يحتفل المواطنون الصينيون اليوم "الخميس" بعيد "كعك القمر" والذى يطلق عليه "عيد منتصف الخريف" أو ما يعرف بالصينية بعيد "تشونج تشيو"، ويتزامن معه فعاليات أهمها لعب الأطفال بالفوانيس الملونة، وتقديم الهدايا والتقارب بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يحرص الكثير من الصينيين إلى التوجه إلى قراهم البعيدة عن مقر أعمالهم للتجمع مع الأباء والأمهات والأجداد والجيران، وهؤلاء عادة لايأتون بأيدى خاوية، بل جرت العادة أن يحملوا معهم "كعك القمر" وهى الحلوى التقليدية لهذا العيد.

وتتميز ثقافة عيد منتصف الخريف بأهمية "لم الشمل"، حيث يعود الأبناء الذين يعيشون بعيدا عن أهلهم فى ذلك التوقيت الإستثنائى بالضبط إلى البيت، ويجتمعون مع الأقارب والأصحاب، لتقوية الروابط بينهم وهم يأكلون ويشربون ويمرحون، أما فى الوقت الحالى فقد أصبحت عادات العيد مبتذلة، حيث تحول تقديم الهدايا إلى "عرف الشؤون العامة"، والكثير من الناس أصبح يؤرقهم تقديم الهدايا، وفقدوا متعة الاستراحة والتمتع بالعيد والحرص على التجمع بالأسرة وأصبحت السهرات بالملاهى الليلية والبحث عن التكنولوجيا الجديدة والغناء فى غرف المحاكاة الغنائية "كى تى في" خاصة الشباب من صغار السن، إضافة للتوجهات الحكومية خلال العام الجارى بضرورة التقشف والبعد عن الاحتفالات الباهظة والمكلفة فى كافة مؤسسات الدولة الصينية.

وأشار محللون خبراء فى الشأن الاجتماعى بالصين إلى أن عيد القمر الخريفى لم يعد ذلك العيد الذى فى ذاكرة الصينيين ولا "كعك القمر ذى الأسعار العالية" يمكنه أن يجعل المواطن الصينى يتذوق المعنى الحقيقى لثقافة عيد القمر الخريفى من جديد، بل بالعكس نظرا للمتاجرة المفرطة بهذا العيد خلال السنوات الماضية، والشعور أنه خلف علب الحلويات الفاخرة رائحة (الاستغلال والفساد)، أما التقاليد التى توارثها الشعب الصينى لآلاف السينين، فقد فقدت طعمها وحياتها بعد أن غيرت شكلها، وتحولت إلى أشياء بعيدة عن العراقة والأصالة الصينية، فى مواجهة مصاعب الأزمات الاقتصادية والتقشف.

واستطردوا بالقول إنه فى الحقيقة، نفس هذه الأزمة تواجهها بقية الأعياد التقليدية أيضا فى الصين فمن جهة، أصبحت الأعياد التقليدية تفقد جماليتها شيئا فشيئا، وخاصة بالنسبة للشباب، الذى أصبحت الأعياد التقليدية بالنسبة له مجرد بعض أيام عطلة وامتيازات توفرها مؤسسة العمل، ومن جهة أخرى، أصبح ضغط العلاقات الإنسانية، وتقديم الهدايا للشخصيات الكبيرة ورؤساء العمل، يجعل قدوم العيد يتحول إلى كابوس ومصدر للتعب للكثير من الناس.

وأشار محللون صينيون إلى أهمية معالجة أزمة توارث ثقافة الأعياد، وهو لا يعنى تغيير الوضع الحالى، بل ان اجتثاث ما يوصف "بمرض الأعياد" المتمثل فى اللامبالاة والاستغلال، إضافة لابتكار تقاليد جديدة للاحتفال بالأعياد، وهناك أمثلة جيدة خلال عطلة عيد القمر الخريفى والعيد الوطنى لهذا العام، حيث تسمح السلطات الصينية للسيارات الشعبية للمواطنين من السير على الطرق السريعة بدون دفع رسوم المرور بهذه الطرق، كما تخفضت العديد من المناطق الطبيعية والمنتزهات فى أسعار تذاكر الدخول، وهذه الترتيبات قد تعيد الترابط الأسرى والاجتماعى وتساعد على لم شمل الأسرة والعائلات، وتجعل عيد القمر الخريفى الحالى يشبه ذلك العيد التقليدى الذى يتذكره الآباء والأجداد.

ومن مظاهر العيد فى بعض المدن الصينية الذى يتزامن عادة مع اكتمال القمر، فقد نظمت مدينة لانتشو التابعة لمقاطعة قانسو شمال غرب الصين نشاطا ترويجيا لكعك القمر، العلامة المميزة للعيد، حيث جهزت كرة عملاقة على شكل قمر مكتمل جذب انتباه الجماهير، ووصل قطر "القمر" الموجود فى ميدان دونج فانج، وتم إضاءته اليوم، إلى 15 مترا وهو ما يعادل ارتفاع مبنى مكون من خمسة طوابق.

من جهتها أقامت بلدة دينجآن التابعة لمقاطعة هاينان جنوبى الصين نشاطا ترويجيا لكعك القمر "العلامة المميزة للعيد" حيث أعدت "كعكة قمر كبيرة" تزن 2.64 طن، جذبت انتباه الجماهير، ووصل قطر الكعكة الضخمة إلى 3.28 متر، وسمكها 33 سنتيمترا، وأستغرق إعدادها عشرة أيام بمشاركة عشرة طهاة، واستخدمت فيها 250 كيلوجراما من الطحين، و125 كيلوجراما من السكر، وأكثر من 2000 كيلوجرام من الحشوات والمكسرات حيث تم تقطيعها وتوزيعها مجانا على الجماهير خلال مظاهر الاحتفالات التى تقام على مدار اليوم.