بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيد الأولين والآخرين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد
فإن مفهومي النصر والرزق من المفاهيم الواسعة، التي تتحكم في جوانب جوهرية في حياتنا، وذلك رغم عدم عناية المسلمين بفهم قواعدها والعزوف عن طلب أسبابها، ظنا منهم بأنها لا تمسهم أو لا تعنيهم.
والحقيقة أن لهذين المفهومين أبعد الأثر في حياتنا اليومية، إذ لا يقتصر مفهوم النصر على خطوط القتال مع العدو، بل إنه يمتد ليشمل الكثير من المواقف التي تواجهنا كل يوم، في الحي والمدرسة والجامعة والسوق إلخ، فالنصر ما هو إلا الوصول إلى المراد، والتغلب على الخصوم والمنافسين.
وبالمثل، فإن الرزق لا يقتصر على الحصول على المال، بل هو يشمل كل ميزة يسعد بها الإنسان كالزوجة والذرية الصالحة، والمسكن الواسع المريح، والمركب وغير ذلك مما يتمنى المرء من متاع الدنيا، وهو أيضا يمتد ليشمل الميزات الدينية، كأن يدعو أحدنا بأن يرزقه الله الحج أو الشهادة أو الذكر أوقيام الليل ونحو ذلك.
باختصار، إنك إذا دققت النظر في ما يفعله كل منا منذ أن يستيقظ وحتى آخر لحظة في يومه، فإن تفكيره وهمه وجهوده تكاد لا تخرج عن السعي وراء هاتين الفكرتين، النصر والرزق،
ولذلك، فإنه ليس منا إلا وهو معني بالقواعد التي تحدد من سينصر ومن سيرزق، ولعمري، فإن شبح الفشل حقيق بأن يدفع كل منا لأن يطلب حثيثا كل ما يتصل بأسرار وخفايا هاتين الركيزتين الأساسيتين في حياة كل منا.
لاشك أن الناس اعتنوا وتعارفوا على قواعد وأسباب، سلموا وآمنوا بها، مثل : العمل الدؤوب والاجتهاد،التعلم، السفر، إلخ.. ولكن المتأمل الممعن في النظر سرعان ما يكتشف أن هذه القواعد رغم تسليم الناس بها وتعارفهم عليها - غير دقيقة وغير واقعية، فكم من ساع كادح مجتهد لم ينل ما يكافئ سعيه واجتهاده، وكم من خامل أتته الدنيا بحذافيرها نحوه تسعى، وليست هذه دعوة للكسل أو التواكل- إذ أن العمل وأداء الرسالة واجب على كل مسلم - ولكنها دعوة لتأييد هذا العمل وتعزيزه بأسباب نجاحه والوصول لهدفه.
في الصفحات القليلة القادمة سنتناول عينة من النصوص الإسلامية التي أرست بعض القواعد في هذا الشأن، وما يميز هذه القواعد أنها غير مقيدة بمكان أو زمان أو ظرف، فالقواعد التي حكمت انتصار المسلمين في معاركهم، هي التي تحكم تفوق الطالب في جامعته، وتغلب التاجر على منافسيه وهكذا، وأوصي إخواني وأخواتي أن تكون قراءة هذه الصفحات ما هي إلا الخطوة الأولى في هذه الرحلة الواجبة والجوهرية في حياة كل منا، رحلة البحث عن الأسباب الحقيقية للنصر والرزق، ومحاولة فهم الأسرار الخفية التي أودعها الله في هذا الكون، ورهن بها النجاح وبلوغ الأهداف، والله الموفق.
أولا: الضعفاء
عن أبي الدَّرداءِ قال: سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم يقول: (ابغُوني في ضعفائِكُمْ، فإنَّما ترزقُونَ وتُنصرونَ بضعفائِكُم) . رواه الحاكم والترمذي وقال: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
والقاعدة التي يقررها الحديث الشريف يمكن قراءتها كما يلي:
إن مدى نجاح أي جماعة أو فرد، في تغلبه على منافسيه وتحقيقه أهدافه، يتوقف على موقفه من الشريحة المستضعفة في محيطه (أسرته، مكان عمله، مدينته، دولته، أو العالم بأسره)، ودوره تجاه هذه الشريحة، نصرا أو خذلانا، بخلا أو إنفاقا، إساءة أو إحسانا.
وهذه القاعدة تطبق على الأفراد كما تطبق على الكيانات والجماعات، كالدول والشعوب والأمم.
وكمثال على القاعدة السابقة، اخترت لأحبتي القصة التالية، والتي حصلت في سنة ست وخمسين وأربعمائة (ه) حيث اعتمد السلطان ألب أرسلان في الوزارة على نظام الملك، وكان وزير صدق يكرم العلماء والفقراء. ولما عصى الملك شهاب الدولة قتلمش وخرج عن الطاعة وأراد أخذ ألب أرسلان خاف منه ألب أرسلان فقال له الوزير: أيها الملك لا تخف فإني قد استدمت لك جندا ما بارزوا عسكرا إلا كسروه كائنا ما كان. قال له الملك: من هم؟ قال جند يدعون لك وينصرونك بالتوجه في صلواتهم وخلواتهم وهم العلماء والفقراء الصلحاء. فطابت نفس الملك بذلك فحين التقى مع قتلمش لم ينظره أن كسره وقتل خلقا من جنوده وقتل قتلمش في المعركة واجتمعت الكلمة على ألب أرسلان.
(
عن البداية والنهاية لابن كثير)
ومن النصوص التي تقترب في معناها من هذه القاعدة أيضا: قوله " كما تكونوا يولى عليكم".

ثانيا: التسديد هو الفيصل
استتماما لما ورد في المقدمة، فإن العبرة في الوصول للهدف إنما يكون بالتسديد لا بالمشقة، إذ أن أقل الأفعال إن كانت مسددة كافية لإيصال الساعي إلى هدفه، وبالعكس فإن كثرة المشقة لا تغني في غياب التسديد شيئا.
وكي نوضح هذه الفكرة نتذكر صورة التاجر الذي يمضي بضعة دقائق يوميا لإنجاز صفقات ناجحة عبر الهاتف والانترنت، ونقارنها بصورة التاجر أو العامل الذي يمضي كل يومه في المشقة وتكون حصيلة جهده المزيد من الخسارة. فرق كبير بين الجهدين، والفيصل دائما هو التسديد، كما أترك لكل قارئ أن يستوحي من محيطه ومجتمعه أمثلة أخرى لذلك كله. ويمكن أن نقول أن التسديد ما هو إلا إرشاد الله تعالى عبده للفعل المناسب في المكان المناسب في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة.
لقد كان لفكرة التسديد القول الفصل عبر العصور في حسم مختلف القضايا، ولو عدنا للمعارك الإسلامية في صدر الإسلام، لوجدنا أن المسلمين لم ينتصروا بعدد أو عدة على أهمية إعداد العدة ولكن الظروف المحيطة كان لها أبلغ الأثر في حسم المعارك، وهذه القاعدة تطبق على الطالب في جامعته، والتاجر في متجره وهكذا.
والحديث عن التسديد لا يقتصر على السعي الدنيوي، بل ينطبق يمتد ليشمل السعي الديني أيضا، فقد أخبرت السنة الشريفة أن الرجل "ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع، فيسبق عليه كتابه، فيعمل بعمل أهل النار، ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة". (رواه البخاري). فالتسديد مطلوب، وقال(ص): قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: "ألا أنبئُكمْ بخيرِ أعمالكُمْ وأزكاهَا عندَ مليكِكُمْ وأرفعها في درجاتكمْ وخير لكمْ مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورقِ وخيرٍ لكم من أنْ تلقُوا عدوَّكمْ فتضربُوا أعناقهُم ويضربوا أعناقكُم؟ قَالَوا بلى، قَالَ ذِكرُ اللَّهِ" رواه الترمذي. وهو دليل على أن قيمة الأعمال لا تقاس بالمشقة بل بماهية هذه الأعمال، إذ أن الذكر أسهل من الجهاد إلا أن النبي (ص) أخبر أن الذكر خير وأزكى وأرفع في الدرجة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال تعالى:{وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ * وَالنّهَارِ إِذَا تَجَلّىَ * وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ والأنثى * إِنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّىَ * فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّىَ * إِنّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىَ * وَإِنّ لَنَا للآخرة والأولى * فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظّىَ * لاَ يصلاها إِلاّ الأشْقَى * الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّىَ * وَسَيُجَنّبُهَا الأتْقَى * الذي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكّىَ }. الليل (1-18)
صدق الله العظيم
القاعدة التي تقررها السورة الكريمة السابقة:
يختلف الناس في مساعيهم، إلا أن مدى نجاح الأفراد والجماعات في بلوغها أهدافها - على اختلافها يتحدد بمعيار رئيسي هو مقدار عطائهم (إنفاقهم).
ولعل من أكثر النصوص تكاملا ًمع السورة الكريمة، ما رواه ابن ماجة في سننه عن عَن جابر بْن عَبْد اللّه أنه قَالَ: خطبنا رَسُول اللَّهِ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمْ فقال ((أيها الناس! توبوا إلى اللَّه قبل ان تموتوا. وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا. وصلوا الذي بينه وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا)).
فالإنفاق والذكر هما جناحا الإنسان في رحلته نحو السعادة والنجاح.
وأهم وجوه الإنفاق:
ذوي القربى.
اليتامى.
المساكين.
ابن السبيل.
الجار.
الصاحب.
السائل.
بناء المساجد.
نشر العلم.
مساعدة الضعفاء وذوي الاحتياجات الخاصة.
المشاريع الخيرية والصحية.
الصلحاء والعلماء.
وأما أهم وجوه الذكر فهي:
أفضل الذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.
الاستغفار.
التسبيح (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
الحمد.
الصلاة على النبي (ص).
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تلاوة القرآن.
أذكار الصباح والمساء.
(
ذكرت السورة الكريمة معيارين آخرين إضافة للعطاء، وهما "اتقى" و"صدق بالحسنى"، وهما لا يخرجان عن معنى العطاء بل يندرجان تحته على النحو التالي:
أما "اتقى" فقد عرفت الآية 19 من نفس السورة الأتقى بأنه "الذي يؤتي ماله يتزكى"، كما أن الآية 11 من نفس السورة بينت أن موضوع الآيات السابقة ينحصر في المال وحده دون غيره، وأخيرا فإن الواو في مستهل الآية الثامنة قد عطفت ثلاث معكوسات على بعضها "أعطى ،بخل" "صدق بالحسنى ،كذب بالحسنى""اتقى ، استغنى"، فدل على أن اتقى في هذه الآية هي فعل الاتقاء وأما عكس فعل "اتقى، "تقوى" هو "عصى" وليس "استغنى"، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما "صدق بالحسنى"، قال الطبري في تفسيره: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلف من الله, على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه. فعن ابن عباس: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: أيقن بالخلف.و عن عكرِمة فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالخلف.وكذا عن مجاهد: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال بالخلف.
وكذا في تفسير ابن كثير والقرطبي. والله تعالى أعلم وهو سبحانه يهدي السبيل).
وقوله (ص): "أيها الناس"، بيان بأن الخطاب موجه إلى كل الناس، مسلمين كانوا أو غير مسلمين، ولذلك دلالة سوف نتحدث عنها في القاعدة التالية.
خامسا
: الاستخلاف والاستبدال

المقصود بالاستخلاف: هو انتقاء فرد أو جماعة ليتولوا تكليفا أو ميزة معينة (أرض، ثروة، رسالة، إلخ)، فهو خليفة أو مستخلف، قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً". البقرة الآية (30).
أما الاستبدال - فهو عكس الاستخلاف - أي: انتزاع هذه الميزة أو التكليف من الخليفة الأصل واستخلاف آخر عليه.
ومنذ الأزل كانت عناصر بشرية معينة، جماعات أو أفراد، تتولى التحكم في أرجاء معينة من الأرض، تتمتع بسلطة عليها، أو تمتلك ميزة معينة (ثروة، علم، رسالة . . إلخ) ، ثم تأتي أقوام أخرى تزيحهم عن ميزتهم وتبادرها بدلا عنهم، بل إن التاريخ الإنساني في مفهومه ليس إلا جماع هذا التجاذب والتبادل في الأدوار، وهذا الصعود والنزول غير المتوقف وغير المنتهي إلا بانتهاء الوجود البشري وتوقفه. وإن وجود نصوص تنظم هذا التداول أو تضع المعايير له، لخليقة بأن يهتم الباحث بها أو أن يبذل في فهمها شيئا من وقته، حيث أن فهمها سيكون له أبلغ الأثر في تحديد مصيره أو مصير من حوله.
قال تعالى: {هَا أَنتُمْ هََؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَمِنكُم مّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنّمَا يَبْخَلُ عَن نّفْسِهِ وَاللّهُ الْغَنِيّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمّ لاَ يَكُونُوَاْ أَمْثَالَكُم }.محمد (ص) الآية (38).
والقاعدة التي تقررها الآية، يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
أن الإنفاق في سبيل الله (أي الإنفاق في الأوجه التي شرعها الله والتي حددتها الآية الكريمة: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ } البقرة الآية 215.، هو من أهم المعايير التي أرساها ربنا لحركة الاستخلاف والاستبدال.
أن هذا المعيار مستقل عن المعايير الأخرى التي جاءت بها الشرائع (كالإيمان والصلاة الصوم ...)، ويتجلى هذا الاستقلال في صورتين:
أن وجود الإنفاق كافٍ للاستخلاف حتى في غياب الأوجه الأخرى.وذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم, قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال بصلتهم لأرحامهم))، أي أن الجوانب العقائدية ليست شرطاً لقطف ثمرة الأعمال الصالحة في الحياة الدنيا حتى وإن أتت من أقوام غير مؤمنة أصلا.
أن غياب الإنفاق يؤدي للاستبدال حتى في حال وجود الخصال الأخرى وكمالها، أي حتى ولو أتى من أقوام عابدة ومؤمنة، وهو ما يؤيده السياق الذي أتت به الآية الكريمة والآيات السابقة لها{إِنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ }. محمد (ص)الآيات 36-37.، كما تؤيده الآية الكريمة:{وَأَنْفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } 195 البقرة، فقد جاء في تفسير ابن كثير : عن ابن عباس, في قوله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}, قال: ليس ذلك في القتال, إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله ولا تلق بيدك إلى التهلكة, قال حماد بن سلمة: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم, فأصابتهم سنة فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله, فنزلت: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقال الحسن البصري {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو البخل.وجاء في تفسير الطبري: أن الأنصار كان احتبس عليهم بعض الرزق, وكانوا قد أنفقوا نفقات, قال: فساء ظنهم وأمسكوا. قال: فأنزل الله: وأنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا تُلْقُوا بِأيْدِيكُمْ إلى التّهْلُكَةِ قال: وكانت التهلكة سوء ظنهم وإمساكهم. وعن مجاهد في قول الله: وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التّهْلُكَة قال: تمنعكم نفقةً في حقَ خيفةُ العَيْلة. وعن عكرمة في قوله: وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التّهْلُكَة قال: لما أمر الله بالنفقة فكانوا أو بعضهم يقولون: ننفق فيذهب مالنا ولا يبقى لنا شيء, قال: فقال أنفقوا ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة, قال: أنفقوا وأنا أرزقكم. وعن الحسن في التهلكة, قال: أمرهم الله بالنفقة في سبيل الله, وأخبرهم أن ترك النفقة في سبيل الله التهلكة.
نصوص متفرقة ذات صلة
:

عن علي ابن أبي طالب (رض) قال: يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في خير ، عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة ، فلا يرى نفسه للخير أهلا ، فلو كان لا يرجو ثوابا ولا يخشى عقابا لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق ، فإنها تدل على سبيل النجاح، فقام إليه رجل وقال : فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم. (رواه البيهقي)
حدّثنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ. حدّثنا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ ابْنِ هِلاَلٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ((مَنْ يُحْرِمِ الرِّفْقَ، يُحْرَمِ الْخَيْرَ)).
الخير: لفظ عام لكل ما ينفع الإنسان.