الريس بيرى ............. مكتشف امريكا الحقيقى

هو الريس بيري القائد البحري العثماني والعالم الجغرافي الفذ، ولد في غاليبوبي في تركيا 1465 وقد مات في القاهرة عام 1554، ويُعرف في الأدب العثماني باسم بيري رئيس وكذلك عرفه الغربيون بهذا الاسم، وقد شغل الريس بيري منصب قائد الأسطول المصري في العهد العثماني وكان مقر قيادته ميناء السويس بمصر.
مدينة غاليبولي حيث وُلد ريس بيري كانت المركز الإداري البحري العثماني، أشترك مع عمه الريس كمال وتقول بعض المصادر إنه خاله وكان هذا قائدا بحريا عثمانيا شهيرا أشترك في الحرب الطويلة بين العثمانيين والبنادقة من عام 1498 حتى 1502 م واستفاد خبرة حربية بحرية كبيرة وفي هذه الحرب بالذات في عام 1500 حصل بيري على لقب “ريس” وكان قائدا لسفينة عسكرية أثناء حصار العثمانيين لقلعة بندقية هامة في مودون.

بيري قرصانا

ولكن بدايات الريس بيري وخبرته البحرية مع الدولة العثمانية ترجع إلى ما قبل هذه الحرب، عندما كان يعمل قرصانا وقرصان هنا لا تعنى اللص وليست الصورة السيئة التي تقدمها السينما لشخصية القراصنة، وإنما كان نوع مما يمكن تسميته الميليشات البحرية أو المتطوعين، بمعنى قوات بحرية يقودها ويعمل فيها ولكن لا تنتمي رسميا إلى القوات الحكومية التي تسيطر عليها الدولة العثمانية ومهمة القراصنة كانت مهاجمة القوات البحرية الصليبية المعادية في أي مكان محتمل.
والجدير بالذكر أن عمل القراصنة أدي دور رائع في إنقاذ حياة المسلمين في الأندلس والمحافظة عليهم عندما غادروا إسبانيا مطرودين أو فارين وكان دور القراصنة حماية سفن ومراكب المهاجرين الفارين والمهمة الثانية إيجاد مأوي لهم وكان هذا المأوي على الساحل الجزائري في مكان ما وعندما تكاثر المهاجرون أطلقوا عليه أسم المأوي اسم البليدة وهي مدينة البليدة الجزائرية المشهورة الآن.
اشترك الريس كمال في نصرة مسلمي الأندلس وقاد سفنا عثمانية متطوعة لذلك توجه بها إلى غرب المتوسط عام 1487م واشترك الريس بيرى مع عمه كمال في عملياته البحرية وفي الاستيلاء على بعض المؤاني والإغارة على سواحل جنوب فرنسا وسردينيا وكورسيكا.
ولما مات الريس كمال خلفه خير الدين الذي تمكن من الاستيلاء على مركب فرنسي كبير أرسله هديه إلى إستانبول وكان يقوده الريس بيري الذي نال إعجاب السلطان بايزيد الثاني في ذلك الوقت.

الريس بيري بمصر

أشترك بيري في العمليات العسكرية للدولة أثناء الحرب العثمانية المملوكية التي قادها السلطان سليم الأول عامي 1516 -1517م وفي الفتح العثماني لمصر ظهرت عبقريته الجغرافية في رسمه خريطة لمصب نهر النيل.
وعندما توجه الصدر الأعظم العثماني إبراهيم باشا إلى مصر، لكي يحل الخلاف الذي قام بين والي مصر ودفتر دارها عام 930 هـ 1524 م تحرك من العاصمة العثمانية بأسطول مكون من عشر سفن حربية وكان بيري المرشد له ولم يتمكن الأسطول من الوصول بسبب العواصف فاتخذوا طريق البر وكانت فرصة لبيري ليعرض على الصدر الأعظم أعماله العلمية بشكل مباشر ومنها كتابه المشهور “كتاب البحرية” ويشرح له قيمته العلمية ويسرت له هذه الفرصة فيما بعد مقابلة السلطان سليمان القانوني إذا توسط له في ذلك إبراهيم باشا عندما أنجز بيري الكتاب عام 1526-1527م.

خطأ قاتل

تم تعيين بيري قائدا للقوات البحرية المصرية العثمانية وكان هذا التعيين عام 1547م بهدف القضاء على سيطرة البرتغاليين البحرية، فأبحر من ميناء السويس عام 1551م وفتح ميناء عدن وأستولى على قلعتها بعد هجوم بحري عنيف، وبعد هذا النجاح تولى قيادة 30 سفينة من مختلف الأحجام من أسطول مصر البحري وتوجه بها إلى جدة ثم عدن ثم تمكن من فتح قلعة مسقط ثم حاصر هرمز حصارا شديدا ولكنه لم يتمكن من فتحها، قام الريس بيري بأسطوله هذا من مياه هرمز إلى البصرة ومكث هناك مدة وإذ به يعلم فجأة أن الأسطول البرتغالي في طريقة إلى البصرة ولم يكن يتوقع ذلك ولم يكن لديه القوة البحرية الكافية لمواجهة الهجوم فأسرع بالانسحاب من مياه البصرة بثلاث سفن كانت هي القريبة منه ولم يتمكن من استدعاء باقي السفن في الخليج، وكان هدفه الانسحاب بالسفن سريعا قبل وصول البرتغاليين بأسطولهم الكبير وفي الطريق تحطمت واحدة من الثلاث سفن وعاد إلى مصر بسفينتين فقط هما كل ما تبقى من أسطوله الذي تركه بالخليج.
أرسل قوباذ باشا والي البصرة رسالة إلى والى مصر يخبره بالواقعة وبان الريس ترك السفن الباقية تواجه مصيرها في مياه الخليج وقام والى مصر بدورها بإبلاغ النبأ إلى العاصمة إستانبول وشرح كل أسباب النكسة. وجاء رد إستانبول بأمر السلطان سليمان القانوني بدق عنق قائد البحرية الريس وتصادر كل ثروته لصالح بيت المال وعلى ذلك أعدم في ديوان مصر عام 960 هـ.

بيري عالم جغرافي

يعتبر بيري رائد من رواد رسم الخرائط في الأدب الجغرافي العثماني وله في هذا المضمار خريطتان هامتان الأولي لإسبانيا وغرب إفريقيا والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية من الأميركيتين وهذه قدمها إلى السلطان سليم الأول في مصر عام 1517م وموجودة الآن في متحف طويقبو في إستانبول بمقاس 60 × 85 سم وعليها توقيع الريس.
والجدير بالذكر إن الخريطة التي رسمها الريس بيري لأمريكا هي الخريطة الأولى لها. ونذكر هنا أنه بتاريخ 26 أغسطس عام 1956 عقدت في جامعة جورج تاون الأمريكية ندوة إذاعية عن خرائط الريس بيري اتفق الجغرافيين المشتركين فيها بأن خرائط بيري لأمريكا “اكتشاف خارق للعادة”.
وقد كان الريس بيري على معرفة بوجود أميركا قبل اكتشافها ويقول في كتاب البحرية “إن بحر المغرب -يقصد المحيط الأطلسي- بحر عظيم يمتد بعرض 2000 ميل تجاه الغرب من بوغار سبته وفي طرق هذا البحر العظيم توجد قارة هي قارة أنتيليا”.
وتعتبر قارة أنتيليا هي الدنيا الجديدة أو أميركا وقد كتب الريس أن هذه القارة أكتشفت عام 870 هـ 1465 م أي قبل اكتشاف كولومبس بحوالي 27 عاما.
وجدير بالذكر أن رودريكو خادم الريس كمال عم بيري والذي قدم خدمات لكريستوفر كولوميس وهو صاحبه في رحلته المشهورة وقف يتوسط بين كولومبس وبحارته الذين أرادوا الاعتداء عليه بعد اليأس الذي أصابهم في البحث عن أميركا وقال في حديثه :”… أثق أننا لابد أن نصل هنا إلى الأرض التي نبحث عنها ذلك لأن البحارة العثمانيين لا يقدمون معلومات خاطئة ولايكذبون” وبالفعل وبعد ثلاثة أيام من هذا الحديث عثروا على الأرض وكانت أميركا.

كتاب البحرية

كتب بيري كتاب البحرية عام 1521م ثم وسعه وأضاف عليه حتى عام 1525 وقدمه للسلطان سليمان القانوني وهو كتاب يمثل في أساسه أطلس ملاحي إلا انه كان يستهدف دليل للملاحة في بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط وان يكون المرشد في معرفة المواضع المبينة على الخارطات، وفي الكتاب يقدم وصفا لجميع السواحل مع بيان التيارات والشعب والمراسي والخلجان والمرافئ ومنابع المياه العذبة والمواضع المحصنة والقلاع وقد احدث هذا الكتاب صيتا واسعا في الأدب الجغرافي حيث يحمل تجربة عمرها ثلاثين عاما مع البحار ولقد أثار كتاب البحرية بصفحاته البالغة 743 صفحة والذي وضع أسم الريس بيري بين أسماء أعظم الجغرافيين في التاريخ أثار بما فيه من معلومات وخرائط دقيقة دهشة المعاصرين من علماء الجغرافيا في أميركا وأوربا بما فيه من معلومات أكد العلم المعاصر صحتها، ومنهم أرلنجتون هـ.ماللري وكذلك والترز المتخصص في الخرائط في الأسطول الأمريكي، والراهب الجزويتي لاين هام مدير مركز الأرصاد في ويستون وأخيرا إريك فون دانكين مؤلف رواية “عربات الآلهة” بقوله :”بمقارنة الصور الأرض التي تم التقاطها من مركبات الفضاء في القرن العشرين بالخرائط التي رسمها القائد البحري العثماني الريس بيري في البدايات المبكرة للقرن السادس عشر اتضح التشابه المذهل بين صور مركبات الفضاء وبين خرائط بيري”.