تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج الى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد الى إعادة صياغة وترتيب افكاره واهدافه ، وايضاً الى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسى والاجتماعى.
ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلى، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..
وتتضمن الخلوة العلاجية أيضاً تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل الى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للإنطلاق من جديد فى الإتجاه الصحى السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين .
والخلوة العلاجية إسلوب علاجى نابع من ميراثنا الدينى والثقافى وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على اساليب العلاج النفسى الأخرى المستوردة من الغرب والتى تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية.
لقد كان الهدف من استخدام اسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والافكار الايجابية الى افكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهنى العالى وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الاخلاقية والصياغات اللفظية مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً الى السلوك المرغوب .
ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة ان الخلوة العلاجية تفوق اسلوب التأمل المتسامى Transcendental Meditation ، واسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر .. وأن نتائجها اقوى وأعمق .
ولقد لاحظت ايضاً ان الشخص الذى يعانى من مشكلات او امراض نفسية لايستطيع فى كثيرمن الحالات الاستفادة من اساليب العلاج الغربية التى تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على اساس انها من اهم اسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية وذلك بالطبع دون مراعاة لظروف التنشأة الدينية والاجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك المريض الشرقى ، ولذلك فقد نتج عن هذه الاساليب العديد من المضاعفات والانتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها , ولقد عالجت عشرات الحالات التى تدهورت وأصيبت بأعراض وإنتكاسات حادة نتيجة علاجها بأساليب وطرق غير مناسبة.. ومما زاد الطين بله وجود عدد من المعالجين بهذه الاساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات او تدريبات قصيرة المدى لا تتعدى فى بعض الاحيان ايام او اسابيع محدودة .
.. ويمثل الحوار الذاتى اهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتى – مايقوله الشخص لنفسه - الى جمل ايجابية حماسية متفائلة من اهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهنى عالى ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتى تتسبب فى التوتر والاكتئاب وهزيمة الذات .
ولا يستطيع إنسان أن يعيش بدون أن يخلو إلى نفسه فترات ينفس فيها عن انفعالاته ويستعرض المواقف التى مر بها ويستخدم المخيلة مع العمليات المعرفية الأخرى لحل المشاكل التى يواجهها أو يتوقعها وينسج لها السيناريوهات المناسبة، ثم يقوم بعمل عدة بروفات ذهنية يلعب فيها دور البطل، فيتخذ ما يراه مناسبًا من مواقف وقرارات، وينتقى لنفسه أنسب وأقوى العبارات.. ثم يخرج من لحظات الخلوة هذه وقد نظم أفكاره فيما يجب أن يفعله وما سوف يقوله. وتزداد حاجة الفرد إلى فترات الخلوة كلما ازدادت مشاكله وصراعاته، لذلك نجد البعض وقد أنفصل عمن يجلس بينهم وشرد ذهنه بعيدا، أو قد يفعل ذلك أثناء مشاهدته التليفزيون أو خلال انتقاله بوسائل المواصلات من مكان لآخر، بل أن البعض يتعمد تنظيم فترات قصيرة من الخلوة أثناء التدخين واحتساء القهوة مثلاً. والخلوة يمكن أن تكون ذات فائدة إذا خضعت لقواعد علم النفس والصحة النفسية والعلاج النفسى الذاتى.. كما يمكن أن تكون مجرد فترات هروب من الواقع. وسرحان واجترار للذكريات المؤلمة وغرق فى عالم وهمى إذا تحولت إلى مجرد أحلام يقظة وتكرر لجوء الفرد إليها بهدف الابتعاد عن الواقع والغياب عن الوعى والفرار من مسئولية المواجهة.
ولا شك أن الخلوة والتأمل هى من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعى والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الانسانى فيها على التحديد والضبط والدقة الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسى .
ولقد اختبرت الخلوة (إكلينيكيا) كأسلوب فى العلاج النفسى الذاتى يعتمد على معطيات مدارس العلاج النفسى الحديثة، ومع عشرات من المرضى وعدد من المتطوعين الراغبين فى تنمية قدراتهم على الضبط الذاتى وتعديل أخطاء التفكير وتحسين الأداء الذهنى والاجتماعى ، كما استخدمتها كعلاج اساسى واحياناًًً تكميلى مع الادوية النفسية فى علاج عدد كبير من الاضطرابات النفسية وكانت نتائجها ممتازة بل واكثر من المتوقع .
أيضًا استخدمت الخلوة العلاجية مع عدد من الطلاب الراغبين فى زيادة قدرتهم على التركيز ومع عدد من رجال الأعمال الراغبين فى تحقيق درجات أعلى من الثبات الانفعالى وتحمل الضغوط وزيادة مهارات التعامل الاجتماعى وخفض سرعة الاستثارة والقابلية للقلق.
ولقد كانت النتائج أكثر من مشجعه خاصة عند مقارنتها بأساليب العلاج النفسى الواردة إلينا من الغرب والتى لا تتقبلها الشخصية العربية بسهولة، ولقد كانت الخلوة العلاجية أفضل وأطول أثرًا عند مقارنتها بأساليب التوجيه والإرشاد والعلاج التدعيمى والنصائح المباشرة.
وأكرر التأكيد على ان الخلوة العلاجية تقوم على اسس اساليب العلاج النفسى الحديثة واسس علم نفس التعلم مثل التدعيم والتكرار وخلافه لذلك فهى الوسيلة الأمثل لتعديل الحوار الذاتى وإعادة برمجة العقل وتحقيق أعلى درجات الثبات الإنفعالى والهدوء والتركيز الذهنى الذى يسمح للفرد بتنظيم أفكاره وأهدافه وإعادة برمجتها ومتابعة تنفيذ خططه وتعديله حذف ما لا يستحق منها .
ان الخلوة تحقق للشخص العربى فرصة سانحة بالاسترخاء الذهنى والجسدى الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى ايضاً فرصة للتدريب على الضبط الذاتى لطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية واعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن ان ينظر اليها على انها اسلوب سهل يناسب الشخصية العربية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والاخلاقيات وتحويلها الى انماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد ان هناك وسيلة اخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن ان تقوم بتحويل النسق الوعظى والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية الى سلوكيات عملية الا من خلال التدريب على اعادة برمجة العقل والتأمل باسلوب الخلوة العلاجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة العربية التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم الاخلاق لحظات الحماس ثم تبخر هذه الشعارات الانفعالية بعد لحظات ونسيانها .

*****

اما عن مفهوم الخلوة فى التراث الدينى فهو يشمل العديد من المفاهيم والمعانى منها ترك مشاغل الدنيا والتفرغ لذكر الله ومناجاته وأن يخلو الإنسان بنفسه لكى يتأمل عالمه الداخلى ولكى يتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها.. ولكى يزيد نفسه صقلاً وصفاء.
ولقد نصح الرسول – صلى الله عليه وسلام – عقبة بن عامر رضى الله عنه بالخلوة .. قائلاً : "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك.." (رواه أبو داود والترمذى).
ولقد رأى العديد من علماء وفقهاء الإسلام أن فى الخلوة فوائد ومميزات كثيرة منها:
· تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم" .
· البعد عن الرياء والمداهنة .. والزهد في الدنيا .. والتخلق بالأخلاق الحميدة.
· تفقد أحوال النفس.
· حفظ البصر .. وتجنب النظر إلى ما حرم الله النظر إليه.
· التفرغ للذكر.. ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : "كلم الناس قليلاً ، وكلم ربك تعالى كثيراً ، لعل قلبك يرى الله تعالى .."
· تهذيب الأخلاق .. والبعد عن قساوة القلب ..وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وأن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي " . ( رواه الترمذي والبيهقي )
· التمكن من عبادة التفكر والاعتبار .. وقد وصف الإمام الغزالي حالة من التفكر فوق مستوى الوعي العادي واليقظة !!.. يستطيع المرء أن يدرك فيها مالا يدركه العقل وحواسه في الحالات العادية .
· لذة المناجاة .. حيث يقول الإمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين" عن آراء بعض الأولياء والصالحين : "أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة" .. وقال بعضهم أيضاً .. : "لذة المناجاة ليست من الدنيا ، وإنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه ، لايجدها سواهم" .
· محاسبة النفس ومعاتبتها .. قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" ( سورة الحشر 18) .. وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة محاسبة النفس على ما مضى من أعمال .. وان يلوم الإنسان نفسه إذا أخطأت .. وأن يذكرها بطريق الصواب والهداية: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ( سورة الذاريات 55).
وهكذا .. فإن الخلوة تتيح للإنسان الابتعاد المؤقت عن عالم الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب مشاكله وهمومه .. ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه .. ويشحن قواه المعنوية .. ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات .. واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه. أضافة إلى تجديد صلته بربه وتوثيقها.. وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها لا تستحق كل هذا ا لعناء وأن الإنسان يستطيع أن ينجو منها عندما يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأملاته.

*****

والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتى – وجميعها عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعالات الفرد وسلوكه.
ولقد ثبت بالعديد من الأدلة التجريبية والإكلينيكية أن العوامل الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور والاستنتاج والتوقع تتصل وتؤثر فورًا على مراكز الانفعال بالدماغ التى تفرز بالتالى عددًا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له.
ومن هرمونات التوتر المعروفة هرمون الادرينالين الذى يؤدى افرازه إلى توتر العضلات وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس، واتساع حدقة العين، ونقل كميات كبيرة من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز الأنفعال تحت تأثير العوامل الفكرية المخيفة والمهدده، ويصاحب هذه التغيرات أيضًا تعطل عمليات الهضم واضطراب افراز العصارات المعدية والمعوية.
ولا يشترط لحدوث التغيرات الجسمانية الانفعالية المذكورة وجود خطر حقيقى أو معركة فعليه بل أنها تحدث أيضا بدرجة أقل ولكن لفترات أطول فى حالة انشغال الفرد بعوامل فكرية سلبية لفترات طويلة فالشخص الذى يتوقع الخطر أو الذى يقلق ويضطرب نتيجة أفكاره ومبالغاته الانفعالية ومخاوفه غير الواقعية، كذلك الذى يقول لنفسه عبارات سلبيه متشائمة انهزامية مثل (أنا فاشل) أو (أنا غير مقبول) أو (لا يمكن أن أنجح) .. إلخ، كل هؤلاء يعانون من التوتر المستمر والتغيرات الجسمانية الانفعاليه إلى جانب الصراع النفسى وأعراض الاضطرابات النفسية المختلفة. ولقد أثبتت تجارب "دولارد" "وميللر" وغيرهما أن الإنسان إذا فكر أو تخيل أو توقع شيئًا مخيفًا فأنه يخاف بالفعل وأن أعراض الخوف النفسية والجسمانية تبدأ بالظهور عليه بعد دقائق معدودة، وقد أمكن تسجيلها بأجهزة دقيقة مما يثبت أننا عندما نفكر أو نتخيل بطريقة خاطئة تتغير حالتنا النفسية وقدراتنا الذهنية وجميع وظائف أجسامنا دون أن ندرى. لذلك فأن الشخص إذا استطاع خلال جلسات الخلوة أن يستبدل العبارات السلبية الانهزامية التى يقولها لنفسه طوال الوقت بأخرى إيجابية متفاءله، وإذا استطاع أن يأمر ذهنه بطرد كل فكرة سلبيه خاطئة تدعو إلى الخوف وهزيمة الذات فإن ذلك سوف يخفض من إثارة مراكز الانفعال ويحمى الفرد من عواقب السلوك الانفعالى واضرارة.
وتساعد الخلوة العلاجية الشخص على التدريب على ضبط الانتباه والتحكم فيه.. وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب الفرد قدرة أكبر على طرد الأفكار الهدامة وتحويل انتباهه وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء والسكينة مثل ذكر الله أو الدعاء.
وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلى عن التفكير السلبى والاندماج القهرى فى الأفكار والمواقف المؤلمة.
كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة التهيؤ الذهنى.. بالتركيز على موضوع إيجابى مرغوب بوضعه فى بؤرة الوعى والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب يماثل التسميع الذاتى الذى يستخدمه الطلاب لإبقاء معلومة معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة. ويرى بعض علماء النفس أن أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة بتكرار تركيز الانتباه والتهيؤ الذهنى وحصر التفكير فيما يريد ذلك الشخص إنجازه.

*****

وتلتقي فكرة الخلوة العلاجية وتتفق مع آراء بعض علماء العلاج النفسي الحديث، فيرى "كارل روجرز" أن قدرات الإنسان على تنمية ذاته وتوجيهها حقيقة ممكنة نظريًا وعمليًا، وأن الإنسان يستطيع تعديل سلوكه بإتباع أسلوب علمي منظم، كما يرى "آرون بيك" مؤسس مدرسة العلاج النفسي المعرفي أن أسباب أي اضطراب نفسي تكون نتاج عوامل فكرية يمكن تعديلها وأن أي اضطراب نفسي تسبقه غالبًا أفكار مشوهة انهزامية أو معتقدات ووجهات نظر خاطئة تسبب لذلك الشخص الشقاء والهزيمة الذاتية.
ويعتقد "ألبرت إليس" مؤسس مدرسة العلاج العقلاني الانفعالي أن الإنسان إذا تخلى عن معتقداته الخاطئة وإذا خلص ذهنه من الأفكار الخاطئة ومن أساليب التفكير المتحيزة غير العقلانية مثل التعميم الخاطئ والتطرف فى الحكم والتعصب وجمود التفكير والمبالغة استطاع أن يتخلص من كثير من مشاكله الانفعالية.
ونلتقي فكرة الخلوة العلاجية أيضًا مع أراء عدد من مشاهير علماء النفس السلوكي أمثال "كوتلا" و"سالتر" و"باندورا" فى أن الاسترخاء – وهو أحد العوامل الهامة فى جلسات الخلوة العلاجية – يغير من طريقة إدراك الشخص للبيئة ويجعلها أقل تهديدًا، كما أنه يخفض فورًا من النشاط الانفعالي المصاحب للتوتر العضلي.
كذلك يعتبر علاج الخلوة تأكيدًا لأهمية الدين فى العلاج النفسي حيث نشرت فى الفترة الأخيرة العديد من الدراسات في هذا المجال نذكر منها دراسات "لانرت" التي نشرت في مجلة علم النفس الإنساني عن أثر الإيمان والاعتقاد الديني في حياة الإنسان وصحته النفسية والذي أكد فيها ضرورة اهتمام الأطباء والأخصائيين النفسيين بهذا الجانب وعدم إهماله أو تجاهله.. أما "هارولد كونج" من جامعة ميسوري الأمريكية فقد أثبت من خلال عدة دراسات أثر الإيمان فى شفاء عدة أمراض نفسية وعضوية أيضًا خاصة دورة فى علاج الاكتئاب فى المسنين.. كما أثبت أن الارتباط بالدين وأداء الشعائر الدينية يزيد من عمر الإنسان حوالي سبع سنوات فى المتوسط.. وعلل ذلك بعدة احتمالات منها استمرار الحياة الزوجية المتوافقة وعدم اللجوء إلى الخمر والمخدرات وعدم الدخول فى علاقات شاذة غير شرعية.
تبدأ جلسة الخلوة العلاجية بإعداد وتجهيز المكان الملائم .. والذي يجب أن يتصف بالهدوء وعدم وجود ما يشتت الانتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو مذياع وخلافه .. وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح.. ومنضدة.. وساعة لتحديد الوقت.. ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل الأفكار والملاحظات.. ويفضل إغلاق جرس التليفون .
كما يجب أن يكون المكان مريحاً نظيفاً.. ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو النباتات.
ومدة جلسة الخلوة 30 دقيقة.. يوميا أو 3 مرات أسبوعيًا ويقسم وقت الجلسة على خطواتها الثلاث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي 10 دقائق تقريبًا.. ولكي يحقق الفرد التحسن المرغوب والتغير الإيجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس الخلوة العلاجية لمدة 3 شهور على الأقل. ولا تتعارض جلسة الخلوة العلاجية مع تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو الاكتئاب إلا إذا كان الشخص فى حالة تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير.
ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن تؤدى أيضًا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه الشروط جميعًا.. بل أن البعض استطاع أن يحقق فائدة جيدة من ممارسة الخطوة الأولى فقط من خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت المذكور.
ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العلاجية كالآتي:
الخطوة الأولى: " الخروج من الدوامة "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- الخروج الفورى من التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة بالاسترخاء والتنفس العميق ببطء.. ولمدة خمس دقائق تقريبًا.
‌ب- الخروج أيضًا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية والذهنية بأن يصدر الشخص الأوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع الأفكار الانهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو تصور مكروه أو مزعج أو مخيف.
‌ج- إصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو (مع تكرار الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التى تدعو لذلك).أو
الخطوة الثانية : " التأمل والتشبع بالرضا "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم الذى وهبه الله أياها.. وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم.
‌ب- أن يكرر وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله".
الخطوة الثالثة: " شحن وتوجيه الإرادة "
وتهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جملاً وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة والأمل.
‌ب- إعادة صياغة الأهداف وخطوات تحقيقها... ويمكن أن يسجل الهدف المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة تجعله يركز دائمًا على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية وأن يراعى التدرج والاستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف وان يستعين بالدعاء وطلب العون والمدد من الله تعالى.
‌ج- كذلك فان الخلوة العلاجية تمثل فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى وتأمل آيات كتابه العظيم وأحاديث رسوله الكريم.

*****

وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية.. فالخطوة الأولى تخفض درجة التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس الشعور بالرضا.. والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من التحرر من الشحنات الانفعالية.. فتتحسن القدرات الذهنية وتزداد القدرة على التركيز والأداء الذهني والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة والإرادة لإنجاز الأهداف المرغوبة.
ويوضح الرسم التخطيطي التالي التسلسل المتصاعد في مراحل الخلوة العلاجية وأن كل خطوة تمهد لما يليها في تحسين الأداء الذهني والنفسي.

تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج الى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد الى إعادة صياغة وترتيب افكاره واهدافه ، وايضاً الى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسى والاجتماعى.
ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلى، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..
وتتضمن الخلوة العلاجية أيضاً تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل الى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للإنطلاق من جديد فى الإتجاه الصحى السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين .
والخلوة العلاجية إسلوب علاجى نابع من ميراثنا الدينى والثقافى وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على اساليب العلاج النفسى الأخرى المستوردة من الغرب والتى تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية.
لقد كان الهدف من استخدام اسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والافكار الايجابية الى افكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهنى العالى وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الاخلاقية والصياغات اللفظية مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً الى السلوك المرغوب .
ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة ان الخلوة العلاجية تفوق اسلوب التأمل المتسامى Transcendental Meditation ، واسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر .. وأن نتائجها اقوى وأعمق .
ولقد لاحظت ايضاً ان الشخص الذى يعانى من مشكلات او امراض نفسية لايستطيع فى كثيرمن الحالات الاستفادة من اساليب العلاج الغربية التى تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على اساس انها من اهم اسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية وذلك بالطبع دون مراعاة لظروف التنشأة الدينية والاجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك المريض الشرقى ، ولذلك فقد نتج عن هذه الاساليب العديد من المضاعفات والانتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها , ولقد عالجت عشرات الحالات التى تدهورت وأصيبت بأعراض وإنتكاسات حادة نتيجة علاجها بأساليب وطرق غير مناسبة.. ومما زاد الطين بله وجود عدد من المعالجين بهذه الاساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات او تدريبات قصيرة المدى لا تتعدى فى بعض الاحيان ايام او اسابيع محدودة .
.. ويمثل الحوار الذاتى اهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتى – مايقوله الشخص لنفسه - الى جمل ايجابية حماسية متفائلة من اهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهنى عالى ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتى تتسبب فى التوتر والاكتئاب وهزيمة الذات .
ولا يستطيع إنسان أن يعيش بدون أن يخلو إلى نفسه فترات ينفس فيها عن انفعالاته ويستعرض المواقف التى مر بها ويستخدم المخيلة مع العمليات المعرفية الأخرى لحل المشاكل التى يواجهها أو يتوقعها وينسج لها السيناريوهات المناسبة، ثم يقوم بعمل عدة بروفات ذهنية يلعب فيها دور البطل، فيتخذ ما يراه مناسبًا من مواقف وقرارات، وينتقى لنفسه أنسب وأقوى العبارات.. ثم يخرج من لحظات الخلوة هذه وقد نظم أفكاره فيما يجب أن يفعله وما سوف يقوله. وتزداد حاجة الفرد إلى فترات الخلوة كلما ازدادت مشاكله وصراعاته، لذلك نجد البعض وقد أنفصل عمن يجلس بينهم وشرد ذهنه بعيدا، أو قد يفعل ذلك أثناء مشاهدته التليفزيون أو خلال انتقاله بوسائل المواصلات من مكان لآخر، بل أن البعض يتعمد تنظيم فترات قصيرة من الخلوة أثناء التدخين واحتساء القهوة مثلاً. والخلوة يمكن أن تكون ذات فائدة إذا خضعت لقواعد علم النفس والصحة النفسية والعلاج النفسى الذاتى.. كما يمكن أن تكون مجرد فترات هروب من الواقع. وسرحان واجترار للذكريات المؤلمة وغرق فى عالم وهمى إذا تحولت إلى مجرد أحلام يقظة وتكرر لجوء الفرد إليها بهدف الابتعاد عن الواقع والغياب عن الوعى والفرار من مسئولية المواجهة.
ولا شك أن الخلوة والتأمل هى من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعى والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الانسانى فيها على التحديد والضبط والدقة الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسى .
ولقد اختبرت الخلوة (إكلينيكيا) كأسلوب فى العلاج النفسى الذاتى يعتمد على معطيات مدارس العلاج النفسى الحديثة، ومع عشرات من المرضى وعدد من المتطوعين الراغبين فى تنمية قدراتهم على الضبط الذاتى وتعديل أخطاء التفكير وتحسين الأداء الذهنى والاجتماعى ، كما استخدمتها كعلاج اساسى واحياناًًً تكميلى مع الادوية النفسية فى علاج عدد كبير من الاضطرابات النفسية وكانت نتائجها ممتازة بل واكثر من المتوقع .
أيضًا استخدمت الخلوة العلاجية مع عدد من الطلاب الراغبين فى زيادة قدرتهم على التركيز ومع عدد من رجال الأعمال الراغبين فى تحقيق درجات أعلى من الثبات الانفعالى وتحمل الضغوط وزيادة مهارات التعامل الاجتماعى وخفض سرعة الاستثارة والقابلية للقلق.
ولقد كانت النتائج أكثر من مشجعه خاصة عند مقارنتها بأساليب العلاج النفسى الواردة إلينا من الغرب والتى لا تتقبلها الشخصية العربية بسهولة، ولقد كانت الخلوة العلاجية أفضل وأطول أثرًا عند مقارنتها بأساليب التوجيه والإرشاد والعلاج التدعيمى والنصائح المباشرة.
وأكرر التأكيد على ان الخلوة العلاجية تقوم على اسس اساليب العلاج النفسى الحديثة واسس علم نفس التعلم مثل التدعيم والتكرار وخلافه لذلك فهى الوسيلة الأمثل لتعديل الحوار الذاتى وإعادة برمجة العقل وتحقيق أعلى درجات الثبات الإنفعالى والهدوء والتركيز الذهنى الذى يسمح للفرد بتنظيم أفكاره وأهدافه وإعادة برمجتها ومتابعة تنفيذ خططه وتعديله حذف ما لا يستحق منها .
ان الخلوة تحقق للشخص العربى فرصة سانحة بالاسترخاء الذهنى والجسدى الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى ايضاً فرصة للتدريب على الضبط الذاتى لطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية واعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن ان ينظر اليها على انها اسلوب سهل يناسب الشخصية العربية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والاخلاقيات وتحويلها الى انماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد ان هناك وسيلة اخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن ان تقوم بتحويل النسق الوعظى والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية الى سلوكيات عملية الا من خلال التدريب على اعادة برمجة العقل والتأمل باسلوب الخلوة العلاجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة العربية التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم الاخلاق لحظات الحماس ثم تبخر هذه الشعارات الانفعالية بعد لحظات ونسيانها .


*****

اما عن مفهوم الخلوة فى التراث الدينى فهو يشمل العديد من المفاهيم والمعانى منها ترك مشاغل الدنيا والتفرغ لذكر الله ومناجاته وأن يخلو الإنسان بنفسه لكى يتأمل عالمه الداخلى ولكى يتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها.. ولكى يزيد نفسه صقلاً وصفاء.
ولقد نصح الرسول – صلى الله عليه وسلام – عقبة بن عامر رضى الله عنه بالخلوة .. قائلاً : "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك.." (رواه أبو داود والترمذى).
ولقد رأى العديد من علماء وفقهاء الإسلام أن فى الخلوة فوائد ومميزات كثيرة منها:
·تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم" .
· البعد عن الرياء والمداهنة .. والزهد في الدنيا .. والتخلق بالأخلاق الحميدة.
· تفقد أحوال النفس.
· حفظ البصر .. وتجنب النظر إلى ما حرم الله النظر إليه.
· التفرغ للذكر.. ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : "كلم الناس قليلاً ، وكلم ربك تعالى كثيراً ، لعل قلبك يرى الله تعالى .."
· تهذيب الأخلاق .. والبعد عن قساوة القلب ..وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وأن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي " . ( رواه الترمذي والبيهقي )
· التمكن من عبادة التفكر والاعتبار .. وقد وصف الإمام الغزالي حالة من التفكر فوق مستوى الوعي العادي واليقظة !!.. يستطيع المرء أن يدرك فيها مالا يدركه العقل وحواسه في الحالات العادية .
· لذة المناجاة .. حيث يقول الإمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين" عن آراء بعض الأولياء والصالحين : "أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة" .. وقال بعضهم أيضاً .. : "لذة المناجاة ليست من الدنيا ، وإنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه ، لايجدها سواهم" .
· محاسبة النفس ومعاتبتها .. قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" ( سورة الحشر 18) .. وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة محاسبة النفس على ما مضى من أعمال .. وان يلوم الإنسان نفسه إذا أخطأت .. وأن يذكرها بطريق الصواب والهداية: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ( سورة الذاريات 55).
وهكذا .. فإن الخلوة تتيح للإنسان الابتعاد المؤقت عن عالم الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب مشاكله وهمومه .. ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه .. ويشحن قواه المعنوية .. ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات .. واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه. أضافة إلى تجديد صلته بربه وتوثيقها.. وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها لا تستحق كل هذا ا لعناء وأن الإنسان يستطيع أن ينجو منها عندما يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأملاته.

*****

والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتى – وجميعها عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعالات الفرد وسلوكه.
ولقد ثبت بالعديد من الأدلة التجريبية والإكلينيكية أن العوامل الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور والاستنتاج والتوقع تتصل وتؤثر فورًا على مراكز الانفعال بالدماغ التى تفرز بالتالى عددًا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له.
ومن هرمونات التوتر المعروفة هرمون الادرينالين الذى يؤدى افرازه إلى توتر العضلات وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس، واتساع حدقة العين، ونقل كميات كبيرة من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز الأنفعال تحت تأثير العوامل الفكرية المخيفة والمهدده، ويصاحب هذه التغيرات أيضًا تعطل عمليات الهضم واضطراب افراز العصارات المعدية والمعوية.
ولا يشترط لحدوث التغيرات الجسمانية الانفعالية المذكورة وجود خطر حقيقى أو معركة فعليه بل أنها تحدث أيضا بدرجة أقل ولكن لفترات أطول فى حالة انشغال الفرد بعوامل فكرية سلبية لفترات طويلة فالشخص الذى يتوقع الخطر أو الذى يقلق ويضطرب نتيجة أفكاره ومبالغاته الانفعالية ومخاوفه غير الواقعية، كذلك الذى يقول لنفسه عبارات سلبيه متشائمة انهزامية مثل (أنا فاشل) أو (أنا غير مقبول) أو (لا يمكن أن أنجح) .. إلخ، كل هؤلاء يعانون من التوتر المستمر والتغيرات الجسمانية الانفعاليه إلى جانب الصراع النفسى وأعراض الاضطرابات النفسية المختلفة. ولقد أثبتت تجارب "دولارد" "وميللر" وغيرهما أن الإنسان إذا فكر أو تخيل أو توقع شيئًا مخيفًا فأنه يخاف بالفعل وأن أعراض الخوف النفسية والجسمانية تبدأ بالظهور عليه بعد دقائق معدودة، وقد أمكن تسجيلها بأجهزة دقيقة مما يثبت أننا عندما نفكر أو نتخيل بطريقة خاطئة تتغير حالتنا النفسية وقدراتنا الذهنية وجميع وظائف أجسامنا دون أن ندرى. لذلك فأن الشخص إذا استطاع خلال جلسات الخلوة أن يستبدل العبارات السلبية الانهزامية التى يقولها لنفسه طوال الوقت بأخرى إيجابية متفاءله، وإذا استطاع أن يأمر ذهنه بطرد كل فكرة سلبيه خاطئة تدعو إلى الخوف وهزيمة الذات فإن ذلك سوف يخفض من إثارة مراكز الانفعال ويحمى الفرد من عواقب السلوك الانفعالى واضرارة.
وتساعد الخلوة العلاجية الشخص على التدريب على ضبط الانتباه والتحكم فيه.. وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب الفرد قدرة أكبر على طرد الأفكار الهدامة وتحويل انتباهه وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء والسكينة مثل ذكر الله أو الدعاء.
وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلى عن التفكير السلبى والاندماج القهرى فى الأفكار والمواقف المؤلمة.
كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة التهيؤ الذهنى.. بالتركيز على موضوع إيجابى مرغوب بوضعه فى بؤرة الوعى والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب يماثل التسميع الذاتى الذى يستخدمه الطلاب لإبقاء معلومة معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة. ويرى بعض علماء النفس أن أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة بتكرار تركيز الانتباه والتهيؤ الذهنى وحصر التفكير فيما يريد ذلك الشخص إنجازه.

*****

وتلتقي فكرة الخلوة العلاجية وتتفق مع آراء بعض علماء العلاج النفسي الحديث، فيرى "كارل روجرز" أن قدرات الإنسان على تنمية ذاته وتوجيهها حقيقة ممكنة نظريًا وعمليًا، وأن الإنسان يستطيع تعديل سلوكه بإتباع أسلوب علمي منظم، كما يرى "آرون بيك" مؤسس مدرسة العلاج النفسي المعرفي أن أسباب أي اضطراب نفسي تكون نتاج عوامل فكرية يمكن تعديلها وأن أي اضطراب نفسي تسبقه غالبًا أفكار مشوهة انهزامية أو معتقدات ووجهات نظر خاطئة تسبب لذلك الشخص الشقاء والهزيمة الذاتية.
ويعتقد "ألبرت إليس" مؤسس مدرسة العلاج العقلاني الانفعالي أن الإنسان إذا تخلى عن معتقداته الخاطئة وإذا خلص ذهنه من الأفكار الخاطئة ومن أساليب التفكير المتحيزة غير العقلانية مثل التعميم الخاطئ والتطرف فى الحكم والتعصب وجمود التفكير والمبالغة استطاع أن يتخلص من كثير من مشاكله الانفعالية.
ونلتقي فكرة الخلوة العلاجية أيضًا مع أراء عدد من مشاهير علماء النفس السلوكي أمثال "كوتلا" و"سالتر" و"باندورا" فى أن الاسترخاء – وهو أحد العوامل الهامة فى جلسات الخلوة العلاجية – يغير من طريقة إدراك الشخص للبيئة ويجعلها أقل تهديدًا، كما أنه يخفض فورًا من النشاط الانفعالي المصاحب للتوتر العضلي.
كذلك يعتبر علاج الخلوة تأكيدًا لأهمية الدين فى العلاج النفسي حيث نشرت فى الفترة الأخيرة العديد من الدراسات في هذا المجال نذكر منها دراسات "لانرت" التي نشرت في مجلة علم النفس الإنساني عن أثر الإيمان والاعتقاد الديني في حياة الإنسان وصحته النفسية والذي أكد فيها ضرورة اهتمام الأطباء والأخصائيين النفسيين بهذا الجانب وعدم إهماله أو تجاهله.. أما "هارولد كونج" من جامعة ميسوري الأمريكية فقد أثبت من خلال عدة دراسات أثر الإيمان فى شفاء عدة أمراض نفسية وعضوية أيضًا خاصة دورة فى علاج الاكتئاب فى المسنين.. كما أثبت أن الارتباط بالدين وأداء الشعائر الدينية يزيد من عمر الإنسان حوالي سبع سنوات فى المتوسط.. وعلل ذلك بعدة احتمالات منها استمرار الحياة الزوجية المتوافقة وعدم اللجوء إلى الخمر والمخدرات وعدم الدخول فى علاقات شاذة غير شرعية.
تبدأ جلسة الخلوة العلاجية بإعداد وتجهيز المكان الملائم .. والذي يجب أن يتصف بالهدوء وعدم وجود ما يشتت الانتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو مذياع وخلافه .. وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح.. ومنضدة.. وساعة لتحديد الوقت.. ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل الأفكار والملاحظات.. ويفضل إغلاق جرس التليفون .
كما يجب أن يكون المكان مريحاً نظيفاً.. ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو النباتات.
ومدة جلسة الخلوة 30 دقيقة.. يوميا أو 3 مرات أسبوعيًا ويقسم وقت الجلسة على خطواتها الثلاث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي 10 دقائق تقريبًا.. ولكي يحقق الفرد التحسن المرغوب والتغير الإيجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس الخلوة العلاجية لمدة 3 شهور على الأقل. ولا تتعارض جلسة الخلوة العلاجية مع تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو الاكتئاب إلا إذا كان الشخص فى حالة تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير.
ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن تؤدى أيضًا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه الشروط جميعًا.. بل أن البعض استطاع أن يحقق فائدة جيدة من ممارسة الخطوة الأولى فقط من خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت المذكور.
ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العلاجية كالآتي:
الخطوة الأولى: " الخروج من الدوامة "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- الخروج الفورى من التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة بالاسترخاء والتنفس العميق ببطء.. ولمدة خمس دقائق تقريبًا.
‌ب- الخروج أيضًا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية والذهنية بأن يصدر الشخص الأوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع الأفكار الانهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو تصور مكروه أو مزعج أو مخيف.
‌ج- إصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو (مع تكرار الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التى تدعو لذلك).أو
الخطوة الثانية : " التأمل والتشبع بالرضا "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم الذى وهبه الله أياها.. وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم.
‌ب- أن يكرر وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله".
الخطوة الثالثة: " شحن وتوجيه الإرادة "
وتهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جملاً وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة والأمل.
‌ب- إعادة صياغة الأهداف وخطوات تحقيقها... ويمكن أن يسجل الهدف المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة تجعله يركز دائمًا على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية وأن يراعى التدرج والاستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف وان يستعين بالدعاء وطلب العون والمدد من الله تعالى.
‌ج- كذلك فان الخلوة العلاجية تمثل فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى وتأمل آيات كتابه العظيم وأحاديث رسوله الكريم.


*****

وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية.. فالخطوة الأولى تخفض درجة التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس الشعور بالرضا.. والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من التحرر من الشحنات الانفعالية.. فتتحسن القدرات الذهنية وتزداد القدرة على التركيز والأداء الذهني والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة والإرادة لإنجاز الأهداف المرغوبة.
ويوضح الرسم التخطيطي التالي التسلسل المتصاعد في مراحل الخلوة العلاجية وأن كل خطوة تمهد لما يليها في تحسين الأداء الذهني والنفسي.


تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج الى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد الى إعادة صياغة وترتيب افكاره واهدافه ، وايضاً الى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسى والاجتماعى.
ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلى، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..
وتتضمن الخلوة العلاجية أيضاً تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل الى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للإنطلاق من جديد فى الإتجاه الصحى السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين .
والخلوة العلاجية إسلوب علاجى نابع من ميراثنا الدينى والثقافى وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على اساليب العلاج النفسى الأخرى المستوردة من الغرب والتى تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية.
لقد كان الهدف من استخدام اسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والافكار الايجابية الى افكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهنى العالى وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الاخلاقية والصياغات اللفظية مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً الى السلوك المرغوب .
ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة ان الخلوة العلاجية تفوق اسلوب التأمل المتسامى Transcendental Meditation ، واسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر .. وأن نتائجها اقوى وأعمق .
ولقد لاحظت ايضاً ان الشخص الذى يعانى من مشكلات او امراض نفسية لايستطيع فى كثيرمن الحالات الاستفادة من اساليب العلاج الغربية التى تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على اساس انها من اهم اسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية وذلك بالطبع دون مراعاة لظروف التنشأة الدينية والاجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك المريض الشرقى ، ولذلك فقد نتج عن هذه الاساليب العديد من المضاعفات والانتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها , ولقد عالجت عشرات الحالات التى تدهورت وأصيبت بأعراض وإنتكاسات حادة نتيجة علاجها بأساليب وطرق غير مناسبة.. ومما زاد الطين بله وجود عدد من المعالجين بهذه الاساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات او تدريبات قصيرة المدى لا تتعدى فى بعض الاحيان ايام او اسابيع محدودة .
.. ويمثل الحوار الذاتى اهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتى – مايقوله الشخص لنفسه - الى جمل ايجابية حماسية متفائلة من اهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهنى عالى ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتى تتسبب فى التوتر والاكتئاب وهزيمة الذات .
ولا يستطيع إنسان أن يعيش بدون أن يخلو إلى نفسه فترات ينفس فيها عن انفعالاته ويستعرض المواقف التى مر بها ويستخدم المخيلة مع العمليات المعرفية الأخرى لحل المشاكل التى يواجهها أو يتوقعها وينسج لها السيناريوهات المناسبة، ثم يقوم بعمل عدة بروفات ذهنية يلعب فيها دور البطل، فيتخذ ما يراه مناسبًا من مواقف وقرارات، وينتقى لنفسه أنسب وأقوى العبارات.. ثم يخرج من لحظات الخلوة هذه وقد نظم أفكاره فيما يجب أن يفعله وما سوف يقوله. وتزداد حاجة الفرد إلى فترات الخلوة كلما ازدادت مشاكله وصراعاته، لذلك نجد البعض وقد أنفصل عمن يجلس بينهم وشرد ذهنه بعيدا، أو قد يفعل ذلك أثناء مشاهدته التليفزيون أو خلال انتقاله بوسائل المواصلات من مكان لآخر، بل أن البعض يتعمد تنظيم فترات قصيرة من الخلوة أثناء التدخين واحتساء القهوة مثلاً. والخلوة يمكن أن تكون ذات فائدة إذا خضعت لقواعد علم النفس والصحة النفسية والعلاج النفسى الذاتى.. كما يمكن أن تكون مجرد فترات هروب من الواقع. وسرحان واجترار للذكريات المؤلمة وغرق فى عالم وهمى إذا تحولت إلى مجرد أحلام يقظة وتكرر لجوء الفرد إليها بهدف الابتعاد عن الواقع والغياب عن الوعى والفرار من مسئولية المواجهة.
ولا شك أن الخلوة والتأمل هى من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعى والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الانسانى فيها على التحديد والضبط والدقة الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسى .
ولقد اختبرت الخلوة (إكلينيكيا) كأسلوب فى العلاج النفسى الذاتى يعتمد على معطيات مدارس العلاج النفسى الحديثة، ومع عشرات من المرضى وعدد من المتطوعين الراغبين فى تنمية قدراتهم على الضبط الذاتى وتعديل أخطاء التفكير وتحسين الأداء الذهنى والاجتماعى ، كما استخدمتها كعلاج اساسى واحياناًًً تكميلى مع الادوية النفسية فى علاج عدد كبير من الاضطرابات النفسية وكانت نتائجها ممتازة بل واكثر من المتوقع .
أيضًا استخدمت الخلوة العلاجية مع عدد من الطلاب الراغبين فى زيادة قدرتهم على التركيز ومع عدد من رجال الأعمال الراغبين فى تحقيق درجات أعلى من الثبات الانفعالى وتحمل الضغوط وزيادة مهارات التعامل الاجتماعى وخفض سرعة الاستثارة والقابلية للقلق.
ولقد كانت النتائج أكثر من مشجعه خاصة عند مقارنتها بأساليب العلاج النفسى الواردة إلينا من الغرب والتى لا تتقبلها الشخصية العربية بسهولة، ولقد كانت الخلوة العلاجية أفضل وأطول أثرًا عند مقارنتها بأساليب التوجيه والإرشاد والعلاج التدعيمى والنصائح المباشرة.
وأكرر التأكيد على ان الخلوة العلاجية تقوم على اسس اساليب العلاج النفسى الحديثة واسس علم نفس التعلم مثل التدعيم والتكرار وخلافه لذلك فهى الوسيلة الأمثل لتعديل الحوار الذاتى وإعادة برمجة العقل وتحقيق أعلى درجات الثبات الإنفعالى والهدوء والتركيز الذهنى الذى يسمح للفرد بتنظيم أفكاره وأهدافه وإعادة برمجتها ومتابعة تنفيذ خططه وتعديله حذف ما لا يستحق منها .
ان الخلوة تحقق للشخص العربى فرصة سانحة بالاسترخاء الذهنى والجسدى الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى ايضاً فرصة للتدريب على الضبط الذاتى لطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية واعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن ان ينظر اليها على انها اسلوب سهل يناسب الشخصية العربية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والاخلاقيات وتحويلها الى انماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد ان هناك وسيلة اخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن ان تقوم بتحويل النسق الوعظى والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية الى سلوكيات عملية الا من خلال التدريب على اعادة برمجة العقل والتأمل باسلوب الخلوة العلاجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة العربية التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم الاخلاق لحظات الحماس ثم تبخر هذه الشعارات الانفعالية بعد لحظات ونسيانها .


*****

اما عن مفهوم الخلوة فى التراث الدينى فهو يشمل العديد من المفاهيم والمعانى منها ترك مشاغل الدنيا والتفرغ لذكر الله ومناجاته وأن يخلو الإنسان بنفسه لكى يتأمل عالمه الداخلى ولكى يتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها.. ولكى يزيد نفسه صقلاً وصفاء.
ولقد نصح الرسول – صلى الله عليه وسلام – عقبة بن عامر رضى الله عنه بالخلوة .. قائلاً : "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك.." (رواه أبو داود والترمذى).
ولقد رأى العديد من علماء وفقهاء الإسلام أن فى الخلوة فوائد ومميزات كثيرة منها:
· تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم" .
· البعد عن الرياء والمداهنة .. والزهد في الدنيا .. والتخلق بالأخلاق الحميدة.
· تفقد أحوال النفس.
· حفظ البصر .. وتجنب النظر إلى ما حرم الله النظر إليه.
· التفرغ للذكر.. ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال : "كلم الناس قليلاً ، وكلم ربك تعالى كثيراً ، لعل قلبك يرى الله تعالى .."
· تهذيب الأخلاق .. والبعد عن قساوة القلب ..وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاتكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وأن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي " . ( رواه الترمذي والبيهقي )
· التمكن من عبادة التفكر والاعتبار .. وقد وصف الإمام الغزالي حالة من التفكر فوق مستوى الوعي العادي واليقظة !!.. يستطيع المرء أن يدرك فيها مالا يدركه العقل وحواسه في الحالات العادية .
· لذة المناجاة .. حيث يقول الإمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين" عن آراء بعض الأولياء والصالحين : "أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة" .. وقال بعضهم أيضاً .. : "لذة المناجاة ليست من الدنيا ، وإنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه ، لايجدها سواهم" .
· محاسبة النفس ومعاتبتها .. قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" ( سورة الحشر 18) .. وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة محاسبة النفس على ما مضى من أعمال .. وان يلوم الإنسان نفسه إذا أخطأت .. وأن يذكرها بطريق الصواب والهداية: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ( سورة الذاريات 55).
وهكذا .. فإن الخلوة تتيح للإنسان الابتعاد المؤقت عن عالم الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب مشاكله وهمومه .. ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه .. ويشحن قواه المعنوية .. ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات .. واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه. أضافة إلى تجديد صلته بربه وتوثيقها.. وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها لا تستحق كل هذا ا لعناء وأن الإنسان يستطيع أن ينجو منها عندما يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأملاته.

*****

والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتى – وجميعها عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعالات الفرد وسلوكه.
ولقد ثبت بالعديد من الأدلة التجريبية والإكلينيكية أن العوامل الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور والاستنتاج والتوقع تتصل وتؤثر فورًا على مراكز الانفعال بالدماغ التى تفرز بالتالى عددًا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له.
ومن هرمونات التوتر المعروفة هرمون الادرينالين الذى يؤدى افرازه إلى توتر العضلات وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس، واتساع حدقة العين، ونقل كميات كبيرة من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز الأنفعال تحت تأثير العوامل الفكرية المخيفة والمهدده، ويصاحب هذه التغيرات أيضًا تعطل عمليات الهضم واضطراب افراز العصارات المعدية والمعوية.
ولا يشترط لحدوث التغيرات الجسمانية الانفعالية المذكورة وجود خطر حقيقى أو معركة فعليه بل أنها تحدث أيضا بدرجة أقل ولكن لفترات أطول فى حالة انشغال الفرد بعوامل فكرية سلبية لفترات طويلة فالشخص الذى يتوقع الخطر أو الذى يقلق ويضطرب نتيجة أفكاره ومبالغاته الانفعالية ومخاوفه غير الواقعية، كذلك الذى يقول لنفسه عبارات سلبيه متشائمة انهزامية مثل (أنا فاشل) أو (أنا غير مقبول) أو (لا يمكن أن أنجح) .. إلخ، كل هؤلاء يعانون من التوتر المستمر والتغيرات الجسمانية الانفعاليه إلى جانب الصراع النفسى وأعراض الاضطرابات النفسية المختلفة. ولقد أثبتت تجارب "دولارد" "وميللر" وغيرهما أن الإنسان إذا فكر أو تخيل أو توقع شيئًا مخيفًا فأنه يخاف بالفعل وأن أعراض الخوف النفسية والجسمانية تبدأ بالظهور عليه بعد دقائق معدودة، وقد أمكن تسجيلها بأجهزة دقيقة مما يثبت أننا عندما نفكر أو نتخيل بطريقة خاطئة تتغير حالتنا النفسية وقدراتنا الذهنية وجميع وظائف أجسامنا دون أن ندرى. لذلك فأن الشخص إذا استطاع خلال جلسات الخلوة أن يستبدل العبارات السلبية الانهزامية التى يقولها لنفسه طوال الوقت بأخرى إيجابية متفاءله، وإذا استطاع أن يأمر ذهنه بطرد كل فكرة سلبيه خاطئة تدعو إلى الخوف وهزيمة الذات فإن ذلك سوف يخفض من إثارة مراكز الانفعال ويحمى الفرد من عواقب السلوك الانفعالى واضرارة.
وتساعد الخلوة العلاجية الشخص على التدريب على ضبط الانتباه والتحكم فيه.. وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب الفرد قدرة أكبر على طرد الأفكار الهدامة وتحويل انتباهه وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء والسكينة مثل ذكر الله أو الدعاء.
وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلى عن التفكير السلبى والاندماج القهرى فى الأفكار والمواقف المؤلمة.
كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة التهيؤ الذهنى.. بالتركيز على موضوع إيجابى مرغوب بوضعه فى بؤرة الوعى والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب يماثل التسميع الذاتى الذى يستخدمه الطلاب لإبقاء معلومة معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة. ويرى بعض علماء النفس أن أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة بتكرار تركيز الانتباه والتهيؤ الذهنى وحصر التفكير فيما يريد ذلك الشخص إنجازه.

*****

وتلتقي فكرة الخلوة العلاجية وتتفق مع آراء بعض علماء العلاج النفسي الحديث، فيرى "كارل روجرز" أن قدرات الإنسان على تنمية ذاته وتوجيهها حقيقة ممكنة نظريًا وعمليًا، وأن الإنسان يستطيع تعديل سلوكه بإتباع أسلوب علمي منظم، كما يرى "آرون بيك" مؤسس مدرسة العلاج النفسي المعرفي أن أسباب أي اضطراب نفسي تكون نتاج عوامل فكرية يمكن تعديلها وأن أي اضطراب نفسي تسبقه غالبًا أفكار مشوهة انهزامية أو معتقدات ووجهات نظر خاطئة تسبب لذلك الشخص الشقاء والهزيمة الذاتية.
ويعتقد "ألبرت إليس" مؤسس مدرسة العلاج العقلاني الانفعالي أن الإنسان إذا تخلى عن معتقداته الخاطئة وإذا خلص ذهنه من الأفكار الخاطئة ومن أساليب التفكير المتحيزة غير العقلانية مثل التعميم الخاطئ والتطرف فى الحكم والتعصب وجمود التفكير والمبالغة استطاع أن يتخلص من كثير من مشاكله الانفعالية.
ونلتقي فكرة الخلوة العلاجية أيضًا مع أراء عدد من مشاهير علماء النفس السلوكي أمثال "كوتلا" و"سالتر" و"باندورا" فى أن الاسترخاء – وهو أحد العوامل الهامة فى جلسات الخلوة العلاجية – يغير من طريقة إدراك الشخص للبيئة ويجعلها أقل تهديدًا، كما أنه يخفض فورًا من النشاط الانفعالي المصاحب للتوتر العضلي.
كذلك يعتبر علاج الخلوة تأكيدًا لأهمية الدين فى العلاج النفسي حيث نشرت فى الفترة الأخيرة العديد من الدراسات في هذا المجال نذكر منها دراسات "لانرت" التي نشرت في مجلة علم النفس الإنساني عن أثر الإيمان والاعتقاد الديني في حياة الإنسان وصحته النفسية والذي أكد فيها ضرورة اهتمام الأطباء والأخصائيين النفسيين بهذا الجانب وعدم إهماله أو تجاهله.. أما "هارولد كونج" من جامعة ميسوري الأمريكية فقد أثبت من خلال عدة دراسات أثر الإيمان فى شفاء عدة أمراض نفسية وعضوية أيضًا خاصة دورة فى علاج الاكتئاب فى المسنين.. كما أثبت أن الارتباط بالدين وأداء الشعائر الدينية يزيد من عمر الإنسان حوالي سبع سنوات فى المتوسط.. وعلل ذلك بعدة احتمالات منها استمرار الحياة الزوجية المتوافقة وعدم اللجوء إلى الخمر والمخدرات وعدم الدخول فى علاقات شاذة غير شرعية.
تبدأ جلسة الخلوة العلاجية بإعداد وتجهيز المكان الملائم .. والذي يجب أن يتصف بالهدوء وعدم وجود ما يشتت الانتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو مذياع وخلافه .. وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح.. ومنضدة.. وساعة لتحديد الوقت.. ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل الأفكار والملاحظات.. ويفضل إغلاق جرس التليفون .
كما يجب أن يكون المكان مريحاً نظيفاً.. ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو النباتات.
ومدة جلسة الخلوة 30 دقيقة.. يوميا أو 3 مرات أسبوعيًا ويقسم وقت الجلسة على خطواتها الثلاث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي 10 دقائق تقريبًا.. ولكي يحقق الفرد التحسن المرغوب والتغير الإيجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس الخلوة العلاجية لمدة 3 شهور على الأقل. ولا تتعارض جلسة الخلوة العلاجية مع تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو الاكتئاب إلا إذا كان الشخص فى حالة تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير.
ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن تؤدى أيضًا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه الشروط جميعًا.. بل أن البعض استطاع أن يحقق فائدة جيدة من ممارسة الخطوة الأولى فقط من خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت المذكور.
ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العلاجية كالآتي:
الخطوة الأولى: " الخروج من الدوامة "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- الخروج الفورى من التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة بالاسترخاء والتنفس العميق ببطء.. ولمدة خمس دقائق تقريبًا.
‌ب- الخروج أيضًا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية والذهنية بأن يصدر الشخص الأوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع الأفكار الانهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو تصور مكروه أو مزعج أو مخيف.
‌ج- إصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو (مع تكرار الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التى تدعو لذلك).أو
الخطوة الثانية : " التأمل والتشبع بالرضا "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم الذى وهبه الله أياها.. وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم.
‌ب- أن يكرر وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله".
الخطوة الثالثة: " شحن وتوجيه الإرادة "
وتهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ- تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جملاً وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة والأمل.
‌ب- إعادة صياغة الأهداف وخطوات تحقيقها... ويمكن أن يسجل الهدف المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة تجعله يركز دائمًا على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية وأن يراعى التدرج والاستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف وان يستعين بالدعاء وطلب العون والمدد من الله تعالى.
‌ج- كذلك فان الخلوة العلاجية تمثل فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى وتأمل آيات كتابه العظيم وأحاديث رسوله الكريم.

*****

وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية.. فالخطوة الأولى تخفض درجة التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس الشعور بالرضا.. والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من التحرر من الشحنات الانفعالية.. فتتحسن القدرات الذهنية وتزداد القدرة على التركيز والأداء الذهني والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة والإرادة لإنجاز الأهداف المرغوبة.