بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أما بعد:

فيا معشر الرجال "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله وإن لكم عليهن ألا يوطأن فرشكم أحدا تكرهونه فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح" رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.

إن نبينا صلى الله عليه وسلم أمر أول ما أمر بإنصاف النساء ونهى عن ظلمهن، وأباح أن تضرب المرأة إذا أوطأت فرش الرجال غير أزواجهن.

وفي سورة النساء: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا}.

ولقد ورد أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يستكثرنه وتعلوا أصواتهن كما روى البخاري في كتاب بدء الخلق الحديث رقم 3294 ولم يكن صلى الله عليه وسلم يفعل أكثر من أن يضحك حين يفعلن هذا.

وفي الحديث الصحيح من رواية البخاري أيضا أن عائشة ضربت يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غارت أمكم".

وفي الحديث الآخر "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل" رواه الترمذي.

فأين الضرب في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم في حوادث لو فعلتها النساء في زماننا لتلونت أبدانهن من ضرب أزواجهن وإيذائهن.

أخي المسلم لا أجد أجمل من قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}
ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عرفات :

فَاتَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ. فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

قال الإمام النووي في شرحه للحديث

وفي هذا الحديث اباحة ضرب الرجل امرأته للتأديب فان ضربها الضرب المأذون فيه فماتت منه وجبت ديتها على عاقلة الضارب ووجبت الكفارة في ماله

انتهى كلامه


و سبق أن أوردت حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم أيضا و فيه قولها ( فلهدني ) و في رواية النسائي (فلهزني )

جاء في حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي

( فَلَهَزَنِي )
بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ فِي آخِرِهِ وَاللَّهْزُ الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْكَفِّ فِي الصَّدْر وَفِي بَعْض النُّسَخ فَلَهَدَنِي بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ اللَّهْد وَهُوَ الدَّفْع الشَّدِيد فِي الصَّدْر وَهَذَا كَانَ تَأْدِيبًا لَهَا مِنْ سُوءِ الظَّنِّ

انتهى كلامه

و أما عن الجمع بين هذا الحديث و بين ما عند الإمام النسائي من حَدِيث عَائِشَة " مَا ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة لَهُ وَلَا خَادِمًا قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ تُنْتَهَك حُرُمَات اللَّه فَيَنْتَقِم لِلَّهِ "

فهو أمر يسير إن شاء الله

فلم يضرب صلى الله عليه وسلم امرأة له قط لأمر من أمور الدنيا

أما أن تنتهك حرمات الله فيضرب كما في الحديث لما قال لها " « أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ ».

وهذا سمعته من أحد علمائنا الأجلاء

و أنا هنا لست أنادي بضرب النساء

فالله يعلم أني من أشد الناس إنكارا على الضرابين كما أني أبعد الناس بحمد الله عن هذا وما مددت يدي قط على زوجتي ولا سببتها قط منذ تزوجنا منذ قرابة العشر سنين

لكن ليس معنى هذا أن الضرب ليس بمشروع

أو أنه حرام كما يقول البعض


قال الإمام البخاري في صحيحه

بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ
{ وَاضْرِبُوهُنَّ }
أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ



اورد فيه حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ

قال الإمام الحافظ ابن حجر في شرحه للحديث :



وَفِي الْحَدِيث جَوَاز تَأْدِيب الرَّقِيق بِالضَّرْبِ الشَّدِيد ، وَالْإِيمَاء إِلَى جَوَاز ضَرْب النِّسَاء دُون ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّف بِقَوْلِهِ " غَيْر مُبَرِّح " ، وَفِي سِيَاقه اِسْتِبْعَاد وُقُوع الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْعَاقِل : أَنْ يُبَالِغ فِي ضَرْب اِمْرَأَته ثُمَّ يُجَامِعهَا مِنْ بَقِيَّة يَوْمه أَوْ لَيْلَته ، وَالْمُجَامَعَة أَوْ الْمُضَاجَعَة إِنَّمَا تُسْتَحْسَن مَعَ مَيْل النَّفْس وَالرَّغْبَة فِي الْعِشْرَة ، وَالْمَجْلُود غَالِبًا يَنْفِر مِمَّنْ جَلَدَهُ ، فَوَقَعَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَمّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَلَا بُدّ فَلْيَكُنْ التَّأْدِيب بِالضَّرْبِ الْيَسِير بِحَيْثُ لَا يَحْصُل مِنْهُ النُّفُور التَّامّ فَلَا يُفْرِط فِي الضَّرْب وَلَا يُفْرِط فِي التَّأْدِيب ، قَالَ الْمُهَلَّب : بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " جَلْد الْعَبْد " أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيق فَوْق ضَرْب الْحُرّ لِتَبَايُنِ حَالَتَيْهِمَا ، وَلِأَنَّ ضَرْب الْمَرْأَة إِنَّمَا أُبِيحَ مِنْ أَجْل عِصْيَانهَا زَوْجهَا فِيمَا يَجِب مِنْ حَقّه عَلَيْهَا ا ه . وَقَدْ جَاءَ النَّهْي عَنْ ضَرْب النِّسَاء مُطْلَقًا ، فَعِنْد أَحْمَد وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث إِيَاس بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ذُبَاب بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة

" لَا تَضْرِبُوا إِمَاء اللَّه " فَجَاءَ عُمَر فَقَالَ : قَدْ ذَئِرَ النِّسَاء عَلَى أَزْوَاجهنَّ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَضَرَبُوهُنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاء كَثِير فَقَالَ : لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُونَ اِمْرَأَة كُلّهنَّ يَشْكِينَ أَزْوَاجهنَّ ، وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَاركُمْ "

وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان ، وَآخَر مُرْسَل مِنْ حَدِيث أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر عِنْد الْبَيْهَقِيِّ ، وَقَوْله " ذَئِرَ " بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر الْهَمْزَة بَعْدهَا رَاء أَيْ نَشَزَ بِنُونٍ وَمُعْجَمَة وَزَاي ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَضِبَ وَاسْتَبَّ ،

قَالَ الشَّافِعِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّهْي عَلَى الِاخْتِيَار وَالْإِذْن فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَبْل نُزُول الْآيَة بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ بَعْد نُزُولهَا فِيهِ ،

وَفِي قَوْله " لَنْ يَضْرِب خِيَاركُمْ " دَلَالَة عَلَى أَنَّ ضَرَبَهُنَّ مُبَاح فِي الْجُمْلَة ،

وَمَحَلّ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبهَا تَأْدِيبًا إِذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَه فِيمَا يَجِب عَلَيْهَا فِيهِ طَاعَته ، فَإِنْ اِكْتَفَى بِالتَّهْدِيدِ وَنَحْوه كَانَ أَفْضَل ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْوُصُول إِلَى الْغَرَض بِالْإِيهَامِ لَا يَعْدِل إِلَى الْفِعْل ، لِمَا فِي وُقُوع ذَلِكَ مِنْ النَّفْرَة الْمُضَادَّة لِحُسْنِ الْمُعَاشَرَة الْمَطْلُوبَة فِي الزَّوْجِيَّة ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي أَمْر يَتَعَلَّق بِمَعْصِيَةِ اللَّه . وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي الْبَاب حَدِيث عَائِشَة " مَا ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة لَهُ وَلَا خَادِمًا قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ تُنْتَهَك حُرُمَات اللَّه فَيَنْتَقِم لِلَّهِ "