النتائج 1 إلى 10 من 10
الموضوع: أقلام سياسية ...
- 11-09-2006, 12:17 AM #1
أقلام سياسية ...
جولة بلير المستفزة لمشاعرنا
عبد الباري عطوان - القدس العربي .
بعد تسع سنوات من التأييد المطلق لسياسات الادارة الامريكية الدموية في منطقة الشرق الاوسط، وبعد ان لفظته الغالبية من حزبه الحاكم بشكل خاص، والشعب البريطاني بشكل عام، ينطلق توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الي المنطقة العربية اليوم من أجل الدعوة الي عقد مؤتمر للسلام يتناول كيفية ايجاد حلول للقضية الفلسطينية.
بلير يهرب من الضغوط الداخلية التي تطالبه بالاستقالة فورا، ومغادرة المسرح السياسي دون تردد، الي حلفائه من الزعماء العرب الذين كانوا مثله، تابعين دون تردد للادارة الامريكية ومشاركين في كل حروبها الفاشلة في العراق وافغانستان ولبنان، علي امل ان يجد عندهم بعضا من الاحترام الذي يفتقده في بلاده، بل ومن اقرب مؤيديه.
توقيت هذه الجولة علي درجة كبيرة من الأهمية، فهي تتزامن مع الذكري الخامسة لاحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) التي غيرت مجري التاريخ، وكانت منطلقا للمغامرات الحربية الامريكية ضد العرب والمسلمين تحت ذريعة مكافحة الارهاب، وبهدف الاستيلاء علي نفطهم رخيصاً، وحرمانهم من كل اسباب القوة حتي تظل اسرائيل هي القوة العظمي الاقليمية النووية الوحيدة.
بلير لا يذهب الي المنطقة العربية من أجل البحث عن السلام، وانما لاستغلال الاثني عشر شهرا المتبقية من ولايته، هذا اذا اكملها، من أجل مساعدة سيده الرئيس بوش من خلال التمهيد لحربه المقبلة ضد ايران. فالرجل كشف عن نواياه هذه في الخطاب الذي القاه في كاليفورنيا قبل ثلاثة اسابيع، وتحدث فيه عن قوس التطرف الاسلامي المتنامي في المنطقة وضرورة مواجهته بـ قوس الاعتدال .
قوس التطرف هذا هو ترجمة سيئة لـ محور الشر الذي روج له الرئيس بوش لتبرير دعمه لاسرائيل، وشن حروبه في افغانستان والعراق. وهو المحور الذي يضم جميع المنظمات والجماعات الاسلامية المتطرفة، حسب مواصفات بوش، مثل القاعدة و حماس و حزب الله والجهاد الاسلامي، علاوة علي ايران وسورية.
مهمة بلير الجديدة، التي يقوم بها بتكليف من بوش، تتطابق مع مهماته التي قام بها قبيل الحربين الافغانية والعراقية، اي حشد الانظمة العربية المعتدلة في مواجهة محور الشر الجديد، استعدادا للحرب المقبلة ضد سورية وايران تحت شعار مواجهة الفاشية الاسلامية ، مثلما جاء في خطاب بوش الاخير.
المثلث العربي الجديد، المكون من المملكة العربية السعودية ومصر والاردن، هو الذي سيكون محور الارتكاز لقوس الاعتدال الجديد في نظرية بلير، وهو المثلث نفسه الذي خاض جميع حروب امريكا ضد العرب في العراق وافغانستان واخيرا في لبنان.
بلير لن يقول انه ذاهب الي المنطقة من اجل تشكيل هذا المحور، والإعداد للجولة القادمة، وربما الاخيرة من حروب بوش لإزالة كل الاخطار المحتملة التي تهدد باضعاف التفوق الاسرائيلي، وخلخلة الهيمنة الامريكية علي مناطق النفط واحتياطاته وانتاجه، ولهذا رفع شعار مؤتمر السلام اي انه سيكذب مرة اخري، ويستخدم طروحات السلام لتغطية الاستعدادات للحرب.
الاكاذيب نفسها كررها بلير، مثلما رددها، البوشان الأب والابن. فقبل اندلاع الحرب الاولي ضد العراق تحت غطاء تحرير الكويت قال بوش الاب انها ستكون آخر الحروب، لأنه سيركز جهوده من اجل الدعوة لمؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية (مدريد). وعندما نجحت قواته المتمركزة في جزيرة العرب في انجاز مهمتها، انعقد المؤتمر ولكن لينتهي بخيبة الأمل، ولحرف الانظار عن مفاوضات اوسلو السرية.
قبل الحرب علي الارهاب تحول بلير الي سفير متجول للادارة الامريكية وكرر الوعود نفسها، وتجول في معظم العواصم الاسلامية، وتحدث عن خريطة طريق ودولة فلسطينية مستقلة، وعندما نجحت هذه الحرب مؤقتاً في اطاحة نظام طالبان، وتدمير البني التحتية لتنظيم القاعدة، لم يف بوش وبلير بوعودهما فقط، بل ذهبا الي الحرب في العراق، وتم التخلي عن خريطة الطريق والدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة .
بلير ليس مؤهلا للحديث عن السلام، او الدعوة لعقد مؤتمر لتحقيقه، لان تبعيته المخجلة للادارة الامريكية وحروبها في المنطقة، افقدته الحد الادني من المصداقية في اعين مئات الملايين من العرب والمسلمين. فيدا الرجل ملطختان بدماء مئتي الف عراقي استشهدوا بفعل سياساته الخارجية الدموية، وحماسه الزائد لدموية الادارة الامريكية وعدائها السافر للعرب والمسلمين.
فكيف يكون بلير داعية سلام مقبولا وهو الذي لفظه حزبه، وثار ضده اقرب مؤيديه، وغادروا سفينة حكومته، لانه رفض ادانة المجازر الاسرائيلية في لبنان، والدعوة الي وقف فوري لاطلاق النار؟
انها قمة الوقاحة ان يتنطع بلير لهذه المهمة وهو الذي اقر العدوان الاسرائيلي علي لبنان وسانده، وأيد الحصار التجويعي المفروض حاليا علي الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وخالف رأي الاغلبية الساحقة من مواطنيه ونواب حزبه الحاكم.
لا نعرف بأي وجه سيقابل بلير الفلسطينيين وهو الذي خدعهم عندما قال انه يؤيد الحرب علي العراق من أجل استخدام نفوذه لدي الادارة الامريكية لإيجاد حل للصراع العربي ـ الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وها هو سيغادر الحكم منبوذا، وكذلك سيده بوش دون ان يحقق مليمترا واحدا من التقدم نحو هذا الهدف، بل نسف آمال السلام جميعا بمواقفه المؤيدة للعدوان علي لبنان.
الزعماء العرب الذين سيزورهم بلير في جولته هذه سيستقبلونه بحفاوة، وسيفرشون له السجاد الأحمر تكريما، لانهم مثله باتوا فاقدي الشرعية، ومرفوضين من قبل شعوبهم، وهم مثله ايضا، ايدوا العدوان الاسرائيلي علي لبنان، بتعليمات من الأب الروحي جورج بوش، علي امل ان يحقق هذا العدوان اهدافه في القضاء علي المقاومة الاسلامية اللبنانية، للانتقال بعدها الي الحربين المقبلتين ضد سورية وايران.
نتمني ان تعبر الجماهير العربية عن مشاعرها الحقيقية تجاه بلير وسياساته التي جعلت العالم اكثر خطرا، وساهمت في تحويل العراق كله الي مقبرة جماعية لمئات الآلاف من الابرياء.
نقول نتمني لاننا ندرك ان الحكام العرب لن يسمحوا لهذه الجماهير بالتعبير عن مشاعرها الغاضبة هذه، لانها تدرك انها تضعهم وبلير في كفة واحدة. فالقوات الامريكية التي احتلت العراق انطلقت من الاراضي العربية، وليس من ايران او تركيا.
هذا الرجل يجب ان ينبذ في المنطقة العربية، مثلما نبذه مواطنوه في بريطانيا، لان حركاته البهلوانية هذه باتت مكشوفة، وحيله لم تعد تنطلي علي احد، فالثعبان يغير جلده ولكنه لا يغير انيابه ونواياه وسمومه.
هذا الرجل يجب ان يحاكم كمجرم حرب، لا ان يستقبل كداعية سلام، لانه حجز مكانه الذي يستحقه في التاريخ كأكبر مخادع وكاذب في تاريخ السياسة البريطانية.
- 11-09-2006, 02:54 AM #2
مشاركة: أقلام سياسية ...
هذا الرجل يجب ان يحاكم كمجرم حرب، لا ان يستقبل كداعية سلام، لانه حجز مكانه الذي يستحقه في التاريخ كأكبر مخادع وكاذب في تاريخ السياسة البريطانية.
- 11-09-2006, 07:38 AM #3
مشاركة: أقلام سياسية ...
الذكري الخامسة لـ غزوة نيويورك
عبد الباري عطوان - القدس العربي .
يصر الرئيس جورج بوش في سلسلة خطاباته الاخيرة التي القاها بمناسبة الذكري الخامسة لاحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) علي التأكيد بان ادارته تكسب الحرب علي الارهاب، وسرد مجموعة من الانجازات التي تحققت في هذا الاطار مثل حرمان الارهابيين من ملاذهم الآمن، وتجفيف منابع دعمهم المالي، وقتل وأسر بعض قياداتهم، ومنع الكثير من الهجمات قبل وصولها الي الاراضي الامريكية.
الوقائع علي الارض تعطي صورة مغايرة تماماً، مثلما تؤكد في الوقت نفسه علي استمرار الرئيس الامريكي في ممارسة اسلوب الكذب والمغالطة الذي ادي الي توريط بلاده في حربين خاسرتين، وخسارتها اكثر من ثلاثة آلاف من عسكرييها، واصابة عشرين الفاً، وتدمير صورتها في العالم كقوة ديمقراطية ليبرالية.
عبارة اساسية غابت عن كل خطابات بوش وتصريحاته الاخيرة، وهي ان العالم بات اكثر امناً بعد بدء الحرب علي الارهاب وغزو العراق واحتلاله، لانه ليس كذلك، بل ازداد خطورة وفوضي، لان تنظيم القاعدة بات اكثر قوة وخطورة، وزعيمه ما زال حياً يدير المعركة ضد امريكا والغرب من مخبئه الآمن رغم مئات المليارات التي انفقت من اجل القبض عليه وتقديمه الي العدالة الامريكية مثلما وعد الرئيس الامريكي.
الرئيس بوش كان مصيباً عندما قال ان الحرب علي الارهاب منعت الكثير من الهجمات التي كانت تستهدف الاراضي الامريكية، ولكن هذا الانجاز لا يعود الي كفاءة الاجهزة الامنية الامريكية، وانما لسياسة الضربات الاستباقية التي تمثلت في الحروب الدائرة حالياً في العراق وافغانستان، وأعفت تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات المتطرفة الاخري من مهمة عسيرة وشبه مستحيلة، اي ارسال الجهاديين الي نيويورك او ميامي او لوس انجليس لقتل الامريكيين، لان اكثر من مئتي الف من هؤلاء يتواجدون في العراق وافغانستان، ويشكلون صيداً ثميناً للجهاديين.
تنظيم القاعدة كسب الحرب علي الارهاب لانه خطط، ونجح، في جر الولايات المتحدة الي حروب خارج اراضيها، ليست مؤهلة لخوضها، ناهيك عن الانتصار فيها، والاخطر من هذا وذاك، انها ستكون مهزومة اذا بقيت، ومهزومة اذا انسحبت، لان الخسائر المادية والبشرية والسياسية في الحالين ستكون ضخمة للغاية.
الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة قال لي شخصياً عندما قابلته في اواخر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1996 انه لا يستطيع هزيمة امريكا بمحاربتها داخل اراضيها، ولكنه سيحقق اكبر انجاز استراتيجي اذا ما نجح في اخراجها من جحرها وجرها الي حروب في العالم الاسلامي، حيث يمكن ان يواجهها في ملعبه، ووسط جمهوره. ويبدو ان احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) كانت الطعم الذي استخدمه زعيم تنظيم القاعدة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الضخم.
الحرب الامريكية علي الارهاب، التي حظيت بتعاطف عالمي وعربي، علي الصعيدين الرسمي والشعبي، نجحت فعلاً في تدمير البني التحتية للقاعدة بشكل كبير، وحرمتها من ملاذ آمن اقامت فيه دولتها الخاصة، تمتعت فيها بحرية الحركة، واقامة قواعد تدريب، وشبكة مالية ضخمة من الاستثمارات، ولكن غرور القوة الامريكي، والاعتماد علي مستشارين يقدمون مصالح اسرائيل علي مصالح امريكا، اديا الي نسف جميع هذه الانجازات بغزو العراق علي اساس مجموعة من الاكاذيب التي فضح مجلس الشيوخ الامريكي ابرزها وهي نفي العلاقة بين الرئيس صدام حسين وتنظيم القاعدة.
امريكا، وبإيجاز شديد، لم تخرج رابحة في اي من حروبها في العالمين العربي والاسلامي، بل تكبدت خسائر كبيرة علي مدي السنوات الخمس الماضية تهدد بانهيارها كامبراطورية عظمي، يمكن رصدها بالنقاط التالية:
اولاً: الحرب علي الارهاب حولت القاعدة من منظمة اقليمية محلية، الي منظمة دولية لها فروع منتشرة في مختلف انحاء العالم، وتغطي عملياتها مناطق متعددة ابتداء من مدريد ومروراً باستانبول وبالي والدار البيضاء وطابا وشرم الشيخ وانتهاء بلندن، ويمكن ان تصبح اكثر خطورة اذا نجحت مساعيها الحالية المتصاعدة لإنتاج وامتلاك اسلحة كيماوية وبيولوجية.
ثانياً: تنظيم القاعدة لم يعد بناء هرمياً، واصبح تنظيماً افقياً فضفاضاً. وقد ارتكبت الادارة الامريكية خطأ استراتيجياً كبيرا في تحقيق هذا التحول، والغاء مركزية التنظيم، وتحويله الي ايديولوجية تجذب اليها الكثير من المحبطين من السياسات الامريكية في العالم الاسلامي.
ثالثاً: الحرب الامريكية في العراق لم تحقق لقائد تنظيم القاعدة حلمه في قتال الامريكان (40 الف جندي) علي ارض عربية اسلامية فقط وانما في توفير المناخ الملائم سياسياً وطائفياً، وبما يسمح باعادة بناء قواعد تدريب وتأهيل العناصر الجهادية الجديدة للقتال ليس فقط في العراق، وربما في منطقة الخليج في مرحلة لاحقة للإطاحة بالأنظمة، او لمحاربة النفوذ الامريكي في هذه المنطقة الغنية بالنفط واحتياطاته.
رابعاً: الحروب في افغانستان والعراق ولبنان دمرت صورة امريكا في معظم انحاء العالم الاسلامي، وجعلت من السهل علي المنظمات المتطرفة تجنيد الجهاديين، وساهمت الاخطاء الامريكية في تعذيب المعتقلين واغتصاب بعض المسلمات، وارتكاب مجازر ضد مدنيين (حديثة والفلوجة في العراق) في تصعيب تعاون حكومات مسلمة حليفة للولايات المتحدة في الحرب علي الارهاب.
خامساً: انتشار ظاهرة الاسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، والاوروبية والامريكية علي وجه الخصوص، لم يؤد الي تراجع مسألة انصهار اربعين مليون مسلم علي الاقل في مواطنهم الجديدة، بل ادي الي جنوح الجيل الثاني والثالث من ابناء الجاليات الاسلامية نحو التطرف كرد فعل علي حملات الكراهية التي تشن ضدهم من قبل وسائل الاعلام الشعبية، و سياسة التخويف التي تتبعها الحكومات، وخاصة في بريطانيا، من اجل الحفاظ علي التأييد الشعبي لاستمرارها في الحروب ضد العالم الاسلامي وتبرير خسائرها الضخمة مادياً وبشرياً.
سادساً: امريكا خسرت حربها في كسب عقول وقلوب المسلمين، بل وعقول وقلوب مواطنيها انفسهم، فرغم انفاقها مليار ونصف المليار سنويا علي تمويل حملات اعلامية وصحف ومحطات تليفزيونية، الا ان تنظيم القاعدة كسب هذه الحرب من خلال الجهاد الاليكتروني الذي اداره انصاره علي شبكة الانترنت ، فأشرطة زعيم التنظيم ونائبه باتت تشكل سبقاً صحافياً تتسابق المحطات لبثها دون استثناء. مثلما نجح التنظيم في الاعتماد علي الاعلام البديل اي الانترنت لايصال افكاره وادبياته الي مختلف انحاء العالم دون اي قيود.
سابعاً: كلفت الحروب الامريكية دافع الضرائب الامريكي اكثر من 350 مليار دولار حتي الان كنفقات في العراق وافغانستان، وهو مبلغ كفيل بتسديد جميع ديون الدول الفقيرة مجتمعة، ومكافحة الاوبئة مثل الايدز والكوليرا والملاريا. وهذا ما خلق حالة من الغضب في اوساط شعوب العالم الثالث، فعندما تطلب هذه الدول مساعدات او شطب ديون تجد اجابات حازمة بالرفض، ولكن عندما تريد امريكا خوض حروب في العالم تودي بأرواح مئات الآلاف فإن المليارات جاهزة.
ثامناً: ادت عمليات القاعدة الي نشوء حالة من الهلع والرعب داخل الولايات المتحدة وهو هلع تحول الي صناعة كبري اسمها كيفية حماية الامن الداخلي، وبلغت تكاليف الانفاق علي هذا الامن 130 مليار دولار حتي الآن. اي ان الحروب ضد تنظيم القاعدة كلفت الخزينة الامريكية حوالي 500 مليار دولار وهو ما لم تحققه الكتلة الاشتراكية علي مدي تسعين عاماً من وجودها وقبل انهيارها.
السؤال المطروح حالياً ليس حول كيفية تحويل هذه الخسائر الي انتصارات، لان هذه المهمة شبه مستحيلة، والادارة الحالية لم تعد تملك الوقت ولا التأييد ولا الامكانيات والافكار الخلاقة للخروج من هذا المأزق، وانما السؤال هو حول ما يمكن ان تفعله الادارات القادمة لتصحيح هذه الاخطاء الكارثية، واعادة التوازن الي السياسة الامريكية، وبما يؤدي الي تقليص المخاطر علي الاقل في المدي المنظور.
امريكا فشلت في كسب الحرب علي الارهاب بالوسائل العسكرية والامنية، وباتت تجد نفسها وحيدة ومعزولة، ينفض من حولها الحلفاء يومياً، بعضهم يسقط بفعل تحالفه اللصيق معها، مثلما هو حال ازنار (اسبانيا) وبرلوسكوني (ايطاليا) وقريبا جدا بلير (بريطانيا) والبعض الآخر بسبب تصاعد حال العداء لامريكا، وظهور جبهة عالمية جديدة ضدها تحت مسمي اليسار الجديد برموز تتسع شعبيتها علي نطاق العالم بأسره مثل هوغو شافيز رئيس فنزويلا.
احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) ستؤرخ لنهاية الامبراطورية الامريكية، لان جميع الامبراطوريات انهارت عندما استسلمت لغرور القوة، وجميعها انهزمت علي ايدي دول او حركات صغيرة، عندما توسعت في حروبها وغزواتها بما هو اكبر من طاقتها.
علامات الوهن باتت بادية علي وجه الامبراطورية الامريكية المتوحشة، وحرب لبنان كانت احد المؤشرات، لانها المرة الاولي التي تطلب فيها الادارة الامريكية من الاخرين خوض حروبها، ولانها باتت عاجزة عن القيام بهذه المهمة لتشتت قواها، ولعل كيفية التعامل مع الملف النووي الايراني هي الاختيار الحقيقي القادم والسريع والخطير لمدي صلابة وقوة هذه الامبراطورية الامريكية الاعظم في التاريخ.
- 11-09-2006, 10:26 AM #4
مشاركة: أقلام سياسية ...
القادم أشدّ هولاً
صبحي حديدي
في عدد الأسبوع الماضي من مجلة تايم الأمريكية، وعلي سبيل تقديم ملفّ خاصّ في الذكري الخامسة لـ 11/9، استذكرت الصحافية الأمريكية نانسي غيبز حكايتين عن الحدث ـ الهزّة، لكي تتساءل: ما الذي تبقّي لأمريكا، وما الذي تبقي للأمريكيين، من مغزي خلف الحكايتين؟ وهل أضاعت أمريكا، بذاتها وبفعل سياساتها الكونية، ما كسبته من تعاطف كوني جرّاء المأساة؟
الحكاية الأولي تقول إنّ رجل أعمال أمريكياً كان في الهند ساعة انهيار برجَي مركز التجارة الدولي، فسارع إلي قطع زيارته والعودة إلي بلاده، مارّاً بسلسلة مطارات في الشرق الأوسط وأوروبا، ومبيت ليلة في أثينا. وكان الرجل يتناول عشاءه في أحد مطاعم العاصمة اليونانية، حين تنبّه صاحب المطعم إلي وجود زبون أمريكي، فأعلن ذلك علي الملأ بترحاب بالغ، واقترح نخباً في صحة أمريكا، شارك فيه الحاضرون وهتفوا بحماس: كتفاً إلي كتف!
الحكاية الثانية أنّ صحيفة لوموند الفرنسية صدرت في اليوم التالي لـ 11/9وقد تصدّرتها افتتاحية بتوقيع رئيس التحرير جان ـ ماري كولومباني، تحمل العنوان التالي، غير المألوف البتة في فرنسا: كلّنا أمريكيون ! وأذكر شخصياً، ويذكر معي الكثيرون كما أرجّح، أن الافتتاحية لم تكن قد عكست مزاج كولومباني المحابي عموماً للولايات المتحدة فحسب، بل كانت قد تجاوزت مشاعر التضامن الإنساني إلي تلك الحال الشعورية العجيبة التي سادت في الغرب إجمالاً خلال الأسابيع القليلة بعد انهيار البرجين، حين اختلط حسّ الدفاع بحسّ الهجوم المضادّ، في وجه آخَر إرهابي مسلم شرق ـ أوسطي غالباً، قادم من وراء أسوار أمريكا وأوروبا.
بعد استذكار الحكايتين تتساءل غيبز، بحقّ: الآن، بعد خمس سنوات، بعد غزو أفغانستان واحتلال العراق وتصاعد الحديث عن حرب مع إيران، هل سيرفع روّاد المطعم الأثيني أكوابهم في صحّة أمريكا من جديد؟ وهل سيتجاسر كولومباني، أو حتي أخلص أصدقاء أمريكا في باريس أو لندن أو برلين أو روما أو مدريد، علي القول مجدداً: كلّنا أمريكيون؟ هذا فقدان بلا قبر نبكي عليه، وبلا فرصة للحداد ، ، تكتب غيبز علي سبيل الإجابة الوجيزة.
وكنّا، مثل العشرات ممّن يتابعون الشأن الأمريكي والعين مفتوحة علي سجلات الماضي قبل الحاضر، قد توقّعنا أن تكون الحرّيات والحقوق المدنية هي الضحيّة الأولي (الأمريكية أوّلاً، ثمّ الأوروبية والعالمية لاحقاً) جرّاء ذلك المزيج من الدفاع العشوائي المتكئ علي هجوم انتقائي. والتطورات المتلاحقة لم تكذّب أحداً، ولم تنقضِ أيام معدودات حتي أصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش قانون مكافحة الإرهاب الجديد، أو القانون الوطني ، الذي مسخ قانون الرئيس السابق بيل كلينتون للعام 1996، وجعل منه لعبة أطفال. ولم تكن تلك سوي بداية البدايات، أو النذير الأبكر لما سيأتي تباعاً من توجيهات رئاسية داخلية مكتومة، كفيلة بإعادة أمريكا إلي أسوأ عقود الحرب الباردة في العلاقة مع العالم ما وراء المحيط، وإلي أسوأ عهود المكارثية في المستوي الأمريكي الداخلي.
ومن جانب آخر، كان طبيعياً أن يجفّ المداد عن قرار الرئيس الأسبق جيرالد فورد، والذي يحظر علي وكالة المخابرات المركزية ممارسة الإغتيال السياسي، وكأنّ العمّ سام لم يكن يلهث لكي يعود القهقري في التاريخ فحسب، بل لكي يرتدّ في العقل واللغة، ويزداد انحطاطاً في الأوهام والاستيهام. ونتذكّر، لضرورات المقارنة مع الراهن، أنّ قرار فورد كان في الأصل استجابة لضغط مجلسَيْ الشيوخ والنوّاب، بعد تقرير شهير فصّل القول في مباذل الوكالة، وعربدتها هنا وهناك في مشارق الأرض ومغاربها، وانقلابها إلي دولة مستقلّة عن الولايات المتحدة، وضربها عرض الحائط بكلّ القوانين والحقوق والأعراف. وكانت العودة إلي ما قبل قرار فورد تعني ببساطة أنّ أمريكا أعطت وأمريكا استردّت، أو هي تقدّمت قبل ربع قرن وتتأخّر اليوم ربع قرن!
ولأنّ الحرب الباردة لم تضع أوزارها بعدُ في عرف المئات من ممثّلي اليمين الأمريكي المحافظ، الجديد منه مثل القديم، ممّن يعششون هنا وهناك في مختلف مراكز القرار، فإنّ نعيق الغربان علي جثث الماضي ما يزال صاخباً حادّاً يصمّ الآذان. ولا يمرّ يوم دون نعيق حول استبدال الخطر الأحمر بـ الخطر الأخضر ، سواء جاء من القاعدة أم من حزب الله أم من إيران، وإحلال أسامة بن لادن محلّ جوزيف ستالين، واعتبار قندهار وريثة شرور الساحة الحمراء!
غنيّ عن القول، لكي لا نظلم أمريكا وحدها، إنّ هزّة 11/9 أصابت أوروبا أيضاً، ومنحت معظم الديمقراطيات الغربية فرصة سانحة ـ وبالطبع: جسارة بالغة غير مسبوقة ـ في سنّ وتطبيق قوانين مماثلة للقانون الأمريكي. وكانت تلك التشريعات تعلن في الشكل محاربة الإرهاب، ولكنها في المضمون الخفيّ كانت تضمر مختلف أنساق مصادرة الحرّيات العامة وقهر الحقّ في التعبير عن الرأي، علي نحو تستحي من تطبيق بعضه أعتي أنظمة الاستبداد في بلداننا. وثمة هنا مكارثية جديدة، أو متجددة بالأحري، بعضها يحرص علي إخفاء العورة فيرتدي أقنعة واهية، وبعضها الآخر لم يعد مكترثاً بأيّ تكاذب حول الحقّ والخير والجمال، أو بأيّة ركيزة أخري في معمار الفلسفات الغربية الليبرالية حول الحقوق والاجتماع المدني.
الأكثر دلالة هو أنّ الراهن الأمريكي ينذر بأنّ القادم في المستقبل أعظم ممّا تأخّر في الماضي، وأشدّ هولاً!
- 11-09-2006, 10:37 AM #5
مشاركة: أقلام سياسية ...
الحرب قريبة وليست وشيكة
د. عبد الستار قاسم
ليس من الفطنة الظن بأن أمريكا وإسرائيل ستتجاوزان نتائج الحرب الأخيرة ضد حزب الله، وأنهما ستبلعان الاندحار وكأن شيئا لم يكن. ستنجلي الأيام والأشهر القادمة عن تداعيات هامة وكبيرة لهذه الحرب أهمها انحسار الهيمنة العسكرية الإسرائيلية-الأمريكية علي المنطقة لصالح توازن قوي جديد تفرضه إيران وسورية وحزب الله. هناك شرق أوسط جديد سيظهر، لكنه ليس وفق رغبات كوندوليزا رايس أو الولايات المتحدة، وإنما وفق توازن القوي الجديد. ستنكفئ محاولات أمريكا في الإطباق علي الوطن العربي، وستصاب سياسة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل بانتكاسة خطيرة، وستتباطأ عملية التطبيع العربي معها بشكل كبير. ستكسب الشعوب العربية جرأة أكثر في مواجهة الحكام العرب، وستصبح الأقلام العربية أشد مضاء في التحريض والتعبئة وبث الوعي. كل هذا مرتبط أيضا بسياسة حزب الله المقبلة علي المستوي العربي.
التطورات المتوقعة تشكل مفصلا تاريخيا يؤثر بصورة جسيمة علي كل المخططات والسياسات الأمريكية ـ الإسرائيلية في المنطقة. تدخل المنطقة في مرحلة تاريخية جديدة تهدد بقاء إسرائيل وقدرة أمريكا علي الاستمرار في السيطرة علي الثروات العربية. ولهذا لن تقبل الدولتان الأمر بسهولة وستعملان علي إعادة عقارب الساعة إلي الوراء. هناك خياران بارزان أمامهما: يتمثل الأول في إلحاق هزيمة دبلوماسية بسورية وحزب الله بالتحديد وتحقيق الأهداف بدون قتال؛ ويتمثل الثاني بشن حرب جديدة سريعة مدمرة ضدهما.
لا أتوقع أن سورية ستستسلم للإغراءات التي ستقدمها إسرائيل وأمريكا لسببين وهما أن إسرائيل لن تسلم الجولان وفق ما كانت عليه الأمور عشية حرب 1967، وأن سورية ستصمد عند موقفها العربي وذلك استنتاجا من صمودها السياسي خلال سنيّ المحادثات التي بدأت في مدريد. أما حزب الله فيخوض معركة عقائدية ولا مجال إطلاقا لتحييده أو إغرائه. أما إيران فتبقي قضيتها أكبر من الجبهة الشمالية المحاذية لإسرائيل، وهي تتسع علي مختلف أنحاء الوطن العربي والثروات العربية. المهم في الأمر أنه إذا استطاعت أمريكا وإسرائيل إخراج سورية من معادلة القوي الجديدة فإنهما ستحققان انتصارا محليا علي الرغم من بقاء الأنياب الإيرانية.
خيار العودة إلي الحرب هو المرجح، لكنه سينتظر بعض الوقت لغاية حل المشاكل العسكرية التي برزت مؤخرا. علي إسرائيل أن تجد حلا لثلاث قضايا رئيسية قبل أن تقرر العودة إلي الحرب وهي: قضية نقص المعلومات حول حزب الله وتحركاته وتسليحه والمفاجآت التي لم يستخدمها بعد؛ وقضية الطيران الذي قصف المدنيين وتم تحييده إلي حد كبير بشأن المواقع العسكرية، أي حل مشكلة الخندقة التي يتسلح بها حزب الله؛ والقضية الثالثة متعلقة بالدبابات التي كانت فرائس سهلة لصواريخ حزب الله. إلي جانب هذه القضايا، لا بد لإسرائيل من تدريب جزء كبير من جيشها علي حرب العصابات.
بسبب هذه القضايا، الحرب الجديدة ليست وشيكة، وهي تدار الآن في غرف البحث العلمي وورش التطوير التقني، وعلي نظريات حروب العصابات. التغلب علي هذه المشاكل ليس سهلا، ويتطلب الكثير من الوقت والجهد، وهو معرض للإحباط والفشل.
علي صعيد الطيران، لا توجد تقنية حتي الآن تكشف الخنادق، والبحث عنها ليس بالأمر السهل؛ وأما الدبابات فتحتاج إلي تصفيح جديد وتحصين مواطن الضعف في أبراجها وجنازيرها.
في المقابل، ليس من المتوقع أن يبقي الطرف الآخر مكبلا، وسيسعي إلي تطوير صواريخ مضادة للدبابات أكثر قوة، وإلي التركيز علي الدفاع الجوي الذي أدي غيابه إلي وقوع خسائر جسيمة في المدنيين والبنية التحتية، وإلي تطوير الأساليب القتالية بخاصة في تحريك الصواريخ المضادة للبحرية.
ربما تكون أهم نقطة في هذه الحرب القادمة أنها لن تقتصر علي حزب الله وستشمل سورية. إيران مهمة بالنسبة لقوة حزب الله من حيث الأسلحة والتمويل، لكن هذه الأسلحة لا قيمة لها إذا لم يتوفر المعبر باتجاه لبنان. يتطلب التخلص من قوة حزب الله العسكرية التخلص من دعم سورية، ولا أري أن سورية ستتخلي طوعا عن الحزب. تكتيكيا، ستقوم إسرائيل بضربة جوية وصاروخية ضخمة وفجائية ضد سورية ودون أن تُسبقها بحشد للقوات لما في ذلك من تأثير سلبي علي عنصر المفاجأة. ومن ثم ستحرك قواتها البرية ضد حزب الله، والسيطرة بعد ذلك علي بعض نقاط الحدود بين سورية ولبنان.
لا أري أن إسرائيل ستكسب هذه الحرب أيضا، والسبب أن الجيش السوري قد شهد الكثير من التحولات في السنوات الأخيرة بحيث تم اعتماد الدفاع المخندق وتقليص الاعتماد علي الأساليب القتالية التقليدية. ستحقق الضربة الإسرائيلية تدميرا في المنشآت المدنية الاستراتيجية، لكنها لن تحول دون ضربة سورية صاروخية مضادة تصيب مواقع إسرائيلية حساسة. وإذا كانت سورية قد جهزت نفسها من ناحية الدفاع الجوي فإن الطيران الإسرائيلي سيجد صعوبة في الحركة فوق لبنان وسورية، الأمر الذي سيخلق صعوبات كبيرة لحركة القوات البرية الإسرائيلية.
كتبت قبل عدة أعوام بأن هزائم العرب قد انتهت عام 2000 عندما استطاع حزب الله دحر الجيش الإسرائيلي خارج الجنوب اللبناني. وما زلت أري أن التحولات العسكرية في الجيش الإسرائيلي تميل نحو الضعف، بينما تميل التحولات العسكرية لدي سورية وإيران وحزب الله نحو القوة. لم يعد الجيش الإسرائيلي ذلك الذي كان من ناحية الانضباط والعقيدة القتالية، ولم تعد القوات العربية ـ الإسلامية تلك التي تصاب بظهورها.
- 11-09-2006, 11:21 AM #6
مشاركة: أقلام سياسية ...
ما بعد عصر الأمركة المتوحشة
مطاع صفدي
عد انقضاء السنوات الخمس علي تفجيرات نيويورك وواشنطن يصح إلقاء السؤال الساذج المسكوت عنه وهو: هل كان للعالم أن يشهد اندلاع الحرب العالمية الثالثة المستمرة تحت علم الإرهاب والإرهاب المضاد، لو لم يقع ذلك الحدثان الأكبر. ولا شك يحيل هذا السؤال إلي بعض المسلمات الأولية في فلسفة التاريخ. منها مثلاً أن الحروب الكبري لا تقع صدفة، ولا تندلع نتيجة حادث عابر، وإن بدا بعضها علي هذه الحال. فالحرب العالمية الأولي في بداية القرن العشرين لم تنفجر نتيجة اغتيال أمير من الأسرة الحاكمة للإمبراطورية النمسوية آنذاك، كما اعتادت مختصرات التاريخ المبسطة أن تذكره. فقد تعتبر تلك الواقعة من صنف الأسباب المباشرة، لكنها غير كافية للفهم وللتعليل دون الكشف عن صنف الأسباب غير المباشرة الكامنة وراء الأولي، والحائزة وحدها علي مخزون العلل العميقة المتراكمة لدي الأطراف الذين سينخرطون في حمأة الصراع. وهكذا فإن حروب القرن الماضي الرئيسية والفرعية، العالمية والإقليمية إنما تؤلف شبكية مترابطة من ظروف الأسباب والنتائج المتداخلة والمتراكبة فيما بينها، بحيث لم يعد يسع المعرفة العلمية أن تقدم مشهداً محدوداً عنها، دون إعادة إنتاجه من خلال هذه الشبكية الأشمل، المقودة هي عينها من قبل منطق العصر، وممارساته الجيوسياسية المتوزعة أنحاء المعمورة.
وعلي هذا لن تأتي الحرب العالمية الجديدة والراهنة تحت تسمية الإرهاب مجرد رد فعل ثأري وانتقامي من ذلك العدو المجهول، الذي أوقع في ساعات ضربة صاعقة في الصميم من ترميزيْ الجبروت الأمريكي العسكري والاقتصادي. بل هنالك مشروع متكامل لحرب عالمية موصوفة بالثالثة، لأنها امتداد تكويني وتاريخي لذات شبكية الحربين العالميتين في القرن الماضي. فلقد عاش عالم النصف الثاني من ذلك القرن تحت رحمة حرب ثالثة منذ عشية سابقتها. لكنها كانت حرباً مقررة مع وقف التنفيذ، فدُعيت بالباردة، إذ كانت متوفرة علي كل شروط الصراع الناجمة عن انقسام المعمورة الي معسكري الرأسمالية والشيوعية. ولكن مع الامتناع عن الصدام المباشر بسبب مما دُعي آنذاك بتوازن الرعب النووي بين القطبين الأكبرين. بمعني أن القتال المادي المباشر هذه المرة لن يشبه أية مساحة صراع دموي سابق. إذ لن يخرج منه كالعادة طرف منهزم وآخر منتصر، بل سيذهب الجميع إلي جحيم النهاية الشاملة المحتومة. فلم يكن ثمة حل لهذا المأزق ما فوق الطبيعي، إلا في اختفاء أحد قطبي الثنائية سلماً وبطريقة إعجازية عجائبية ما. ومن أغرب مفاجآت التاريخ أن المعجزة قد حدثت. فقد استقالت روسيا فجأة من إمبراطوريتها السوفيتية. انهارت معادلة توازن الرعب ثنائي القطبية. بَطُلَت استراتيجية الحرب الباردة وتساقطت معها كل رهاناتها الكارثية أو الطوباوبة. فاعتقدت البشرية أن موسوعة الحروب قد أغلقت إلي غير رجعة، وأن عصر (السلام المستدام) قد فتحت كل أبوابه أمام حضارات العالم أجمع لكي تتلاقي أخيراً وتتعلم من جديد، من بعضها ألف باء المدنية الحقيقية، والحياة المشتركة المتكاملة ما بين نماذجها.
لكن لم يستغرق الفكر العالمي طويلاً في محاورة ذلك الحلم الذهبي، الواعد بذلك المستقبل الآخر المختلف حقاً عما عهدته الإنسانية المعذبة طيلة سيرتها الدموية منذ عصرها الحجري. منذ أن صنع محاربوها الأوائل أولي أسلحتهم من الحجر؛ نحتوها، قدّوها من الصخر كيما يطعنوا بها صدور بعضهم.
لم تؤرخ استقالة إمبراطورية الشيوعية من ذاتها وكيانها، تكريساً حاسماً لانتهاء عهد الإيديولوجيات الشمولية. سرعان ما فسر العقل الاستراتيجي الأمريكي هذه الاستقالة كهزيمة ساحقة لعدوه التاريخي، تفترض انتصاراً مطلقاً للقطب الآخر، وإن لم يكن من صنع يديه، ولا متحققاً نتيجة حرب فعلية علي الأرض. إنما يكفيه أن عدوه مضي وانقضي، بينما هو لا يزال قائماً متمتعاً بكامل جهوزيته العسكرية. وتماسك كيانه السياسي والوجودي بكل أسباب قوته وتفوقه. لقد أمسي إذن هو قطب الاقتدار الأوحد الذي يرشحه لامتلاك العالم بدون أية مقاومة أو اعتراض من قبل أية جماعة أو مجموعة إنسانية أخري. لم تكن حضارة العنف التي اعتادت أمريكا أن تكون لها النموذج الأعلي والقائد الأوحد، مستعدة لتفهم الحالة الجديدة لعالم ما بعد الحرب الباردة، إلا من خلال صورة البلاد المفتوحة للغازي المنتصر؛ فكل ما فيها هو بمثابة غنائم حرب مستباحة له. والغنيمة الكبري ولا شك هي الطاقة. ومن يكتسبها ويحتكرها لصناعته ومستقبلها، سوف يتمكن من التحكم بصناعات الآخرين، والأهم منها تحديداً: أي التكنولوجيا. هذه القوة الإنتاجية العظمي التي توّجت أخيراً مسيرة التقدم الإنساني، سوف تجعل كل القوي الأخري، من مادية وبشرية، مجرد أدوات ملحقة بها. فكان اختراع (العولمة) التي عليها أن تشرعن وضع العالم الجديد كساحات غاصة بغنائم حرب، كانت مفترضة عسكرية لكنها أصبحت اقتصادية خالصة. كل ما هو داخل مباح للخارج. لا خطوط دفاعية للأمم أو الحضارات بعد اليوم. كل ما فيها معروض للبيع والشراء. ولا شك فإن التاجر الأكبر سوف يلتهم التجار الصغار. لكنه لن يتخلي عن سلاحه في الوقت عينه. إذ ان قانون السيادة المطلقة لا يؤمن أصلاً بتنافس الإمكانيات. إنه يستخدم صلافة الحسم القطعي حيثما يمكن لحريات الآخرين أن تطلق البدائل المغايرة. فالعولمة الاقتصادوية تستدعي، بل تستنجد بالقوة العسكرية، بالبطش المتخلي عن كل قنـــاع إنسانوي. لذلك لا تستخدم أمريكا وشريكتها إسرائيل إلا آخر أسلحة التدمير الشامل كيما تدمر بيوت الآمنين.
العولمة الاقتصادوية إذن لن تترك لقوانينها الخاصة، لن تفوز بالسيطرة الكاملة إلا عندما تظهر من بواطنها توأمها: البطش النهائي. غير أن حضارة العنف تمتعت دائماً بنوع من (الذكاء) الاستثنائي الذي في الوقت الذي تجهز علي الضحية في واقع الأمر فإنها تخلق أمراً آخر ما فوق الواقع، تنسبه إلي مشروعات غيبية أو أسطرية أو ما يشبهها. هنالك حاجة إلي تظهير مفردات الحضارة معلقة دائماً في فراغ ما فوق حدثيات الواقع. إنها لا تستخدمها كمبررات أو تسويغات للعمل القذر فحسب، لكنها تشركها عملياً في تحمل مسؤوليته. وبالتالي يُخرج الفاعل الأصلي نفسه من بين طرفي هذه العلاقة، ويدعها تعوم في التباسات المعني بالمبني. كما هو الأمر في قضايا المجازر الكبري، حيثما تذهب أسرارها مع ضحاياها.
ومنذ خمس سنوات راحت تسيطر علي حاضر العرب والعالم كله آخر هذه المجازر العظمي، وربما الأخطر في سلالتها، لأنها تفيض علي حادثتها، تتناسل من ذاتها مجازر أخري لا تتناهي. إنها أعلي إنتاجات العولمة الاقتصادوية، التي فرّخت العولمة الأمنية، ثم حطّ رحالها علي الاسم البديل عن أقنوم البطش ولكنه الأقرب إليه، وهو الإرهاب. إنه الاسم أو اللقب المنوطُ به تعميمُ الرعب الذي يعتاش منه البطش عادة. تعميم الرعب يسبق كل مجزرة ويبقي بعدها مضاعفاً من هوله وسعة انتشاره. وهذه مهمة الإرهاب والعاملة علي استمراريته بفعل الادعاء بمحاربته.
الإرهابان ينسجان معاً شبكية الحروب الواقعة أو المتوقعة. فالإرهاب والحرب عليه لفظان متضايفان، لا يكون أحدهما بدون الآخر. بمعني أن الحرب علي الإرهاب لا تقل إنتاجاً للمجازر عن الإرهاب نفسه إن لم تتفوق عليه باستمرار، بالكم والنوع معاً. وإذ اختار العقل الاستراتيجي الأمريكي أن تلعب بلاده دور المحارب الأول، أي بالأحري الإرهابي الأقوي، فقد فرض علي بقية العالم الانخراط في عسكرة علاقاته الدولية بين شتي حضاراته وقومياته. انتهي الأمر إذن بالعولمة الي اعادة إنتاج خارطة الأرض كمساحة تغطيها قلاع مغلقة ضد بعضها.
ربما لم يعش التاريخ حقبة سابقة مشابهة للكارثية المعممة الراهنة، حيثما تتعادي فيها الشعوب، وتتبادل انعدام الثقة ببعضها، كما هي في ظل الأمركة المتوحشة، الناشرة بكل عزم وتصميم، لعدوي التوحش والبهيمية الي كل خلية متماسكة في المعمورة. انها المخططة لذلك الفكر المتوحش نفسه، والباعثة لكل ما يضاد انفتاح العالم علي بعضه. لقد جعلت أمركة الإرهاب/ إرهاب الأمركة، من نفسها أشرس عائق في وجه الديمقراطية العالمية. فلسفت من جديد قاموس القوة العمياء. خاطبت الإنسانية جمعاء بعبارة واحدة: لا مناص من قانون الذئب والحمل، فلا بد من الاصطفاف مع هذا أو ذاك. وبالتالي ليس من نهاية للتاريخ إلا في إعادة إنتاج بربريته الأولي؛ لكنها المسلحة هذه المرة بأخطر أسلحة الدمار الشامل في أيدي جلاديها، والمواجهة مع ذلك، وبالرغم من كل شيء بأرقي وأقوي ما اكتسبته حقوق الإنسان من ثقافة الحرية والممانعة. ولعلها هي السلاح الأخير والأعظم الذي سيشق الطريق نحو عصر ما بعد الأمركة وكوابيسها الشيطانية.
- 11-09-2006, 01:36 PM #7
مشاركة: أقلام سياسية ...
ياخي هذا عبدالباري .. رجل بحق
- 11-09-2006, 02:24 PM #8
مشاركة: أقلام سياسية ...
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القرصانماذا تعتقد أن تكون جنسيته ومن أين أصله ؟؟
- 11-09-2006, 02:59 PM #9
مشاركة: أقلام سياسية ...
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الجنيه الفلسطيني
يعجبني كلامه وتحليله في قناة الجزيرة .. كلامه مقنع
- 11-09-2006, 04:48 PM #10
مشاركة: أقلام سياسية ...
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة القرصان
هو فلسطيني من سكان قطاع غزة
وهو في الأصل من القرى الفلسطينية المحتلة عام 48
واهله يعيشوا بيننا في خان يونس ...
ولكنه طار إلى لندن ليحمله وطنه هناك مادفعا عنه في القدس العربي
ولم يأتي إسم القدس العربي من فراغ !!
بل هو إعلان أن القدس بلدة عربية مهما حاولوا تهويدها .............
على كل حال ,
هو فلسطيني وفلسطين تعاني من ندرة النساء !!
فالحمد لله أبناؤها أينما هبطوا وصعدوا هم كذلك
وسبقون رجال قصر الزمان أم طال !!
المواضيع المتشابهه
-
وول ستريت تفتح منخفضة وسط مخاوف سياسية
By التحليلات والأخبار in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 0آخر مشاركة: 11-08-2008, 05:40 PM -
تحركات سياسية غريبة
By nassir94 in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 2آخر مشاركة: 15-07-2008, 10:34 PM -
في هذا الفيديو سوف تشاهدون عن: توقعات أحداث سياسية واقتصادية
By EGYPT-EVEREX-FOREX in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 1آخر مشاركة: 02-05-2008, 09:05 AM -
نكـت سياسية
By GoldenTiger in forum استراحة اعضاء المتداول العربيمشاركات: 5آخر مشاركة: 05-10-2006, 12:32 AM -
ارتفاع الاسترليني امام الدولار وسط مخاوف سياسية
By التحليلات والأخبار in forum سوق تداول العملات الأجنبية والسلع والنفط والمعادنمشاركات: 1آخر مشاركة: 13-07-2006, 11:43 AM