الدكتور مصطفى محمود، العالم المصرى الشهير، يوضح لنا الفرق بين العبقرى والشخص العادى قائلاً: «العبقرى هو من يخترق حجاب المألوف ويخرج من أسر العادة، فما اعتدناه فى حياتنا اليومية يراه العبقرى على أنه شىء غير عادى، ويبدأ فى البحث عن أسباب حدوثه». توضيح الدكتور مصطفى محمود عن الشخصيات العبقرية تجدونه كاملاً على موقع اليوتيوب بالبحث باللغة العربية عن «كيف تكون عبقرى؟».
قد يبدو تصرف «العبقرى» للوهلة الأولى مختلفا وغير مفهوم بالنسبة لمن حوله، ويقول الدكتور مصطفى محمود: «لهذا، غالباً ما يصفه من حوله بأنه مجنون»، ويرى أن هذا ليس جنوناً وإنما تميزا نسميه العبقرية التى تتصل بصفة خلقية فى الإنسان وهى التحرر العقلى.
وفى القرن السابع عشر، اعتقد الجميع أن الأرض هى مركز الكون، وعندما اكتشف عالم الفلك العبقرى جاليليو حقيقة أن الشمس هى مركز الكون، وأن الأرض هى التى تدور حول الشمس، اتهم بالجنون وتم إعدامه.
ومن المؤكد أن عقل الإنسان العادى أسير متطلبات الحياة اليومية كالطعام والشراب، وخياله سجين ما تشتهيه نفسه من حب للمال والسلطة، وهى جميعاً عوامل تشغل العقل بالعلاقات والعادات المألوفة وتجعله عاجزاً عن التفكير بطريقة متحررة.
ولكن هل يمكن أن تكون عبقرياً؟ نعم.. يمكنك إذا حققت الشرط الوحيد للعبقرية وهو «القدرة على تحرير عقلك والتحليق بخيالك بعيداً عن أرض المألوف والمعتاد» وهو ما يسميه خبراء التنمية البشرية «التفكير الابتكارى» أو «التفكير خارج الصندوق thinking out of the box».
وينصحك العبقرى أينشتاين قائلاً: «أهم شىء ألا تتوقف عن التساؤل». وهو يؤمن بأن «الخيال أهم من المعرفة»، فأطلق لخيالك العنان تبدع فى التفكير.
ويتضح معنى العبقرية أكثر إذا بحثنا فى أصل الكلمة، فقديماً كان يطلق العرب على الشخص الذكى بطريقة مميزة «عبقرىّ» نسبة إلى «عبقر» وهو وادى ظن العرب أنه أرض يسكنها الجن.
وباللغة الإنجليزية العبقرى معناها «genius»، والمقطع الأول من الكلمة genie معناها جنى أو عفريت، وكأن الشخص العبقرى لديه بعض الصفات الخارقة والأفكار العجيبة التى يتصف بها الجن.
ولكن كل ما فى الأمر أن العبقرى يتمتع بنسبة ذكاء عالية وتفكيره غير تقليدى، ويمكن تنمية مهارة التفكير لدى الطفل ليصبح أكثر ذكاء، بتشجيعه على البحث فى أسباب الأشياء وكيفية عملها، ولمعرفة نسبة ذكائه هناك اختبارات الذكاء IQ والعبقرى يحصل على 140 درجة بهذا المقياس.
وعلى الرغم من أن كثيراً من أسرار المخ البشرى –خاصة ما يتعلق بالمادة الرمادية التى تتكون منها القشرة المخية - ما زال طى الكتمان فإن العلماء تمكنوا من تحديد الجزء المسؤول عن التفكير فى مخ الإنسان وهو قشرة الدماغ – الجزء الخارجى من المخ - التى تتم فيها عمليتى الفكر والتعقل كأرقى وظائف المخ، بينما الوظائف المرتبطة بأساسيات البقاء فهى تتم فى الجزء الداخلى للمخ.
وكيف يجعلك المخ أكثر ذكاء؟.. سؤال صعب، والأصعب هو إيجاد إجابة عنه، لأن ذلك يتطلب دراسة تشريحية دقيقة للمخ الحى، وهو أمر مستحيل وكل ما يتمكن منه العلماء الآن هو دراسة المخ بعد الموت، إلا أن ذلك لا يفيد بالقدر الكافى، لأن المخ كبقية الأعضاء تتغير خصائصه بموت الإنسان.
وفى دراسة أجريت عام 2004 بجامعة كاليفورنيا تبين أن حجم المادة الرمادية فى أجزاء القشرة الدماغية يؤثر على مستوى الذكاء أكثر من الحجم الإجمالى للمخ، وبالتالى فإن السمات المادية - كالحجم - تلعب دورا فى تحديد مستوى ذكاء كل فرد.
وهل هناك مخ صاحبه أكثر عبقرية من أينشتاين لإثبات هذه النظرية؟ بالطبع لا، حيث تم إجراء العديد من الدراسات لتشريح مخ ألبرت أينشتاين، وأهم نتائجها أن مخ أينشتاين حجمة أصغر قليلاً من متوسط حجم مخ الإنسان العادى، والفص الجدارى أوسع نطاقاً من المعتاد ولا توجد به الفجوة الموجودة بمخ الإنسان العادى، وقد فسر العلماء أن غياب هذه الفجوة سمح باتصال الأجزاء المختلفة للمخ بشكل أفضل من المعتاد وهو ما يكشف أحد أسرار عبقرىّ القرن العشرين.
وماذا عن العباقرة الآخرين فى مجالات الحياة المختلفة، ففى الأدب مثلا الروائى ديستوفسكى وارنست همنجواى، وفى العلوم نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية وتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائى، وفى الفنون: الموسيقى بيتهوفن وفان جوخ والرسام العبقرى بيكاسو؟
لم تكن العبقرية هى السمة الوحيدة التى اتصف بها هؤلاء، ففى مقابل شهرتهم بالإبداع والابتكار، عرف عنهم أيضاً الجنون والمرض العقلى والنفسى، مما استدعى وجود ارتباط خفى بين العبقرية والجنون فسره العلماء بأن العبقرى شخص إما أنه يستقبل محفزات أكثر من العالم الخارجى وإما أنه يتجاهلها بشكل أكبر، وهو ما يفسر أنه عرضة للأمراض العقلية.
وفكرة أن أكثر المبدعين غالباً ما يعانون الاكتئاب والإدمان وغيرهما من الصراعات النفسية ليست جديدة، فقديماً قيل إن العبقرية والجنون وجهان لعملة واحدة . «فان جوخ» قطع أذنه وعانى من الاكتئاب قبل أن ينتحر عام 1890، وجون ناش العالم الحائز على جائزة نوبل فى العلوم الاقتصادية 1994 عانى من انفصام فى الشخصية وهلوسات، حتى أينشتاين عرف عنه تصرفات غريبة خاصة فى أواخر حياته. ومازالت محاولات العلماء لتحديد العلاقة بين العبقرية والجنون مستمرة.
ويفسر هذا الكلام دكتور السيد زيدان، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، قائلاً: «الشخص العبقرى يكون لديه كم من الذكاء والاستعداد فى مجال بعينه أكثر من غيره ونجد أغلب ظهورهم يكون فى الرياضيات الكيمياء، والفيزياء، موسيقى، الرسم ويكون مسبوقاً بمجهود كبير وبحث طويل».
ولم يبالغ أديسون مخترع المصباح الكهربائى عندما قال إن «العبقرية ما هى إلا 1٪ إلهاما و99٪ اجتهاداً وتعباً».
ويرى دكتور زيدان أن العبقرى يتمتع بدرجة ذكاء عالية تجعله فى بعض الأحيان يفقد التواصل مع الآخرين وهذا يجعله حسب قوله يصاب بمرض جنون العظمة أو ينعزل عنهم تماماً فيصبح عرضة للانطواء والاكتئاب.
ولكن ماذا يحمل المستقبل للعباقرة؟ يرى بعض علماء الغرب أن تطوير عقول البشر وتصنيع عباقرة ليس إلا مسألة وقت، ويقول دكتور كورزويل أحد كبار المخترعين والمتخصص فى علوم المستقبل «بحلول عام 2033 ستكون هناك أجهزة بحجم خلية الدم تعرف باسم «النانوبوت» تزرع فى العقول البشرية لجعلها أكثر ذكاء وقدرة على التفكير السريع المنطقى».
وقد يعتقد البعض أن العباقرة يحملون أمخاخاً كبيرة ولكن واقع الحال مخيب فحجم عقولهم مثل أى إنسان طبيعى، وبصفة عامة فإن حجم مخ الإنسان والذى يتكون من 100 بليون خلية عصبية لا يدل على العبقرية وإلا كان الفيل والحوت أكثر مخلوقات الأرض ذكاء، وقشرة مخ الإنسان تتألف من أربعة فصوص هى، الأمامى والصدغى والقفوى والجدارى، كما هو موضح بالرسم، وتأتى أهميتها من تأثيرها المسيطر على مختلف الوظائف المهمة مثل التفكير والذكاء واللغة والذاكرة.