السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
إن الايمان والالحاد ضدان لا يجتمعان ابداً , ونقيضان لا يتلازمان معاً , وليس هناك حالة تتوسط بينهما , فالمرء إما يكون مع الايمان فيفوز بسعادة الدارين واما ان يكون مع الالحاد فيخسر الدنيا والآخرة وذلك الخسران المبين . ووما يروي في هذا الصدد ان ابا حنيفة النعمان بن ثابت " رضي الله عنه " في ايام تتلمذه على يد شيخه حماد بن سلمة , إذ رأى في منامه رؤيا مبهمة فقد رأى خنزيراً يريد أن ينحت من ساق شجرة فمال غصن صغير وضرب الخنزير ضربة موجعة فابتعد صارخاً ثم إنقلب هذا الخنزير إلى انسان جالس في ظل هذه الشجرة يعبد الله .
فلما أصبح الصباح ذهب أبو حنيفة إلى شيخه وقص عليه ما رأى فأخبره الشيخ قائلاً : يا بني ان الشجرة التي رأيتها هي شجرة التوحيد والغصن الذي مال هو أنت والخنزير الذي أراد أن ينحت من ساق الشجرة هو زعيم الملحدين .
بعد هذا التفسير الواضح لرؤيا أبي حنيفة أخبر الشيخ تلميذه أن ملك البلاد قد طلب مني ان ارد على اسئلة مجموعة من الملحدين جاؤوا الى بلادنا واتفقنا على مكان وزمن الاجتماع الذي تتم فيه مناقشة اثبات ذات لا تراها العيون .
ومع تمكني من ذلك الا انني احببت ان ارسلك اليهم لتقوم بالرد على اسئلتهم , إذ أنني أخشى لو أخطأت فسوف تحصل فتنة للناس يفقدون على أثرها ثقتهم بي عندها إستعد ابو حنيفة للقاء زعيم الملحدين وذهب إليهم ورآهم مجتمعين فخاطبهم قائلا ً : إن الشيخ أكبر من أن يأتي لمثل هذه المسائل الواضحة فاختار أصغر تلاميذه وهو أنا لمجادلتكم . فوافقوا على ذلك وبدأت المحاورة .

زعيم الملحدين :- في أي سنة ولد ربك ؟

ابو حنيفة :- الله لم يولد وإلا كان له ابوان وكتاب الله يقول (( لم يلد ولم يولد )) .

زعيم الملحدين :- في أي سنة وجد ربك ؟

أبو حنيفة :- الله موجود قبل الازمنة والدهور ( لا أول لوجوده ) .

زعيم الملحدين :- نريد امثلة من الواقع المحض .

أبو حنيفة :- ماذا قبل الاربعة في الارقام الحسابية ؟

قالوا : ثلاثة

قال : وماذا قبل الثلاثة ؟

قالوا اثنان .

قال : وماذا قبل الاثنان ؟

قالوا : واحد .

قال : وماذا قبل الواحد ؟

قالوا لا شيء قبلهُ .

قال ابو حنيفة : اذا كان الواحد الحسابي لا شيء قبلهُ فما بالكم بالواحد الحقيقي وهو الله تعالى . أنه قديم لا أول لوجوده .

زعيم الملحدين :- في أي جهة يتجه وجه ربك ؟

ابو حنيفة : لو أحضرنا مصباحاً في مكان مظلم في أي جهة يتجه نوره ؟

قالوا : في جميع الجهات .

قال : اذا كان هذا حال النور الصناعي فما بالكم بنور السموات والارض .

زعيم الملحدين :- في أي مكان يوجد ربك ؟

ابو حنيفة :- لو احضرنا كوباً مملؤاً بلبن محلوب الآن فهل في هذا اللبن سمن ؟

قالوا : نعم .

قال : وأين يوجد السمن في هذا اللبن .

قالوا : ليس له مكان خاص بل هو شائع بين كل جزيئات اللبن .

قال : اذا كان الشيء المخلوق وهو السمن ليس في مكان خاص , أفتطلبون ان يكون للذات الالهية مكان دون مكان ان ذلك لعجيب .

زعيم الملحدين : - ما دام الشيطان مخلوق من النار فكيف تعذبُ النار بالنار ؟

ابو حنيفة : ان الاجابة عن هذا السؤال تحتاج الى وسائل ايضاح .

قالوا هات ما شئت . فقام واحضر كرة من الارض وأهوى بها على رأس زعيمهم بضربة مؤلمة . فحضر نائبه مسرعاً مستنكراً ما حدث .

فقال ابو حنيفة : إن الضربة وسيلة لتوضيح الاجابة .

قالوا : وكيف ؟

فقال ابو حنيفة مخاطباً زعيم الملحدين : هل احدثت هذه الضربة الماً ؟

فقال زعيم الملحدين : نعم

فقال ابو حنيفة : وأين يوجد الالم . قال : في الجرح

فقال ابو حنيفة : أظهر لي الالم الموجود في الجرح فيظهر لك الرب الموجود في الكون وبما انت مخلوق من طين فكيف عذب الطين بالطين .

عندها ظهر الايمان وتجلت أنواره بين هؤلاء الملحدين فاسلم زعيم الملحدين وأسلم أعوانه فقال التلميذ أبو حنيفة :


فيا لك من آيات حق ٍ لو اهتدى
بهن مريد الحق ِ كن هواديا

ولكن على تلك القلوب أكنة
فليست – وإن أصغت تجيبُ المناديا

*************************************************

قال الله تعالى :

(( من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً * وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً ))الاسراء 15 – 16 .