الحمد لله ربِّ العالمين، خَيْرُه لا يحد بأوقات، وفضله لا تحيزه الجهات،
وكرمه وخيراته وبركاته تعم جميع البريات
لأنه سبحانه وتعالى واجب الجود، ومفيض الكرم للخلق أجمعين،
سبحانه سبحانه ..
لا تنفد خزائنه، ولا تنضب خيراته، وإنما ينُزّل بمقدار لأنه أعلم بمصالح العباد والبلاد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويُذِل، ويقبض ويبسط،
لأنه وحده له التصرف في الدنيا والآخرة، وله الحكم في الملك والملكوت وإليه ترجعون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله،
أكرمه الله عزَّ وجلَّ برسالته، وجعله رحمته بين خليقته، وجعل الفضل كله والكرم كله في إتباع شريعته،
فمن اتبعه سعد في الدنيا، وفاز ونجا في الدار الآخرة،
ومن خالف أمره كانت معيشته ضنكاًَ وناله الخزى والبوار يوم لقاء الله في يوم الدين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، إمام النبيين والمرسلين، والرحمة العظمى للخلائق أجمعين،
والشفيع الأعظم عند الهول لجميع المسلمين،
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه صلاة تنفعنا بها يوم الدين،
ونكون بها من الآمنين تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله،
نحن وإخواننا وأبنائنا والمسلمين أجمعين.
(أما بعد).. فيا أيها الأخوة المؤمنون ...
من فضل الله علينا في هذا اليوم المبارك الميمون أن جمع الله عزَّ وجلَّ الخير في هذا اليوم ..
فهو يوم جمعة، ويوم الجمعة يقول فيه صلى الله عليه وسلم:
{ في كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ ساعَةٌ لا يُوافِقُها مُؤْمِنٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلا أَعْطاهُ إِيّاهُ }
(المستدرك للحاكم عن أبى هريرة)
ثم هو أيضاً يوم الإجابة وكذلك هو يوم من أيام شهر شعبان المبارك
الذي هو شهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
لأن آية الصلاة عليه:
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (56-الأحزاب)
نزلت في هذا الشهر المبارك،
فقد ذكر الحافظ بن حجر عن أبي ذر الهروى أن الأمر في الصلاة على النبي يعني بقوله:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) كان في السنة الثانية من الهجرة.

فأقصر طريق يوصّل الإنسان إلى معية النبي العدنان هو الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم،
والسابقون أجمعون وهم الأدلاء والمرشدون الذين هيأهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليأخذوا بيد السالكين ويوصلوهم إلى محطة الأمان، وإلى جودى الفضل على شاطئ سيد الأولين والآخرين
أجمعوا على أنه ليس هناك طريق - على التحقيق - للدخول في معية النبي صلى الله عليه وسلم
أقصر من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم !!
وهذه المعية شاملة من: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)
فالله والملائكة ... من فينا لا يريد أن يكون في معية الله عزَّ وجلَّ؟ وفي معية ملائكته عليهم السلام أجمعين؟
ومعية الله: أي المعية الجامعة لكل كمالات وجمالات الله عزَّ وجلَّ،
لأن اسم (الله) هو الاسم الجامع لجميع الكمالات والجمالات الإلهية
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ)
لم يقل (صلوا) بل قال: (يُصَلُّونَ) .. دائما يصلون!! كيف؟ هذا شيء ليس لنا شأن به ..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) كم مرة؟ لم يحدد.

عندما ذهب الصحابى الجليل سيدنا أبي بن كعب رضى الله عنه - عندما نزلت هذه الآية -
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له:
{ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي. قَالَ: مَا شِئْتَ
قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ. قَالَ: مَا شِئْتَ، وَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ؟
قَالَ: فَقُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ.
قُلْتُ: *فَثُلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، وَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قَالَ: أَجْعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إذاً يُكْفَىٰ هَمُّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ
}
(رواه أحمد والترمذي والحاكم)

وفى الرواية الثانية:
{ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْتُ صَلاَتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟
قَالَ: إذاً يَكْفِيكَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا هَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ
}
(رواه أحْمَدَ عَن أبى بن كعب رضى الله عنه - مجمع الزوائد).
حديث يفسر الآخر .. أي لو شئت جعلت كل وقتك للصلاة عليه بعد الفرائض المكتوبة
يقول: يكفيك الله همك ويغفر لك كل ذنبك.
أما كيف يصلي الله؟ وكيف تصلي الملائكة؟ ليس لك شأن بهذا
(صلوا عليه وسلموا تسليماً) سلِّمْ الأمر إليه وليس لك شأن أنت،
وأنت عندما تصلي عليه هل تعرف كيفية الصلاة عليه؟،... واستمع للحديث الذى يروى ...
{ يا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ ،
فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا في صَلاتِنَا، صلَّى اللَّهُ عليْكَ؟
قال: فَصَمَتَ حَتَّى أَحْبَبْنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَسْأَلْهُ.
قال: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَقُولُوا:
[COLOR="rgb(153, 50, 204)"]اللَّهُمْ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، وَعَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، ...
}
(صحيح ابن حبان وكثير غيره عن ابن مسعود رضى الله عنه)
يعنى ماذا؟ يعنى: قولوا اللهم صلِّ ... لماذا؟ لأنك لا تعرف أن تصلي!! فماذا أفعل؟
اعمل توكيل لله عزَّ وجلَّ وهو يصلي قل: اللهم صلِّ ..
كيف؟ ليس لك شأن! أنت عليك أن تقول: اللهم صلِّ وهو يصلي بما شاء وكيف شاء عزَّ وجلَّ،
يعني: أنني لا أصلي بل أطلب من الله أن يصلي،
(اللهم) يعني: (ياالله) صلِّ على سيدنا محمد .. كيف تشاء وبما تشاء،
لأن هذا أمر غيبي لا يعلمه إلاَّ هو، (وسلموا تسليماً) ..
فأنني عندما أصلي على النبيَّ الآن .. لا تصبح صلاة فقط، بل صلاة وذكر لله، لأنني قبل أن أصلي أقول:
(اللهم) .. وهذا ذكر!!
ثم ماذا؟ (صلِّ) فأصبحت ذكراً لله وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأصبحت الدليل العملي على حبِّي لهذا النبيِّ. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث:
[/COLOR]{ مَنْ أَحَبَّ شَيْئَاً أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ }
(جامع المسانيد والمراسيل، الديلمى فى مسند الفردوس عن عائشة)

ولذلك لما ذهب رجل إلى السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها وأرضاها
وظل يتكلم عن الدنيا ويطيل فيها
فقالت رضي الله عنها وأرضاها:
لو لا أنك تحب الدنيا لما ذكرتها!! قال: لماذا؟ قالت: لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره.

قال سفيان الثوري رضى اله؟ عنه:
بينما أنا في الطواف إذ رأيت رجلاً لا يرفع قدماً ولا يضع قدماً، إلا وهو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم،
فقلت: يا هذا .. إن هذا الموضع للدعاء والذكر والتسبيح،
وأنت تركت ذلك وتشتغل بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم!!
فهل عندك في هذا شئ؟
فقال: من أنت عافاك الله؟ فقلت: أنا سفيان الثوري.
فقال: لو لا أنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي، ولا أطلعتك على سري.
ثم قال: خرجت أنا ووالدي حاجين إلى بيت الله الحرام، حتى إذا كنا في بعض المنازل مرض والدي فقمت لأعالجه،
فبينما أنا عند رأسه إذ مات والدي وأسود وجهه، فجذبت الإزار على وجهه،
فغلبتني عيناي فنمت، فإذا أنا برجل لم أر أجمل منه وجهاً، ولا أنظف ثوباً، ولا أطيب ريحاً،
يرفع قدماً ويضع أخرى حتى دنا من والدي
فكشف الإزار عن وجهه، ومرَّ بيده على وجهه فعاد وجهه أبيض!! ثم ولى راجعاً ..
فتعلقت بثوبه وقلت: من أنت يرحمك الله؟ فقد مَنَّ الله بك على والدي في دار الغربة.
قال: { أو ما تعرفني؟!! أنا محمد بن عبد الله صاحب القرآن،
أما إن والدك كان مسرفاً على نفسه، ولكنه كان يكثر الصلاة عليَّ،
فلما نزل به ما نزل استغاث بي، وأنا غياث من أكثر الصلاة علي}
قال: فانتبهت - أى تيقظت من نومى أو غفوتى - فإذا وجهه أبيض.

يا مَنْ يجيبُ دُعا المضطر في الظُلُمِ *** يا كاشفَ الضُّرَّ والبَلْوَى مع السقم
شفِّعْ نبيَّك في ذلِّي ومسكنتي *** واسترْ فإنك ذو فضل وذو كرم
واغفر ذنوبي وسامحني بها كرماً *** تفضلاً منك يا ذا الفضل والنعم
إن لم تغثني بعفو منك يا أملي *** وا خجلتي وحيائي منك وا ندمي
وقد وعدْتَ بأن ندعو تجيبُ لنا *** وقد دعونا فجُدْ بالعفو والكرم


إخواني ...
اكثروا من الصلاة على هذا النبي الكريم،
فإن الصلاة عليه تكفر الذنب العظيم، وتهدي إلى الصراط المستقيم،
وتقي قائلها من عذاب الجحيم، ويحظى في الجنة بالنعيم المقيم.
وقد قيل في بعض الروايات وورد فى الأثر:

(إن للمصلين على سيد المرسلين عشر كرامات:
إحداهن صلاة الملك الغفار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]الثانية
شفاعة النبي المختار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]الثالثة [/COLOR]الاقتداء بالملائكة الأبرار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]الرابعة [/COLOR]مخالفة المنافقين والكفار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]الخامسة [/COLOR]محو الخطايا والأوزار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]السادسة [/COLOR]قضاء الحوائج والأوطار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]السابعة[/COLOR] تنوير الظواهر والأسرار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]الثامنة[/COLOR] النجاة من النار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]التاسعة [/COLOR]دخول دار القرار،
[COLOR="rgb(139, 0, 0)"]العاشرة [/COLOR]سلام العزيز الجبار).
[/COLOR]
وروى أبو طلحة رضى الله عنه قال:
{ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ مُسْتَبْشِراً،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللَّهِ إِنَّكَ لَعَلى حَالٍ مَا رَأَيْتُكَ عَلى مِثْلِهَا،
قَالَ: وَمَا يمنَعُني؟ أَتَاني جِبْرِيلُ آنِفاً، فَقَالَ:
بَشرْ أُمَّتَكَ، إِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلاَةً، كُتِبَتْ لَهُ بها عَشْرُ حَسَنَات،
وَكُفرَ عَنْهُ بها عَشْرُ سَيئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بها عَشْرُ دَرَجَات،
وَرَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِهِ، وَعُرِضَتْ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
}
(جامع المسانيد والمراسيل، الطبرانى فى الأوسط عن أبى طلحة)
أو كما قال .. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
*******************
من كتاب: (الخطب الإلهامية) لفضيلة الشيخ/ فوزى محمد أبوزيد
رئيس الجمعبة العامة للدعوة إلى الله - جمهورية مصر العربية [/b]
[/center][/quote][/SIZE]