صدر مؤخرا كتاب "من طقوس القهوة المرة" للكاتب الفلسطينى فراس حج محمد، ويقع الكتاب فى 244 صفحة من القطع المتوسط. وتصدر الكتاب بإهداء إلى تلك المحبوبة التى يتخيلها فى متن الكتاب وقد شاركته شرب فنجان من القهوة الصباحية على أنغام فيروز، فجاء الإهداء جامعا لكل تلك الطقوس التى يريدها الكاتب.

وقدم الكاتب نفسه بمقال عن "دلالات القهوة الاجتماعية والثقافية"، جاء فيه "ولعل أجمل أوقات احتسائها يكون صباحا قبل التوجه للعمل، فشعور لا يوصف وأنت تحتسى فنجانا من القهوة معدا بهدوء وإحساس عال، خاصة إذا احتسيت هذا الفنجان على أنغام موسيقى فيروزية صباحية يشاركك فيها من تحب وتهوى، ...، وكأن كل رشفة من ذلك الفنجان رشفة من رضاب أنثوى تحبه ويحبك، ويبادلك مشاعر الحب والوفاء".

وقبل الدخول إلى عوالم الكتاب والبدء بتلك الطقوس تأتى "العتبة الشعرية"، التى يقرن فيها الكاتب بين القهوة والنبيذ، ليصل إلى اكتمال الحقيقية بوصال المحبوب مع محبوبته، وتسلمنا هذه العتبة إلى أول فصول الكتاب، والذى جاء تحت عنوان: "هى وقهوتها"، فيتحدث عبر سلسلة من النصوص النثرية عن تلك الطقوس التى تخيلها مع امرأة يريد أن يشرب معها فنجانا واحدا، "ففنجان واحد من القهوة يكفى"، لتصل أخيرا لمشهد يحمل من الألم ما يحمل، معلنا آخر ما قالته صاحبة الطقوس وصانعتها، وقد ودعته قائلة:
أتمنى أن تجد نكهة قهوتك كما تحلم، فى عالمك أنت وحدك، فقد رغبت بالابتعاد كونى لن أسعدك، ولن تجد سعادتك معى، أنت تحب شهرزادك كما أردتها، وبينى وبينها مساحة واسعة، هى بعد السماء عن الأرض، لا أريد لك الألم ولا الحزن، أتذكر حين قلت لك أن الموت ممكن أن يخطفنى منك هذا ما يسيطر على الآن، لا أتمنى أن تحزن وستعرف ذلك يوما ما، وستسامحنى.
ولكنها لم ترحل، وبقيت منها بعض الظلال و"المشاهد القصصية"، وذلك فى الفصل الثانى من الكتاب، ليرصد الكاتب فى هذه المشاهد ظلالها المترائية كالطيف، بنصوص قاربت فن القصة القصيرة، وذلك فى (18) نصا متنوعا بين السرد والوصف والحوار.

وفى الفصل الأخير بعنوان "أصداء"، تضيق العبارة، ليكتب من تلك الأصداء (150) نصا قصيرا، قال عنها الكاتب إنها "محاولة فى الكتابة الشذرية"، لخص فيها حالات شعورية مر بها، على وقع صاحبة الظلال، التى تركته، ورحلت ولم يبق منها سوى الظل، والوجع الحزين، فتأتى القصيدة الأخيرة أليمة فى أوجاعها، وما تفيض به من حزن، وقد حق للكاتب أن يعنونها بـ (أبجدية الحزن)، وبهذا يقدم الكاتب مشهدا متكاملا عن تلك الطقوس، التى تمناها مع امرأة الطقوس، فكانت تلك التفاصيل تؤلف ما يشبه الرواية فى كتاب "من طقوس القهوة المرة"، ولكنها ليست رواية بالمفهوم الفنى للرواية، ولكنها رواية لفصل آخر من فصول علاقته بتلك المرأة التى بدأها بـ "رسائل إلى شهرزاد"، وربما لن تنتهى بطقوس القهوة المرة.