بسم الله الرحمن الرحيم

أخرج ابن سعد والبيهقي عن طريق إبراهيم بن محمد بن طلحة ، قال {قال طلحه بن عبيد الله : حضرت سوق بصري
فإذا راهب في صومعته يقول : سلوا أهل هذا الموسم؟ هل فيهم أحد من أهل الحرم؟
قال طلحة : قلت : نعم أنا , قال : هل ظهر أحمد بعد ؟ ، قلت : ومن أحمد؟
قال ابن عبدالله بن عبد المطلب، هذا شهره الذي يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، مخرجه من الحرم إلى نخل وحرَّة وسباخ
فإياك أن تسبق إليه ، قال طلحة : فوقع في قلبي ما قال , فخرجت سريعاً إلي مكة ، فقلت : هل كان من حدث؟
قالوا: نعم محمد بن عبد الله الأمين ، قد تنبَّأ ، وقد تبعه ابن أبي قحافة ، فخرجت ، حتى دخلت على أبي بكر
فأخبرته بما قال الراهب ، فخرج أبوبكر حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فسرَّ بذلك ، وأسلم طلحة}

وأخرجعساكر والسيوطي في الخصائص عن طريق عبدالرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال :
{سافرت إلى اليمن ، قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة ، فنزلت على عسكلان بن عواكن الحميري
وكان شيخاً كبيراً وكنت لا أزال إذا قدمت إلى اليمن نزلت عليه ، فيسألني عن مكة والكعبة وزمزم
ويقول: هل ظهر فيكم رجل له نبأ , له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عليكم في دينكم ؟ فأقول : لا

حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوافيته ، وقد ضعف ، وثقل سمعه
فنزلت عليه ، فأجتمع عليه ولده وولد ولده ، فأخبروه بمكاني ، فشدت عصابة على عينيه ، وأسند فقعد
وقال لي : أنتسب يا أخا قريش ، . فقلت : أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة
قال: حسبك يا أخا زهرة ألا أبشرك ببشارة وهي خير لك من التجارة؟

قلت: بلي , قال : أنبئك بالمعجبة , وأبشرك بالمرغبة , إن الله قد بعث في الشهر الأول من قومك نبياً , ارتضاه صفياً
وأنزل عليه كتابا , وجعل له ثواباً , ينهي عن الأصنام , ويدعو إلى الإسلام , يأمر بالحق ويفعله , وينهي عن الباطل ويبطله
فقلت: ممن هو؟ قال : لا من أزد ولا ثمالة , ولا من السر ولا بتاله , هو من بني هاشم وأنتم أخواله
ياعبد الرحمن أخف الوقعة , وعجل الرجعة , ثم أمض ووازره وصدقه ، وأحمل إليه هذه الأبيات :

أشهد بالله ذي المعالي وفالق الليل والصباح
أنك في السرو من قريش يا ابن المفدي من الذباح
أرسلت تدعو إلي يقين ترشد للحق والفلاح
أشهد بالله رب موسى أنك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلي مليك يدعو البرايا إلي الفـــلاح


قالعبدالرحمن : فحفظت الأبيات ، وأسرعت في تقضي حوائجي ، وانصرفت ، فقدمت مكة فلقيت أبا بكر
فأخبرته الخبر ، فقال : هذا محمد بن عبد الله، قد بعثه الله رسولاً إلى خلقه ، فأته فأتيته وهو في بيت خديجة
فلما رآني ضحك وقال : أَرَي وَجْهَاً خَلِقَاً , أرْجُو لَهُ خَيْرَاً , مَا وَرَاءكَ؟ قلت : وما ذاك يا محمد؟

قال: حَمَلْتَ إليَّ وَدِيعَةً؟ أمْ أرْسَلكَ مُرْسِلٌ إلىَّ بِرِسَالَةِ؟ هَاتِهَا فَأخْبَرْتُهُ ، وأسلمت ، فَقَالَ : أمَّا إنَّ أخَا حِمْيَرَ مِنْ خَوَاصِ اْلُمؤْمِنينَ
ثم قال : رُبَّ مُؤْمِنً بِي وَلَمْ يَرَنِي , وَمَصَدِّقٍ بِي وَمَا شَهِدَنِى ,أُوَلئِكَ أِخْوَانِي حَقَاً}

وهكذا فكل هؤلاء وغيرهم ممن لم نذكرهم هنا - منعاً من الإطالة - , إنما كانت الهداية بتوجيه من الله لهم في البداية
حتى نعرف أن الإيمان ليس بالجهاد أو الاجتهاد ، وإنما بسابقة الحسني الأزلية من الله كما قال عبد الله بن رواحه :

اللهم لولا الله ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلينا

ويقول في ذلك أيضا أحد الأئمة :

لولا العناية من أزل لنا سبقت لما اهتدينا ولا أرواحنا عشقت
من جمَّل القلب منا بالهداية من وهب النفوس الضيا حتى له طلبت
ومن دعانا فلبينا لدعوته وفيه أرواحنا بالذكر قد سكرت
عناية سبقت وألست مشهدها والروح قد ولهت فيها وقد شهدت
وكل روح أجابت جمِّلت بضيا نور الهدي ولهذا الوجه قد نظرت
بشري لمن طلبوا لله فاتصلوا لهم عنايته بالنور قد سبقت
سعدوا بمطلبهم فازوا بمقصدهم ولهم بفضل الرضا أبوابه فتحت


وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه و سلم




منقول من كتاب {حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق}