صدر حديثا للكاتب السعودى الشادى سعود الحركان، كتاب جديد بعنوان "الدوار منهجية الفوضى أو الفوضى الممنهجة" حيث رسم خريطة جديدة للواقع الذى باتت تعيشه المجتمعات العربية فى عصر ما بعد العولمة.

وحسبما ذكر موقع سكاى نيوز، يقع الكتاب فى 5 فصول، ويرصد فيها الكاتب مكامن الخلل التى اعترت البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمعات العربية على مدار السنوات العشرين الأخيرة، ويشرح كيف أن ذلك الخلل أوجد فوضى أتاحت للمؤسسات والدول فرصة استغلالها، عبر قولبتها فى تشريعات وأنظمة يصعب على الناس رفضها.

وبهذا الفهم، يقودنا الكاتب إلى فكرة الكتاب الأساسية التى تتركز حول كيفية تسخير هذه المؤسسات -اقتصادية كانت أم سياسية- كل إمكاناتها المادية والمعنوية لخلق الفوضى، ثم ترتيبها وتوجيهها لمصلحتها الخاصة. وأدل مثال على ذلك، فوضى الوفرة الكثيفة فى المنتجات التى تشهدها الأسوق العربية، والتى دفعت المستهلكين بسبب أو دونه إلى الشراء دون الحاجة، وتكديس الأشياء، ثم التخلص منها لاحقا، فى محاولة من شركات الإنتاج إلى "شفط ما فى جيوب المستهلكين من أموال".

"الثوار" وإن كانوا أبطالا بعين الثابت، إلا أنهم بعين الدوار، ليسوا سوى بيادق ضحت بها الشركات العالمية من أجل خلق جو استثمارى جديد فى مناطق كانت على وشك الدخول فى حالة ضمور مؤسساتى.

وأمام هذا الحال، أصبح على الجيل الثانى لواقع الدوار، ممن هم فى العشريات من العمر حاليا فى عالمنا العربى والإسلامى؛ حمل هذا الموروث الثقافى، الاجتماعى والمالى. هذا بالإضافة إلى ما يحمله أصلا من مشاكل فقدان الهوية، البطالة، وضعف البنية الوجدانية. علاوة على أن اختياراته الأيديولوجية باتت محصورة بين تدين ليبرالى، تطرف إلحادى، وليبرالية غربية.

وفى هذا المقام، يقول الحركان، إن الربيع العربى -الذى يضعه فى كتابه بين علامتى تنصيص- فتح الباب لهذا الجيل، "ليس للتعبير عن الأخلاط الفلسفية التى يعتقد بها، بل ممارسة كل طقوس فكرية أو عقائدية، وصلت فى كثير من الأحيان حد الكفر والإلحاد بصريح العبارة، فى محاولة لإغاظة الحرس القديم، دون أن يدرى الطرفان أن النزال بينهما مجرد مسرحية درامية، مقبولة اجتماعيا، لكن تجنى من ورائها مؤسسات عالمية ما تجنى".

يستبعد الكاتب أن ينجح الإسلاميون بالعالم العربى كما نجحوا فى تركيا، والسبب القاعدة الفكرية لحزب العدالة والتنمية، المرونة الفائقة لشخصياته، والمستوى الثقافى للشعب التركى.
وفى عالم الدوار السياسى، يتطرق الحركان بإسهاب إلى صعود التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم فى بعض البلدان العربية خلال السنتين الماضيتين، منتقدا بشدة هذه التجربة، ومستبعدا أن ترقى إلى تجربة الإسلاميين فى تركيا.

ويسترجع الكاتب نماذج من التعنت الفكرى السياسى فى التاريخ العربى والإسلامى، وكيف أنها أدت إلى عدم الصمود فى مجابهة عوامل الزمن، ويقول "إن هذا التعنت يمكن رؤيته فى كل المدارس الفكرية الإسلامية وغير الإسلامية، من تزمت الشيخ سيد قطب، وتشدد الرئيس عبد الناصر، وتطرف بن لادن والظواهرى وصدام حسن والقذافى والأسد".
يعلق الكاتب الأمل على الشبيبة فى واقع الدوار، فهم ليسوا بحاجة إلى وصاية، أو توجيه، ولا نصح. إنهم بحاجة لأدوات ومهارات، وأفق معرفى حر، يصنعون فيه مستقبلهم.

ويختم الحركان كتابه بتقديم ما يقول إنه علاج للدوار، يستند بالأساس إلى الاعتراف بأننا مصابون به، ثم النقد والتمحيص للمشكلة، وأخيرا الفهم العميق للارتباط التبادلى بين المشكلة وأدوات حلها.

ويخلص الكاتب إلى أن أكبر التحديات التى تواجه المجتمعات العربية حاليا تتمثل فى أربعة أمور: الخطاب الدينى، التربية وتعليم النشء، إعادة ترتيب المرجعيات، واحترام الأقليات والاستفادة من تجاربهم.