الاسم الحقيقي إيليا ضاهر أبو ماضي1889-1957
محل الميلاد المحيدثة المتن الشمالي - لبنان
سبب الشهرة يأتي ثالثا في شهرته بين شعراء المهجر، بعد جبران ونعيمة..
يزخر شعر أبي ماضي بالتفاؤل والإقبال على الحياة بإسباغ الجمال على البشر والطبيعة، ويستثنى من ذلك درته الشهيرة "الطلاسم" ..
وكمعظم المهجريين يتصف بالجرأة في التعامل مع اللغة ومع القالب العمودي الموروث .
نشأ أبو ماضي في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة؛
فدخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة.
عندما اشتد به الفقر في لبنان، رحل إيليا إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة مع عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ،
وهناك التقى بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة "الزهور" فأعجب بذكائه وعصاميته إعجابا شديدا ودعاه إلى الكتابة بالمجلة، فنشرأولى قصائده بالمجلة، وتوالى نشر أعماله، إلى أن جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم " تذكار الماضي " وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية، وكان أبو ماضي إذ ذاك يبلغ من العمر 22 عاما.
اتجه أبو ماضي إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، فلم يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى أمريكا عام 1912 حيث استقر أولا في مدينة " سنسناتي " بولاية أوهايو حيث أقام فيها مدة أربع سنوات عمل فيها بالتجارة مع أخيه البكر مراد، ثم رحل إلى نيويورك وفي "بروكلين"، شارك في تأسيس الرابطة القلمية في الولايات المتحدة الأمريكية مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة.
أصدر مجلة " السمير" عام 1929م، التي تعد مصدراً أولياً لأدب إيليا أبي ماضي، كما تعد مصدراً أساسياً من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وبخاصة أدباء المهجر الشمالي كثيراً من إنتاجهم الأدبي شعراً ونثراً.
واستمرت في الصدور حتى وفاة الشاعر عام 1957م .
يعتبر إيليا من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره، ولاسيما الشعر الذي قاله في ظل الرابطة القلمية وتأثر فيه بمدرسة جبران.
أهم الأعمال دواوين: (تذكار الماضي)، (إيليا أبو ماضي)، (الجداول)، (الخمائل)، (تبر وتراب)
إحدى روائعه
قصيدة الخلود

غَلِطَ القائِلُ إِناَّ خَالِدُونْ

كُلُّنَا بَعْدَ الرَّدَى هَيُّ بْنُ بَيّ

لَوْ عَرَفْنَا مَا الَّذِي قَبْلَ الْوُجُودْ لَعَرَفْنَا مَا الَّذِي بَعْدَ الْفَنَاءْ

نَحْنُ لَوْ كُنَّا "كَمَا قَالُوا" نَعُودْ لمْ تََخَفْ أَنْفُسُنَا رَيْبَ الْقَضَاءْ

إِنَّمَا الْقوْلُ بِأَنَّا لِلْخُلُودْ فِكْرَةٌ أُوْجَدهَا حُبُّ الْبَقاءْ

نَعْشُقُ الْبُقْْيَا لأَنَّا زَائِلُونْ

وَالأَمَانِي حَيَّةٌ فِي كُلَّ حَيّ

زَعَمُوا الأَرْوَاحَ تَبقى سَرْمَدَا خَدَعُونَا، نَحْنُ وَالشَّمْعُ سَوَاءْ

يَلْبَثُ النُّورُ بِهَا مُتَّقِدَا فَإِذَا مَا احْتَرَقَتْ بَادَ الضِّيَاءْ

أَيْنَ كَانَ النُّورُ؟ أَنَّى وُجِدَا؟ كَيْفَ وَلَّى عِنْدَمَا زَالَ الْبِنَاءْ؟

شَمْعَتِي فِيهَا لِطُلاَّبِ الْيَقِينْ

آيَةُ تَدْفَعُ عَنْهُمْ كُلَّ غَيّ

لَيْسَتْ الرُّوحُ سِوى هَذا الجَسَدْ مَعَهُ جَاءَتْ وَمَعَهُ تَرْجِعُ

لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حِينَ وُجِدْ وَلِذَا حِينَ يَمْضِي تَتْبَعُ

فَمِنَ الزُّورِ الْمُوَشَّى وَالْفَنَدْ قَوْلُنَا:الأَرْوَاحُ لَيْسَتْ تُصْرعُ

تَلْبَثُ الأَفْيَاءُ مَا دَامَ الْغُصُونُ

فَإِذَا مَا ذَهَبَتْ لَمْ يَبقَ فَيّ

لَوْ تَكُونُ الرُّوحُ مَا لا يَضْمَحِلْ مَا جَزِعْنَا كُلَّمَا جِسْمٌ هَمَدْ

لَوْ تَكُونُ الرُّوحُ جِسْماً مُسْتَقِلْ لَرَآهَا مَنْ يَرَى هَذا الْجَسَدْ

كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ عَيْنِ وَظِلْ سَوفَ يَنْحَلُّ كَمَا انْحَلَّ الزَّبَدْ

وَلَئِنْ صَحَّ بِأَنَّا مُنْشَرُونْ

جَازَ أَنْ يَعْقُبَ ذَاكَ النَّشْرَ طَيّ

لَيْتَ مَنْ قَالَ بأَنَّا كَالزُّهُورْ خَبَّرُونَا أَيْنَ تَمْضِي الرَّائِحَةْ

أَتُرَى تَبْقَى كَأَلْحَانِ الدُّهُورْ أَمْ تَلاشَى مِثْلَ أَصْوَاتْ النَّائِحَةْ

لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ خُلْدٍ للْبُذُورْ بَعْدَ أَنْ تُلْقَى بِنَارٍ لافِحَةْ

قُلْ لِمَنْ يَخْبِطُ فِي لَيْلِ الظُّنُونْ

لَيْسَ بَعْدَ الْمَوْتِ للظَّامِئِ رِيّ

مِثْلَمَا يَذْهَبُ لَوْنُ الْوَرَقَةْ عِنْدَمَا تَيْبَسُ فِي الأَرْضِ الأُصُولْ

مِثْلَمَا يُفْقَدُ لَوْنُ الْحَدَقَةْ حِِينَ أُقْضِي، هَكَذا نَفْسِي تَزُولْ

كَتَلاشِي الشَّمْعَةِ الْمُحْتََرِقَةْ تَتَلاشَى بَيْنَ ضِحْكٍ وَعَوِيلْ

أَنَا بَعْدَ الْمَوْتِ شَيْئاً لا أَكُونْ

حَيْثُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيّ

إِيهِ أَبْنَاءَ الثَّرَى نَسْلَ الْقُرُودْ عَلِّلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالتُّرَّهَاتْ

إِلْبَسُوا فِي صَحْوِكِمْ ثَوْبَ الجُمُودْ وَاحْلُمُوا فِي نَوْمِكُمْ بَالْمُعْجِزَاتْ

فَسَيَأْتِي زَمَنٌ غَيْْرَ بَعِيدْ تَتَهَادَى بَيْنَكُمْ فِيهِ أَيَاتْ

وَيَحِلُّ اللَّهُ فِي مَاءٍ وَطِينْ

فَيَرَاهُ الشَّيْخُ والشَّابُّ الأَحَيّ
***********************
المساء


السحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين
و الشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
و البحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك باهتتان في الأفق البعيد
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
سلمى ... بماذا تحلمين ؟
* * *
أرأيت أحلام الطفوله تختفي خلف التّخوم ؟
أم أبصرت عيناك أشباح الكهوله في الغيوم ؟
أم خفت أن يأتي الدّجى الجاني و لا تأتي النجوم ؟
أنا لا أرى ما تلمحين من المشاهد إنّما
أظلالها في ناظريك
تنمّ ، يا سلمى ، عليك
إنّي أراك كسائح في القفر ضلّ عن الطّريق
يرجو صديقاً في الفلاة ، وأين في القفر الصديق
يهوى البروق وضوءها ، و يخاف تخدعه البروق
بل أنت أعظم حيرة من فارس تحت القتام
لا يستطيع الانتصار
و لا يطيق الانكسار
* * *

هذي الهواجس لم تكن مرسومه في مقلتيك
فلقد رأيتك في الضّحى و رأيته في وجنتيك
لكن وجدتك في المساء وضعت رأسك في يديك
و جلست في عينيك ألغاز ، و في النّفس اكتئاب
مثل اكتئاب العاشقين
سلمى ... بماذا تفكّرين ؟
* * *
بالأرض كيف هوت عروش النّور عن هضباتها ؟
أم بالمروج الخضر ساد الصّمت في جنباتها ؟
أم بالعصافير التي تعدو إلى و كناتها ؟
أم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائن كالقرى
و الكوخ كالقصر المكين
و الشّوك مثل الياسمين
* * *
لا فرق عند اللّيل بين النهر و المستنقع
يخفي ابتسامات الطروب كأدمع المتوجّع
إنّ الجمال يغيب مثل القبح تحت البّرقع
لكن لماذا تجزعين على النهار و للدّجى
أحلامه و رغائبه
و سماؤه و كواكبه ؟
* * *
إن كان قد ستر البلاد سهولها ووعورها
لم يسلب الزهر الأريج و لا المياه خريرها
كلا ، و لا منع النّسائم في الفضاء مسيرها
ما زال في الورق الحفيف و في الصّبا أنفاسها
و العندليب صداحه
لا ظفره و جناحه
* * *
فاصغي إلى صوت الجداول جاريات في السّفوح
واستنشقي الأزهار في الجنّات ما دامت تفوح
و تمتّعي بالشّهب في الأفلاك ما دامت تلوح
من قبل أن يأتي زمان كالضّباب أو الدّخان
لا تبصرين به الغدير
و لا يلذّ لك الخرير
* * *
لتكن حياتك كلّها أملا جميلا طيّبا
و لتملإ الأحلام نفسك في الكهولة و الصّبى
مثل الكواكب في السماء و كالأزاهر في الرّبى
ليكن بأمر الحبّ قلبك عالما في ذاته
أزهاره لا تذبل
و نجومه لا تأفل
* * *
مات النهار ابن الصباح فلا تقولي كيف مات
إنّ التأمّل في الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعى الكآبة و الأسى و استرجعي مرح الفتاه
قد كان وجهك في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا
فيه البشاشة و البهاء
ليكن كذلك في المساء