بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :-

المحن والابتلاءات ملازمة للإنسان منذ خلقه الله حتى تقوم الساعة، ومحنة الإنسان الفرد تبدأ معه منذ ولادته وهو يكافح ظروف الحياة القاسية المختلفة حتى وفاته، قال الله تعالى: ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) ،


وقال سبحانه: ( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً).

لذا كان للإبتلاء في حياة الإنسان غاية وهدف وحكمة، فالابتلاء امتحان للإنسان في

طريق تكامله وارتقائه، إن اجتازه المرء بنجاح وكفاءة فاز برضا الله سبحانه وما أعد

لعباده الصالحين، وإن تعثرت به الطريق ولم يستقم كما أمر ولم يفهم دوره في الحياة
وحاد عن جادة الحق فإنه سينزل به إلى الحضيض ويخسر الدنيا والآخرة.

إن الحوادث والأيام بما تحمل من متاعب ومصاعب وشدة وعسر، وكذا من أفراح

وأتراح، ولين ويسر، كلها محطات امتحان للإنسان ليرى أيشكر أم يكفر، ولا بد

للمؤمن أن يعي أبعاد مسيرته الشاقة، ويعي ما وراء ما يمر به من محن وابتلاءات لكي

يواصل دربه السامي بوعي وبصيرة وصبر واستقامة دون تلكؤ أو ضعف.

إن الأمم الحية بإيمانها هي وحدها التي تلجئها المحنة إلى ربها .. وتنقطع عند الشدة إليه

سبحانه .. وكلما اشتدت الأمور ازدادت إيماناً بوعد ربها ونصره .. وصبراً على

بلائه وسعياً في جهاد أعدائه ..

إن وقت الشدة هو المحك الرئيسي للإيمان .. وعندما تشتد بالأمة المحن .. فان هذا

بالذات هو وقت اللجؤ إلى الله سبحانه ورجاه .. والتوكل عليه .. والصبر على بلائه

والعمل بما أمرنا به من مجاهدة أعدائه .. وهذا هو الوقت الذي يتميز فيه صاحب

الإيمان الصادق من الكاذب ..

التوكل على الله حق التوكل هو أحد أسباب النصر المبين .. فالفرق بيننا وبين عدونا

هو في هذه النقطة بالذات .. أننا نرجو الله وهم لا يرجوه سبحانه .. وفي هذا -

إن التزمناه - السبب المؤدي الى نصرنا .. وخذلان عدونا .. فاننا وعدونا نتشابه في المعاناة .. (إن تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون) ..

ولكن نتميز عليه بما نرجوه من الله رب العالمين : (وترجون من الله ما لا يرجون ) .
فالذي يضعف عن مواجهة عدو الله وعدوه .. إنما بسبب ضعف في إيمانه وتوكله على ربه .. وهو إذ يقطع التوكل بالله سبحانه وهو المهيمن على كل شيء .. فإنه يتكل على قوى تبدو له قوية ومقتدرة لكنه لا يحصل من بعدها إلا على الخيبة والخسران .. لذلك ليس سراً أن نرى جهود المستسلمين تنتهي إلى الخيبة واليأس .. وليس سراً أن نرى جهود المؤمنين الراجين لله تُكلل بالنصر والظفر .. ولو بعد حين ..
ومعلوم أن إختبار الله تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، وتارة بالمضار ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة جميعاً بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، والمنحة مقتضية للشكر، والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، فصارت المنحة أعظم البلائين،

قال تعالى: ( ونبلونكم بالشر والخير فتنة) .

إن الإبتلاء والإختبار سنة إلهية، ولابد للإنسان من أن يمر بحالة من حالات الاختبار، والإبتلاء الفردي أو الجماعي، وعليه أن يعد نفسه، ويهيئها لذلك الاختبار، فلا يفاجأ، ولا يركن الى الدنيا ومغرياتها.
قال تعالى: ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور).

( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا هم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) .

فالحياة ساحة اختبار ومجال للكشف عن حقيقة النفس ومحتوى الذات، ليعرف الصادق من الكاذب ، فيبدون على حقيقتهم من غير حجاب ولا ستار وعند ذلك يأخذ كل ذي حق حقه إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
إن حياة الرخاء والسعة والاستقرار تغطي حالة الضعف، وتستر نواقص الإنسان وخفاياه الكامنة، وتظهر حين المحنة، وفي ساعة العسرة والشدة والإختبار الصعب ..
وقضية الصبر والجهاد وحمل الرسالة هي من أكثر التكاليف والابتلاءات والوسائل قدرة على اختبار صدق الإنسان واخلاصه لله سحبانه، وذلك لما تحتاجه هذه المهمة الصعبة من صبر وثبات وتضحية بالمال والنفس والأهل والراحة ومنح الحياة، واستعداد لتحمل التشريد والقتل والتعذيب والأذى والحرب النفسية والدعائية... الخ.
والقرآن يصور بعض ذلك في نصوصه، ويتحدث عن الصبر والجهاد والابتلاء،

فيقول سبحانه وتعالى: ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو اخباركم) .
( ولبنلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر

الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) .

( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).