تأمل عزيزي القارئ في أمسك ويومك وسرعة سير عجلة الزمان، التي ما تلبث أن تبدأ يومك إلا تجده قد انتهى...، وتذكر أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه بالعمل الصالح وتنفقه في طاعة الله قطعك، وانتهى أجلك، وانقطع عملك، وتجد نفسك أمام الله إما إلى جنة أو إلى نار -أعاذنا الله وإياكم منها-، ولذلك خاطبنا المولى - عز وجل - في القرآن الكريم؛ لكي ينبهنا إلى ضرورة الإفاقة من هذه الغفلة حباً فينا، وحرصا علينا؛ لنكون من أهل الجنة قال - تعالى -ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق).

تذكروا معي بالأمس القريب كان المسلمون في كل مكان ينتظرون استطلاع رؤية شهر رمضان الكريم، ثم ما لبث أن انقضى منه اليوم ما يقرب من ثلثه، ثم بعد قليل نجد أنفسنا أمام رؤية شهر شوال...، فتجد منا السعيد بالعيد وما أنجزه من الطاعات على مدى الشهر الكريم، وتجد منا من يشعر بالحزن؛ لأنه لم ينجز في رمضان ما كان يتمنى من الطاعات، وفضائل الأعمال، ولكن هيهات هيهات أن تعود عجلة الزمن إلى الخلف لنحقق لأنفسنا ما كنا نتمنى.

وها نحن قبل الحسرة والحزن على فوات فرصة رمضان يظل الأمل، وتظل الفرصة أمامنا سانحة، فهاهو رمضان ما زال بيننا حي ومستمر، ومنحه ما زالت بين أيدينا، فإن كنت ممن لم يحقق ما يرضي طموحه في الطاعة، واغتنام فرص رمضان الكثيرة..، فشمر الآن ودون تسويف إن كان ضاع منك الثلث فأمامك الثلثان؛ لا تضيعهما، وربك كريم يقبل التوبة، والسباق ما زال قائم فلا تتأخر إن ربك ينتظرك تعود إليه فهو يحبك، ويريد أن يأخذ بيديك إليه ليغفر لك، ويعتقك من النيران، ويمنحك الجنة، فأقبل على ربك بقلب المحب المشتاق إلى رحمة ربه، وغفرانه، والعتق من النار كما كان قدوتنا صلاة الله وسلامه عليه رسولنا الكريم، كان يستخدم كل وقته في طاعة الله بين التربية والتعليم وإدخال السرور على أصحابه وأهل بيته، وكل من يلقاه، ويدعو الناس إلى عبادة رب العالمين، فهو بحق صورة من صور تفضل رب العالمين على الناس كآفة قال - تعالى -عن الرسول الكريم: (يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلمهم الكتاب و الحكمة و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

وعلى هذا النهج القويم والهمة العالية في استغلال الوقت سار الرسول - صلى الله عليه وسلم - حتى اكتمل الدين، وقويت شوكة المسلمين، وكانت لهم الدولة، وأصبحوا في قوة بعد ضعف، وفي كثرة بعد قلة، وفي عزة بعد ذلة قال - تعالى -: (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [سورة الأنفال:26]

و أخيراً...

نتواصى جميعاً بحسن استغلال الأوقات، والصبر على الطاعات؛ طلباً لمحبة الله، ونلتقي بأهلنا من هذا النسب الشريف نسب العقيدة الممتد من أعماق التاريخ إلى الآن، في عمل وهمة دون ضعف، أو استكانة مهما كانت صعوبات الطريق قال - تعالى -: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).

تقبل الله صالح أعمالنا، وتجاوز عن عثراتنا، ورزقنا الجنة اللهم آمين