أنواع القراءات وحكمها وضوابطها

ذكر بعض العلماء أن القراءات: متواترة، وآحاد، وشاذة،
وجعلوا المتواتر السبع، والآحاد الثلاث المتممة لعشرها، ثم ما يكون من قراءات الصحابة، وما بقي فهو شاذ. وقيل: العشر متواترة. وقيل: المعتمد في ذلك الضوابط سواء أكانت القراءة من القراءات السبع، أو العشر، أوغيرها. قال أبو شامة في "المرشد الوجيز": "لا ينبغي أن يغتر بكل قراءة تعزى إلى أحد السبعة ويطلق عليها لفظ الصحة وأنها أنزلت هكذا إلا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره، ولا يختص ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة -فإن الاعتماد على استجماع تلك الأوصاف لا على من تنسب إليه، فإن القراءة المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم".

والقياس عندهم في ضوابط القراءة الصحيحة ما يأتي:
1- موافقة القراءة للعربية بوجه من الوجوه: سواء أكان أفصح أم فصيحا، لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها بالإسناد لا بالرأي.
2 وأن توافق القراءة أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا: لأن الصحابة في كتابة المصاحف العثمانية اجتهدوا في الرسم على حسب ما عرفوا من لغات القراءة، فكتبوا "الصراط" مثلا في قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} , "بالصاد" المبدلة بالسين - وعدلوا عن "السين" التي هي الأصل، لتكون قراءة "السين" "السراط" وإن خالفت الرسم من وجه، فقد أتت على الأصل اللغوي المعروف، فيعتدلان، وتكون قراءة الإشمام محتملة لذلك.

والمراد بالموافقة الاحتمالية ما يكون من نحو هذا، كقراءة: {مالك يوم الدين} 1, فإن لفظة "مالك" كتبت في جميع المصاحف بحذف الألف، فتقرأ "ملك" وهي توافق الرسم تحقيقا، وتقرأ "مالك" وهي توافقه احتمالا وهكذا. في غير ذلك من الأمثلة.
ومثال ما يوافق اختلاف القراءات الرسم تحقيقا: {تعلمون} بالتاء والياء، و {يغفر لكم} بالياء والنون، ونحو ذلك، مما يدل تجرده عن النقط والشكل في حذفه وإثباته على فضل عظيم للصحابة -رضي الله عنهم- في علم الهجاء خاصة، وفهم ثاقب في تحقيق كل علم.
ولا يشترط في القراءة الصحيحة أن تكون موافقة لجميع المصاحف، ويكفي الموافقة لما ثبت في بعضها، وذلك كقراءة ابن عامر: "وبالزبر وبالكتاب"2, بإثبات الباء فيهما، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي.

3- وأن تكون القراءة مع ذلك صحيحة الإسناد: لأن القراءة سنة متبعة يعتمد فيها على سلامة النقل وصحة الرواية، وكثيرا ما ينكر أهل العربية قراءة من القراءات لخروجها عن القياس، أو لضعفها في اللغة، ولا يحفل أئمة القراء بإنكارهم شيئا.

تلك هي ضوابط القراءة الصحيحة، فإن اجتمعت الأركان الثلاثة:
1- موافقة العربية. 2- ورسم المصحف.
3- وصحة السند، فهي القراءة الصحيحة، ومتى اختل ركن منها أو أكثر أطلق عليها أنها ضعيفة، أو شاذة، أو باطلة.

من كتاب (مباحث في علوم القرآن) للشيخ مناع القطان رحمه الله