"مصائب قوم عند قوم فوائد" مثل يضرب عندما تحل مصيبة على شخص ما لتنتج على إثرها فوائد عديدة لآخرين، وعلى الرغم من عدم دراية "لويس برايل" الفرنسى بهذا المثل العربى، إلا أنه نفذه بكل حذافيره، فبعد أن فقد "برايل" بصره، وهو فى الـ13 من عمره تمكن من اختراع طريقة "بريل" الشهيرة لتعليم المكفوفين.

"لويس برايل" التى تحل اليوم 4 يناير ذكرى ميلاده منذ أكثر من مائتى وخمسة أعوام، وتحديدًا عام 1809 بمدينة "كوبفراى" شرق باريس، فقد بصره وهو فى الـ13 من عمره، عندما فقد أحد عينيه بالخطأ بواسطة مثقاب من ورشة عمل والده السروجى، ورغم محاولات الطبيب المحلى لإنقاذ الموقف، إلا أن العين المتضررة استطاعت أن تعدى العين الأخرى أيضاً.

ونتيجة لذكائه فقد حصل على منحة تعليمية بمعهد المكفوفين اليافعين بباريس، إلى أن تخرج فيه وأصبح معلما به، و"البذرة الأولى" التى كانت سببًا فى ظهور طريقة برايل، كانت عام 1821 عندما زار الضابط "شارل باربيار"، أحد ضباط الجيش الفرنسى المعهد الموجود به "لويس"، وعرفه بابتكار طريقة جديدة مشفرة للكتابة يستطيع بها الجنود التخاطب فيما بينهم فى الأمور السرية بدون الحاجة للكلام، من خلال بروز أشكال نقاطية أقصاها 12 نقطة على ورق سميك، تعبر كل واحدة منهم على دلالة معينة، ورغم صعوبة استيعاب برايل لهذه الكتابة، إلا أنه قام بتقليل عدد النقاط إلى ستة نقاط بدلا من 12، وانتهى عام 1824 وهو فى عمر 15 عامًا من اختراعه، ونُشر أول كتاب بنظام برايل فى عام 1829.

وبالرغم من أن "برايل" أصبح مدرّسا فى المعهد إلا أن نظام الكتابة الجديد لم يتم اعتماده رسميًا فى المعهد فى فترة حياته، بل اعتُمد النظام رسميًا فى فرنسا فى عام 1854، أى بعد وفاة برايل بعامين.

أما عن كتابة "برايل" فقد اختصر الـ12 نقطة التى ابتكرها "باربيار" وجعلها 6 فقط من أجل تسهيلها على الكفيف، وهى تشبه طريقة الكتابة العادية ولكن بطريقة أبرز، وقد نشر "باريل" بحثًا عام 1915 فى محاولة منه للفت الأنظار إلى إمكانية استخدام طريقته فى كتابة النوتة الموسيقية للمكفوفين، إلا أنه فى عام 1983 تم ولأول مرة نشر طريقة برايل بالكامل، وقد سبقتها قبل ذلك فى 1837 نشر أول موضوع عن طريقة برايل، ورغم نجاحها الكبير، إلا أنها تميزت بصعوبتها، لأنها لم يتم اعتماد استخدامها رسميا إلا بعد أربعة عشر عاما من اختراعها، فكان يجب على الطلاب تعلمها خارج وقت المدرسة، ولم تقبل طريقة برايل فى بريطانيا إلا فى عام 1869، أما فى أمريكا فبدأ استخدامها سنة 1860، كما تم تعديلها بعد عام 1919، وعرفت بطريقة برايل المعدلة، وقد قامت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة لهيئة الأمم المتحدة فى عام 1951 بتوحيد الكتابة النافرة بقدر ما تسمح به أوجه الشبه بين الأصوات المشتركة فى اللغات المختلفة، وقد دخلت إلى اللغة العربية على يد "محمد الأنسي".

فكرة طريقة "برايل" أنها تقوم على ست نقاط أساسية ثلاثة على اليمين وثلاث على اليسار، ومن هذه النقاط الست تتشكل جميع الأحرف والاختصارات والرموز ومع دخول الكمبيوتر إلى عالمنا دخل نظام الثمانى نقاط فى نظام الكمبيوتر، ليعطى مجالا لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الإشارات والرموز، ولكن هذا النظام ظل مستخدما فقط فى الكمبيوتر ولم يوسع لغيره، وطريقة قراءة هذه الأحرف تتم من اليسار إلى اليمين، حيث إن النقطة العليا إلى اليسار تسمى رقم 1، والتى تحتها 2 والتى تحتها 3 ثم ننتقل إلى الصف الثانى فالعليا نسميها 4 والتى تحتها 5 والتى تحتها 6.

والجدير بالذكر أن لويس برايل توفى عام 1852 بعد يومين من بلوغه سن 43 بعد صراع طويل مع المرض.