من منا لا يحب نفسه؟سؤال يتبادر إلى الذهن عندما نجد رغبة شديدة تحرك البعض باتجاه تحقيق مصالحه والتقوقع حول ذاته للوصول إلى أهدافه بغض النظر عن مصالح الآخرين.. والإجابة تأتي دوما لتؤكد التساؤل، فالكل يحب نفسه ويسعى لإرضائها ويبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن.







غير أن الفروق بين الناس في حبهم لذواتهم تكمن في درجة هذا الحب، فهو في حدوده الطبيعية أمر عادي كما قلنا، ولكنه في بعض الأوقات يتحول إلى ذلك النوع من الحب المرضي الذي يجعل صاحبه لا ينظر إلى من سواه ولا ترى عيناه غير مصلحته هو فقط وهنا يندرج هذا الشخص تحت توصيف الاناني.




وكلمة الأنانية مشتقة في اللغة من لفظ (الأنا) وتعني الذات، وهذه الذات تمتلك مجموعة من الصفات الحميدة أو السيئة، وبالتأكيد فإن كل إنسان يمتلك مزيجا من هذه الخصال، ولكن طغيان أحدها على الأخرى هو ما يحدد طبيعة الإنسان وان كان خيرا أم شريرا.




والانانية صفة سيئة تجعل صاحبها مهموما بالحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب لنفسه حتى وان كان ذلك على حساب هضم حقوق من يشاركونه الحياة سواء كانوا أهله أو أقاربه أو زملاءه، أو حتى أشخاصاً يصادفهم في موقف واحد ولقاء عابر، وذلك لأن الأنانية تقفز من بين ضلوعه لتصبح عنوانا لسلوكه.




الأنانية ترتبط بشكل أو بأخر بالحقد والحسد كما أنها تدفع الشخص إلى الكذب للوصول إلى هدفه، وهي كلها صفات غير مقبولة دينيا واجتماعيا بل أنها منافية لأصول الذوق العام أو التفكير السليم، ولذلك فإنها تحوّل من يتبناها إلى شخصية ينبذها الناس، وينهى الله سبحانه وتعالى عن التشبه والاقتداء بها.




وعندما تتملك الأنانية نفس إنسان ما فإنها تدفعه إلى تجاوز الكثير من المبادئ الأخلاقية، فقد يحب شخص ما نفسه وتدفعه أنانيته إلى عدم الالتفات إلى حقوق من حوله حتى لو كان أبواه ضمنهم، وكم سمعنا حكايات لجأ فيها الابن إلى وضع احد الوالدين في دور المسنين بعد أن شعر بعبئه عليه أو إرضاء لزوجته ليريح عقله من التفكير في أمر أبيه أو أمه أو برهما كما امرنا الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام.




حكايات أخرى جرت أحداثها بين إخوة ووصلت إلى القطيعة، كان من الممكن حلها لو تنازل أحدهم عن أنانيته المفرطة وتعامل بمنطق الأخوة الذي يضرب به المثل دوما في حسن المعاملة وطيب المعشر، ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم علاقة المسلمين بالأخوة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة”.



الأنانية أيضا ترتبط بالانتهازية وهي صفة تودي بصاحبها إلى مزالق خطيرة كما أنها تنعكس سلبا على المجتمع ككل إذا ما سادت بين الناس.. فوقتها لن يكون هناك مكان لقيم مثل التعاون والتعاطف والرحمة ويتحول المجتمع إلى غابة يحاول كل من فيها الوصول إلى مآربه من دون النظر للآخرين، وهل تسبب ذلك في إيذائهم وهضم حقوقهم أم لا؟، وما صور الخصومة والتنازع والشقاق بين الناس إلا تعبير عن أنانية البعض وحبهم المرضي لأنفسهم.




لقد جاءت تعاليم ديننا الاسلامي لتهذب السلوك الانساني وتنقي النفوس من كل الضغائن، فإذا ما التزم الناس حقا وفعلاً لا قولاً بتعاليم الدين لما وجدنا هذه النماذج التي تسيء لأنفسها أولا قبل أن تسيء للآخرين.