وَمَا قَدروا اللهَ حَقَّ قَدرِهِ
فقدره عظيم ، ووجه كريم ، وفضله واسع ، وجوده شامل ، ولكن العباد ما قدروا الله حق قدره ، خلق الخلق وتكفل بالرزق ، وحفظ النفوس ، واطلع على السرائر ، وعلم النيات ، ولكن الناس ما قدروه حق قدره .

عفا وكفا وشفا ، علم وحلم وحكم ، أغنى وأقنى وأعطى ، ساد وجاد

وهو رفيع العماد ، ولكن الخلق ما قدروه حق قدره .الأرض جميعا قبضته ، والسموات مطويات بيمينه ، والكون ذرة في ملكه ، والخليقة فقيرة إليه ، ولكنهم ما قدروا الله حق قدره .

من أشرك معه غيره ، وعبد معه سواه ، وادعى له نداً ، واخترع له مثيلاً ، وجعل له شبيهاً ، فما قدروه حق قدره .

من أقسم بغيره ، أو أعطى به وغدر ، أو حلف به فجر ، وأخذ نعمة فما شكر ، ونسيه وما ذكر ، فما قدره حق قدره .
من تعدى حدوده ، وارتكب محرماته ، واستهزأ بآياته ، وألحد في اسمائه وصفاته ، فما قدره حق قدره من حارب اوياءه ، وناصر اعداءه ، وعص أمره ، وغمط بره ، واستهان بعظمته ، فما قدره حق قدره .


من أعرض عن كتابه ، وشاق رسوله ، وكذب بلقائه ، وتهاون بوعده ووعيده ، فما قدرالله حق قدره .
حق قدره أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ، ويحب حباً يملك على العبد كل حركة فيه .
حق قدره أن يفوض الأمر إليه ، ويتوكل عليه ، ويرضى بحكمه ، ويستسلم له ، وينقاد لأوامره ، ويذعن لقضائه .


حق قدره أن لا يخالف ، ولا يحارب ، ولا يمثل ، ولا يشبه ، ولا يكيف ، ولا تضرب به الأمثال ، وتصرف لغيره الأعمال .
حق قدره أن يقصد بالسعي ، ويخلص له العمل ،ويجرد له التعظيم ، ويفرد بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات .


حق قدره أن يرضى به ولياً ورباً وألهاً وحاكماً وكفيلاً ووكيلاًَ وحسيباً؛ لأنه وحده المتفرد المتوحد ، وهو الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد .
أشرك به أعداؤه ، وحاربه خصومه ، ونسبوا له الولد والصاحبة ، وشبهوه بخلقه ؛ لأنهم ما قدروه حق قدره .
كذبوا رسله ، وقتلوا انبياءه ، وآذوا أولياءه ، وكفروا آلاءه وعطلوا صفاته وأسماءه ؛ لانهم ما قدروه حق قدره .


بارزوه بالمعاصي ، وأغضبوه بالذنوب ، قابلوه بالسيئات ، بالخطايا ؛ لأنهم ما قدروه حق قدره .
هجروا المساجد ، تركوا المصاحف ، عطلوا الشريعة ، أماتوا الدين ، انتهكوا المحرمات ، لأنهم ما قدروه حق قدره

.
كيف لا يقدر له حق قدره ، وصفاته جليلة ، وأسماؤه جميلة ، ومنه كل نعمة كثيرة أو قليلة .
كيف لا يقدر له حق قدره وهو الذي صور فأبدع ، وخلق فأحسن ، وأعطى فأغنى ، وتولى فنصر كيف لا يقدر له حق قدره ومن نظر في مخلوقاته وتامل مصنوعاته وتفكر في موجوداته هاله ذلك وأدهشه وحيره . فكيف لا يقدر من خلق وأوجد وبرأ وصنع وصور ، جل في علاه ، كيف لا يقدر من رفع السماء ، وبسط الأرض ، وأرسى الجبال ، وأجرى الماء ، وسير الهواء ، ومد الضياء ، وأوجد كل شيء كما شاء ، فهو صاحب الجميل ذو المنة له الملك وله الحمد وله الثناء الحسن .


إن من تقدير الله حق قدره طاعته فيما أمر ،واجتناب ما نهى عنه وزجر ، وتصديق فيما أخبر ، والرضا بما قدر، والشكر على ما يسر ، والحمد له على أنه ستر وغفر ، مع متابعة رسوله والعمل بكتابه ، والقيام بطاعته وهجر معاصيه ، والرضا به رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صل الله عليه وسلم نبياَ ورسولاً