قد قيل : إن الجهاد كان في أول الإسلام فرض عين فلا إشكال في هذا على تقديمه على الحج قبل افتراضه فأما بعد أن صار الجهاد فرض كفاية و الحج فرض عين فإن الحج المفترض حينئذ يكون أفضل من الجهاد قال عبد الله بن عمرو بن العاص : حجة قبل الغزو أفضل من عشر غزوات و غزوة بعد حجة أفضل من عشر حجات و روي ذلك مرفوعا من وجوه متعددة في أسانيدها مقال و قال الصبي بن معبد : كنت نصرانيا فأسلمت فسألت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم : الجهاد أفضل أم الحج ؟ فقالوا : الحج و المراد و الله أعلم : أن الحج أفضل لمن لم يحج حجة الإسلام مثل الذي أسلم و قد يكون المراد بحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن جنس الجهاد أشرف من جنس الحج فإن عرض للحج وصف يمتاز به على الجهاد و هو كونه فرض عين صار ذلك الحج المخصوص أفضل من الجهاد و إلا فالجهاد أفضل و الله أعلم و قد دل حديث أبي هريرة رضي الله عنه على أن أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل الله جنس عمارة المساجد بذكر الله و طاعته فيدخل في ذلك الصلاة و الذكر و التلاوة و الإعتكاف و تعليم العلم النافع و استماعه و أفضل من ذلك عمارة أفضل المساجد و أشرفها و هو المسجد الحرام بالزيارة و الطواف فلهذا خصه بالذكر و جعل قصده للحج أفضل الأعمال بعد الجهاد و قد خرجه ابن المنذر و لفظه ثم حج مبرور أو عمرة و قد ذكر الله تعالى هذا البيت في كتابه بأعظم ذكر و أفخم تعظيم و ثناء قال الله تعالى : { و إذ جعلنا البيت مثابة للناس و أمنا و اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و عهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود } الآيات و قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى للعالمين * فيه آيات بينات مقام إبراهيم و من دخله كان آمنا } و قال تعالى : { و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا و طهر بيتي للطائفين و القائمين و الركع السجود * و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فج عميق } فعمارة سائر المساجد سوى المسجد الحرام و قصدها للصلاة فيها و أنواع العبادات من الرباط في سبيل الله تعالى كما قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ إسباغ الوضوء على المكاره و كثرة الخطا إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ] فأما المسجد الحرام بخصوصه فقصده لزيارته و عمارته بالطواف الذي خصه الله به من نوع الجهاد في سبيل الله عز و جل و في صحيح البخاري [ عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد فقال : لكن أفضل الجهاد حج مبرور ] يعني أفضل جهاد النساء و رواه بعضهم : [ لكن أفضل الجهاد حج مبرور ] فيكون صريحا في هذا المعنى و قد خرجه البخاري بلفظ آخر و هو : [ جهادكن الحج ] و هو كذلك و في المسند و سنن ابن ماجه [ عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي قال : الحج جهاد كل ضعيف ] و خرج البيهقي و غيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : [ جهاد الكبير و الضعيف و المرأة الحج و العمرة ] و في حديث مرسل الحج جهاد و العمرة تطوع و في حديث آخر مرسل خرجه عبد الرزاق [ أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : إني جبان لا أطيق لقاء العدو قال : ألا أدلك على جهاد لا قتال فيه قال : بلى قال : عليك بالحج و العمرة ] و خرج أيضا من مراسيل [ علي بن الحسين أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم عن الجهاد فقال ألا أدلك على جهاد لا شوكة فيه الحج ] و فيه عن عمر أنه قال : إذا وضعتم السروج يعني من سفر الجهاد فشدوا الرحال إلى الحج و العمرة فإنه أحد الجهادين و ذكره البخاري تعليقا و قال ابن مسعود رضي الله عنه : إنما سرج و رحل فالسرج في سبيل الله و الرحل و الحج خرجه الإمام أحمد في مناسكه و إنما كان الحج و العمرة جهادا لأنه يجهد المال و النفس و البدن كما قال أبو الشعثاء نظرت في أعمال البر فإذا الصلاة تجهد البدن دون المال و الصيام كذلك و الحج يجهدهما فرأيته أفضل و روى عبد الرزاق بإسناده عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا سأله عن الحج قال : إن الحاج يشفع في أربعمائة بيت من قومه و يبارك في أربعين من أمهات البعير الذي حمله و يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فقال له رجل : يا أبا موسى إني كنت أعالج الحج و قد كبرت و ضعفت فهل من شيء يعدل الحج فقال له : هل تستطيع أن تعتق سبعين رقبة مؤمنة من ولد إسماعيل فأما الحل و الرحيل : فلا أجد له عدلا أو قال مثلا و بإسناده عنه طاوس أنه سئل هل الحج بعد الفريضة أفضل أم الصدقة ؟ قال : فأين الحل و الرحيل و السهر و النصب و الطواف بالبيت و الصلاة عنده و الوقوف بعرفة و جمع و رمي الجمار كأنه يقول الحج أفضل
و قد اختلف العلماء في تفضيل الحج تطوعا أو الصدقة فمنهم من رجح الحج كما قال طاوس و أبو الشعثاء و قال الحسن أيضا و منهم من رجح الصداقة و هو قول النخعي و منهم من قال : إن كان ثم رحم محتاجه أو زمن مجاعة فالصدقة و إلا فالحج و هو نص أحمد و روي عن الحسن معناه و إن صلة الرحم و التنفيس عن المكروب أفضل من التطوع بالحج و في كتاب عبد الرزاق بإسناد ضعيف [ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن رجل حج فأكثر أيجعل نفقته في صلة أو عتق ؟ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : طواف سبع لا لغو فيه يعدل رقبة ] و هذا يدل على تفضيل الحج
و استدل من رأى ذلك أيضا بأن النفقة في الحج أفضل من النفقة في سبيل الله و في مسند الإمام أحمد [ عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف ] و خرجه الطبراني [ من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : النفقة في سبيل الله الدرهم فيه بسبعمائة ] و يدل عليه قوله تعالى : { و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة و أحسنوا إن الله يحب المحسنين * و أتموا الحج و العمرة لله } ففيه دليل على أن النفقة في الحج و العمرة تدخل في جملة النفقة في سبيل الله و قد كان بعض الصحابة جعل بعيره في سبيل الله فأرادت امرأته أن تحج عليه فقال لها النبي صلى الله عليه و سلم : [ حجي عليه فإن الحج في سبيل الله ] و قد خرجه أهل المسانيد و السنن من وجوه متعددة و ذكره البخاري تعليقا و هذا يستدل به على أن الحج يصرف فيه من سهم سبيل الله المذكور في آية الزكاة كما هو أحد قولي العلماء فيعطى من الزكاة من لم يحج ما يحج به في اعطائه لحج التطوع اختلاف بينهم أيضا



الحج المبرور
و في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ] و في المسند أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل : أي الأعمال أفضل ؟ قال : [ إيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال ما بين مطلع الشمس إلى مغربها ] و ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : [ من حج هذا البيت فلم يرفث و لم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ] فمغفرة الذنوب بالحج و دخول الجنة به مرتب على كون الحج مبرورا
و إنما يكون مبرورا باجتماع أمرين قيه أحدهما : الإتيان فيه بأعمال البر و البر يطلق بمعنيين : أحدهما : بمعنى الإحسان إلى الناس كما يقال البرو الصلة و ضده العقوق و في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن البر ؟ فقال : [ حسن الخلق ] و كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إن البر شيء هين : وجه طليق و كلام لين و هذا يحتاج إليه في الحج كثيرا أعني معاملة الناس بالإحسان بالقول و الفعل قال بعضهم : إنما سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال و في المسند عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قالوا : و ما بر الحج يا رسول الله ؟ قال : إطعام الطعام و إفشاء السلام ] و في حديث آخر : [ و طيب الكلام ] و سئل سعيد بن جبير : أي الحج أفضل ؟ قال : من أطعم الطعام و كف لسانه قال الثوري : سمعت أنه من بر الحج و في مراسيل [ خالد بن معدان عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما يصنع من يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه خصال ثلاثة : ورع يحجزه عما حرم الله و حلم يضبط به جهله و حسن صحابة لمن يصحب و إلا فلا حاجة لله بحجه ] و قال أبو جعفر الباقر : ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يأت بثلاثة : ورع يحجزه عن معاصي الله و حلم يكف به غضبه و حسن الصحابة لمن يصحبه من المسلمين فهذه الثلاثة يحتاج إليها في الأسفار خصوصا في سفر الحج فمن كملها فقد كمل حجه وبر و من أجمع خصال البر التي يحتاج إليها الحاج ما وصى به النبي صلى الله عليه و سلم أبا جزي الهجيمي فقال : [ لا تحقرن من المعروف شيئا و لو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي و لو أن تعطي صلة الحبل و لو أن تعطي شسع النعل و لو أن تنحي الشي من طريق الناس يؤذيهم و لو أن تلقى أخاك و وجهك إليه منطلق و لو أن تلقى أخاك المسلم عليه فتسلم عليه و لو أن تؤنس الوحشان في الأرض ] و في الجملة : فخير الناس أنفعهم للناس و أصبرهم على أذى الناس كما وصف الله المتقين بذلك في قوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء و الضراء و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس و الله يحب المحسنين } و الحاج يحتاج إلى مخالطة الناس و المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم أفضل ممن لا يخالطهم و لا يصبر على أذاهم قال ربيعة : المروءة في السفر بذل الزاد و قلة الخلاف على الأصحاب و كثرة المزاح في غير مساخط الله عز و جل و جاء رجلان إلى ابن عون يودعانه و يسألانه أن يوصيهما فقال لهما : عليكما بكظم الغيظ و بذل الزاد فرأى أحدهما في المنام : أن ابن عون أهدى إليهما حلتين و الإحسان إلى الرفقة في السفر أفضل من العبادة القاصرة لا سيما إن احتاج العابد إلى خدمة إخوانه و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم في سفر في حر شديد و معه من هو صائم و مفطر فسقط الصوام و قام المفطرون فضربوا الأبنية و سقوا الركاب فقال النبي صلى الله عليه و سلم : [ ذهب المفطرون اليوم بالأجر ] و روي أنه صلى الله عليه و سلم كان في سفر فرأى رجلا صائما فقال له : [ ما حملك على الصوم في السفر ؟ فقال : معي ابناي يرحلان بي و يخدماني فقال له ما زال لهما الفضل عليك ] و في مراسيل أبي داود [ عن أبي قلابة رضي الله عنه قال : قدم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفر يثنون على صاحب لهم قالوا : ما رأينا مثل فلان قط ما كان في مسير إلا كان في قراءة و لا نزلنا منزلا إلا كان في صلاة قال : فمن كان يكفيه ضيعته ؟ حتى ذكر و من كان يعلف دابته ؟ قالوا : نحن قال : فكلكم خير منه ] و قال مجاهد : صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني و كان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم اغتناما لأجر ذلك منهم : عامر بن عبد قيس و عمرو بن عتبة بن فرقد مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما و كذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة و الأذان و كان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد و غيره فيشترط عليهم أن يخدمهم فكان إذا رأى رجلا يريد أن يغسل ثوبه قال له : هذا من شرطي فيغسله و إذا رأى من يريد أن يغسل رأسه قال : هذا من شرطي فيغسله فلما مات نظروا في يده فإذا فيها مكتوب من أهل الجنة فنظروا إليها فإذا هي كتابة بين الجلد و اللحم و ترافق بهيم العجلي و كان من العبادين البكائين و رجل تاجر موسر في الحج فلما كان يوم خروجهم للسفر بكى بهيم حتى قطرت دموعه على صدره ثم قطرت على الأرض و قال : ذكرت بهذه الرحلة الرحلة إلى الله ثم علا صوته بالنحيب فكره رفيقه التاجر منه ذلك و خشي أن يتنغص عليه سفره و معه بكثرة بكائه فلما قدما من الحج جاء الرجل الذي رافق بينهما إليه ليسلم عليهما فبدأ بالتاجر فسلم عليه و سأله عن حله مع بهيم فقال له : و الله ظننت إن في هذا الخلق مثله كان و الله يتفضل علي في النفقة و هو معسر و أنا موسر و يتفضل علي في الخدمة و هو شيخ ضعيف و أنا شاب و يطبخ لي و هو صائم و أنا مفطر فسأله عما كان يكرهه من كثرة بكائه فقال : و الله ألفت ذلك البكاء و أشرب حبه قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى تأذى بنا الرفقة ثم ألفوا ذلك فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا و يقول بعضهم لبعض : ما الذي جعلهما أولى بالبكاء منا و المصير واحد فجعلوا و الله يبكون و نبكي ثم خرج من عنده فدخل على بهيم فسلم عليه و قال له : كيف رأيت صاحبك قال : خير صاحب كثير الذكر لله طويل التلاوة للقرآن سريع الدمعة متحمل لهفوات الرفيق فجزاك الله عني خيرا و كان ابن المبارك يطعم أصحابه في الأسفار أطيب الطعام و هو صائم و كان إذا أراد الحج من بلده مر و جمع أصحابه و قال : من يريد منكم الحج فيأخذ منهم نفقاتهم فيضعها عنده في صندوق و يقفل عليه ثم يحملهم و ينفق عليهم أوسع النفقة و يطعمهم أطيب الطعام ثم يشتري لهم من مكة ما يريدون من الهدايا و التحف ثم يرجع بهم إلى بلده فإذا وصلوا صنع لهم طعاما ثم جمعهم عليه و دعا بالصندوق الذي فيه نفقاتهم فرد إلى كل واحد نفقته
المعنى الثاني : مما يراد بالبر : فعل الطاعات كلها و ضده الإثم و قد فسر الله تعالى البر بذلك في قوله : { و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و الكتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب } الآية فتضمنت الآية : أن أنواع البر ستة أنواع من استكملها فقد استكمل البر : أولها : الإيمان بأصول الإيمان الخمسة و ثانيها : إيتاء المال المحبوب لذوي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل و السائلين و في الرقاب و ثالثها : إقام الصلاة و رابعها : إيتاء الزكاة و خامسها : الوفاء بالعهد و سادسها : الصبر على البأساء و الضراء و حين البأس و كلها يحتاج الحاج إليها فإنه لا يصح حجه بدون الإيمان و لا يكمل حجه و يكون مبرورا بدون إقام الصلاة و إيتاء الزكاة فإن أركان الإسلام بعضها مرتبطة ببعض فلا يكمل الإيمان و الإسلام حتى يؤتي بها كلها و لا يكمل بر الحج بدون الوفاء بالعهود في المعاقدات و المشاركات المحتاج إليها في سفر الحج و إيتاء المال المحبوب لمن يحب الله إيتاءه و يحتاج مع ذلك إلى الصبر على ما يصيبه من المشاق في السفر فهذه خصال البر و من أهمها للحاج : إقام الصلاة فمن حج من غير إقام الصلاة لا سيما إن كان حجه تطوعا كان بمنزلة من سعى في ربح درهم و ضيع رأس ماله و هو ألوف كثيرة و قد كان السلف يواظبون في الحج على نوافل الصلاة و كان النبي صلى الله عليه و سلم [ يواظب على قيام الليل على راحلته في أسفاره كلها و يؤثر عليها ] و حج مسروق فما نام إلا ساجدا و كان محمد بن واسع يصلي في طريق مكة ليله أجمع في محمله يومىء إيماء و يأمر حاديه أن يرفع صوته خلفه حتى يشغل عنه بسماع صوت الحادي فلا يتفطن له و كان المغيرة بن الحكيم الصنعاني يحج من اليمن ماشيا و كان له ورد بالليل يقرأ فيه كل ليلة ثلث القرآن فيقف فيصلي حتى يفرغ من ورده ثم يلحق بالركب متى لحق فربما لم يلحقهم إلا في آخر النهار سلام الله على تلك الأرواح رحمة الله على تلك الأشباح ما مثلنا و مثلهم إلا كما قال القائل :
( نزلوا بمكة في قبائل هاشم ... و نزلت بالبيداء أبعد منزل )
فنحن ما نأمر إلا بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها و لو بالجمع بين الصلاتين المجموعتين في وقت إحداهما بالأرض فإنه لا يرخص لأحد أن يصلي صلاة الليل في النهار و لا صلاة النهار في الليل و لا أن يصلي على ظهر راحلته المكتوبة إلا من خاف الإنقطاع عن رفقته أو نحو ذلك مما يخاف على نفسه فأما المريض و من كان في ماء وطين ففي صلاته على الراحلة اختلاف مشهور للعلماء و فيه روايتان عن الإمام أحمد و أن يكون بالطهارة الشرعية بالوضوء بالماء مع القدرة عليه و التيمم عند العجز حسا أو شرعا و متى علم الله من عبد حرصه على إقام الصلاة على وجهها أعانه قال بعض العلماء : كنت في طريق الحج و كان الأمير يقف للناس كل يوم لصلاة الفجر فينزل فنصلي ثم نركب فلما كان ذات يوم قرب طلوع الشمس و لم يقفوا للناس فناديتهم فلم يلتفتوا إلى ذلك فتوضأت على المحمل ثم نزلت للصلاة على الأرض و وطنت نفسي على المشي إلى وقت نزولهم للضحى و كانوا لا ينزلون إلى قريب وقت الظهر مع علمي بمشقة ذلك علي و إني لا قدرة لي عليه فلما صليت و قضيت صلاتي نظرت إلى رفقتي فإذا هم وقوف و قد كانوا لو سئلوا ذلك لم يفعلوه فسألتهم عن سبب وقوفهم ؟ فقالوا : لما نزلت تعرقلت مقاود الجمال بعضها في بعض فنحن في تخليصها إلى الآن قال : فجئت و ركبت و حمدت الله عز و جل و علمت أنه ما قدم أحد حق الله على هوى نفسه و راحتها إلا رأى سعادة الدنيا و الآخرة و لا عكس أحد ذلك فقدم حظ نفسه على حق ربه إلا و رأى الشقاوة في الدنيا و الآخرة و استشهد بقول القائل :
( و الله ما جئتكم زائرا ... إلا وجدت الأرض تطوى لي )
( و لا ثنيت العزم عن بابكم ... إلا تعثرت بأذيالي )
و من أعظم أنواع بر الحج كثرة ذكر الله تعالى فيه و قد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في إقامة مناسك الحج مرة بعد أخرى و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل : [ أي الحاج أفضل ؟ قال : أكثرهم لله ذكرا ] خرجه الإمام أحمد و روي مرسلا من وجوه متعددة و خصوصا كثرة الذكر في حال الإحرام بالتلبية و التكبير و في الترمذي و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ أفضل الحج العج و الثج ]
و في حديث جبير بن مطعم المرفوع : [ عجو التكبير عجا و ثجوا الإبل ثجا ] فالعج رفع الصوت في التكبير و التلبية الثج إراقة دماء الهدايا و النسك و الهدي من أفضل الأعمال قال الله تعالى : { و البدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير } الآية و قال الله تعالى : { و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } و أهدى النبي صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع مائة بدنة و كان يبعث الهدي إلى منى فتنحر عنه و هو مقيم بالمدينة الأمر الثاني : مما يكمل ببر الحج اجتناب أفعال الإثم فيه من الرفث و الفسوق و المعاصي قال الله تعالى : { فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج و ما تفعلوا من خير يعلمه الله و تزودوا فإن خير الزاد التقوى }
و في الحديث الصحيح : [ من حج هذا البيت فلم يرفث و لم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ]
و قد سبق حديث : [ من لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله فليس لله حاجة في حجه ] فما تزود حاج و لا غيره أفضل من زاد التقوى و لا دعي للحاج عند توديعه بأفضل من التقوى و قد روي أن النبي صلى الله عليه و سلم : [ ودع غلاما للحج فقال له : زودك الله التقوى ] قال بعض السلف لمن ودعه : اتق الله فمن اتقى الله فلا وحشة عليه و قال آخر : لمن ودعه للحج أوصيك بما وصى به النبي صلى الله عليه و سلم معاذا حين ودعه : [ اتق الله حيثما كنت و أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن ] و هذه وصية جامعة لخصال البر كلها و لأبي الدرداء رضي الله عنه :
( يريد المرء أن تؤتى مناه ... و يأبى الله إلا ما أراد )
( يقول المرء فائدتي و مالي ... و تقوى الله أفضل ما استفاد )
و من أعظم ما يجب على الحاج اتقاؤه من الحرام و أن يطيب نفقته في الحج و أن لا يجعلها من كسب حرام و قد خرج الطبراني و غيره [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : إذا خرج الرجل حاجا بنفقة طيبة و وضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء : لبيك و سعديك زادك حلال و راحلتك حلال و حجك مبرور غير مأزور و إذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى لبيك اللهم لبيك ناداه مناد من السماء : لا لبيك و لا سعديك زادك حرام و نفقتك حرام و حجك غير مبرور ] مات رجل في طريق مكة فحفروا له فدفنوه و نسوا الفأس في لحده فكشفوا عنه التراب ليأخذوا الفاس فإذا رأسه و عنقه قد جمعا في حلقة الفاس فردوا عليه التراب و رجعوا إلى أهله فسألوهم عنه فقالوا : صحب رجلا فأخذ ماله فكان منه يحج و يغزو
( إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت و لكن حجت العير )
( لا يقبل الله إلا كل طيبة ... ما كل من حج بيت الله مبرور )
و ما يجب اجتنابه على الحاج و به يتم بر حجه أن لا يقصد بحجه رياء و لا سمعة و لا مباهاة و لا فخرا و لا خيلاء و لا يقصد به إلا وجه الله و رضوانه و يتواضع في حجه و يستكين و يخشع لربه روي [ عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم حج على رحل رث و قطيفة ما تساوي أربعة دراهم و قال : اللهم اجعلها حجة لا رياء فيها و لا سمعة ]
و قال عطاء : [ صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح بمنى غداة عرفة ثم غدا إلى عرفات و تحته قطيفة اشتريت له بأربعة دراهم و هو يقول : اللهم اجعلها حجة مبرورة متقبلة لا رياء فيها و لا سمعة ]
و قال عبد الله بن الحارث : [ ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم رحلا فاهتز به فتواضع لله عز و جل و قال : لبيك لا عيش إلا عيش الآخرة ]
قال رجل لابن عمر : ما أكثر الحاج فقال : ابن عمر : ما أقلهم ثم رأى رجلا على بعير على رحل رث خطامه حبال فقال : لعل هذا و قال شريح : الحاج قليل و الركبان كثير ما أكثر من يعمل الخير و لكن ما أقل الذين يريدون وجهه
( خليلي قطاع الفيافي إلى الحمى ... كثير و أما الواصلون قليل )
كان بعض المتقدمين يحج ماشيا على قدميه كل عام فكان ليلة نائما على فراشه فطلبت منه أمه شربة ماء فصعب على نفسه القيام من فراشه لسقي أمه الماء فتذكر حجه ماشيا كل عام و أنه لا يشق عليه فحاسب نفسه فرأى أنه لا يهونه عليه إلا رؤية الناس له و مدحهم إياه فعلم أنه كان مدخولا قال بعض التابعين : رب محرم يقول : لبيك اللهم لبيك فيقول الله : لا لبيك و لا سعديك هذا مردود عليك قيل له : لم ؟ قال : لعله اشترى ناقة بخمسمائة درهم و رحلا بمائتي درهم و مفرشا بكذا و كذا ثم ركب ناقته و رجل رأسه و نظر في عطفيه فذلك الذي يرد عليه و من هنا استحب للحاج أن يكون شعثا أغبر و في حديث المباهاة يوم عرفة أن الله تعالى يقول لملائكته : [ انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين اشهدوا أني قد غفرت لهم ] قال عمر يوما و هو بطريق مكة : تشعثون و تغبرون و تتفلون و تضحون لا تريدون بذلك شيئا من عرض الدنيا ما نعلم سفرا خيرا من هذا يعني الحج و عنه قال : إنما الحاج الشعث التفل و قال ابن عمر لرجل رآه : قد استظل في إحرامه أضح لمن أحرمت له أي أبرز للضحى و هو حر الشمس
( أتاك الوافدون إليك شعثا ... يسوقون المقلدة الصواف )
( فكم من قاصد للرب رغبا ... و رهبا بين منتعل و حاف )
سبحان من جعل بيته الحرام مثابة للناس و أمنا يترددون إليه و يرجعون عنه و لا يرون أنهم قضوا منه وطرا لما أضاف الله تعالى ذلك البيت إلى نفسه و نسبه إليه بقوله عز و جل لخليله : { و طهر بيتي للطائفين } تعلقت قلوب المحبين ببيت محبوبهم فكلما ذكر لهم ذلك البيت الحرام حنوا و كلما تذكروا بعدهم عنه أنوا
( لا يذكر الرمل الأحن مغترب ... له بذي الرمل أوطار و أوطان )
( تهفو إلى البان من قلبي نوازعه ... و ما بي البان بل من داره البان )
رأى بعض الصالحين الحاج في وقت خروجهم فوقف يبكي و يقول : واضعفاه و ينشد على أثر ذلك :
( فقلت دعوني و اتباعي ركابكم ... أكن طوع أيديكم كما يفعل العبد )
ثم تنفس و قال : هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن الوصول إلى رب البيت يحق لمن رأى الواصلين و هو منقطع أن يقلق و لمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة و هو قاعد أن يحزن
( يا سائق العيس ترفق و استمع ... مني و بلغ السلام عني )
( عرض بذكري عندهم لعلهم ... إن سمعوك سألوك عني )
( قل ذلك المحبوس عن قصدكم ... معذب القلب بكل فني )
( يقول أملت بأن أزوركم ... في جملة الوفد فخاب ظني )
( أقعدني الحرمان عن قصدكم ... و رمت أن أسعى فلم يدعني )
ينبغي للمنقطعين طلب الدعاء من الواصلين لتحصل المشاركة كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعمر لما أراد العمرة : [ يا أخي أشركنا في دعائك ] و في مسند البزار [ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : اللهم اغفر للحاج و لمن استغفر له الحاج ] و في الطبراني [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم سمع رجلا يقول في الطواف : اللهم اغفر لفلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من هذا ؟ قال : رجل حملني أن أدعو له بين الركن و المقام فقال : قد غفر لصاحبك ]
( ألا قل لزوار دار الحبيب ... هنيئا لكم في الجنان الخلود )
( أفيضوا علينا من الماء فيضا ... فنحن عطاش و أنتم ورود )
لئن سار القوم و قعدنا و قربوا و بعدنا فما يؤمننا أن نكون ممن كره الله أتباعهم فثبطهم و قيل اقعدوا مع القاعدين
( لله در ركائب سارت بهم ... تطوي القفار الشاسعات على الدجا )
( رحلوا إلى البيت الحرام و قد شجا ... قلب المتيم منهمو ما قد شجا )
( نزلوا بباب لا يخيب نزيله ... و قلوبهم بين المخافة و الرجا )
على أن المتخلف لعذر شريك للسائر كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لما رجع من غزوة تبوك : [ إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلا كانوا معكم خلفهم العذر ]
( يا سائرين إلى البيت العتيق لقد ... سرتم جسوما و سرنا نحن أرواحا )
( إنا أقمنا على عذر و قد رحلوا ... و من أقام على عذر كمن راحا )
و ربما سبق بعض من سار بقلبه و همته و عزمه بعض السائرين ببدنه رأى بعض الصالحين في منامه عشية عرفة بعرفة قائلا يقول له : ترى هذا الزحام بالموقف قال : نعم قال : ما حج منهم إلا رجل واحد تخلف عن الموقف فحج بهمته فوهب الله له أهل الموقف ما الشأن فيمن سار ببدنه إنما الشأن فيمن قعد بدنه و سار بقلبه حتى سبق الركب
( من لي بمثل سيرك المذلل ... تمشي رويدا و تجي في الأول )
يا سائرين إلى دار الأحباب قفوا للمنقطعين تحملوا معكم رسائل المحصرين
( خذوا نظرة مني ... فلاقوا بها الحمى )
( يا سائرين إلى الحبيب ترفقوا ... فالقلب بين رحالكم خلفته )
( مالي سوى قلبي و فيك أذبته ... مالي سوى دمعي و فيك سكبته )
كان عمر بن عبد العزيز إذا رأى من يسافر إلى المدينة النبوية يقول له : أقرىء رسول الله صلى الله عليه و سلم مني السلام و روي أنه كان يبرد عليه البريد من الشام
( هذه الخيف و هاتيك مني ... فترفق أيها الحادي بنا )
( و احبس الركب علينا ساعة ... نندب الربع و نبكي الدمنا )
( فلذا الموقف أعددنا البكا ... و لذا اليوم الدموع تقتني )
( أتراكم في النقا و المنحنا ... أهل سلع تذكرونا ذكرنا )
( انقطعنا و وصلتم فاعلموا ... و اشكروا المنعم يا أهل منى )
( قد خسرنا و ربحتم فصلوا ... بفضول الربح من قد غبنا )
( سار قلبي خلف أحمالكم ... غير أن العذر عاق البدنا )
( ما قطعتم واديا إلا و قد ... جئته أسعى بأقدام المنى )
( آه و أشواقي إلى ذاك الحمى ... شوق محروم و قد ذاق العنا )
( سلموا عني على أربابه ... أخبروهم أنني خلف الضنا )
( أنا مذ غبتم على تذكاركم ... أترى عندكم ما عندنا )
( بيننا يوم أثيلات النقا ... كان عن غير تراض بيننا )
( زمنا كان و كنا جيرة ... فأعاد الله ذاك الزمنا )
من شاهد تلك الديار و عاين تلك الآثار ثم انقطع عنها لم يمت إلا بالأسف عليها و الحنين إليها
( ما أذكر عيشنا الذي قد سلفا ... إلا وجف القلب و كم قد وجفا )
( واها لزماننا الذي كان صفا ... وا أسفا و هل يرد فائتا وا أسف
فيما يقوم مقام الحج و العمرة عند العجز عنهما
يذكر بعد خروج الحاج في صحيح البخاري [ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : ذهب الدثور من الأموال بالدرجات العلى و النعيم المقيم يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم و لهم فضل أموال يحجون بها و يعتمرون و يجاهدون و يتصدقون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أحدثكم بمال لو أخذتم به لحقتم من سبقكم و لم يدرككم أحد بعدكم و كنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله : تسبحون و تحمدون و تكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين ] و في المسند و سنن النسائي [ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله ذهب الأغنياء بالأجر يحجون و لا نحج و يجاهدون و لا نجاهد و بكذا و بكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به جئتم من أفضل ما يجيء به أحد منهم : أن تكبروا الله أربع و ثلاثين و تسبحوه ثلاثا و ثلاثين و تحمدوه ثلاثا و ثلاثين في دبر كل صلاة ] المال لمن استعان به على طاعة الله و أنفقه في سبل الخيرات القربة إلى الله سبب موصل له إلى الله و هو لمن أنفقه في معاصي الله و استعان به على نيل أغراضه المحرمة أو اشتغل به عن طاعة الله قاطع له عن الله كما قال أبو سليمان الداراني : الدنيا حجاب عن الله لأعدائه و مطية موصلة إليه لأوليائه فسبحان من جعل سببا واحدا للإتصال به و الإنقطاع عنه و قد مدح الله في كتابه القسم الأول و ذم القسم الثاني فقال في مدح الأولين : { الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سرا و علانية فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون } و قال : { إن الذين يتلون كتاب الله و أقاموا الصلاة و أنفقوا مما رزقناهم سرا و علانية يرجون تجارة لن تبور * ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه غفور شكور } و الآيات في المعنى كثيرة جدا و قال في ذم الآخرين : { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق و أكن من الصالحين } و قد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس أحد لا يؤتي زكاة ماله إلا سأل الرجعة عند الموت ثم تلا هذه الآية و أخبر عن أهل النار الذين يؤتي أحدهم كتابه بشماله أنه يقول : { ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانيه } و الأحاديث في مدح من أنفق ماله في سبل الخيرات و في ذم من لم يؤد حق الله منه كثيرة جدا و قد صلى الله عليه و سلم : [ نعم المال الصالح للرجل الصالح ] و قال : [ الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا و هكذا عن يمينه و عن شماله و من خلفه و قليل ما هم ] و قال : [ إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بحقه و وضعه في حقه فنعم المعونة هو و إن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل و لا يشبع ] فالمؤمن الذي يأخذ المال من حقه و يضعه في حقه فله أجر ذلك كله و كلما أنفق منه يبتغي به وجه الله فهو له صدقة يؤجر عليها حتى ما يطعم نفسه فهو له صدقة و ما يطعم ولده فهو له صدقة و ما يطعم أهله فهو له صدقة و ما يطعم خادمه فهو له صدقة و كان عامة أهل الأموال من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من هذا القسم قال أبو سليمان : كان عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف خازنين من خزان الله تعالى في أرضه ينفقان في طاعته و كانت معاملتهم لله بقلوبهما و رأس المنفقين أموالهم في سبيل الله من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه و فيه نزلت هذه الآية : { و سيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * و ما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * و لسوف يرضى } و في صحيح الحاكم عن ابن الزبير قال : قال أبو قحافة لأبي بكر : أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذا فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك و يقومون دونك فقال أبو بكر : يا أبت إني إنما أريد ما أريد قيل : و إنما أنزلت هذه الآيات فيه : { فأما من أعطى و اتقى } إلى آخر السورة و روي من وجه آخر عن ابن الزبير و خرجه الإسماعيلي و لفظه : أن أبا بكر كان يبتاع الضعفة فيعتقهم فقال له أبو قحافة : يا بني لو ابتعت من يمنع ظهرك فقال : يا أبت منع ظهري أريد و نزلت فيه : { و سيجنبها الأتقى } إلى آخر السورة و خرج أبو داود و الترمذي [ من حديث عمر قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نتصدق و وافق ذلك عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال : فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله و إن أبا بكر أتى بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم الله و رسوله فقلت : لا أسابقه إلى شيء أبدا ] و خرج الإمام أحمد و النسائي و ابن ماجه [ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر و قال : هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله ] و خرجه الترمذي بدون هذه الزيادة في آخره و كان من المنفقين أموالهم في سبيل الله عثمان بن عفان ففي الترمذي [ عن عبد الرحمن بن خباب قال : شهدت النبي صلى الله عليه و سلم و هو يحث على جيش العسرة فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي مائتا بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان فقال : يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها و أقتابها في سبيل الله قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم نزل على المنبر و هو يقول : ما على عثمان ما فعل بعد هذه ما على عثمان ما فعل بعد هذه ] و خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه أن عثمان جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره قال : فرأيت النبي صلى الله عليه و سلم يقلبها في حجره و يقول : ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم مرتين ] و كان أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف و في مسند الإمام أحمد أنه قدم له عير إلى المدينة فارتجت لها المدينة فسألت عائشة عنها و حدثت حديثا عن النبي صلى الله عليه و سلم فبلغ عبد الرحمن فجعلها كلها في سبيل الله بأقتابها و أحلاسها و كانت سبعمائة راحلة و خرجه ابن سعد من وجه آخر فيه انقطاع و عنده أنها كانت خمسمائة راحلة و خرج الترمذي [ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول تعني لأزواجه : إن أمركن لمما يهمني بعدي و لن يصبر عليكن إلا الصابرون قال : ثم تقول عائشة لأبي سلمة : سقى الله أباك من سلسبيل الجنة و كان قد وصل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم بمال بيعت بأربعين ألفا ] و قال : حسن غريب و خرجه الحاكم و صححه و خرج الإمام أحمد أوله و خرج الإمام أحمد أيضا و الحاكم [ من حديث أم بكر بنت المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضا له من عثمان بأربعين ألف دينار فقسمها في فقراء بني زهرة و في المهاجرين و أمهات المؤمنين قال المسور : فأتيت عائشة رضي الله عنها بنصيبها من ذلك فقالت لنا : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لا يحنو عليكن بعدي إلا الصابرون سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة ] و خرج الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لأزواجه : إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار : اللهم ساق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ] و خرجه ابن سعد و زاد : إن إبراهيم بن سعد قال : حدثني بعض أهلي من ولد عبد الرحمن بن عوف أن عبد الرحمن بن عوف باع أمواله من كيدمة و سهمه من بني النضير بأربعين ألف دينار فقسمها على أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و خرج الترمذي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه أن أباه عبد الرحمن بن عوف أوصى بحديقة لأمهات المؤمنين بيعت بأربعمائة ألف و خرجه الحاكم و لفظه : بيعت بأربعين ألف دينار و أخبار الأجواد المنفقين أموالهم في سبيل الله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يطول ذكرها جدا و كان الفقراء من الصحابة كلما رأوا أصحاب الأموال منهم ينفقون أموالهم فيما يحبه الله من الحج و الإعتمار و الجهاد في سبيل الله و العتق و الصدقة و البر و الصلة و غير ذلك من أنواع البر و الطاعات و القربات حزنوا لما فاتهم من مشاركتهم في هذه الفضائل و قد ذكرهم الله في كتابه بذلك فقال تعالى : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون } : نزلت هذه الآية بسبب قوم من فقراء المسلمين أتوا النبي صلى الله عليه و سلم و هو يتجهز إلى غزوة تبوك فطلبوا منه أن يحملهم فقال لهم : [ لا أجد ما أحملكم عليه ] فرجعوا و هم يبكون حزنا على ما فاتهم من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بعض العلماء : هذا و الله بكاء الرجال بكوا على فقدهم رواحل يتحملون عليها إلى الموت في مواطن تراق فيها الدماء في سبيل الله و تنزع فيها رؤوس الرجال عن كواهلها بالسيوف فأما من بكى على فقد حظه من الدنيا و شهواته العاجلة فذلك شبيه ببكاء الأطفال و النساء على فقد حظوظهم العاجلة
( سهر العيون لغير وجهك باطل ... و بكاؤهن لغير فقدك ضائع )
إنما يحسن البكاء و الأسف على فوات الدرجات العلى و النعيم المقيم قال بعضهم : يرى رجل في الجنة يبكي فيسأل عن حاله فيقول : كانت لي نفس واحدة قتلت في سبيل الله و وددت أنه كانت لي نفوس كثيرة تقتل كلها في سبيله غزا قوم في سبيل الله فلما صافوا عدوهم و اقتتلوا رأى كل واحد منهم زوجته من الحور قد فتحت بابا من السماء و هي تستدعي صاحبها إليها و تحثه على القتال فقتلوا كلهم إلا واحدا و كان كلما قتل منهم واحد غلق باب و غابت منه المرأة فأفلت آخرهم فأغلقت تلك المرأة الباب الباقي و قالت ما فاتك يا شقي ؟ فكان يبكي على حاله إلى أن مات و لكنه أورثه ذلك طول الإجتهاد و الحزن و الأسف
( على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... و إن كان من ليلى على الهجر طاويا )
لما سمع الصحابة رضي الله عنهم قول الله عز و جل : { فاستبقوا الخيرات }
{ سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها كعرض السماء و الأرض } فهموا أن المراد من ذلك أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة و المسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملا يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه فكان تنافسهم في درجات الآخرة و استباقهم إليها كما قال تعالى : { و في ذلك فليتنافس المتنافسون } ثم جاء من بعدهم فعكس الأمر فصار تنافسهم في الدنيا الدنية و حظوظها الفانية قال الحسن : إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة و قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل و قال بعض السلف : لو أن رجلا سمع بأحد أطوع لله منه كان ينبغي له أن يحزنه ذلك و قال غيره : لو أن رجلا سمع برجل أطوع لله منه فانصدع قلبه فمات لم يكن ذلك بعجب قال رجل لمالك بن دينار رأيت في المنام مناديا ينادي أيها الناس الرحيل الرحيل فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع فصاح مالك و غشي عليه : { والسابقون السابقون * أولئك المقربون * في جنات النعيم } قال عمر بن عبد العزيز في حجة حجها عند دفع الناس من عرفة ليس السابق اليوم من سبق به بعيره إنما السابق من غفر له كان رأس السابقين إلى الخيرات من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال عمر : ما استبقنا إلى شيء من الخير إلا سبقنا أبو بكر و كان سباقا بالخيرات ثم كان السابق بعده إلى الخيرات عمر و في آخر حجة حجها عمر جاء رجل لا يعرف كانوا يرونه من الجن فرثاه بأبيات منها :
( فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق )
صاحب الهمة العالية و النفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية و إنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى و لا يرجع عن مطلوبه و لو تلفت نفسه في طلبه و من كان في الله تلفه كان على الله خلفه
قيل لبعض المجتهدين في الطاعات : لم تعذب هذا الجسد ؟ قال : كرامته أريد
( و إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام )
قال عمر بن عبد العزيز إن لي نفسا تواقة ما نالت شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه و إنها لما نالت هذه المنزلة يعني الخلافة و ليس في الدنيا منزلة أعلى منها تاقت إلى ما هو أعلى من الدنيا يعني الآخرة
( على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... و تأتي على قدر الكرام المكارم )
قيمة كل إنسان ما يطلب فمن كان يطلب الدنيا فلا أدنى منه فإن الدنيا دنية و أدنى منها من يطلبها و هي خسيسة و أخس منها من يخطبها قال بعضهم : القلوب جوالة فقلب يجول حول العرش و قلب يجول حول الحش الدنيا كلها حش و كل ما فيها من مطعم و مشرب يؤل إلى الحش و ما فيها من أجسام و لباس يصير ترابا كما قيل : و كل الذي فوق التراب تراب و قال بعضهم في يوم عيد لإخوانه : هل تنظرون إلا خرقا تبلى أو لحما يأكله الدود غدا و أما من كان يطلب الآخرة فقدره خطير لأن الآخرة خطيرة شريفة و من يطلبها أشرف منها كما قيل :
( أثامن بالنفس النفيسة ربها ... و ليس لها في الخلق كلها ثمن )
( بها تدرك الأخرى فإن أنا بعتها ... بشيء من الدنيا فذاك هو الغبن )
( لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها ... لقد ذهبت نفسي و قد ذهب الثمن )
و أما من كان يطلب الله فهو أكبر الناس عنده كما أن مطلوبه أكبر من كل شيء كما قيل :
( له همم لا منتهى لكبارها ... و همته الصغرى أجل من الدهر )
قال الشبلي : من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رمادا تذروه الرياح و من ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار سبيكة ذهب ينتفع به و من ركن إلى الله أحرقه بنور التوحيد فصار جوهرا لا قيمة له العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه و يبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه فأما خسيس الهمة فاجتهاده في متابعة هواه و يتكل على مجرد العفو فيفوته إن حصل له العفو منازل السابقين المقربين قال بعض السلف : هب أن المسيء عفي عنه أليس قد فاته ثواب المحسنين
( فيا مذنب يرجو من الله عفوه ... أترضى بسبق المتقين إلى الله )
لما تنافس المتنافسون في نيل الدرجات غبط بعضهم بعضا بالأعمال الصالحات قال النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا حسد إلا في اثنتين : رجل أتاه الله مالا فهو ينفقه في سبيل الله آناء الليل و آناء النهار و رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و آناء النهار ] و في رواية : [ لا تحاسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل و النهار يقول : لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل و رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في حقه يقول : لو أتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل ] و هذا الحديث في الصحيحين و في الترمذي و غيره عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ إنما مثل هذه الأمة كأربعة نفر : رجل آتاه الله مالا و علما فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه و رجل آتاه الله علما و لم يؤته مالا و هو يقول : لو كان لي مثل هذا لعملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فهما في الأجر سواء و رجل آتاه الله مالا و لم يؤته الله علما و لا مالا فهو يقول : لو كان لي مال هذا عملت فيه مثل الذي يعمل قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فهما في الوزر سواء ] و روى حميد بن زنجويه بإسناده عن زيد بن أسلم قال : يؤتى يوم القيامة بفقير و غني اصطحبا في الله فيوجد للغني فضل عمل فيما كان يصنع في ماله فيرفع على صاحبه فيقول الفقير : يا رب لما رفعته و إنما اصطحبنا فيك و عملنا لك فيقول الله تعالى : له فضل عمل بما صنع في ماله فيقول : يا رب لقد علمت لو أعطيتني مالا لصنعت مثل ما صنع فيقول : صدق فارفعوه إلى منزلة صاحبه و يؤتى بمريض و صحيح اصطحبا في الله فيرفع الصحيح بفضل عمله فيقول المريض : يا رب لم رفعته علي فيقول : بما كان يعمل في صحته فيقول : يا رب لقد علمت لو أصححتني لعملت كما عمل فيقول الله : صدق فارفعوه إلى درجة صاحبه و يؤتى بحر و مملوك اصطحبا في الله فيقول مثل ذلك و يؤتى بحسن الخلق و سيء الخلق فيقول : يا رب لم رفعته علي و إنما اصطحبنا فيك و عملنا فيقول : بحسن خلقه فلا يجد له جوابا العاقل يغبط من أنفق ماله في سبيل الخيرات و نيل علو الدرجات و الجاهل يغبط من أنفق ماله في الشهوات و توصل به إلى اللذات المحرمات قال الله تعالى حاكيا عن قارون : { فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم * و قال الذين أوتوا العلم و يلكم ثواب الله خير لمن آمن و عمل صالحا } إلى قوله : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين }
فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم تأسف أصحابه الفقراء و حزنهم على ما فاتهم من إنفاق إخوانهم الأغنياء أموالهم في سبيل الله تقربا إليه و ابتغاء لمرضاته طيب قلوبهم و دلهم على عمل يسير يدركون به من سبقهم و لا يلحقهم معه أحد بعدهم و يكونون به خيرا ممن هم معه إلا من عمل مثل عملهم : و هو الذكر عقب الصلوات المفروضات و قد اختلفت الروايات بأنواعه و عدده و الأخذ بكل ما ورد من ذلك حسن و له فضل عظيم و في حديث أبي هريرة هذا : أنهم يسبحون و يحمدون و يكبرون خلف كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و قد فسره أبو صالح راوية عنه بالجمع و هو أن يقول : سبحان الله و الحمد لله و الله أكبر ثلاثا و ثلاثين مرة فيكون جملة ذلك تسعا و تسعين
و قد يستشكل على هذا حديث : [ أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم : عما يعدل الجهاد ؟ فقال : هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تصوم فلا تفطر و تقوم و لا تفتر ] و هو حديث ثابت صحيح أيضا فلم يجعل للجهاد عدلا سوى الصيام الدائم و القيام الدائم و في هذا الحديث قد جعل الذكر عقب الصلوات عدلا له ؟ و الجمع بين ذلك كله : أن النبي لم يجعل للجهاد في زمانه عملا يعدله بحيث إذا انقضى الجهاد انقضى ذلك العمل و استوى العامل مع المجاهد في الأجر و إنما جعل الذي يعدل الجهاد الذكر الكثير المستدام في بقية عمر المؤمن من غير قطع له حتى يأتي صاحبه أجله فإذا استمر على هذا الذكر في أوقاته إلى أن مات عليه عدل ذكره هذا الجهاد و قد دل على ذلك أيضا ما خرجه الإمام أحمد و الترمذي [ من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا أنبئكم بخير أعمالكم و أزكاها عند مليككم و أرفعها في درجاتكم و خير لكم من إنفاق الذهب و الورق و خير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم و يضربوا أعناقكم ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : ذكر الله عز و جل ] و خرجه مالك في الموطأ موقوفا و خرج الإمام أحمد و الترمذي أيضا من [ حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل : أي العبادة أفضل درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : { الذاكرين الله كثيرا } قلت يا رسول الله و من الغازي في سبيل الله ؟ قال : لو ضرب بسيفه الكفار و المشركين حتى ينكسر و يختصب دما لكان الذاكرون الله عز و جل أفضل منه درجة ] و قد روي هذا المعنى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه و طائفة من الصحابة موقوفا و أن الذكر لله أفضل من الصدقة بعدة دراهم و دنانير و من النفقة في سبيل الله و قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه : رجل أعتق مائة نسمة ؟ قال : إن مائة نسمة من مال رجل كثير و أفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل و النهار و أن لا يزال لسان أحدكم رطبا من ذكر الله عز و جل و عنه قال : لأن أقول لا إله إلا الله و الله أكبر مائة مرة أحب إلي من أن أتصدق بمائة دينار و يروى مرفوعا و موقوفا من غير وجه من فاته الليل أن يكابده و بخل بالمال أن ينفقه و جبن عن عدوه أن يقاتله فليكثر من سبحان الله و بحمده فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أو فضة ينفقه في سبيل الله عز و جل و ذكر الله من أفضل أنواع الصدقة و خرج الطبراني [ عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا : ما صدقة أفضل من ذكر الله عز و جل ] و قد قال طائفة من السلف في قول الله عز و جل : { و أقرضوا الله قرضا حسنا } : إن القرض الحسن قول : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر و في مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أنفق عبد نفقة أفضل عند الله عز و جل من قول ليس من القرآن و هو من القرآن : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ] و روى عبد الرزاق في كتابه [ عن معمر عن قتادة قال : قال ناس من فقراء المؤمنين : يا رسول الله ذهب أصحاب الدثور بالأجور يتصدقون و لا نتصدق و ينفقون و لا ننفق قال أرأيتم لو أن مال الدنيا وضع بعضه على بعض أكان بالغا السماء ؟ قالوا : لا يا رسول الله قال : أفلا أخبركم بما أصله في الأرض و فرعه في السماء : أن تقولوا في دبر كل صلاة : لا إله إلا الله و الله أكبر و سبحان الله و الحمد لله عشر مرات فإن أصلهن في الأرض و فرعهن في السماء ] و قد كان بعض الصحابة يظن أن لا صدقة إلا بالمال فأخبره النبي صلى الله عليه و سلم : [ أن الصدقة لا تختص بالمال و أن الذكر و سائر أعمال المعروف صدقة ] كما في صحيح مسلم [ عن أبي ذر رضي الله عنه : أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الثور بالأجور يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم و يتصدقون بفضول أموالهم ؟ ! فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أوليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعة تعدل حجة و صلاة الغد في جماعة تعدل عمرة ] و قال أبو هريرة لرجل : بكورك إلى المسجد أحب إلي من غزوتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ذكره الإمام أحمد أداء الواجبات كلها أفضل من التنفل بالنفل بالحج و العمرة و غيرهما فإنه ما تقرب العباد إلى الله تعالى بأحب إليه من أداء ما افترض عليهم و كثير من الناس يهون عليه التنقل بالحج و الصدقة و لا يهون عليه أداء الواجبات من الديون و رد المظالم و كذلك يثقل على كثير من النفوس التنزه عن كسب الحرام و الشبهات و يسهل عليها إنفاق ذلك في الحج و الصدقة قال بعض السلف : ترك دانق مما يكرهه الله أحب إلي من خمسمائة حجة كف الجوارح عن المحرمات أفضل من التطوع بالحج و غيره و هو أشف على النفوس قال الفضيل بن عياض : ما حج و لا رباط و لا جهاد أشد من حبس اللسان و لو أصبحت يهمك لسانك أصبحت في هم شديد ليس الإعتبار بأعمال البر بالجوارح و إنما الإعتبار بلين القلوب و تقواها و تطهيرها عن الآثام سفر الدنيا ينقطع بسير الأبدان و سفر الآخرة ينقطع بسير القلوب قال رجل لبعض العارفين : قد قطعت إليك مسافة قال : ليس هذا الأمر بقطع المسافات فارق نفسك بخطوة و قد وصلت إلى مقصودك سير القلوب أبلغ من سير الأبدان كم من واصل ببدنه إلى البيت و قلبه منقطع عن رب البيت و كم من قاعد على فراشه في بيته و قلبه متصل بالمحل الأعلى
( جسمي معي غير أن الروح عندكم ... فالجسم في غربة و الروح في وطن )
قال بعض العارفين : عجبا لمن يقطع المفاوز و القفار ليصل إلى البيت فيشاهد فيه آثار الأنبياء كيف لا يقطع هواه ليصل إلى قلبه فيرى فيه أثر : [ و يسعني قلب عبدي المؤمن ] أيها المؤمن : إن لله بين جنبيك بيتا لو طهرته لأشرق ذلك البيت بنور ربه و انشرح و انفسح أنشد الشبلي :
( إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج )
( و مريضا أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج )
( وجهك المأمول حجتنا ... يوم يأتي الناس بالحجج )
تطهيره تفريغه من كل ما يكرهه الله تعالى من أصنام النفس و الهوى و متى بقيت فيه من ذلك بقية فالله أغنى الأغنياء عن الشرك و هو لا يرضى بمزاحمة الأصنام قال سهل بن عبد الله : حرام على قلب أن يدخله النور و فيه شيء مما يكرهه الله
( أردناكم صرفا فلما مزجتم ... بعدتم بمقدار التفاتكم عنا )
( و قلنا لكم لا تسكنوا القلب غيرنا ... فأسكنتم الأغيار ما أنتم منا )
إخواني إن حبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر أو أحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلفكم من الدموع ما تيسر فإن إراقة الدماء لازمة للمحصر و لا تحلقوا رؤوس أديانكم بالذنوب فإن الذنوب حالقة الدين ليست حالقة الشعر و قوموا لله باستشعار الرجاء و الخوف مقام القيام بأرجاء الخيف و المشعر و من كان قد بعد عن حرم الله فلا يبعد نفسه بالذنوب عن رحمة الله فإن رحمة الله قريب ممن تاب إليه و استغفر و من عجز عن حج البيت أو البيت منه بعد فليقصد رب البيت فإنه ممن دعاه و رجاه أقرب من حبل الوريد
( إليك قصدي رب البيت و الحجر ... فأنت سؤالي من حجي و من عمري )
( و فيك سعيي و تطوافي و مزدلفي ... و الهدي جسمي الذي يغني عن الجزي )
( و مسجد الخيف خوفي من تباعدكم ... و مشعري و مقامي دونكم خطري )
( زادي رجائي لكم و الشوق راحلتي ... و الماء من عبراتي و الهوى سفري