يروى متحف الحضارة والفنون الإسلامية برقادة فى محافظة القيروان، وسط تونس، تاريخ الحضارة الإسلامية فى هذا البلد من خلال تدوينات تاريخية وأثرية للفتح الإسلامى وطريقة الحياة فى ظل الحضارة الإسلامية.

ووضعت فى مدخل المتحف لوحة كبيرة تسجل التسلسل التاريخى للدول التى حكمت تونس، وبالتالى القيروان، التى كانت تتمتع بمركزية خاصة جمعت فى فترات عدة بين المركزية السياسية والاقتصادية والثقافية لهذا البلد، فالفترة العباسية على سبيل المثال انطلقت منذ 132 للهجرة 750 م وآخر والى عباسى هو تمام بن تميم التميمى فى 183 للهجرة، الموافق لعام 779 للميلاد.

ويتكون متحف رقادة (وهو قصر قديم) من طابقين، ويلاحظ الزائر وجود مجسم خشبى لجامع عقبة بن نافع، إحدى روائع العمارة الإسلامية فى التاريخ، وقد قسم إلى قسمين، قسم مغطى ويشمل المصلى والصحن المسقوف، والقسم الآخر من الجامع وهو الصحن والأروقة المحاذية له.
كما يجد الزائر صورا ومجسمات طواقى محاربين نصف كروية الشكل تعلو اللوحات الرخامية للمحاربين وهى مصنوعة من الخشب المدهون وتتكون من صفائح معشقة على طريقة أعواد المراكب البحرية، وهى قادمة من ساحل العاج، مما يكشف عن حركة تجارية نشطة بين المسلمين القدامى والأفارقة.
وتتميز الطواقى بزخارفها الفنية البديعة المشتملة على تشابيك متعانقة تنبثق منها أوراق خماسية وعناقيد مذنبة ومذهبة وتعود للقرن الثالث الهجري.
كما نجد لوحات رخامية بيضاء مكتوب عليها آيات قرآنية بالخط الكوفي، وهى تجسد الإبداع الإسلامى فى مجال الخط.
وهنالك العديد من الأوانى والمكاييل ولوحات الخزف والقوارير وأوانى الزجاج التى عثر عليها فى حفريات قرب رقادة وصبرة المنصورية (إحدى ضواحى القيروان)، وتعود للقرنين الرابع والخامس للهجرة وتتميز بألوانها الزاهية إلى جانب خارف وتماثيل حيوانية تعود للقرنين الرابع والخامس الهجري، العاشر والحادى عشر الميلادى.
الأوانى الفخارية الموجودة بالمتحف رائعة التصميم والجمال مما يؤكد الذوق الرفيع لصناعها، وهى أوانى للطعام والشراب تعود للعصر الأغلبي، ومكتوب وسطها "الملك لله" وهو شعار دولة الأغالبة (سلالة عربية حكمت تونس وشرق الجزائر وغرب ليبيا فى الفترة بين عامى 800 و909 ميلادية).
كما توجد مربعات الخزف المستورد من أزمير التركية ويعود للقرنين العاشر والحادى عشر الميلادى كما أن هناك مربعات الزجاج من صنع القلالين فى تونس، وهى مربعات الخزف المعدنى التى يزدان بها حاليا محراب جامع عقبة بالقيروان وهى تقنية إسلامية بحتة، وهى تقنية تجعل من المربعات التى تعود للقرنين الثالث والرابع للهجرة أى بعد مرور نحو 10 قرون تحافظ على لمعانها، وهى مربعات نادرة الوجود.
ويوجد بالمتحف أيضا مجموعة صور لبعض المدن التونسية العتيقة كالمنستير وسوسة والقيروان، وكذلك مجموعة من النقائش الجنائزية ،أو ما يعرف بشواهد القبور، وألواح خشبية مزخرفة، ومصابيح برونزية ومشاكى (جمع مشكاة) منها مشكاة المعز بن باديس (424- 443 ه) ومحابر من الجص، ونقوش على الرخام بخط كوفي، ويعود للقرن الخامس للهجرة، فى نفس المكان مجموعة من الموازين، والنقود القديمة التى عرفتها تونس فى العهود السابقة بما فى ذلك العهدين الأموى والعباسي، ومركزية القيروان فى صك العملة.

وإلى جانب قطع النقود نجد اسم الأمير الذى ضربت فى عهده، من الأغالبة حتى نهاية الدولة الحسينية، ونجد أن الدينار ذهبى والدرهم فضى والفلس من البرونز.

ومن ذلك مجموعة النقود التى ضربت فى الدولة الفاطمية وخاصة فى عهد المعز لدين الله الفاطمى، والإمارة الصنهاجية، وخاصة زمن المعز بن باديس وهى مجموعة كبيرة للغاية وجدت أثناء الحفريات، التى جرت فى فترات سابقة قرب القيروان، ومن ذلك دنانير تعود للعهد الزيرى، وأخرى إلى العهد الحفصى، وكذلك للعهود الأغلبية والفاطمية.

وكان بالمتحف الكثير من الحلى لكن القائمين على المتحف فضلوا عدم عرضها نظرا للأوضاع الأمنية التى سادت تونس فى أعقاب ثورة 14 يناير.

وقد أثار غياب الحلى من متحف "رقادة" الكثير من الأسئلة حول ظاهرة سرقة الآثار من الدول الإسلامية، ففى السنوات الماضية هزت الأوساط التونسية أنباء حول سرقة مخطوطات الرق الأزرق، وهى مخطوطات قرآنية كتبت على جلود الغزلان وهى اتهامات ظلت تتداول منذ القرن التاسع عشر.
وتوجد فى المتحف نماذج من الرق الأزرق إلى جانب أدوات طبية وصيديلة تعود للقرن الرابع والخامس للهجرة العاشر والحادى عشر الميلادى، ومشكاة برونزية وتماثيل.
وقال الباحث فى الآثار ومدير المتحف زهير الشهايبى"القيروان تحتوى على مجموعات كبيرة من المصاحف المكتوبة على جلود الغزلان أو ما يطلق عليها الرق الأزرق وتعود إلى القرون الأولى للإسلام".
وتابع "المتحف يضم أيضا مجموعات من المصاحف بالخط الكوفي، ومجموعة أخرى مكتوبة بماء الذهب، والزخرفة بماء الذهب"، وتوجد المصاحف التاريخية بالجزء العلوى من المتحف، ومن بينها ورقتان من مصحف المعز بن باديس ونمنمات، ومخطوطات القيروان.
كما يضم المتحف كذلك مصحفا مبطنا بوثيقة عبرية تعود إلى أواخر القرن العاشر الميلادى.