قبل سنوات قليلة، خطرت على بال العلماء فكرة إخضاع 76 مومياء مصرية لأجهزة تصوير طبية، مفترضين أن الأمراض التي ستظهر على جسد عمره 3000 عام ستكون مختلفة حتماً عن تلك التي تصيب الإنسان اليوم، لكن النتيجة كانت مفاجئة: لم يعرف المصريون السجائر، إلا أن شرايينهم بدت كأنهم مدخنون شرهون.

الفكرة هي أنه إذا كانت أمراض القلب والشرايين هي القاتل رقم واحد اليوم، فالإنسان لم يعرف حتماً "النوبات القلبية" و"السكتات الدماغية" قبل 3000 عام إلا نادراً، إذ لم يكن مدخناً حينها، وكان أكثر حيوية ونشاطاً من أن يعاني من البدانة، وأقل استهلاكاً للمأكولات الدسمة، ويموت باكراً دوماً بالأوبئة التي لم يعرف تفسير لها، كالملاريا والسل والكوليرا وغيره.

إلا أن الأمر كان مختلفاً تحت أجهزة التصوير (الـ CT scan)، بدت شرايين هذه المومياوات شبيهة بشرايين رجل أميركي بدين يدخن سيجارة بجانب وجبة "هامبورجر"، وظهرت عليها علامات "تصلب الشرايين" التي تتسبب بالجلطات والموت المفاجئ والنوبات القلبية اليوم، إلا أن فارقاً واحداً استرعى الانتباه: شاع "تصلب الشرايين" عند نساء المصريين القدماء أكثر من رجالهم، في حين أنه اليوم السبب الأول للموت للرجال أكثر من النساء.

وفي محاولة لتفسير سبب إصابة نساء الفراعنة بشكل خاص بتصلب الشرايين، افترض الباحثون أن النساء تولين مهمة الطبخ على مر التاريخ، وهو ما جعلهن عرضة للدخان المنبثق من النيران بشكل دائم قبل اختراع "الأفران"، مما يفسر غالباً إصابة النساء بـ"تصلب الشرايين" عند المصريين القدماء.

وفضلا عن ذلك، يعتقد الدكتور جورج توماس، مؤلف الدراسة التي نشرت في مجلة Global Heart ، أن المصريين لم يجدوا بديلاً عن الاعتماد على النار في التدفئة أثناء الشتاء، ولا يختلف الأمر كثيراً بين أن تدخن بشراهة أو أن تتعرض للأبخرة المنبثقة عن النيران طوال اليوم، خصوصاً إذا أضيف إلى ذلك عوامل أخرى، منها قلة النظافة والمياه الملوثة والأوبئة التي كانت منتشرة دون علاج، وهو ما قد يكون مسبباً لـ"تصلب الشرايين" أيضاً، مضافاً إليه أن وجبات المصريين القدماء كانت غنية بالدسم دون أقرانهم في تلك العصور من الحضارات الأخرى.

إلا أن هذه التفسيرات جميعها لا تبدو مقنعة بشكل كامل، تخبّئ المومياء أسراراً طبية تثير فضول العلماء وتجعلهم يراجعون فرضياتهم الذي ظنوها حقيقة لزمن طويل، إذ قد لا يكون "نمط الحياة" وحده هو المسئول عن داء العصر، الأمراض القلبية، وليس " الهامبورجر " و"السجائر" و"البدانة" هي السبب تماماً، بل هنالك سر آخر موجود في "جينات الإنسان" يساعدها في ذلك، ويجعل الإنسان مستعداً وراثياً للإصابة بأمراض القلب منذ الأزل.