الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله و صحبه أجمعين، و بعد:



أخواتي الفاضلات
إليكن هذه الدروس الخاصة بالداعيات ، في كيفية مواجهة عقبات الدعوة، و المعالم التي تهتدي بها الداعيات، مع بعض المحاذير الموجهة إليهن.


و هذه الدروس من كتاب " المرأة الداعية" لفضيلة الشيخ محمد موسى الشريف، حفظه الله تعالى، فأحياناً أختصر و أحياناً أضيف من مراجع أخرى.

فهذه الدروس ليست لكل النساء و إنما للآتي انضممن إلى قافلة الدعاة إلى الله تعالى، الذين يقول فيهم: " و من أحسن قولاً ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين".


هذه الدروس لمن اتخذت من وظيفة النبيين و المصلحين من بعدهم، وظيفة لها.


و الحمد لله تعالى أن ظهر في هذا الزمن جماعات من الداعيات، و كثير منهن لهن جهد يشكرن عليه، بل إن بعضهن قدمن للدعوة ما لم يقدمه الكثير من الرجال


و ليس من العجيب سمو أنثى *** على رجل ترجله الثيابُ
نساء غير أن لهن نفساً *** إذا همت تسهلت الصعابُ
فإن تلق البحار تكن سفينا *** و إن ترد السما فهي الشهابُ
ضعافٌ غير أن لهن رأياً *** يسدده إلى القصدِ الصوابُ



يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فضل أمنا خديجة رضي الله تعالى عنها: "إنها أول من أجاب إلى الإسلام، و دعا إليه – بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم- و أعان على ثبوته بالنفس و المال و التوجه التام، فلها مثل أجر من جاء بعدها، و لا يقدر قدر ذلك إلا الله تعالى"


فنبدأ على بركة الله تعالى:

عقبات أمام المرأة الداعية




أمام المرأة الداعية –للأسف- عقبات كثيرة، و هي بحاجة إلى التعامل معها بصبر و حكمة من أجل تذليلها و تخطيها، و هذا يعظم لها الأجر؛ لأنها تعاني ما لا يعاني منه الرجل في هذه المسألة، و الثواب –إن شاء الله تعالى- على قدر المشقة.


و العقبات التي تعاني منها الداعيات تنقسم إلى : عقبات اجتماعية و عقبات تعليمية و فكرية و ثقافية و هي على الوجه التالي:





أولا: العقبات الاجتماعية:



أكثر البيئات العربية- و ربما الإسلامية- لم تستسغ بعد أن تسمح للمرأة الداعية الواعية بكمال حرية التنقل، و الخروج المتكرر قد يكون سمة للمرأة الداعية، و حركة لا بد لها منها، و أيضاً كثير من الأزواج لا يساعدونها على إتمام مهمتها، و إن كانت ذات أولاد تضاعفت عليها الهموم، و كيف إذا كانت موظفة أيضاً؟! فماذا تصنع، و كيف تستطيع أن تجمع بين كل ذلك على وجه مناسبٍ مُرضٍ؟! و هناك عقبات أخرى و تفصيل كل ذلك على الوجه التالي:



1 – عقبة البيئة الفاسدة:
من الداعيات من تعيش في بيئة يغلب خيرها شرها، و فسادها مستور محتقر، و من الداعيات من تعيش في بيئة يغلب شرها خيرها، و فيها فساد ظاهر ملحوظ، و هنا يعظم البلاء و يشتد الخطب على أولئك النسوة العاملات، و قد يعاديهن من في تلك البيئة و يرميهن عن قوس واحدة، و في هذا من الفتنة و الابتلاء ما فيه، لكن ليس أمام الأخت الداعية إلا الصبر و الاعتصام بالله تعالى، و لتتذكر الداعيات الأوائل اللواتي كن يعشن في البلاد العربية في النصف الأول من القرن الفائت، و كيف كن يواجهن عواصف الشيوعية و الاشتراكية، و موجات الإلحاد و المادية، و كيف كن يعانين من أمور كثيرة تعد اليوم من التاريخ و ذكريات الماضي، و بعضهن تعرضن لسجن طويل و اضطهاد عظيم، فإن تذكرت كل ذلك، و تذكرت ما أعد الله تعالى للصابرات العاملات من أجر عظيم هان عليها ما تجد من أعراض، و ثلج صدرها، و اضمحلّ همها، و أقبلت على دعوتها و هي ممتلئة حماساً و تفاؤلا.


و هنا مسألة مهمة يكثر دورانها في البيئات الفاسدة أو التي يغلب خيرها شرها ألا و هي قلة التجاوب و ضعف التأثير من قبل المدعوات، و هذا أمر طبيعي في مثل تلك البيئات، و ليس أمام المرأة الداعية الحصيفة إلا أن تصبر و تحتسب، و تحاول أن تجدد العهد ببعض أساليب الدعوة المبتكرة الجديدة، و لتحاول أن تصلح ما قد يكون فيها من عيوب تصد الأخريات عنها، و لتضع في ذهنها دوماً أن الله تعالى سائلها عن عملها و ليس عن النتائج، فهي موكولة إليه، مأمولة منه جل جلاله، و هو أعلم بالزمن التي تظهر فيه نتائج الأعمال و تثمر جهود العمال.


2 – عقبة الزواج:
الزواج للمرأة أمر مهم دعت إليه الشريعة، و قررته الفطرة السوية، و الزواج للمرأة الداعية قد يكون أكثر أهمية للأسباب التالية:


أ – وجود الزوج الملتزم الفاهم الذي تستشيره في خاصة أمرها و في شؤونها الدعوية، و يخفف عنها شيئاً من عنائها في الخارج، و تجد لديه السكن و الرحمة، و تعفه و يعفها.


ب – بناء الأسرة المسلمة التي طالما نادت بها المرأة الداعية، و حثت على إيجادها.


ج – المرأة الداعية ما لم تتزوج يظل كلامها أقرب إلى التنظير منه إلى الواقع، أما إن تزوجت فستتعرف عن قرب على مشكلات الزواج، و تعاني من الزوج و الأولاد ما ينضج تجربتها، و يحسن رؤيتها، و يقرب القول من العمل، و يلصق التجربة بالمقال.


د – المرأة الداعية إن تزوجت تصبح أكثر قدرة على الحركة، و أقدر على التخلص من رقابة الأهل اللصيقة، و يستفيد منها المجتمع أكثر و لا شك.


هذا كله يحكم بأهمية الزواج للمرأة الداعية، و فاقرة الظهر أن تترك هذه المرأة بدون تزويج – خاصة في المجتمعات المغلقة المحافظة – فيكبر سنها، و من ثم يضغط عليها أهلها لأجل الزواج بأول طارق، و قد يكون غير ملتزم أو غير واع فيكدر عليها حياتها، و يفسد عليها صفو دعوتها، و يعطل سيرها، و قد تكون من الداعيات البارزات فيفقدها المجتمع و العياذ بالله.


و إليكن هذه الحوادث الصعبة:


- أخت داعية عاملة تقدم بها العمر و لم يأتها كفؤها من الدعاة، و تقدم لها أحد الملتزمين فقبلته، فلما زفت إليه حملت معها مكتبتها، فلما رأى بعض ما فيها من كتب ألزمها أن تخرج عدداً منها فلا تحتفظ بها لأن رأيه يخالف آراء هؤلاء، ثم ألزمها بمجموعة من الإلزامات الفكرية و الثقافية كان من جرائها أن تركت الداعية قناعاتها الدعوية و الفكرية المعتدلة و اتبعت ما عليه زوجها من هَوَج فكري و هوس دعويّ.


- و أخت داعية أخرى اضطرت للزواج برجل عاميّ، و كانت من الداعيات العاملات فألزمها بالبقاء في بيتها و الانقطاع عن دعوتها، فكان من جراء ذلك أن انقلبت الداعية امرأة كسائر النساء، و هذه الحادثة مثال و إلا فهناك حالات كثيرة مثل حال هذه المرأة المسكينة التي لم تجد معيناً و لا ناصراً بسبب تقاعس الأخوة الصالحين عن الاقتران بمثلها.


- و أخت ثالثة خطبها أحد الدعاة الذين لا يعذرون المخالف، و لا يطيقون اختلاف الرأي، فاشترط عليها الا تدخل مقر الجماعة التي تؤمن بأفكارها الدعوية و التي يخالفها في الرأي و أن تقطع صلتها بها، فرفضته و لم ترتضه، و حُق لها ذلك.


لذلك على العقلاء من الدعاة أن يسارعوا بالاقتران بالداعيات و ألا يتركوهن نهباً للوساوس و عذاب الانتظار، و أن يتواصوا فيما بينهم بهذا، فأحق من يكافؤ بالزواج مثل هذه الداعية التي جردت نفسها لربها و دينها، فكيف تترك هكذا؟!! و قد يُعد هذا من نقص مروءات الدعاة و قلة اكثراثهم بنفسية الداعيات و مشكلاتهن، و المجتمع الاسلامي لا يكون هكذا أبدا.


3 – عقبة الزوج غير الملتزم، أو الملتزم التزاماً أعوج:
المرأة الداعية تعاني كثيرا من زوجها إذا لم يفهم رسالتها في الحياة و هدفها السامي، فقد يمنعها من الخروج لتفقد المدعوات، أو يمنعها من استقبالهن في بيتها، و قد يمنعها من قضاء جزء من وقتها منفردة لتخطط لدعوتها أو لتفكر في أحوالها و تراجع أمرها، و هذا قد يكون منه نوعاً من التعسف يضايقها إلى الغاية، أو يحبطها، أو قد يتعب نفسيتها تعباً قد تتوقف معه عن الدعوة، و هذه مشكلة حقيقية بل هي أكبر مشكلة تهدد المرأة الداعية، و هذه بعض الحلول العملية:


أ – ابتداءً ينبغي على المرأة أن تحسن اختيار الزوج الذي يساعدها على المضي قُدماً في دعوتها، و هذا حق لها كفله الإسلام .


ب – فإن لم تستطع التحكم في اختيارها، أو أنها التزمت بعد الزواج من زوج غير ملتزم فعليها أن تداري زوجها بكل أنواع المداراة، و توضح له ما ترغب فيه، فإن لم يستجب:


ج – تخاطب العقلاء من أهله، فإن لم يكن من أهله عاقل يتفهم فالعقلاء من أصحابه حتى يثنوه عن صنيعه، فإن لم يحصل بهذا كله، فعلى المرأة أن:


ه - تبتهل إلى الله بالدعاء، و الدعاء سلاح ماض، و الله تعالى المسؤول أن يقشع عنها هذه الغمة، و يرفع عنها هذا الكرب.


و على المرأة أن ترضى بعد ذلك بما قسم الله تعالى لها حتى لا تتحطم حياتها و تتدمر أسرتها، و يضيع أطفالها.


و قد تستطيع أن تمارس الدعوة من بيتها عن طريق شبكة المعلومات (الانترنت)، أو أن تشارك في برنامج عبر الهاتف للنصائح الدعوية و الاجتماعية أو وسيلة غير ذلك، و إليكن أخواتي قصة هذه المرأة الداعية التي حيل بينها و بين الدعوة لكنها لم تستسلم، و فعلت كل ما في وسعها، على لسان أحد الدعاة و هي من شريط "صانعات المآثر" للشيخ خالد بن إبراهيم الصقعبي:


"هي قصة لامرأة أعرفها تمام المعرفة ، كما تقول هذه الأخت : هي امرأة لكنها ليست كالنساء ، الكادحات الكالحات ، بل ملكة متوجة ، خريجة قسم أصول الدين من جامعة الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى ، وهي متزوجة ، تدير شؤون مملكتها بنفسها ، ترعى حق الله تعالى ، وحق زوجها وأهله ، تقوم على خدمتهم وترعى شئونهم صابرة محتسبة ، تقوم بأعباء المنزل ولا خادمة ، مع قيامها بحق أم زوجها المسنة ، لكن ، لم يهنأ لها بال وهي ترقب السالكين والسالكات في طريق الدعوة إلى الله تعالى ، نعم ، كانت ترقبهم بطرف حزين ، لم يكن ليهنأ لها بال وهي لم تدلي بدلوها بين دلاء الداعيات إلى الله تعالى ، لتأخذ على إثر ذالك نصيبها من الخير ، كانت تحاول أن تجد لها موضعا ، فما كانت لترضى العيش في الأسافل دون الأعالي يتراوح لها قول الشاعر :


وما للمرء خير في حياة *** إذا ما عُد من سقط المتاع


ولكن هذه الرغبة اصطدمت برفض زوجها لخروجها إلى ميادين الدعوة على اختلافها ، لكن ما زال الهم في قلبها يكبر ويكبر مع مرور الأيام ، فعزمت على المضي على شق الطريق مهما توغل في الوعورة ، لكن مع رضى زوجها ، وفكرةً بعد فكرة ، وخاطرةً بعد خاطرة ، ومع الدعاء والتضرع هداها الله عز وجل إلى فكرةٍ وضاءة تجمع فيها بين رضا خالقها ورضا زوجها ، إنها الدعوة بالمراسلة ، هي وسيلة لا تحتاج إلى كبير جهد ، ومع ذالك فهي عظيمة النفع والأثر ، ولكن تصدت لفكرتها عقبة كؤود كادت تتهاوى عليها قوارب الأحلام ، إنها المادة عصب الحياة ، من أين لها تأمين مستلزمات هذه الرسائل ، مع قيمة إرسالها ؟؟ لكن العبد إذا صدقت نيته صدقه الله تعالى


أرى نفسي تتوق إلى أمور *** وتقصر دون مبلغهن حالي
فنفسي لا تتطاوعني ببخلٍ *** ومالي لا يبلغني فعالي


ثم عادت إلى التفكير والدعاء مرة أخرى ، فطريق الأنبياء تريده بأي ثمن ، حينها تذكرت قصة أم المساكين زينب رضي الله تعالى عنها، التي قالت عنها أمنا عائشة رضي الله تعالى عنها : " كانت تعمل بيديها وتتصدق "

فاتخذت من صنع يديها عملاً يدر عليها ربحاً وإن قل ، فالشأن كل الشأن في البركة ، حينها توصلت إلى ما تحتاجه ، فهي تحتاج إلى جهاز للحاسب الآلي ، مع طابعته ، وآلة تصوير ، وجهاز للفاكس ، ولكن من أين ذالك ؟؟ فتأملت ذهباً عندها ، ووجدت أن قيمته يكفي بعض ما تحتاجه ، فكلمت زوجها بذالك فأكمل لها المبلغ مع قلة ذات اليد ، حينها بدأت بطباعة بعض الرسائل ، مقابل مبلغ مادي تتقاضاه ، ثم تستثمر ثمن ذالك في الدعوة إلى الله عز وجل ، وكان من نتاج ذالك مئة وعشرون رسالة دعوية ، تحصلت على عناوينها من خلال إذاعة القرآن الكريم ، تتراوح هذه الرسائل ما بين مطوية وكتب صغيرة ومتوسطة تتعلق بموضوعات العقيدة الصحيحة ، وهي ما كانت تحرص عليه ، ثم هي مع ذالك تقوم بشراء بعض الكتيبات من مكاتب توعية الجاليات وتقوم بنشرها على الطبيبات والممرضات في المستوصفات والمستشفيات ، حتى أخذت رسائل المسترشدين تتوافد على غرفتها الصغيرة ، فهذا يطلب مصحفاً وآخر كتاباً وآخر مطوية ، كان جهد المقل ، مع ذالك فكم أحيا الله بهذا العمل اليسير قلوباً غافلة ، وأنار بصائر مستغرقة ، كانت رسائل خير ونور رائعة ، وأروع منها اليدان اللتان قدمتهما وصاغتهما أحرفاً من نور تضيء للسالكين الطريق.

4 – عقبة الزوج الداعية:
قد يكون الزوج الداعية عقبة كبيرة أمام امرأته الداعية، على الوجه التالي:

أ – قد يمنعها من الدعوة بحجة العناية بالأولاد و البيت، و العناية به و إجابة مطالبه.
ب – قد يضيق عليها في خروجها و دخولها حتى يصير هذا التضييق كأخي المنع.

قال بعض الإخوة:
إن بعض الدعاة لا يريد لزوجه أن تدرس في مدارس تحفيظ القرآن المسائية، و يشترط عليها أن تبحث عن مدرسة صباحية، و السبب أنه يريد إذا عاد من عمله في العصر أن يجدها بجواره فلا يريد أن يتنغص بترك زوجه للبيت آنذاك و لو لدراسة القرآن أو تدريسه، و هذا من حقه و لا شك لكن ينبغي له أن يتنازل قليلاً حتى يرتقي بزوجه و بعلمها و عملها، و ليتخلص من أثرته و أنانيته.

حتى أنه اشتهر أن الداعية المتزوجة رجلاً داعية أيضاً قلما تشارك في الأنشطة العامة أو تذهب بأولادها إليها، و هذا بسبب أنانية زوجها و تسلطه، أو عدم كمال فهمه لوظيفة زوجه الداعية.

و ليس أمام الزوج التي ابتليت بمثل هذا إلا أن تصارح زوجها، و تنبهه إلى أهمية العمل الذي تقوم به و أنه لا يقل أهمية عن عمله، و تحاول بكل السبل أن تذكره بمثل الدعوة العليا، فإن لم يستجب بعد ذلك فعليها أن تسلك معه المسالك التي ذُكرت في العقبة السابقة، و الله أعلم.

5 – عقبة الأولاد:
هناك شد و جذب كبيران في مسألة الأولاد، لكن الأمر المتفق عليه أن الأولاد تتعلق مسئوليتهم بالوالدين كليهما و ليس الوالدة فقط، و الأمر المتفق عليه أيضاً أن تعلق المسؤولية بالوالدة أكبر و أعظم، فكما أن البر مصروف ثلاثة أرباعه إلى الوالدة، "أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك" فكذلك ينبغي أن تكون مسؤولية الوالدة أكبر و أعظم لأن الغنم بالغرم، و لأن الوالدة أقدر بحكم عاطفتها و توهج مشاعرها أن تتولى رعاية أولادها و النظر في شؤونهم و حياطتهم بحنانها، هذه المسؤولية لا تستطيع المرأة حتى لو كانت داعية أن تتملص منها، أو أن تتهاون في شأنها، لكن هناك نقاط تستضيء بها المرأة الوالدة الداعية:

أ – المعونة على قدر المؤونة:
و هذه المقولة صالحة رائعة، و معناها – هنا – أن الله تعالى سيعين هذه الوالدة على قد مشقتها و ما يتعلق بها من أعمال و مسؤوليات، و لا تنسى قول الله تعالى:
(و الذين جَاهدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، و إنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ )[العنكبوت: 69]

فالمرأة التي تستعين بالله تعالى و تبذل جهدها مع أولادها و دعوتها سيوفقها الله تعالى و يعينها على الاستمرار في دروب هذه الحياة الشائكة بهداية أولادها أو على الأقل يعينها بأن تُكفى مشكلاتهم و شرورهم، فإن لم يوفّق أولادها للعمل الصالح فعليها أن تصبر ، و سيأتي مزيد بيان لهذه المسألة.

ب – الموازنة بين حاجة الأولاد و حاجة الدعوة:
فبعض الداعيات ترى أنها ينبغي أن تعطي القدر الأكبر لأولادها و الأقل لدعوتها خارج المنزل، و بعضهن يرين العكس، و لا بأس بهذا أو ذاك لكن المهم أن توجد هذه الموازنة عند الأخت الداعية بحيث لا تُتهم بالتقصير في هذا أو ذاك، فهي أدرى بضبط المسألة، و الأعرف بحاجة أولادها و مستواهم الإيماني و الفكري و الثقافي، و هي الأدرى بقدرة الزوج على مساعدتها على تربية أولادها، فإن استطاعت أن توفق بين كل ذلك فقد فتح لها أبواب من السعادة عظيمة.

ج – التسليم لقضاء الله تعالى في الأولاد:
أمور الله تعالى لا تجري على مراد العبيد و رغباتهم، و إنما تُقضى وفق حكمة عظيمة قد يعلمها البشر و قد يجهلونها، فقد يرزق الله تعالى إمرأة صالحة ذرية صالحة، و قد يهب الله تعالى المرأة الطالحة ذرية صالحة، و يهب الله تعالى الطالح طالحين، و قد يهب الصالح طالحين، و هذه أربع صور للهبات الإلهية موجودة متداولة بين الناس، و هي صور من الأقدار التي هي خير للعبد في دينه و دنياه و إن جهل الحكمة منها.

لكن من الحالات السالفة الذكر حالة صعبة مؤلمة، وقعها على النفوس شديد و أثرها عظيم، ألا و هي الحالة التي تُرزق فيها المرأة الصالحة الداعية ذرية طالحة كلها أو بعضها طالح، فعليه حينئذ أن ترضى و تسلم تسليما، و لا يبدر منها علائم الاعتراض على الأقدار التي تغيب الحكمة من ورائها، و تتعلل بقوله تعالى:
(للهِ مُلكُ السماواتِ و الأرضِ يخلقُ ما يشاءُ)[الشورى: 49]
و قوله تعالى: (و رَبٌّكَ يَخْلُقُ مَا يشاءُ و يختارُ، ما كانَ لهُمُ الخِيَرَةُ)[القصص: 68]

و بعد أن تبذل الوالدة الداعية جهدها في بيتها و أولادها و تقوم بما يجب عليها من العناية بهم، و تربيتهم و تعليمهم شؤون دينهم، و تنشئهم على حب الإسلام و الإلتزام، بعد أن تقوم بكل ذلك فلتتوكل على الله تعالى في إنجاز ما تتطلع إليه ، و لترض بقضاء الله تعالى فيهم بعد ذلك، لأن البعض يُصبن باليأس و الإحباط، و يشعرن بالإخفاق في الوصول إلى أهدافهن، و هذه مشكلة تقضي على جهود الداعية و تحطم نفسيتها، لكن عليها أن تنظر إلى حكمة الله تعالى في قضائه و قدره، و لتنظر إلى الحوادث التاريخية لتعلم أنها ليست هي وحدها التي ابتليت بهذا، فقد ابتلي به عظام في التاريخ البعيد و القريب.

فهذا نبي الله نوح عليه السلام من الأنبياء العظام و أولي العزم من الرسل حاول أن يهدي ابنه لكنه لم يستجب له و أصر على كفره و ضلاله كما أخبرنا الله تعالى في كتابه الحكيم.
و لا يمكن أن يتهم أحد هذا النبي العظيم بالتقصير في التربية أو الضعف في أساليب الدعوة، و هو في الوقت نفسه كان حريصا على قومه مكثرا من دعوتهم إلى الحق و الرشاد، يعني أنه كان متوازنا كما ينبغي للرسول أن يكون، لكن في النهاية سلم لأمر الله تعالى و رضي بقضائه.

و يمكن أن تتفكر المرأة فيما يمكن أن تكون الحكمة من وراء هذا القدر العظيم، فلعلها ابتليت بهذا الولد الطالح أو الأولاد الطالحين ليعظم بذلك أجرها إن صبرت و رضيت، قال تعالى: (إنّما يُوَفّى الصابرونَ أجرَهمْ بغيرِ حِسَاب)[الزمر:10]
و لعله إنما رُزقت به لرفعة مكانتها و عظيم منزلتها عند ربها، و لا بد لهذه الرفعة و المنزلة من الابتلاء الواقع و البلاء الحاصل، ألم يقل النبي صلى الله عليه و سلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، كل يبتلى على قدر دينه" أخرجه البخاري معلقا ، و الترمذي

و قد قال تعالى: (أَحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقٌولوا آمنّا و هُمْ لا يُفْتَنُون)[العنكبوت: 2]

و لعل من ابتليت بأولاد طالحين إنما ابتليت بهم لذنوب اقترفتها و هي لا تدري بعاقبتها فلتتب إلى الله تعالى.

و الوالدة – عادة- ينالها من الأذى بسبب ضلال الأولاد أضعاف ما ينال الوالد، فالوالد مشغول بأعماله و الوالدة هي التي تواجه مشكلات هؤلاء الأولاد في البيت و تعاني منها أكثر مما يعانيه الوالد، فلتتق الله تعالى كل والدة، و لتحرص على ضبط شؤونها حتى تتفق مع أوامر الله تعالى و نواهية. و لتعلم هي و زوجها أن الله تعالى ليس بينه و بين أحد من خلقه سبب و لا نسب، و أنه تعالى يعاقب العصاة من الصالحين كما أنه تعالى يعاقب العصاة من غير الصالحين، و أنه ليس أحد بكريم على الله تعالى إلا بقدر تقواه و استقامته على الجادة و بعده عن الإصرار على الذنوب و فزعه إلى الاستغفار و التوبة و العمل الصالح.

لكن الزوجين إن رُزقا بأولاد ضالين – نسأل الله تعالى السلامة و العافية – عليهما فعل التالي:

أولاً: الدعاء ، و هو سلاح ماض، و الإلحاح فيه و الاستكانة و التضرع و الانكسار قد يعجل بالفرج، و يأتي بما يشتهي الوالدان و يحبان.

ثانياً: النصح الدائم لهؤلاء الأولاد، و إظهار الشفقة عليهم، و بيان الخطر الذي هم مقبلون عليه.

ثالثاً: الحرص على توفير صحبة صالحة لهم، و منعهم من الاختلاط بأصحاب السوء بكل وجه ممكن من الترغيب و الترهيب.

رابعاً: إن أصر الأولاد بعد هذا على ما هم عليه فينبغي على الوالدين أن يميزا بين الصالحين من أولادهما و الطالحين، فيمنعان الخلطة بينهما ما أمكن.

خامساً: عدم السماح لهؤلاء الأولاد بممارسة معاصيهم في البيت كائنا ما كان الأمر، و إجبارهم على مراعاة حرمة البيت.

سادساً: إظهار الامتعاض الشديد من تصرفات هؤلاء الأولاد و الحرص على إنكارها و عدم التهاون في ذلك أبداً.


سابعاً: الهجر الجزئي أو الكلي لهؤلاء الأولاد حتى يشعروا بفداحة ما صنعوه. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله و دع ما تصنع، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه أن يكون أكيله و شريبه و قعيده " أخرجه الترمذي، و أبو داود و ابن ماجة.

و ينبغي على الجهلة أن يكفوا عن لومها بقولهم: "لو كانت هذه داعية جيدة لما كان أولادها كذلك" و هذا منهم جهل و تعدٍ، إذ لا أحد يعلم ما بذلته الأخت الداعية من أجل أولادها فلا يجوز أن تتهم على هذا الوجه المجحف المتسرع.

نعم هناك داعيات يقصرن مع أولادهن لكن الحديث هنا مع من بذلت و أعطت ما عندها و ما تستطيعه، فلا تحرن و لا تنكسر بعد ذلك إذا كان القضاء المقدور جرى على غير ما تحبه و تشتهيه لأولادها، خاصة و نحن نرى أن عدداً من الوالدات غير الملتزمات يكون أولادهن آية في الخلق و الدين و السلوك:

كم حسرة لي في الحشا *** من ولدي و قد نشا
كنا نشاء رشده *** فما نشا كما نشا

و قال أحد الشعراء:

و سميته صالحا فاغتدى *** بضد اسمه في الورى سائرا

و هذا الإمام ابن الجوزي صاحب الوعظ الرائق، و التأثير الفائق، و ممن اهتدى على يديه عشرات الآلاف من الناس، و اليوم هناك دراسات علمية في الجامعات تحوم حول النظريات التربوية التي سطرها في كتبه، هذا الإمام الذي قلّ نظيره في الوعظ و التذكير كان له ولد عاق اسمه عليّ، سرق مصنفات والده و باعها لما ابتلي ابن الجوزي و أصابته محنة من قبل الحاكم و أخرج من بغداد لمدة خمس سنوات، فانتهز الفرصة و باع الكتب، و صار في صف المعادين لوالده الذي كان قد هجره قبل المحنة بسنوات.

د – الحذر من التقليل المتعمّد لمرات الإنجاب بعذر التفرغ للدعوة:
هناك داعيات يرين أنه من المناسب تنظيم الحمل – لا تحديده – من أجل التفرغ لدعوتها و لتجتهد أكثر، و هذا الاختيار – و إن لم يكن حراماً – يصادم نصوصاً أخرى تُرغِّب في الإنجاب، منها: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " رواه أحمد. و الولود هي كثيرة الولادة، صيغة مبالغة، و هناك داعيات عندهن عشرة من الولد و بعضهن عندهن أكثر من ذلك، و لم يمنعهن كثرة الولد من التحرك النشط الإيجابي و الدعوة إلى الله تعالى ، نعم أنه لا بأس من تنظيم الحمل شيئاً لكن ليس إلى الحد الذي صرنا فيه نقلد الغرب بإنجاب طفلين أو ثلاثة نكتفي بهم!!.

فينبغي أن يراعى هذا الأمر، و لتحرص المرأة على إنجاب عدد معقول جيد من الأولاد تعز بهم أمة الإسلام و تنصر بهم هذا الدين، و لا تنسى المرأة القاعدة الأولى التي ذُكرت آنفا " المعونة على قدر المؤونة ".

و في الجمع بين الإنجاب المتكرر، و الدعوة إلى الله تعالى، و أداء حق الزوج و الأولاد، و ربما العمل الوظيفي، في الجمع بين ذلك كله جهاد و أي جهاد، و تضحية عظيمة تقدمها الداعية إلى الله تعالى، لكن من للتضحيات الجسيمات سوى الداعيات المجيدات، و من لضرب المُثُل العليا إلا أخواتنا العاملات، فهذا قدرهن، و تلك طريقتهن.

6 – عقبة الجمع بين متطلبات الدعوة و وظيفة البيت:

و هذا من أعسر الأمور على المرأة الداعية العاملة، و هو أن تجمع بين عملها في الدعوة و عملها في البيت، و بعض النسوة وفقن في هذا إلى حد كبير، لكن أكثرهن استسلمن لعمل البيت و تركن الدعوة كلاً أو بعضاً، فكم سمعنا عن نساء داعيات كن مشاركات بقوة في العمل الدعوي، فتزوجن و أتى الله تعالى لهن بأولاد فشغلن بهم أيما شُغل، خاصة إن لم تُرزق بزوج متفهم، فها هنا الطامة، و المجتمع الإسلامي في أمس الحاجة إلى هذه المرأة الداعية، إذ أن عدد الداعيات من النساء قليل و نسبتهن إلى دعاة الرجال ضئيلة، و الهجمة على المرأة شرسة، لذلك كله عظمت الحاجة إلى كل امرأة داعية، و ها هي بعض الخطوات العملية في هذه المسألة:

أ – الأصل أن ترعى المرأة بيتها و أولادها، فإن فضل وقت فيمكن إنفاقه في الدعوة، و إن عَسُر عليها توفير وقت للدعوة فلا تضيع أولادها و زوجها لتخرج إلى دعوتها، و عليها أن تلجأ إلى بدائل أخرى سنذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى، هذا و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم: "و المرأة راعية على أهل بيت زوجها و ولده و هي مسؤولة عنهم ..." متفق عليه

ب – يجب على المرأة الداعية ابتداءً نفي المقولة القائلة إنه عليها الاقتصار على أولادها و زوجها و ترك دعوتها، فهذا لا يصلح لمثلها، فإن الآمال –بعد الله تعالى- معلقة بمثلها، و تركها الدعوة هو تخلٍّ عن ثغرة مهمة.

ج – عليها أن تتفق مع عدد من مثيلاتها من الداعيات أن يتوزعن العمل بينهن بحيث يخف عليها العبء شيئاً ما، و عليها الاقتصار في خروجها من بيتها على الحاجة التي لا بد منها.

د – يمكنها إلحاق أبنائها بالمراكز الإسلامية و حلقات تحفيظ القرآن الكريم ، فتضمن وجود أولادها في أيدٍ أمينة، و ليتوفر لديها بعضاً من الوقت للدعوة.

إذا اتفقنا على أن شخصية الأخت المسلمة لا بد أن تتربى على الجوانب الثلاثة: الثقافي و السلوكي و الحركي و أن الكل مطلوب، إذن فسلوك الزوجة يظهر في معاملتها لزوجها و أولادها، و ثقافتها تظهر عند القيام بواجباتها و طاعتها، أما حركتها فهي إعداد البيت المسلم و معاونة زوجها على أداء واجبه الدعوي بجانب مساهمتها في توصيل دعوة الله تعالى لبنات جنسها، إذن فدورها تجاه الدعوة و البيت مطلوب دون إهمال لأي منها، و حتى لا يكون هناك تقصير ، فإنه ينبغي للأخت أن تراعي:

  • الحرص على كسب خبرات الأخريات في الإدارة المنزلية و أمور الطهي و سرعة الأداء.
  • الحرص على أداء واجبات و رغبات الزوج بحيث لا يؤثر عملها في الدعوة على أداء هذه الواجبات ... و لا بد أن تعرف الداعية أنه كلما زادت المودة بين الزوجين كلما تيسر لها أداء واجبات الدعوة دون استياء الزوج.
  • التركيز على تربية الأولاد خاصة في الفترة الأولى من عمرهم و تعويدهم الاعتماد على النفس في بعض التصرفات البسيطة.


7 – عقبة الجمع بين الوظيفة و الدعوة:

المرأة الداعية إن احتاجت أن تعمل خارج بيتها في وظيفة ما فإن العبء يكون ضخماً عليها، فإذا اجتمع إلى ذلك كونها ذات زوج و أولاد فقد تضاعف عليها العبء أضعافاً مضاعفة فماذا تصنع حينئذ؟
إليكِ أختي بعض الخطوات التي قد تحل شيئاً من هذا الإشكال:

أ – إذا كانت الوظيفة ذات طبيعة دعوية، مثل أن تكون المرأة مدرسة أو وكيلة مدرسة أو مديرتها أو ما شابه هذا من الأعمال فإنها قد تعد كافية في مزاولة المرأة دعوتها، و عليها بعد ذلك أن تتفرغ لبيتها و أولادها، و لا تخرج إلا لغرض دعوي مُلحٍ لا يقوم بدونها.

ب – و إن لم تكن الوظيفة ذات طابع دعوي فإن على المرأة الداعية العاقلة أن تنظر في أمر الاستمرار فيها إلى أن تجد وظيفة أخرى أنسب و الصق بدعوتها. و إن لم يمكن إيجاد وظيفة أخرى فإنه يمكن النظر من قبل بعض أصحاب الأموال من أجل تفريغها و تعويضها بمال مناسب كريم يحقق لها حاجتها، و في الوقت نفسه يحفظ للمجتمع جهدها في الدعوة، و كفالة الداعية من الرجال أمر معروف متداول، فلم لا يكون الأمر نفسه متحققاً للمرأة.

ج – و هناك من الوظائف ما يمكن أن يكون في البيت، و في ذلك أفكار متعددة، كأن تعمل في شبكة المعلومات (الإنترنت) موظفة في موقع معين، أو منسقة لبعض الهيئات، إلى آخر ما يمكن أن يتفتق الذهن عنه من أعمال منزلية لها صبغة دعوية و تدر مالاً مناسباً يقضي حاجة المرأة.

تلك كانت بعض العقبات الاجتماعية التي قد تقف حائلاً بين المرأة و دعوتها وجدها و اجتهادها فيها، و قد ذُكرت بعض الحلول لكن المشكلة تظل قائمة تفتقر إلى توفيق إلهي و معونة ربانية، بحيث تستطيع المرأة تجاوز العقبات و التحرك الجيد الإيجابي النافع، و الله الموفق.