من مدارج السالكين لابن القيم ... " محاسبة النفس "

المحاسبة دل عليها قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" .. فأمر سبحانه العبد بكمال الاستعداد ليوم المعاد ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا .

والمحاسبة لها أركان : أحدها أن تقايس بين نعمته وجنايتك حتى يتبين لك جلال الرب وكماله وحقيقة النفس وصفاتها وأنها منبع كل شر ونقص ، وأنه لولا فضل الله ورحمته ما زكت أبدا ، فكما أنها ليس لها من ذاتها وج
ود فكذلك ليس لها من ذاتها كمال ، وهذه تحتاج إلى سوء الظن بالنفس لأن حسن الظن بها يمنع كمال التفتيش ، كما تحتاج إلى تمييز النعمة من الفتنة ، فكل نعمة تؤدي إلى الفرح والبطر والتحدث عن النفس والاستعلاء على الغير فهي فتنة .

كما تحتاج إلى تمييز بين المنة والحجة فكل علم صحبه عمل يرضي الله سبحانه فهو منة وإلا فهو حجة ، وكل حال مع الله تعالى أو مقام اتصل به السير إلى الله ونصرة دينه والدعوة إليه فهو منة من الله وإن صحبه الوقوف عنده ولذة النفس به وركونها إليه فهو حجة من الله عليه ، فليتأمل العبد هذا الموضع العظيم الخطر فما أكثر ما يلتبس ذلك على خواص الناس وأرباب السلوك والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .