"العراق.. ذلك البلد الذى حلق فوقه طير اليباديد، وفرّق أبناءه فى الداخل والخارج".. تتناوله الروائية "إنعام كجه جى" وتواصل دأبها فى ملاحقة تفاصيل الواقع العراقى وما يجرى فيه من تجريف للملامح الوطنية ومن تغيرات عميقة ومقلقة فى التركيبة الاجتماعية لبلدها خلال رواياتها "طشارى" والتى وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر.

فعنوان الرواية لا ينسحب فقط على المضمون وهو يروى حكاية تشتت العراقيين فى أرجاء البسيطة، وإنما أيضا على أسلوب السرد، إذ ترسم إنعام صورتين متوازيتين لما كان عليه العراق قبل نصف قرن، وما حفرته النزاعات من ندوب فى وجهه.

إنها رواية تحاول أن تمسك ببلد يتسرب بالتقسيط، منذ خمسينات القرن الماضى وحتى الهجرات التى طوحت بملايين العراقيين فى أربعة أطراف الدنيا مثل طلقة بندقية الصيد "الطشّارى" التى تنطلق فى كل الاتجاهات.

تدور "شطارى" حول طبيبة عراقية مسيحية اسمها "وردية" وهى الشخصية المحورية فى الرواية، كانت قد ولدت فى الموصل ثم درست الطب ببغداد، وعملت بعدها فى محافظة الديوانية لردح من الزمن، يوم لم تكن الأديان والمذاهب تفرق ما بين أهل البلاد، لكن بعد أن أمست مسنة ووحيدة فى مسكنها البغدادى، تضطر للهجرة إلى فرنسا بعد أن بلغت الثمانين وظلت وحيدة وتوزع أبناؤها كل فى قارّة.
"وردية" ليست بطلة الرواية إذ تُقاسمها شخصيّات كثيرة، أما ما يجعلها الشخصية المحورية، فموقعها التراتبى العائلى ذاته، ما دامت الرواية تنقل تاريخياً تفصيلياً لأفرادها؛ فالرواية سيرة لعائلة اسكندر التى تفرّق شملها أسوة بالعائلات المسيحية فى العراق كلّه.
فى الرواية تشعبات كثيرة، وتجوال فى الأمكنة التى تتنقل فيها وردية وباقى الشخصيات، فى الموصل، وفى الديوانية، وفى شمال لبنان، ثم هناك محطة الأردن التى لا بد منها للمهاجرين العراقيين قبل الانتقال إلى أى مكان آخر، وصولا إلى باريس التى ستشكل منصة بانتظار أن تتمكن الدكتورة وردية من الالتحاق بابنتها فى كندا.

المثير أننا نجد فى الرواية ثمة تركيز على المسيحيين، وتعريج على ما أصاب اليهود أيضا، رغبة من المؤلفة فى إبراز روح الأخوة القديمة، من خلال مشاهد مشاركة المسيحيين للمسلمين طقوسهم، فى عراق متسامح، متعايش ودود، لكن مع الحرب تتغير الصورة، وتبدأ التهديدات من الجماعات المتطرفة، مما سيجعلها تفهم أن البقاء فى العراق صار مستحيلا.